الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وَاجِمًا تُكَلِّمُ آلِعِنَاااازَ عَيْنَااهُ

عبد الله خطوري

2023 / 11 / 29
الادب والفن


إنه لها، هذا الزوج من كل شيء بهيج، لمريم وحدها لخالتي .. هكذا عزمتُ في قرارتي .. ولمحتُهُ يرتع يلعب بمعية أخته .. أشرتُ لهما من بعيد .. لوحتِ آلفتاة يديْها وآقتصر (سيعْلِي) علَى متابعة القطيع الصغير يرشقه حجارةً وما صادفَتْ يُمناه من الخشاش ...

_آهْدَا آهْدَااا ...

عبثا حاوَلَتِ الأخت ثنيَه عن حركاته الخرقاء .. هُوَ أرعَنُ حَيويٌّ شقي مُشاغبُ صامتٌ واجمٌ هادئ يتأمل يُكلم عِنازًا تكلمُه .. انحدرْتُ، وإذِ آقتربتُ منهما تساءَلْتُ في سريرتي .. هل أخاطبُه ؟ هل أفاتحُه ؟هل أناجيه وأقول ما يجول في خاطري ؟ هل أكلمُه مباشرة ؟ هل أستفردُ به ؟؟ لَمْ يكن يبالي بمروري أمامه كأنني لا أعني شيئا له، كأنه نسيَ ما وقع صباحا وأمسِ، كأنه نَسِيَ مكوثه الذي كان يمكن أن يستغرق مدة أطول في تلك الحفرة الملعونة بعد وقوعه في قعرها لولا .. وَ .. رميتُ بما كان ينبغي أن أقوله في الهواء مُدَندنا بَوْحِي بلحن مضطرب ألفظه كيفما آتفق أعيدُه بطريقة أتأكدُ من بلوغه أذنيْه دون جدوى .. كان أصما صلبا غاطسا يُقلب ما يقلب بين يديه غير مبال .. ضربتُ صفحا عن الفكرة وأكملتُ طريقي مُسرعا أصعدُ عقبةً أخرى تُوصلني إلى شجرة ( أسَكْلو نايْتْ عيادْ) (١) .. وقفتُ أتفيـأُ ظلها أرنو إلى آلأسفل .. غابتِ الأخت داخل ما يشبه واد جاف، وظَلَّ هو مكانه .. قام مِن قعدته .. استدار .. التف لَفّات عديدة ثم جمد جسمُه كله إلا حركات يديه جعل يلوح بهما إلى شيء ما .. تبعَتْ عيناي إشارتَه، فلم تَـرَيَـا غير دُورٍ متربة رابضة مكانها كعهدها أمس وقبل أمسِ .. ظل كذلك هنيهات غير وجيزة .. ثم شرع يصيح ...

_خْدِيجا خْدِيجا ... (٢)

إبهامه يومئ جهة أخَّامْ دار (نايت عيادْ) الآيل للإهمال، غادره أهله الآن .. انقضى عهد الناقوس الذي كان يصلصل في بوابته .. رحل مَنْ رحل مات من مات، ولم يعد يُستعمل المنزل إلا في تخزين التبن للبهائم ومبيتها .. ما تُرى يكون هناك ليومئ إليه سِيعْلي ؟ ماذا يقصد ؟ إلامَ توحي إشارته، وهذا الاسم الذي يردده من جديد .. لا، ليست إذًا أخته المقصودة بالنداء مادامت تتتواجد معه في المَرْج يسرحان سوية ..

_دَكْجَمَّــــــااااطِينْ ... (٣)

طفق يكمل الصياحَ ...

_زْدَفَّر لَمْلَامَـا ... (٤)

ازدادَ الصوتُ ضِـراما ...

_زْدَفَّرْ تْغَرْضِينْ .. أجَنَّا خْ يِيشْ ... (٥)

بدأ يهتز يرتعش ...

_زْدَفَّرْ يِيشْ مَــلُّـو لَبْشَمْ ... (٦)

سَقط أرضا يترنح يتمرغ يصيح ...

_لَاعْرِي نْ لَجْدودْ خْديجا خْديجا آلِييْ تاسِيرْتْ وَامَانْ سِيوَلْ سَالِيتْ خْدِيجَا آدَشْ تَنْعَتْ تَلَّلا تَزْرَى كُولْشي ... (٧)

لم أتكلم .. احتضنْتُ جذع الشجرة مستغربا خائفا مأخوذا مما تسمع أذناي وترى العينان .. ماذا يقع ؟ لِمَ كل هذه الجلبة لِمَ كل هذا الاستنفار ؟ أَ قَالَ ما قال حقيقة أم هي أوهااام وساوس أراها أسمعها ؟؟ كان كلامه مُبينا رغم ضراوة زلزلته .. ظل واضحا رغم الرعشات والارتدادات دون فأفأة دون عَيٍّ في النبرات ..
أ سَمعه أحد ؟ أخته ؟ أمه ؟ ومَنْ بالجوار أمْ أني أسمعُ وحدي ما يفوه به لسانه ما تتزلزل به الشفتان ؟؟ خفتُ .. أردتُ النزول إليه، لكن أخته سرعان ما لاحظتِ الموقف المباغتَ فأسرعَتْ تُنهضه مؤنبة تنفض عنه الأتربة والخشاش ...

_مِيغْ أوتَرِّيتْ البالْ ايخْفَنَّشْ لَبْدَا طُوطِيتْ .. يَاكْ نيغَاشْ رْسَاشْ قالَنَغْ زي الهبالْ ...(٨)

وإذا به يقظا نشيطا مستوي القامة رغم الظهر المنحني .. قامَ تَحَرَّكَ أسرعَ نَـطَّ رمى حجارة تلو حجارة هش في وجه القطيع .. هُوووهْ .. طفق يُعيدُ يَصُوتُ يُجمجم بلا معنى كأن شيئا لم يكن .. أوووف .. أدَرْتُ ظهري .. انصرفتُ أهرعُ خشية يُعيدَ كَرّةَ آنفعالاته من جديد، فتسمع أذناي ما لا يفهمه العقل وتستوعبه مداركي الضيقة .. لقد صات بهرطقاته في وجهي مباشرة أمسِ وأنا أخرجه من سقطته من تلك الحفرة الملعونة .. لم أعد أطيق سماع ما يُفْهَمُ أو يُطاق .. تحركتُ أسرعتُ أستحث خطوي بعيدا لأتخلص من همهماته الصائخة.. التفتُ، لم أعد أرى طيفَه ولا طيف الفتاة .. مشيتُ قدامي أحك رأسي الساخنَ المصهَّدَ .. لقد غاب كل شيء أسفل الوادي، بيد أنَّ رجعَ الصدى تلك الثغرات من الكلمات البكماء المزلزلة المبهمة لا زال يقرع في أذني يحفر في قنة الرأس حُفَرا غائرة ..

_زْدَفَّرْ تْغَرْضِينْ .. مَلُّو لَبْشَمْ .. خْدِيجَا .. لَاعْرِي نلجدود .. سَااالْ .. سَاااااالْ ..

ما باله ما شأنه لِمَ هو لَاااغٍ صَمُوت واضح كطفل ملتبس كلغز كثير الترنح كثير الثبات كثير السقوط قوي رباطة الجأش شديد الجلبة عميق الهدوء ..
آيَمَّا رَااسي .. أوووف .. تبا .. وقررتُ أن أستفتحَ أحدهم في الموضوع لعله يجيبني أو يَهديني ....

☆إشارات :
١_أسَكلو نايتْ عيادْ : آسَكْلُو : الشجرة
من عادة البدو الأمازيغ نسبة ممتلكات الأشجار والأماكن الى أصحابها و(آيْتْ عياد) بمعنى (آل عياد) اسم عائلة ...
٢_خْديجا : تنطق بتسكين الخاء، هنا (سيعْلي) بتسكين العين ينادي على آسم أخته، ولكن يبدو أن المنادى عليه شخصا آخر غير أخته مما يضع الراوي في آلتباس من أمره ..
_أَخَّامْ : منزل
٣_دَكْجَمَّــــااااطِينْ : هنااااك بعييييدا
٤_زْدَفَّر لَمْلَامَـا : ورغء وهدة (لَمْلَاما)، و(لملاما) اسم مكان ...
٥_زْدَفَّرْ تْغَرْضِينْ .. أجَنَّا خْ يِيشْ : وراء الهضبات هنااااك أعلا الجبل
٦_زْدَفَّرْ يِيشْ مَــلُّـو لَبْشَمْ : وراء الجبل في عرصة (مَلُّو لبشم) وهو آسم مكان
٧_لَاعْري نلجْدودْ : سهول الأجداد
_آلِييْ : اصعَدْ
_تاسيرتْ وامانْ : طاحونة الماء
_آدَشْ تَنْعَتْ : سوف تخبركَ كل شيء
_سِيوَلْ سَالِيتْ خْديجا تَلَّلا تَزْرَى كولشي : تكلم معها اسألها إنها تعلم كل شيء
٨_مِيغْ أوتَرِّيتْ البالْ ايخْفَنَّشْ : ألا تراعي ألا تحتط لنفسك
_لَبْدَا طُوطِيتْ : ألا تكف عن عادة السقوط
_يَاكْ نيغَاشْ رْسَاشْ : ألم أعهد إليك أن تثبتَ مكانك قليلا
_قالَنَغْ زي الهبالْ : ألا تكف عن زيغك هذا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??


.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??




.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي


.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط




.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش