الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرس النبي*

حدريوي مصطفى (العبدي)
(( Hadrioui Mostafa ( El Abdi)

2023 / 11 / 29
الادب والفن


من حيث لا مكان أتت كالقدر! و حطت فوق تليْلة من العصر الجوراسي، تسلقت شجيرة زيتون و اندست بين فروعها.
طائر الدوري المعترش فرع شجرة تين بالجوار لمحها أسلفه وهي تدب برجليها الرفيعتين، مادة يديها المنشاريتين أمامها كما الشأن عند "ت. ريكس"** فسال لعابه عليها، لكنه استكبرها كفريسة! فصرف اهتمامه عنها، إنها تضاهيه حجما، و تضارعه قوة!.
أخذت الوافدة تدير رأسها التليسكوبي في كل اتجاه و معه عينيها الكبيرتين يمنة و يسرة تستطلع المكان، لما استحسنته و استأمنته، فردت جناحيها الشفيفتين للنسيم! كاشفة عن بطنها الأخضر انتشاءً؛ عندئذ خلخل بدنها اللحيم في أعماق الطوير غزيرة الافتراس و الذود على المكان فانقض من علا عليها، لكنها لمحت ظلاله فراغت قليلا ليقع أمامها، لحظتها غرزت بين ضلوعه حربتيْها وعصرته عصرا بين ذراعيها المسننتين، فانتفض من الألم بكل ما له من قوى مرفرفا تاركا لها بعضا من ريشه...
أنا المتابع الأحداث عن بعد من وراء زجاج نافذتي ازداد فضولي لما يدور حولي فتجهزت بمنظاري المزدوج الرؤية، وعدلت بؤرته لتكون الشجرة خلفية والغولة وسطا..
من خلال العدستين بدت ـ الملعونة ـ و كأنها تنظر إلي بعينيها الواسعتين، و قد توسط كلا منهما بؤبؤ زئبقيّ بحجم نقطة! بؤبؤ لا يتوقف عن الحركة، يقطع قطر العين جيئة و ذهابا في لمح البصر دون أن تحرك رأسها المثلثيّ الأملس، القبيح!
مشدوها بشكلها، بحجمها، بقوتها .. فاتني حدث انقضاضها على جرادة ساقتها الظروف بين كماشتيها، لكن، تابعت بامتعاض هلاك الجرادة وهي تقضمها شلوا، شلوا! مبتدئة برأسها، إلى أن ابتلعتها كلها و ما عفت إلا على أطرافها وأجنحتها التي تطايرت و تيار النسيم! لم تتوقف، بل تقدمت إلى عش يساريع كان على مقربة منها وجعلت تلتهمها الواحد تلو الأخر وكأن بطنها هاوية بلا قرار!
وسّعت إطار الرؤية إذِ افتكرت طوير الدوري، فوجدته قد عاد إلى مكان اعتراشه يراقب غريمته؛ لم يكن في تمام صفاء مزاجه، وإنما بدا ممتعضا مثلي! مضطربا، مرتجفا يكاد الفرق أن يأتي عليه، و بين حين وآخر كان يفرد جناحيه هنيهة ويقبضهما لعله يحاوله أن يتيقن أنه حر، وسليم!
وكلته طرفة عين لنفسه، وحين عدت ..لم أجده!.
بحثت عنه بعيني المجردة فلمحته قادما من بين الغمام هاويا كهيثم لحظة مطاردة، بل كصاروخ! قاصدا الوافدة الجديدة.
عبر رؤية مُكبّرة، رأيته يصدمها لتسقط أرضا فوق منحدر التليلة؛ المستوى المائل جعلها تتدحرج، ثم تقف على رجليها سالمة معافة؛ جسمها المذرع حماها من الصدمة والسقوط.
وجدت نفسها في عين قرية نمل، ومحاطة ببعض منه فشرعت، تفك الرؤوس وتمضغ الجذوع بنهم رغم تخمتها!
ضاعت فرمونات الموت في الأرجاء! فبدأت الغيران تنزف نملا؛ النمل صار أرتالا تشد رحالها صوب الغولة! في لمح البصر صار الكائن الشائه في خبر كان! أجزاءً محمولة على الأعناق صوب الغيران، بينما بات طوير الدوري أكثر هدوءً فوق مجثمه رغم خواء بطنه و آلام ندب اعتلى جؤجؤه!
|
*حشرة معروفة mante religieuse
** ت.ريكس نوع من الديناصورات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام