الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيان أستيطاني في أزمة

خليل قانصوه
طبيب متقاعد

(Khalil Kansou)

2023 / 11 / 30
القضية الفلسطينية


الفصل الأول :
نعت المفكر و أستاذ لسانيات اللغات السامية ماكسيم ردنسون دولة إسرائيل في دراسة نشرتها فصلية " Les Temps Modernes" في سنة 1967 ، بالكيان (الكولونيالي ) الاستيطاني ، حيث بين فيها الفرق بين اليهود الساميين في البلدان العربية من جهة و اليهود الأوروبيين غير الساميين من جهة ثانية ، و كذا الفرق بين اللغة العبرية الأصلية و اللغة العبرية الحالية ، و هي مصطنعة بحسب رأيه .
اللافت للنظر هو أن اليهود شكلوا ، منذ أن كانوا ، جزءا من النسيج الاجتماعي في البلدان العربية ، و لكننا لم نسمع عن تصفية تعرضوا لها كتلك التي جرت لهم على يد السلطات الألمانية في عهد الحزب النازي . المفارقة في هذا الصدد هي في أن الدول الأوروبية التي أظهرت سلطاتها ، في بدايات القرن الماضي و حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ،عداء مفرطا للسامية ، و هي الدول الرئيسية في الاتحاد الأوروبي ، هي الأكثر حماسة اليوم في " دعمها غير المشروط" لإسرائيل ،تملقا للولايات المتحدة الأميركية . من المعروف هنا أن موقف هذه الأخيرة تجاه إسرائيل يرتكز كالعادة ،على دورها كرأس حربة في حماية و تمتين و توسيع مدى النفوذ الأميركي . هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فإننا نجد بسهولة ، في سياسات هذه الدول ، في مستعمراتها سابقا و حيال تدفق المهاجرين في الراهن ، من هذه المستعمرات نتيجة البطالة و المجاعة ، أمثلة عديدة على أن " هتلر الزعيم الألماني النازي متقمص " في ذات الكثيرين من حكامها ، كما قال شاعر المارتنيك إيميه سيزير.
بالعودة إلى المقتلة الدائرة منذ 7 أكتوبر ، تشرين أول الماضي ، ضد سكان قطاع غزة ، و التي لا تندرج من و جهة نظرنا إطلاقا ، في إطار رد فعل الدولة في الكيان الاستيطاني على انتفاضة مسلحة ، جريئة ، منتظرة و شرعية ، بادرت إليها فصائل التحرير الوطني الفلسطيني ، و إنما هي مرسومة في خطة معدة مسبقا لمرحلة في برنامج السلطة الفاشية لإفشال " حل الدولتين " الذي وضعت معالمه كما هو معلوم في اتفاقية أوسلو في سنة 1993، الذي بدأ باغتيال إسحق رابين ، و كان رئيس وزراء دولة الكيان ، اشتهر بظلمه و قساوته في قمع انتفاضة الحجارة .
فلا يخفى فيما نظن ، أن السلطة الفاشية الحالية تتبع نهجا تعتقد أنه يوصلها إلى ضم الضفة الغربية و قطاع غزة ، بعد إفراغهما من سكانهما الأصليين و توفير الشروط الملائمة للاستيطان فيهما . لا يحتاج الأمر لبسط و توسع فيما يتعلق بالضفة الغربية حيث يستولي المستوطنون دون وازع و رقيب ،على المنازل و الحقول و المياه الجوفية و يقطعون الطرقات و يغزون أحياء الفلسطينيين ،إرهابا . أما بالنسبة لسكان القطاع ، و جلهم من الذين نزحوا إلى القطاع في سنة 1948 ، فمن البديهي أن الغاية المتوخاة من المجازر التي ارتكبها جيش الكيان و الدمار الواسع الذي تسبب به ـ أضف إلى ترحيل الناس من منازلهم أو من ما تبقى منها و إجبار كل سكان القطاع و عددهم مليوني نسمة ،على أن يتجمعوا في الجزء الجنوبي منه على مساحة أقل من 360 كلم² و هي مساحته الإجمالية و إلى احتلال المستشفيات ةوالعبث بتجهيزاتها و أخلاء مرضاها ، هي جعل قطاع غزة غير صالح للسكن .
و الغريب في هذا كله ، أن الدول الغربية التي أشرنا إليها أعلاه ، هي التي تتحمل بموجب اتفاقية أوسلو ، و هي الضامنة لها ، الأعباء المادية المترتبة على حكومة الكيان ، بدلا عنها ، تجاه سكان الضفة الغربية و قطاع غزة ، كونها مسؤولة عن توفير أسباب العيش للناس الذين تحتل أرضهم . هكذا صار احتلال و استملاك أراضي الفلسطينيين مجانا أو بفائدة صفر ! دليلا على دعم الولايات المتحدة الأميركية و الدول الأوروبية " غير المشروط" لإسرائيل و على أن هذه الأخيرة جزء عضوي من حلف غربي " إذا بطش بطش " .
لا نبالغ بالقول ، أن فرائص زعماء دول العرب ارتعدت بعد أن أيقنوا غداة الهزيمة الماحقة التي لحقت بنظام الحكم في شبة الدولة العربية في حويران 1967 ، أن إسرائيل ترتكز على قوة عظمى ، فصار همهم الدفاع عن أنفسهم بأي ثمن ، حيث ما لبثوا أن اقتنعوا أيضا انهم لا يستطيعون فعل شيء سوى قمع شعوبهم فيما لو انتفضت هذه الأخيرة ضدهم احتجاجا على تقاعسهم في توفير أسباب القوة اللازمة لبناء الدولة الوطنية و صون سيادتها. ثم اتضح بالملموس أن هؤلاء الزعماء يساومون و يتنازلون عن كل شيء من أجل بقائهم في سدة الحكم . فلقد أفهمتهم الولايات المتحدة الأميركية درسا بعد آخر ،أن لا خيار لهم غير الدوران في فلكها و أنها ستكون موجودة حيث تكون إسرائيل و العكس صحيح . ينبني عليه أن سيرورة تطبيع العلاقات مع الكيان الاستيطاني انطلقت بعد حرب تشرين أول، أكتوبر ، 1973 ، حيث كان احتلال بيروت أول إنجازات هذه الحرب، ففي هذه العاصمة العربية المحتلة منيت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بهزيمة قاتلة و انتخب مجلس النواب رئيسا للجمهورية و توصلت الحكومة في 17 أيار مايو 1983 ، إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل ، و لكنها ألغيت لأن زعماء السلطة لم يجرؤوا على التعامل مع إملاءات المحتلين ، فما كان من هؤلاء إلا معاقبة الناس جماعيا ، الذين ما يزالون يدفعون ثمن العجز في الانتصار عليهم ، يبدو أن هناك شعوبا ضعيفة ولكنها عصية على الانكسار .
مجمل القول أن السلطة الفاشية في إسرائيل تمكنت في أغلب الظن من إفشال حل الدولتين في إطار حدود 1967 و لا شك في أن الذين ما يزالون يتفوهون بكلام عن هذا الحل ، يعرفون ذلك ، من خلال علاقتهم بممثلي هذه السلطة ، ما يبرر الارتياب بصدق نواياهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟