الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغرب وازدواجية المعايير

حسن مدن

2023 / 11 / 30
القضية الفلسطينية


أقام الغرب الدنيا وأقعدها، ولعله لم يقعدها بعد، ضد العملية العسكرية التي بدأتها روسيا قبل أكثر من عام في الأراضي الأوكرانية، وأقام هذا الغرب مناحة ما بعدها مناحة على ضحايا ما وصفوه بالعدوان الروسي، واتخذت، وما زالت تتخذ، العقوبات القاسية ضد روسيا، بسبب تلك الحرب، ووصل الأمر حدّ اصدار قرار بإحالة رئيسها فلاديمير بوتين، وهو زعيم دولة لها مكانتها الدولية المرموقة، إلى المحكمة الجنائية الدولية، وجرى تجميد الأرصدة المالية الروسية في البلدان الغربية، بما فيها أرصدة أثرياء روس، والتحفظ على ممتلكاتهم. وفي كلمات لم يبق وجه من أوجه العقوبة والحصارضد موسكو، قانونياً كان أو اقتصادياً أو سياسياً، إلا وشملته تلك التدابير.

ولكن لنرى موقف الغرب من العدوان الإسرائيلي الجاري على المدنيين في غزّة، حيث بلغ عدد القتلى منهم، حتى اللحظة، نحو خمسة عشر ألأف قتيل، والأرقام مرشحة للزيادة وربما إلى التضاعف، حكماً من مجريات العمليات العسكرية التي تشنّها إسرائيل على القطاع، ليلاً ونهاراً، هذا غير أضعاف هذا العدد من الجرحى والمصابين، والكثير منهم باصابات بليغة، في ظرف باتت فيه المستشفيات هناك عاجزة عن علاجهم إما بسبب تعرضها، هي الأخرى للقصف والتدمير، بل واحتلالها وطرد المرضى، بمن فيهم الأطفال الخدج، والكوادر الطبية منها أو بسبب انقطاع الطاقة والكهرباء، ونفاد الأدوية، فضلاً عن حجم الدمار المروع، حيث تحولت المباني المكتظة بالسكان إلى ركام بسبب القصف المستمر بالطائرات والصواريخ، ومع ذلك فإن هذا الغرب يقف موقف المتفرج مما يجري، بل ويجاهر بدعمه لإسرائيل في مواصلة حربها بحجة القضاء على "حماس"، فيما الضحايا هم مئات الألآف من الأطفال والنساء.

مناشدات تنضح بالرياء

حكماً مما نقرأه ونسمعه كل يوم، لا نجد سوى مناشدات خجولة تنضح بالرياء والزيف لحماية المدنيين الأبرياء من فلسطينيي غزة، دون اتخاذ أي اجراء رادع لإسرائيل للتوقف عما يرتكب من مذابح وتدمير للمباني والمستشفيات وتهجير المدنيين، وتعطيل دخول المساعدات الإنسانية التي أرسلتها دول عربية وغير عربية إلى مطار العريش في مصر، وتماطل إسرائيل في السماح لها بعبور معبر رفح نحو القطاع المنكوب، وأكثر من ذلك عطلت الولايات المتحدة، عبر استخدامها للفيتو أكثر من مرة، كل مشاريع القرارات المقدّمة لمجلس الأمن الدولي المطالبة بوقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعات الإنسانية.

داء إزدواجية المعايير الغربي ليس جديداً، لا نلحظه فقط عبر المقارنة في الموقف من حرب أوكرانيا والحرب على غزة، وإنما أيضاً في طريقة تعامل هذا الغرب مع هجوم حماس على غلاف غزّة في السابع من الشهر الماضي، وتعامله مع جرائم الحرب التي ترتكب كل ساعة في غزّة على مدار أسابيع.

الأذرع الرقمية والتضييق على دعم فلسطين

الدعم لا يقف الغرب في موقفه المتواطىء مع العدوان الصهيوني عند حدود الصمت على جرائمه، بل وتقديم العدّة والعتاد والأموال له، بل أن الأذرع الرقمية لهذا الغرب، من منصّات التواصل الاجتماعي، تتمادى في التضييق على المواقف الداعمة للحق الفلسطيني، والمنددة بالعدوان على غزّة، وحجب الكثير من المحتويات الحاملة لهذه المواقف، والحدّ من عدد متابعيها إلى أبعد الحدود، بل وإغلاق حسابات أصحابها، أو تهديدهم بذلك، وفي الأسابيع الأخيرة أعلنت شركة "ميتا" عن حذف أكثر من 795 ألف منشور باللغتين العربية والعبرية، وصفتها بأنها "مزعجة أو غير قانونية" لأنها نددت بحرب إسرائيل على غزّة، وجاء إعلان الشركة على خلفية توبيخ طالها من الاتحاد الأوروبي بسبب عدم معالجة ما وصفه ب"المعلومات المضللة" على منصاتها، وقالت "ميتا" إنها، وبعد العملية العسكرية لحركة "حماس" في السابع من هذا الشهر، "أزالت 7 أضعاف المحتوى الذي ينتهك سياساتها باللغتين العبرية والعربية مقارنة بالشهرين الماضيين".

بدوره وجد إيلون ماسك مالك منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، نفسه محمولاً على القيام بشيء مشابه بعد انتقادات حادة وجهها له الاتحاد الأوروبي أيضاً، ورغم إعلان الملياردير الأميركي تمسكه بمبدأ حرية التعبير وعدم حظر الحسابات على المنصة الشهيرة، لكنه لم يقو على مواجهة الانتقادات اللاذعة من قبل الأوروبيين، وأعلن إزالة "عشرات الآلاف" من المنشورات عقب الهجوم إياه.

في الحالين، حال "ميتا" و"إكس"، وربما غيرهما من وسائل التواصل، نحن إزاء غياب المعيار المتبع لتصنيف المنشورات على أنها داعمة لما يوصف بالإرهاب، حيث أن الحظر طال حسابات كثيرة يهمّ أصحابها، بدرجة أساسية، التعبير عن التضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة المقرّة دولياً، وهي أبعد ما تكون عن الخانة التي يتحدث عنها الاتحاد الأوروبي.

نعرض هذا على سبيل التمهيد لعرض محتوى تحذير وجهته رئيسة مشروع "موزيلا" الحر للبرمجيات ميتشيل بيكر من مخاطر وضع تطوير تقنية الذكاء الاصطناعي في أيدي عدد قليل من عمالقة التكنولوجيا فقط، ولا علاقة لتصريحها بما يجري في غزّة حالياً، لكنها دعت لإتاحة التحكم في بيانات التدريب ونتائج الوظائف الجديدة للذكاء الاصطناعي من قبل المستخدمين الأفراد والشركات لا أن يتم التحكم فيها بشكل مركزي من قبل عدد قليل من الشركات الكبرى، وهي شركات تعبر عن مصالح الطغم الرأسمالية الممسكة بمفاصل القرار السياسي في تلك الدول، والتي تجير هذه الوسائط كأدوات للهيمنة على العالم، وتنميط المواقف، وحجب كل ما يتصل بنصرة العدالة والحق، والتضييق على دعاته.

ومثلما غيّر الإنترنت العالم بشكل جذري وإلى الأبد، فإن بيكر ترجح أن يكون الذكاء الاصطناعي هو الذي سيحدد تكنولوجيا الجيل الحالي، مشيرة إلى أن فوائد الإنترنت وصلت إلى مليارات الأشخاص لأنه لم يتم السماح بقصر السيطرة على السوق لتكون في يد شركة أو شركتين كبيرتين، مستدركة بالقول إنه "وبنظرة إلى الوراء فإنه كانت هناك العديد من القرارات التي كان من شأنها أن تسهم بالمزيد لحماية المنافسة والخصوصية".

ما نشهده اليوم من تحكّم في محتوى ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيق سياسة الكيل بمعيارين في طبيعة العلاقة مع هذا المحتوى، ينبهان إلى التبعات السلبية لهيمنة من وصفتهم الخبيرة المذكورة بعمالقة التكنولوجيا، الذين هم في الحقيقة عمالقة الرأسمال في صوره الجديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا دعم الغرب المسلمين ضد الصرب ؟
منير كريم ( 2023 / 11 / 30 - 16:24 )
الاستاذ المحترم
لماذا دعم الغرب المسلمين ضد الصرب والكويت ضد العراق ؟
ولولا الغرب لابتلعت ايرانن دول الخليج
هذه امثلة بسيطة ضد ما تقول اذ نحن اعمانا العداء اللاعقلاني للغرب ونحن بدون الغرب لانوجد
واعمانا صراع الفلسطينيين العبثي ضد اسرائيل
السياسة مبنية على المصالح والتحالفات وتسودها البراجماتية واحيانا الميكافيلية
فلا توجد هذه المطلحات معايير وازدواجية معايير
هذه نظرة اتكالية مستمدة من الفقه الاسلامي التواكلي
الطرف الناجح هو الذي يختار تحالفاته ببراجماتية ناجعة وينحاز للديمقراطية بدلا من التعلق بالاوهام
شكرا لك


2 - لا تبديل لسنة الرأسمالية في خلقها
حميد فكري ( 2023 / 11 / 30 - 20:21 )
تحية للسيد حسن مدن
سياسة الكيل بمعيارين ، لها تفسير واحد لا غير : إذا وجد هذا الغرب ، مصلحة تمكنه من تأبيد سيطرته ، وهي بالنهاية ، مصلحة الطبقات الرأسمالية الإمبريالية فيه ، فإنه يدعمها بكل الوسائل ، حينها ترفع راية حقوق الإنسان ،والديموقراطية ، والقيم الإنسانية.
أما إذا لم يجدها - والأصح القول ، إذا كانت مصلحته لا تخدم تأبيد سيطرته تلك ، لأنه في جميع الأحوال ، توجد المصلحة - فإنه ينفض يده بكل سهولة .
هذه هي طبيعته المزدوجة ، ولا تبديل لسنة الرأسمالية في خلقها.


3 - تناقض المصالح والمبادئ يقع علينا
د. لبيب سلطان ( 2023 / 11 / 30 - 22:25 )
استاذنا الكاتب
مواقف الغرب ليست ازدواجية بل هي متجانسة مع مصالحها والتي تقول يجب مواجهة ايران وحزب الله وحماس ومنه يقف مع اسرائيل لوقف توسع ايران وحلفها مع بوتين وتشي بينغ..نحن الذين نتناقض في مصالحنا ونجعل قضايانا بيد دولية ومحلية الغرب ثم نطلب منه الوقوف معنا ..والا اصبح متناقضا مع مبادئه ..نعاديه ونطلب منه الوقوف معنا ..ونعادي حضارته ومبادئه ومنه نطلب تطبيقها..امر مضحك ..الأولى بنا اصلاح امورنا ..وايجاد قواسم مشتركة في المصالح وأولها اخراج القضية الفلسطيني من يد ايران وأذرعها وحلفاؤها الدوليين ..( وبالامس من يد النظم الديكتاتورية المتحالفة مع السوفيت ) عندها يمكن مطالبة الغرب بتطبيق مفاهيم الحضارة الغربية
في الحقوق ومفاهيم الحضارة والقوانين


4 - اين مصالحنا ؟ سؤال مغيب عن تحليل مؤدلجينا
د. لبيب سلطان ( 2023 / 12 / 1 - 08:36 )
الكل يعرف مصالحه الا نحن ..العرب ..وبدقة اكثر مؤدلجونا ..لم نراهم يوما يناقشون ويقيمون مصلحتنا في معاداة الغرب، ولماذا هي بالوقوف مع اعدائه.
الغرب يعرف مصالحه، يدعم اوكرانيا لمواجهة بوتين ويدعم اسرائيل لمواجهة توسع ايران حليفة بوتين ..والصهاينة يعرفون مصالحهم ..وايران تعرف مصالحها وكذلك بوتين يعرف..الوحيد الذي لايعرف هو نحن ..نتطوع للدفاع عن بوتين وننفذ خطط ايران .بأسم ضد الامبريالية والواقع هي اليوم ايران واردوغان وبوتين الامبريالية حقا (معناها التوسع الامبراطوري)، اين مصالحنا نحن ، ومع من ولماذا تختفي من النقاش والطرح، كل ما نراه هو الدفاع عن بوتين وعن ايران واذرعها ميليشيات تسيطرعلى 4 دول باسم المقاومة
اتحدى ان يستطيع مؤدلج عربي ان يوضح ما مصلحتنا كشعوب عربية،والقضية الفلسطينية في التحالف مع ايران وبوتين..فايران تريد بناء امبراطوريةعلى حساب 4 دول عربية بيافطة القضية الفلسطينية وتتحالف مع بوتين الذي بدوره يبني امبراطورية ..والمؤدلجون متطوعون لنصرتهما..ما مصلحتنا بنصرتهم؟ اتحدى اي مؤدلج ان يوضح، المهم عندهم هو
الصراع ضد الامبريالية (الايديولوجيا) فهي الأعلى ،وليست مصالحنا


5 - بايدن
د.قاسم الجلبي ( 2023 / 12 / 1 - 15:46 )
ذكر رئيس الولايات المتحدة بايدن،بعد حركة ٧-;-اكتوبر بقيام حركة حماس بالتوغل في اسرائيل،اعن الرئيس بايدن،الوقوف الى جانب اسرائيل وارسال البارجات الحربية للوقوف الى جانب اسرائيل من تحرك حزب الله في لبنان وايران،،قال بايدن لو لم تكن اسرائيل موجودة في الشرق الاوسط لخلقنا اسرائيل في المنطقة،وجود اسرائيل في منطقة الشرق الاوسط مع مساعدة الغرب لها ،هي لضرب الحركات الوطنية التقدمية،والدول التي لا تتحكم بها سياسات .امريكا والدول الاوربية

اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية