الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفارق الجوهري بين السياسية والانتقام حرب حماس وإسرائيل نموذجاً

آزاد أحمد علي

2023 / 11 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


عندما تشتد الأزمات وتتوافر موضوعياً ظروف التغيير، وتتزايد فرص تغيير الأنظمة السياسية، وكذلك يتعمق وعي الشعوب والطبقات الاجتماعية المقهورة لذاتها، وتدرك واجبها في الاصرار على المطالبة بحقوقها في ذلك المنعطف، عندئذ تتحرك القوى الحاكمة وتستنفر كل طاقاتها ومؤسساتها لتمارس السياسة والعنف معاً، لتقلل من فرص نجاح المطالبين، وتشتيت صفوف الحركات الاحتجاجية ضدها. فتتجه وتتحرك على مسارين، الأول دفع هذه الحركات نحو ذروة الانتفاض لكي تقوم بحركات عصيان مسلح، وتوفير السبل لها بشتى الوسائل لتحقيق ذلك، كما حدثت للانتفاضة السورية بين عامي 2011 و2012، بهدف جرها الى حلبة الصراع العسكري، التي هي من اختصاص الدول، والحكومات العسكرية المستبدة على وجه الخصوص، لأن الأنظمة المتحكمة بالدول هي وحدها القادرة على حسم المعركة العسكرية لصالحها، وقد تدعوا النظم السياسية الحاكمة المعارضة الى الحوار تالياً. وهي بذلك تمارس السياسة كونها أيضاً أقدر على ممارستها، والتحكم بمساراتها بقوة مؤسساتها وخبرائها، وترجح النجاح بفضل تجاربها المختزنة والمتراكمة. في حين تفتقر المجموعات المعارضة، أو حتى ممثلي حركات تحرر الشعوب المضطهدة الى الحنكة السياسية والى المؤسسات القادرة على تقييم الوضع بدقة، فيجنحون إلى تجنب الحوار السياسي. خاصة عندما يبرز على الساحة عدد من الشخصيات من الذين يقدمون أنفسهم كرجال شجعان وقادة بواسل سيقودون الجماهير بالمواقف المتشددة نحو النصر المؤزر. يترافق كل ذلك مع ضخ إعلامي لجهات دولية ذات علاقة ومصلحة بالموضع، وهي جهات تمرست في استغلال قضايا الشعوب المستلبة الحقوق، وتوظيفها لأجنداتها الخاصة عند المنعطفات. حتى تتهيج العاطفة، ويزداد قوة التيار الذي يرفض الحوار، ويصفون كل من يدعوا إليه بأنهم متخاذلون ويفوتون الفرصة التاريخية نحو النصر المؤكد. في الواقع ينسفون بهذه المواقف الأرضية السليمة للحوار، ناسين أن فرصة الحوار هي وحدها المضمونة والملموسة، وهي وحدها من ثمار الظرف الثوري، أو الواقع الذي أنتجه نضالات الجماهير، تلك التي تتجسد في فتح فرصة الحوار قبل أي منجز آخر، والتي ينبغي عدم تفويتها، بصفتها مكسباً بذاته.
ان الميل الجماهيري الشعبوي العام لترجيح الحلول العسكرية، أو تفضيل القطيعة مع الجهات التي ينبغي أخذ الحقوق منها، هي في الجوهر تعبير فاقع عن تدني مستوى الوعي السياسي في المقام الأول، ودليل قلة الخبرة، وتالياً هي تجسيد وترجمة لحالة اجتماعية بدائية، تنتمي الى مرحلة ما قبل المجتمعات المدنية، حالة تنطوي عن مكنونات وسلوكيات عشائرية تحن الى ممارسة الانتقام بصيغتها العشائرية، وتحبذ الحصول على الحق عن طريق القوة الصلبة وعبر الانتقام، تنزع وتميل الى تسجيل البطولات، لاستعادة البطولات التاريخية المفقودة، واستلهام النجاحات من الماض (المجيد). وهذه السلوكية غير السياسية هي في الجوهر، وبصيغة ما: حالة تعطش وخلل للتعويض عن ما تعرضت لها الجماهير من خسائر، وما عانته من ظلم وعدوان نتيجة جور القوى الحاكمة المستبدة منذ أمد بعيد.
لذلك وبناء على هذا الافتراض، ينبغي الاصرار على التمسك بمنهج الحوار السياسي لحل أعقد المشكلات والقضايا، لأن الحوار هي الأداة المعاصرة الفعالة لممارسة السياسة، سواء تمخضت عن تأمين الحقوق أم لا، فهي تؤسس على الأقل لمرحلة سياسية ومشتركات مدنية ستفضي بالضرورة الى تأسيس علاقات أكثر إنسانية وأكثر عدلاً، وأقل عنفاً، وستنتشل المجتمعات من بين أحابيل وسلوكيات المجتمعات ما قبل المدنية ذات النزعات الانتقامية والثأرية. وصولاً إلى تجاوز أساطير البطولات الثورية وأوهامها التي لم تعد مثمرة، وغير قابلة للتعايش مع معطيات الواقع بكل تشابكاته وتعقيداته. كما تساهم سياسات الحوار السلمية في سحب البساط من تحت أقدام الأنظمة الاستبدادية، وتقلل حججها في ممارسة العنف، ومن هذه الزاوية يعد التمسك بمنهج الحوار من بين المعايير التي تقاس بها مستوى ودرجة الوعي السياسي والنضوج للأفراد والمنظمات السياسية.
وكمثال عياني آخر ما يحدث في غزة ليست حرباً فحسب، بقدر ما هي امتداد واستطالة صريحة للفكر الانتقامي، فقد صرح قادة حماس إنهم (باغتوا) العدو الإسرائيلي في 7 أكتوبر للثأر والانتقام من ما اقترفوه بحق الفلسطينيين. كما جاء الرد العسكري الإسرائيلي أكثر عنفاً وانتقاما، لأن إسرائيل هي في الجوهر مشروع (انتقام)، ونتاج النزعة الثأرية في التاريخ، فهي ستنتقم باستمرار، خاصة عند توفير الحجج والمبررات لها. لذلك تدفع المجتمعات المدنية المسالمة في المحصلة ثمن هذه السياسات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24