الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القاء الحواري بين عمرو موسى وأهداف سويف بالجامعة الأميركية مُخيِّب للآمال

أسامة عرابي
(Osama Shehata Orabi Mahmoud)

2023 / 11 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


اللقاء الحواري بين عمرو موسى وأهداف سويف بالجامعة الأميركية مخيِّب للآمال
جاء اللقاء المفتوح الذي عُقد بعنوان "مستقبل القضية الفلسطينية ما بعد 7 أكتوبر"، بتنظيمٍ من (مركز حلول للسياسات البديلة) بالجامعة الأمريكية بالقاهرة؛ لمناقشة تداعيات أحداث يوم السابع من أكتوبر، وما تلاها من حرب إسرائيلية مدمِّرة على غزة؛ وتأثيرها على مستقبل القضية الفلسطينية داخليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، وذلك في ذكرى اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، جاء – في الحقيقة – مخيِّبًا للآمال، ولم يُثرْ أيًّا من القضايا الملحَّة التي تتعلق بأمِّ القضايا العربية، وعمليات تهميشها إلى الحدِّ الذي لم تعدْ فيه حائطَ صدٍّ أمام قيام عدد من الأنظمة العربية بتطبيع علاقاتها مع الكِيان الصَّهيوني.
وبدت السيدة أهداف سويف ضعيفة سياسيًّا، ومحاورة متواضعة المستوى، لم تستعدّ جيِّدًا لتتابعَ التطورات الأخيرة التي تُؤشِّر إلى مرحلة جديدة من النكبة الفلسطينية المستمرَّة منذ خمسة وسبعين عامًا، في ظلِّ شروط انهيار عربيٍّ شامل، وتراجع للقضية الفسطينية على المستويات كافَّة.
وتركت أهداف سويف عمرو موسى يقول ما يشاء وفق حساباته الخاصة، وحساسية علاقاته بالنظام، حتى إنها مرَّرت امتداحه للموقف المصري بشأن رفضه سيناريو توطين الآلاف من فلسطينيي غزة في العريش شماليْ شبه جزيرة سيناء، من دون أن تُعرِّجَ على ما جاء في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عُقد بالقاهرة وشارك فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيث ورئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو الجمعة 24/11، وتصريح السيسي الخطير:"قلنا إننا مستعدون لأن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح، وأيضًا هناك ضمانات بقوات، سواء هذه القوات من الناتو أو قوات من الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أمريكية مثل ما تروْنه مناسبًا؛ حتى نحقق الأمن لكلتا الدولتيْن؛ الدولة الفلسطينية الوليدة والدولة الإسرائيلية".
وكان حريًّا بالسيدة سويف لو كانت قد ذاكرت جيِّدًا قبل لقائها الحواري هذا، أن تلفت الانتباه إلى أن "نزع السلاح" الذي يهدف إلى منع تطور التهديدات العسكرية ضد إسرائيل، بما في ذلك الحرب التقليدية وحرب العصابات، وعبر أراضي السلطة الفلسطينية والدولة الفلسطينية المرتقبة، كان مطلبًا إسرائيليًّا منذ إعلان المبادئ عام 1993 الذي كان بمثابة الأساس لمعاهدة أوسلو وإنشاء سلطة الحكم الذاتي الإداري المنقوص، من دون المسِّ بالتوسع الاستعماري الاستيطاني. الأمر الذي يتناغم مع مبادرة جون كيري وزير الخارجية الأميركي الأسبق التي طرحها في "مؤتمر العقبة الأردني عام 2016" الذي شاركت فيه مصر والأردن وإسرائيل، وغُيِّب فيه محمود عباس اتساقًا مع محاولات إسرائيل تكريس زعمها القائل إنه لا يوجد شريك فلسطيني في المفاوضات من أجل التوصل إلى حل وسط تاريخي، ودعت فيه - مبادرة جون كيري- إلى الاعتراف بيهودية الدولة، وتصفية مشروع الدولتيْن، وشرعنة الاستيطان..وهو ما يعني منح الفلسطينيين "أقل من دولة"، بعد أن تستحوذ إسرائيل على أكبر مساحة من أرض الضفة الغربية والقدس الشرقية، وحصر الفلسطينيين في معازل مُقلَّصة لا تستطيع بدورها تشكيل دولة قابلة للحياة.لذا سعت إسرائيل جاهدة إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وإقرار مستقبليْن منفصليْن لكلٍّ منهما عبر المشروع السياسي الذي طرحه ونفَّذه أرئيل شارون.ثم أتت عملية "طوفان الأقصى" البطولية لتؤكِّد ما كشفت عنه الوثائق البريطانية أخيرًا عن وجود خطة إسرائيلية وضعت في أوائل سبتمبر عام 1971 رمت إلى التخلص من سكان قطاع غزة والقطاع في حد ذاته، وإلقاء مسئولية إدارة القطاع على عاتق أطراف أخرى، على رأسها مصر والأردن، وهو ما برز في مقال السفير الإسرائيلي الأسبق في القاهرة، يتسحاق ليفانون، نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية؛ حيث دعا مصر إلى ما وصفه بـ"تحمل المسئولية في قطاع غزة بعد الانتهاء من الحرب مؤقتًا"، على غرار "الانتداب البريطاني والفرنسي" في القرن الماضي.
كما تصاعدت بعض التلميحات الإسرائيلية عن الضفة الغربية والأردن في إطار سيناريو مشابه للسيناريو المصري.
لهذا نرى أن الحديث عن إشراف مصري على قطاع غزة، أي تولي القاهرة لمسئولية القطاع؛ ومن ثَمَّ حماية إسرائيل من أي أخطار قد تأتي من تلك المنطقة، لا يبتعد كثيرًا عن سيناريو التوطين في سيناء، بل ربما يكون طريقًا ملتفًّا للعودة إلى هذا السيناريو.
وما يعزِّز طرح هذا التساؤل بصورة قوية، ما باتَ يتردَّد بقوَّةٍ في الأيام الأخيرة عن عزم الأوروبيين تقديم مساعدات واستثمارات تقدَّر بعشرة مليارات دولار إلى مصر، أي أضعاف قرض صندوق النقد الدولي الذي تمَّ تجميده لعدم التزام القاهرة بشروطه.

ثمَّ قام صندوق النقد الدولي، نفسه، بانقلاب كبير على موقفه السابق، معلنًا أنه يبحث زيادة حجم القرض الذي سيقدمه لمصر، وشطب ديون مصر كلها في ظل كوارث الإبادة الجماعية الدائرة في غزة.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن يتعلق لا شكَّ بالمبرِّر الذي دعا إلى تقديم هذه المساعدات التي يَعد الجميع بها مصر، وهل هي لحمايتها من أخطار حرب غزة، أم أنها مقابل أن تلعب القاهرة دورًا في تنفيذ السيناريوهات المذكورة سواء سيناريو الانتداب أو سيناريو التوطين؟
وربما تُذكرنا هذه التطورات المتسارعة بالموقف المصري في 22 من ديسمبرعام 2016 حين قدَّمت القاهرة مشروع القرار 2334 الذي كان يُطالب إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية المستوطنات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي المحتلَّة منذ عام 1967، فطلب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من مصر سحب مشروع القرار، فانصاعت لأمره. لكن القيادة الفلسطينية رفضت التأجيل المصري لطرح مشروع القرار، وعثرت على رُعاةٍ آخرين له (نيوزيلندا والسنغال وفنزويلا وماليزيا)؛ وهو ما يُميط اللثام عمَّا يجري من تنسيقٍ أو توزيعٍ للأدوار بين بعض الأطراف ليخدم – في التحليل الأخير- مصالح إسرائيل.
غير أن أعجب ما طرحه عمرو موسى في هذا اللقاء الحواري، هو أنه لا محيد ولا مَعْدى من إجراء انتخابات في إسرائيل، وأخرى في فلسطين تأتي بقيادتيْن جديدتيْن؛ توطئةً لإيجاد الأرضية المشتركة للتفاوض على أساس حل الدولتيْن.فهل الإجماع الصَّهيوني المتمسك في جوهره بالمشروع الصهيوني الاستيطاني لتعميق الاحتلال وبتفوق إسرائيل العسكري؛ ليُتركَ الكِيان الفلسطيني المحتمل إنشاؤه دون سلطة على نقاط الدخول والخروج؛ ومن ثَمَّ تُستثنى السيادة، هل سيسمح بتغييرٍ ما في إطار الحلّ الذي تسعى إليه إسرائيل دومًا بضمِّ أكثر من نصف الضفة الغربية، بما فيها القدس والأغوار، وإبقاء السيطرة على المعابر والمياه الإقليمية والقضاء والأمن في يدها، ومنح الفلسطينيين كِيانًا في جزء صغير من الضفة، وعاصمة في إحدى ضواحيها ؟
ونذكر في هذا الصدد، ما قام به الرئيس محمود عباس من تأجيل للانتخابات التشريعية التي كان من المتوقع عقدها في مايو/أيار 2021، بعد آخر انتخابات فلسطينية أجريت عام 2006 وسط خلاف بشأن حقوق التصويت.
وقال عباس إن الانتخابات لا يمكن أن تُجرى إلا إذا سمحت إسرائيل للفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة بالتصويت.
وتساءل الفلسطينيون عما إذا كان التأجيل ذريعة لإلغاء الانتخابات، بينما طالب آخرون باستمرار الضغط على إسرائيل، مستنكرين أن تتم انتخابات بإذن من الاحتلال.

حقًّا لقد أعاقت عملية "طوفان الأقصى" البطولية الفكرة التي جَهِدت إسرائيل في ترسيخها ومفادها أنها - أي إسرائيل – ليست المشكلة في المِنطقة، وإنما في الإرهاب الإسلامي وإيران، وأن لدى الدول العربية مصالح مشتركة مع إسرائيل في مواجهة التهديدات المشتركة. بل أكَّدت عملية طوفان الأقصى المؤكَّد من أن الكِيان الصَّهيوني وحلفاءه من أنظمة التبعية العربية هم العدو الأول للشعوب العربية، وأن التناقض الأساسي هو بين المشروع الصَّهيوني وبين مصالح الشعوب العربية. ومن ثمَّ؛ فإن وضع المستعمِرين الصهاينة في فلسطين هو موضوعيًّا وضع عرقي معادٍ للعرب، استعماري قمعي يخدم الإمبريالية مباشرة.
لذا يتعيَّن بلورة مشروع وطني يستعيد القضية الفلسطينية كقضية تحرُّر وطني، ويؤسِّس لمقاومة مديدة تنطلق من مبدأ محوري لا تنازل عنه مؤداه العمل على إنهاء الاحتلال عبر أشكال متعددة منها المقاومة والنضال الجماهيري، وإقامة تحالفات تتجاوز أي فعل سياسي رسمي فوقي، ويجعل كُلفة الاحتلال باهظة: سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، وإنجاز الوحدة الفلسطينية، وإعادة الاعتبار للغة الحقوق المدنية والمساواة والعدل، وأن تكون فلسطين أولًا وأخيرًا هي بوابة الحل في مواجهة محاولات تهميشها، وجعل التطبيع مع العالم العربي هو المدخل لحل القضية الفلسطينية، أي القبول بالأمر الواقع المفروض عَنوةً واقتدارًا بتسويات سياسية مجحفة بحقوقنا التاريخية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت


.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا




.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و


.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن




.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا