الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطبيع السعودي - الإسرائيلي ‏«المسار المتدرج»‏

فؤاد بكر

2023 / 11 / 30
دراسات وابحاث قانونية


‏■‏‎ ‎تمهيد
‏1-‏‎ ‎التطبيع في ميزان المصالح السعودية
‏2- ‏‎ ‎في مجرى الأحداث
‏3- «الملف الفلسطيني» في محادثات التطبيع
‏4-‏‎ ‎خلاصات ‏

تمهيد
‏■ ترتبط المملكة العربية السعودية بالقضية الفلسطينية ببعدين: عربي وإسلامي؛ فهي مكون أساسي من ‏‏«العمل العربي المشترك»، بخصوص المسألة الفلسطينية وقضايا الصراع العربي – الإسرائيلي عموماً، وقد ‏تقدمت بمشروع مبادرة سياسية تبنتها القمة العربية في بيروت تحت عنوان «مبادرة السلام العربية»- 2002. ‏وتشترط المبادرة «إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار السلام الشامل» بانسحاب الأخيرة من ‏‏«الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري، وحتى خط الرابع من يونيو (حزيران) 1967، ‏والأراضي التي مازالت محتلة في جنوب لبنان»، و«قبول قيام دولة فلسطينية ذات سيادة على الأراضي ‏الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو (حزيران) 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها ‏القدس الشرقية»، كما و«التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين متفق عليه وفقاً لقرار ‏الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 194». ‏
كذلك الأمر، فإن السعودية طرف مؤثر في منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم 57 دولة موزعة على 4 ‏قارات، ويبلغ عدد سكانها نحو 1,7 مليار نسمة - 2015. وتشكل هذه الدول كتلة تصويتية كبيرة في ‏الجمعية العامة للأمم المتحدة تؤيد حقوق الشعب الفلسطيني وتقف ضد الانتهاكات الإسرائيلية بحق ‏المقدسات الإسلامية، وخاصة في القدس. ‏
ومن خلال موقعيها، العربي والإسلامي، تبلورت السياسة السعودية تجاه القضية الفلسطينية وفق مبدأ أساسي ‏هو دعم حقوق الشعب الفلسطيني، والتمسك بالدفاع عن المقدسات الإسلامية وخصوصاً في القدس، باعتبار ‏المملكة مرجعية إسلامية بارزة مسلم بموقعيتها، وعاهلها يحمل لقب «خادم الحرمين». ‏
‏■ يتبنى ولي العهد محمد بن سلمان، مقاربة سياسية مختلفة للصراع العربي والفلسطيني - الإسرائيلي وفق رؤية ‏يلخصها شعار: «السعودية أولا»، الذي يعني أيضاً أن حل النزاعات الإقليمية ينبغي ألا يكون على حساب ‏مصالح المملكة وأولوياتها السياسية والأمنية، وغيرها.. ‏
على هذه الخلفية صرَّح بن سلمان لمجلة «أتلانتيك ماغازين» - 3/2022، بأن «السعودية لا تعتبر إسرائيل ‏عدواً، بل حليفًا لها، حيث تجمع الدولتين مصالح مشتركة..». وفي معرض اندفاعته نحو التطبيع مع ‏إسرائيل، ينظر بن سلمان إلى الموقف التقليدي لبلاده المنحاز للقضية الفلسطينية مع إدارة الظهر لإسرائيل ‏باعتباره «إرثاً ثقيلاً» يُقيد توجهه نحو تغيير مسار المملكة، بما فيه تحوّلها إلى الانضمام لركب التطبيع. ‏ووفق هذه الرؤية، كانت السعودية من ضمن الأطراف التي شجعت على توقيع «إتفاقات أبراهام»- 2020. ‏ومنذ ذلك الوقت، رأى مراقبون أن تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب بات يقع في المدى المنظور ‏‏[سايمون هندرسون/«الدبلوماسية السعودية الإسرائيلية تمضي قدماً وسط تحديات تلوح في الأفق في الشرق ‏الأوسط»/ «معهد واشنطن»- 27/11/2020].‏
‏■ من جهة أخرى، وبسبب الموقف السعودي التقليدي تجاه القضية الفلسطينية، والذي لايزال يتمسك به ‏الملك سلمان وعدد من أمراء العائلة الحاكمة المؤثرين في عملية إتخاذ القرار، قدَّر المراقبون أن تطبيع ‏الرياض مع إسرائيل سيأخذ مساراً متدرجاً، متمهلاً، إنجازه رهن بتلبية واشنطن للمطالب الأمنية والاقتصادية ‏والسياسية التي طرحتها السعودية مقابل ذلك، دون أن يعني هذا عدم تمرير الرياض بقيادة ولي العهد ‏لخطوات تطبيعية مدروسة مع إسرائيل من «تحت الطاولة»، قبل إنجاز الاتفاق، لـ«إثبات» جدية ولي العهد ‏في توجهه نحو التطبيع أولاً، وضمن تقدير – ثانياً - يقول بأن مثل هذه الخطوات ستطمئن تل أبيب ‏وتجعلها أكثر تفهماً للمطالب التي تسعى إلى تحقيقها السعودية من خلال مباحثاتها مع إدارة بايدن بشأن ‏التطبيع، وخاصة أنها تمس قضايا استراتيجية ذات شأن على الصعيد الأمني.‏
‏■ ضمن هذا التوجه، أشارت عديد من المصادر إلى أنّ شركات إسرائيلية تتعاون مع نظيراتها السعودية ‏بطرق وأشكال وأساليب مختلفة، كما نشرت وسائل إعلام إسرائيلية تقارير عن زيارة قامت بها مجموعة من ‏الصحافيين الإسرائيليين بصورة سرية إلى المملكة السعودية، واستخدمت المجموعة جوازات سفر أجنبية ‏‏[ميرال قطينة/«النهار العربي»- 6/7/2022]، كما أن السعودية فتحت مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية ‏الإسرائيلية بعد توقيع «إتفاقيات إبراهام». لكن مع تقدم المباحثات السعودية - الأميركية حول التطبيع، ‏أضحت هذه الخطوات علنية، فاستقبلت المملكة وفداً رسمياً إسرائيلياً- 11/9/2023، حضر إجتماع منظمة ‏الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) في الرياض، وهذه أول زيارة علنية لوفد إسرائيلي إلى ‏السعودية، ثم استقبلت وزير السياحة الإسرائيلي حاييم كاتس، مشاركاً في مؤتمر منظمة السياحة التابعة للأمم ‏المتحدة، الذي استضافته المملكة - 27/9/2023.‏
وبعد توقيع الاتفاق المصري ـ السعودي بشأن نقل جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية ــ 2016، ‏أشار مراقبون إلى أن الرياض قدمت لإسرائيل، في سياق المباحثات حول آليات تنفيذ الاتفاق ــ 2022، ‏تعهداً بضمان حرية الملاحة البحرية أمامها، إلى جانب ضمانات أمنية نصت عليها معاهدة السلام ‏المصرية/ الإسرائيلية - 1979، فيما يتعلق بالرقابة على حركة الملاحة في مضيق تيران. [ديفيد ‏شينكر:«التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والسعودية بشأن تيران وصنافير»/ معهد واشنطن لدراسات الشرق ‏الأدنى - 7/7/2022].‏
‏■ تسعى السعودية في ظل قيادة ولي العهد، محمد بن سلمان لاحتلال موقع متقدم في الخريطة الإقليمية، ‏ومكانة ملحوظة على الصعيد الدولي. وقد أعلنت الرياض- 25/4/2016، عن خطة تنموية طموحة بعنوان ‏‏«رؤية 2030»، وجوهرها تنويع مصادر الناتج الاقتصادي المحلي، والاستعداد لمرحلة «ما بعد النفط». ‏وخلصت القيادة السعودية «الجديدة»، إلى أن سياسة الانفتاح على المحيطين الإقليمي والدولي، «ضرورة ‏لازمة» من أجل خلق بيئة سياسية - إقتصادية، تمكنها من تحقيق طموحاتها، وأن تطبيق هذه السياسة ‏يفترض امتلاك الرياض هامشاً واسعاً من حرية الحركة، بما يعني تجاوز نهج تطابق مواقفها السابقة مع ‏مواقف العديد من الدول الغربية وفي المقدمة، الولايات المتحدة. ‏
ومع أن النهج الجديد فتح الباب واسعاً أمام نمو علاقات المملكة مع كل من روسيا والصين وغيرهما، وأدى ‏في السياق إلى اتخاذ الرياض مواقف مخالفة لمصالح واشنطن في العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية ‏‏(«الأوبك» مثلاً)، إلا أن تحليلات معظم المراقبين تشير إلى أن القيادة السعودية الجديدة، ممثلة بولي العهد، ‏تتبنى سياسة «براغماتية»، توظفها في اتجاهين متكاملين: 1- الاستفادة من ثمار الشراكات الاقتصادية مع ‏مختلف الأطراف ذات الاقتصادات المتقدمة؛ 2- توظيف اتساع علاقاتها مع خصوم واشنطن لتعزيز موقعها ‏في المحادثات مع إدارة بايدن، ودفعها إلى تلبية مطالبها مقابل التطبيع مع إسرائيل. ‏
‏■ تختلف تداعيات التطبيع السعودي مع إسرائيل جوهرياً، عما أدت إليه «إتفاقات أبراهام»، الموقعة ما بين ‏دولة الاحتلال والإستعمار الاستيطاني وكل من البحرين والإمارات والمغرب والسودان؛ فالمملكة دولة إقليمية ‏وازنة في الجغرافيا السياسية والاقتصاد، وذات تأثير سياسي ومالي ومعنوي كبير في محيطيها العربي ‏والإسلامي. ومع أن واشنطن وتل أبيب بالغتا في الإشادة والتهليل عند كل خطوة تطبيعية مع الدول العربية ‏سابقة الذكر، إلا أنهما تدركان أن المملكة هي «الصيد الثمين»، الذي إذا تم إحكام شباك التطبيع حوله، ‏ستتعزز نوعياً حوامل تطبيق مشروع «السلام الإقليمي» في المنطقة العربية. وهذا يعني - إستتباعاً - أن ‏الجانب الرسمي الفلسطيني، الذي سبق أن أقصته «صفقة القرن» كطرف مشارك في إقرار التسوية السياسية ‏بخصوص الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ستنحدر مكانته أكثر، ويصبح في ظل التطبيع السعودي - ‏الإسرائيلي مجرد «صندوق بريد» طافح بإشعارات تنفيذ ما خلصت إليه تفاهمات الأطراف الأخرى، بشأن ‏قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية■‏
‏(1)‏
التطبيع في ميزان المصالح السعودية
‏[■ مع تفكك إطار «العمل العربي المشترك»، ونجاح إدارة ترامب في فرض مسار التطبيع العربي الإفرادي ‏المتعاقب مع إسرائيل، خرج تطبيق «مبادرة السلام العربية» عن المعادلة التي أقرتها قمة بيروت. واستبدل ‏شقها الأول (الانسحاب الإسرائيلي، الدولة الفلسطينية، حل قضية اللاجئين) بالحديث عن «تنازلات إسرائيلية» ‏تشكل، بحسب فلسفة المطبعين، خطوة تمهد الطريق نحو إنضاج الظروف للانتقال إلى «حل الدولتين»، في ‏حين وضعت الدول المطبعة مطالبها الأمنية والاقتصادية الخاصة شرطاً لازماً لإنجاز التطبيع. ومن ‏الواضح، أن السعودية تسير أيضاً نحو التطبيع مع إسرائيل وفق هذه الفلسفة، وقد وضعت تأمين رزمة من ‏احتياجاتها الأمنية والاقتصادية في مقدمة شروطها للسير قدماً نحو التطبيع مع إسرائيل:]‏
‏ (1/1) الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة
‏■ اللافت في العقود الأخيرة، أن الولايات المتحدة لم تعد تعتمد في استراتيجيتها العامة - بما فيه أبعادها ‏الأمنية - على مبدأ «توازن القوى» عبر الاعتماد على المؤسسات الدولية أو علاقات التكامل الاقتصادي - ‏كما تقتضي المدرسة الليبرالية – بل استعادت في سياستها الخارجية والأمنية لأصول «السياسة ‏الواقعية»(‏Realpolitik‏) العائدة إلى القرن التاسع عشر والقائمة على مفهوم «توازن القوى» بالمعنى العاري ‏والمباشر للمصطلح. وفي هذا الإطار باتت واشنطن تسعى إلى تقلد منصب المهيمن في السياسة الدولية ‏دون منازع، من خلال السعي لتغيير نمط التوازنات العالمية، والقيام بدور الموازن الرئيسي في كل منطقة ‏مهمة وحيوية، والاستعانة على ذلك بتشكيل حزام من التحالفات الأمنية تحت قيادتها، بهدف احتواء القوى ‏المنافسة في النظام الدولي. إلا أن النتائج جاءت خلافا لتوقعات واشنطن؛ ففي لعبها لدور الموازن الرئيسي ‏وتحملها نفقات والتزامات أمنية وعسكرية، لم يعد الاقتصاد الأميركي يقوى على دفعها، تراجعت مكانتها ولم ‏تعد قادرة على الوفاء بجميع التزاماتها تجاه حلفائها، ما أدى بها لاتباع استراتيجية إحداث التوازن من الخارج ‏‏[أمينة حلال/ «الاستراتيجية الأمنية الأميركية: المفهوم والتيارات الفكرية»/ المعهد المصري للدراسات - ‏‏16/9/2022].‏
‏■ ترتبط الولايات المتحدة مع الكثير من الدول باتفاقات تعاون أمني، يأتي معظمها في سياق توقيع شراكات ‏أوسع: إقتصادية وسياسية ضمن إطار بروتوكولي بهدف تعزيز العلاقة بين الطرفين، بما ينسجم مع مكانة ‏الطرف الآخر وموقعه في تنفيذ الاستراتيجية الأميركية في مناطق مختلفة من العالم. لكن الاتفاق الأمني ‏الأكثر صرامة من ناحية إلتزام أطرافه بالدفاع عن بعضهم البعض، وتحتل فيه الولايات المتحدة موقعاً قيادياً ‏هو«معاهدة حلف شمال الأطلسي» (الناتو) الموقعة في واشنطن- 4/4/1949، التي ينص بندها الخامس ‏على «اتفاق أطراف المعاهدة على اعتبار الهجوم المسلح ضد طرف أو أكثر (منهم) بمثابة هجوم ضدهم ‏جميعاً»، ويوجب بالتالي مساعدة الطرف الذي تعرض للهجوم عبر إجراءات فورية «بما في ذلك استخدام ‏القوة المسلحة»، ويعتبر نص البند المذكور أن إجراءات الرد الفردي أو الجماعي على الهجوم المسلح، إنما ‏تأتي في سياق «الدفاع عن النفس المعترف به بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة» [الموقع الرسمي ‏لحلف شمال الأطلسي، بالإنكليزية]. وكانت الولايات المتحدة أبرمت معاهدة أمنية مع اليابان- 1951، جرى ‏تعديلها جوهرياً- 1960، بإضافة إلتزام أميركي قوي في حالة وقوع أي هجوم ضد الأراضي الخاضعة لليابان ‏وفقًا لأحكامها وقوانينها الدستورية، كما وقعت معاهدة أمنية مماثلة مع كوريا الجنوبية - 1953.‏
‏■ حملت «صفقة القرن» في مضمونها وآليات تطبيقها مساراً «جديداً» في تنفيذ الاستراتيجية الأميركية ‏وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب- 5/2018، إنسحاب ‏الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقع مع إيران قبل 3 سنوات - 2015 ، وأعاد العمل بالعقوبات ‏الأميركية على طهران. وكان هذا القرار مريحاً لكل من السعودية والإمارات اللتين انفردتا مع إسرائيل في ‏رفض الاتفاق عند توقيعه. وفي معرض طرح عناوين الصفقة في مسارها الإقليمي، وضعت إدارة ترامب دول ‏الإقليم وخصوصاً في منطقة الخليج، أمام معادلة تقايض فيها حماية استقرارها السياسي والأمني وازدهارها ‏الاقتصادي بـ«تطبيع علاقاتها مع إسرائيل وانخراطها في حلف سياسي - أمني بقيادة الولايات المتحدة في ‏مواجهة إيران (حاليا) أو سواها (لاحقاً) بما يتفق مع أولويات واشنطن وتل أبيب، وحسب ما تمليه المصلحة ‏الأميركية - الإسرائيلية المشتركة». ووفق هذه المعادلة، وقعت كل من الإمارات والبحرين «إتفاق أبراهام» ‏مع إسرائيل، ثم التحقت بهما المغرب والسودان [ ص7 من كتاب «في مواجهة صفقة القرن»، الكتاب الرقم ‏‏35 من سلسلة «على طريق الاستقلال»، إصدار المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات (ملف)/، ط1: ‏‏9/2019].‏
‏■ لكن الهواجس الأمنية لمعظم دول مجلس التعاون الخليجي تصاعدت مع مجيء إدارة بايدن وإعلانها ‏إعادة التفاوض حول الملف النووي الإيراني، وتلويحها بـ«سحب منظومات دفاعية أميركية من الخليج ونقلها ‏إلى جنوب شرق آسيا». وفي مسعى لتهدئة هذه الهواجس، وقعت إدارة بايدن مع دول المجلس إتفاقات ‏وتفاهمات أمنية ثنائية. لكن جميع هذه الاتفاقات لا تتضمن تعهدات تلزم واشنطن بالرد الفوري على أي ‏هجوم مسلح تتعرض له هذه الدول:‏
‎•‎‏ فـ«التعاون الدفاعي والأمني» الموقع بين الولايات المتحدة والبحرين - 13/9/2023، جاء كفقرة في ‏‏«إتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل»، ونصت على أن «أي اعتداء خارجي أو تهديد باعتداء خارجي ‏ضد سيادة أي من الأطراف واستقلاله وسلامة أراضيه مدعاة قلق بالغ بالنسبة إلى الأطراف الأخرى». لكن ‏الاتفاقية تترك مستوى ونوع التحرك لمواجهة هذا الاعتداء إلى «قرار مشترك تتخذه أطراف الاتفاق»،و«وفقاً ‏لدساتيرها وقوانينها» [موقع وزارة الخارجية الأميركية، بالعربية - 13/9/2023]. وهذا يعني أن مستوى تحرك ‏الجانب الأميركي يحتاج إلى إجراءات دستورية وقانونية من بينها قرار بذلك من الكونغرس. ‏
‎•‎‏ وتم توقيع إتفاقية «الشراكة الدفاعية والأمنية» مع سلطنة عُمان - 2022، لكنها تقتصر بالأساس على ‏‏«التدريب المشترك، والعمل معاً لتوسيع التعاون الإقليمي لمواجهة التهديدات، وتعزيز العلاقات الدفاعية بين ‏الولايات المتحدة وسلطنة عمان»، وتعود إتفاقية الشراكة العسكرية بين واشنطن ومسقط إلى 1980، وكان ‏نشاطها الأساسي تأمين صفقات الأسلحة الأميركية إلى دولة عُمان، [«الخليج أون لاين»- 26/3/2022].‏
‎•‎‏ وصنفت إدارة بايدن، دولة قطر«حليفًا رئيسياً من خارج الناتو»، - 2022. وبهذا، تكون قطر ثالث دولة ‏خليجية تحظى بهذا الصفة، بعد الكويت والبحرين، والدولة التاسعة عشرة عالمياً. لكن هذا التصنيف لا يعني ‏‏- بنظر المحللين - أن واشنطن ملزمة بالدفاع عن الدول المدرجة فيه، لكنه يمنح الطرف المعنيّ بالتصنيف ‏إمتيازات محدّدة في مجالات التعاون الدفاعي والأمني والتجاري [«العلاقات الأميركية– القطرية: من شراكة ‏استراتيجية إلى تحالف.. تقدير موقف»/ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - 3/2/2022].‏
‎•‎‏ واللافت أن دولة الإمارات، باتت تطالب واشنطن مؤخراً - 9/2023، بعقد «تحالف دفاعي»، على الرغم ‏من توقيعها إتفاقاً أمنياً معها - 2019، في ظل ولاية إدارة ترامب. لكن تعرض عاصمتها للقصف - ‏‏2022، واقتصار الرد على مصدر الهجوم على دور قواتها المسلحة، دفعها كي تطلب من واشنطن إتفاقاً ‏جديداً أكثر فعالية، بديلاً عن الاتفاق السابق، الذي تبين لها أنه مجرد «تفاهم أمني» فقد مفعوله مع تغير ‏الإدارة السياسية في الولايات المتحدة [صحيفة «العرب»- 22/9/2023].‏
‏■ شددت السعودية في محادثاتها مع إدارة بايدن، بشأن التطبيع، على تمسكها بالتوصل إلى اتفاق أمني ‏ثنائي يلزم الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات فورية في مواجهة أي هجوم مسلح تتعرض له المملكة، خاصة ‏وأن منشآتها النفطية تعرضت لهجوم عسكري مباشر أربكها - 2019، وهو ما عبر عنه ولي العهد محمد بن ‏سلمان خلال زيارة الرئيس الأميركي إلى الرياض - 7/2022. ولفت انتباه المراقبين أن السعودية، ومن أجل ‏إقناع إدارة ترامب بعقد تحالف دفاعي قوي معها، أبدت استعدادها لتقديم تنازلات في ملف «البرنامج النووي ‏المدني»،‎ ‎من بينها قبول التوقيع على المادة 123 من «قانون الطاقة الذرية» الأميركي، التي تؤسس لإطار ‏عمل للتعاون النووي السلمي مع الولايات المتحدة، وهي خطوة رفضتها الرياض من قبل [وكالة «رويترز» - ‏‏29/9/2023].‏
‏■ وفيما كانت معايير الاتفاق الدفاعي المرتقب قيد البحث على طاولة المسؤولين الأميركيين، أشارت ‏مصادر متابعة إلى أن الاتفاق المزمع «لن يكون تحالفاً بمستوى المعاهدة بل تفاهم دفاعي متبادل»، وأن ‏إدارة بايدن يمكن أن تعمل على تصنيف السعودية كحليف للولايات المتحدة من خارج «الناتو». وذكرت ‏المصادر أن المملكة، التي تدرك أنها لن تحصل على اتفاق يتضمن ضمانات بمستوى البند الخامس من ‏معاهدة حلف شمال الأطلسي، تشدد على أن ينص اتفاقها الأمني مع إدارة ترامب على التزام الولايات ‏المتحدة بحمايتها، وهي تنظر لهذا الأمر ليس فقط من زاوية نجدتها عند التعرض لهجوم، بل باعتبار النص ‏على ذلك يشكل أولاً عامل ردع لمن يعتزم مهاجمتها، ويعزز موقعها في الإقليم ثانياً. ‏
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، قالت - 17/9/2023، نقلاً عن مسؤولين في إدارة بايدن، إن ‏الجانبين السعودي والأميركي «يدرسان إمكانية التوقيع على اتفاق دفاعي أمني على غرار النموذج الآسيوي ‏‏(اليابان وكوريا)، الذي تدافع فيه الولايات المتحدة عن الدول الحليفة، في حال تعرضت لهجوم من دولة ‏أخرى» [‏i24NEWS‏ - 3/10/2023]. وفي حال كان هذا الحديث صحيحاً، وصادق الكونغرس على هذا ‏الاتفاق، تكون السعودية قد حصلت على الاتفاق الأمني الأقوى مع واشنطن في منطقة الخليج■‏
‏(1/2) البرنامج النووي المدني
‏ ■ تعوِّل الرياض أهمية كبيرة على امتلاك برنامج نووي مدني، وتعتبره رافعة كبرى في تحقيق «رؤية ‏‏2030». وكانت المساعدة الأميركية في هذا المجال أحد الشروط السعودية التي وضعتها للمضي نحو ‏التطبيع. ولذلك، شدد المسؤولون السعوديون في محادثاتهم مع واشنطن على أنه من المفترض أن يُبرم ‏الاتفاق بينهما حول البرنامج النووي إلى جانب الاتفاق الأمني قبل التطبيع، وليس العكس. وفي محاولة ‏لكسر تردد إدارة بايدن في دعم هذا البرنامج، صرح مسؤولون سعوديون لصحيفة «وول ستريت جورنال» ‏الأميركية، أن الرياض تلقت عرضاً صينياً لبناء محطة طاقة نووية في الرياض، مشيرين إلى أن الصين لم ‏تشترط عليهم عدم تخصيب اليورانيوم أو استخراج رواسبه كما فعلت الإدارة الأميركية. كما أعطى هؤلاء ‏المسؤولون في تصريحاتهم، الأفضلية للتعامل مع الصين، التي عرضت بناء محطة نووية للخليج بالقرب من ‏الإمارات. كما أشاروا إلى عرض آخر تلقوه من الشركة الكورية «كيبكو» للطاقة الكهربائية، لبناء مفاعلات ‏المحطة النووية [«اليوم السابع»- 26/8/2023]. ‏
‏■ وكانت الصين أعلنت فعلاً أنها ستدعم الرياض في مجال الطاقة النووية المدنية مع التزامها قواعد عدم ‏الانتشار [قناة «الحرة» - 25/8/2023]، وعبرت عن رغبتها في أن تمتد العقود لمدة 100 عام، بحسب ‏الرئيس السابق للمؤسسة النووية الصينية «صن تشين»، الأمر الذي يشكل منعطفاً جيوسياسياً سعودياً في ‏حال قبول هذا العرض. ويذكر- في السياق - أن العرض الصيني أقل كلفة بنسبة 20%، مقارنة بعروض ‏شركتي «كيبكو» الكورية و«إي دي أف» الفرنسية. كما أجرت السعودية حواراً مع روسيا وفرنسا بشأن ‏برنامجها النووي، لكن المسؤولين السعوديين شككوا بقدرة فرنسا على التزام وعودها، وتحسبوا في الوقت ذاته ‏من عقوبات أميركية إذا دخلت روسيا فعلياً على خط البرنامج النووي. ‏
لكن من الواضح أن قرار الرياض النهائي تجاه العروض متعددة الجهات، بشأن برنامجها النووي، محكوم ‏بالاستراتيجية الأميركية تجاه هذا الملف، والتي تنطلق من أن واشنطن هي صاحبة الحق والقدرة على تسهيل ‏امتلاك أي دولة للبرنامج النووي المدني أو منعه، إضافة إلى أن السعودية تدرك أن الولايات المتحدة هي ‏الطرف الدولي الوحيد الذي يستطيع «إقناع» إسرائيل بتقبل امتلاك الرياض للبرنامج النووي، في حال قررت ‏هي دعمه، وكذلك الأمر بخصوص الاتفاق الأمني الذي تنشده.‏
‏■ تضع إسرائيل منذ عقود خطاً أحمر على امتلاك أي دولة في الشرق الأوسط برنامجاً نووياً، حفاظاً على ‏معادلة الردع الإسرائيلي في المنطقة. لذلك تفاجأ المراقبون من قول ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية في ‏الحكومة الإسرائيلية، إن إسرائيل «لن تعارض مساعي السعودية لتطوير برنامجها النووي المدني مقابل تطبيع ‏العلاقات مع تل أبيب، ضمن صفقة أمنية توقعها السعودية مع الولايات المتحدة الأميركية»، وذلك في حديث ‏مع شبكة «‏CBS‏» الأميركية [ موقع «عرب 48»- 20/8/2023]. لكن مكتب نتنياهو سرعان ماأصدر بياناً ‏يؤكد فيه على السياسة الإسرائيلية ،التي تعارض البرنامج النووي المدني للسعودية، توازياً مع معارضة ‏المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، التي تخشى من تحوله إلى برنامج عسكري، خصوصاً بعد أن توجهت ‏الرياض إلى بكين وأبرمت تحت رعايتها إتفاقاً مع إيران ينقل علاقات البلدين من الصراع إلى الحوار ‏والتعاون، مع أن السعودية وقعت إتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية. ‏
‏■ لقد تبين خلال المحادثات الأميركية - السعودية في هذا الشأن، أن العقدة التي ينبغي حلها في هذا ‏الملف تتعلق بالجهة التي ستتولى تخصيب اليورانيوم اللازم لتفعيل البرنامج النووي السعودي، حيث تتشدد ‏واشنطن في حظر أنشطة تخصيب اليوارنيوم حتى مع حلفائها، وقد نصت على ذلك في الاتفاقية التي وقعتها ‏مع الإمارات - 2009، التي تمتلك محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية. ‏
ويشير مراقبون إلى أنه من الممكن أن توافق إسرائيل والولايات المتحدة مبدئياً - رغم كل المعارضة الداخلية ‏الإسرائيلية والأميركية، على حصول السعودية على اليورانيوم المخصب للاستخدامات المدنية شرط عدم ‏تخصيبه على أراضيها، ودون الحصول على التكنولوجيا اللازمة لذلك. وهذا يشبه ما تم التوصل إليه بين ‏إيران وفرنسا في عهد الشاه؛ أو قيامها بشراء اليورانيوم المخصب من وكالة الطاقة الدولية، كما تفعل إسبانيا ‏وفنلندا؛ أو اللجوء إلى «بنك الوقود» في كازاخستان، الذي ينشط تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ‏ويذكر في هذا السياق أن نتنياهو مارس ضغوطاً كبيرة على هيئة وكالة الطاقة الذرية في إسرائيل للقيام ‏بتخصيب اليورانيوم لصالح البرنامج النووي السعودي، لكنه فشل في إقناعها■‏
‏ (1/3) «الممر الاقتصادي الدولي» .. ‏
شراكة «مطعمة» بالتطبيع
‏■ وقعت السعودية مذكرة تفاهم مع كل من الولايات المتحدة الأميركية، الإمارات، الهند، وفرنسا وألمانيا ‏والاتحاد الأوروبي، على هامش اجتماع «قمة العشرين» المنعقدة في نيودلهي - 9/2023، من أجل إنشاء ‏ممر اقتصادي دولي يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، يتضمن بناء خطوط سكك حديدية وأنابيب لنقل ‏الطاقة. ويمتد الممر عبر بحر العرب من الهند إلى الإمارات، ثم يعبر السعودية والأردن وإسرائيل، وصولاً ‏إلى أوروبا عبر البحر المتوسط. ويشكل هذا المشروع عنواناً مهماً من عناوين الشراكات الاقتصادية التي ‏تطمح السعودية إلى تعميقها وتوسيعها على الصعيدين الإقليمي والدولي. وعلى اعتبار أن إسرائيل طرف ‏مؤسس في هذا المشروع، فإن المشاركة السعودية فيه مؤشر على اندفاعها نحو خيار التطبيع حتى قبل ‏انتهاء المباحثات مع واشنطن في هذا الخصوص. ‏
‏■ جاء توقيع المذكرة بعد محادثات أجرتها السعودية مع مجموعة «‏‎2U+2I‎‏» (تلفظ أي تو، يو تو)، التي ‏تضم: إسرائيل، الهند، الامارات، والولايات المتحدة. وتركز هذه المجموعة نشاطها على الاستثمارات ‏المشتركة والمبادرات التي من شأنها تطوير الخطط في مجالات المياه، الطاقة، النقل، الصحة، والأمن ‏الغذائي، إضافة إلى المناخ، والأمن البحري والطاقة. وقد نشأت المجموعة «‏‎2U+2I‎‏» - 2021، بعد توقيع ‏‏«إتفاق أبراهام»- 2020، وكانت الإمارات طرحت فكرة المشروع في محادثاتها مع إدارة بايدن- 5/2023 ‏‏[سكاي نيوز عربية - 16/9/2023].‏
ويُنظر إلى مشروع الممر كبوابة لدمج إسرائيل في المنطقة العربية عبر تحويل «إتفاقات أبراهام» إلى مشاريع ‏تمتلك آليات تطبيقها. ويأتي إشراك السعودية في هذا المشروع، بالتوازي مع المحادثات الجارية بين الرياض ‏وواشنطن حول التطبيع مع إسرائيل. واللافت أن ولي العهد السعودي صرح بعد الاتفاق على مشروع الممر ‏قائلاً «إن التطبيع السعودي – الإسرائيلي يقترب أكثر» [«عرب 48» - 20/9/2023].‏
‏■ تدعم واشنطن مشروع الممر في مواجهة مشروع «الحزام والطريق» الصيني المطروح منذ 2013، وينتاب ‏الولايات المتحدة قلق عميق من توسع العلاقات الاقتصادية الصينية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وقد ‏بلغ حجم استثمارات الصين معها نحو 100 مليار-$- ، كاسرة بذلك الاحتكار الأميركي على امتداد عقود، مما ‏أشعل توجس الإدارة الأميركية من أن تتوسع هذه العلاقات لتشمل المجالات الأمنية والعسكرية. ‏
تسعى واشنطن من وراء هذا المشروع إلى تعزيز موقع الهند الجيوسياسي في مواجهة بكين، وإجهاض سياسة ‏انفتاح إيران على الهند، عبر محاولة تعطيل المشروع الهندي – الإيراني للاستثمار في ميناء تشابهار ‏الإيراني على بحر العرب، وهو مشروع ينافس مشروع الممر الاقتصادي الدولي في سعيه لإنشاء ممر ‏‏«جنوب – شمال»، بين الهند وأوروبا [«ميديل إيست نيوز»- 30/8/2023]. ‏
‏■ يُلاحظ أن إسرائيل تشكل في مشروع الممر الإقتصادي الدولي «عقدة الوصل» بين الدول الأسيوية التي ‏يمر بها وبين أوروبا. وهذا يعطيها ميزة جيوسياسية بالغة الأهمية، ويمنحها في الوقت نفسه إمكانية الاستفادة ‏القصوى من موقعها هذا لتأمين احتياجاتها من السلع والبضائع، كما يجعل المصالح التجارية للدول ‏المستفيدة من هذا الممر، ومنها السعودية والإمارات، محكومة بمستوى توافقها مع السياسات الإسرائيلية، بما ‏فيها، ما يخص القضية الفلسطينية. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن استثناء مناطق السلطة الفلسطينية من ‏مسار هذا الممر كان مقصوداً بهدف إبقاء النشاط الاقتصادي التبادلي الفلسطيني مرهوناً بعجلة الاقتصاد ‏الإسرائيلي، كما حدده الجانب الاقتصادي من اتفاق أوسلو، أي «بروتوكول باريس الإقتصادي». ‏
‏■ يؤثر إنجاز مشروع الممر آنف الذكر سلباً على مصالح دول عربية عدة أبرزها مصر التي تشكل مداخيلها ‏المالية من قناة السويس جزءاً مهماً من واردات خزينتها، وستتعرض بالتأكيد هذه الإيرادات للتراجع بعد ‏اكتمال مشروع الممر، في الوقت الذي طالما مثلت فيه هذه القناة الشريان الأساسي للتجارة الآسيوية – ‏الأوروبية [ممدوح الشيخ/ «قمة العشرين وما بعد قناة السويس»/ «العربي الجديد»- 11/9/2023]. ‏
كما يحد إنجاز هذا المشروع من رهانات العراق على مشروع «طريق التنمية»، الذي يفترض أن يصله بأوروبا ‏عبر تركيا إنطلاقاً من شطّ العرب في جنوب العراق، ويمكن أن يستخدم أيضاً لنقل إمدادات الطاقة من ‏المنطقة إلى أوروبا. ومن الطبيعي، مع إنجار مشروع ممر الهند - أوروبا، ألا يجد العراق شركاء خليجيين ‏في استثمار مشروعه بالمستوى الذي طمح إليه [«مشروع طريق التنمية بالأرقام»/ قناة «الحرة» ‏‏28/5/2023]■ ‏
‏(2)‏
في مجرى الأحداث
‏[■ أخذت خطوات التطبيع السعودي - الإسرائيلي مساراً متدرجاً ومتعرجاً في مجرى الأحداث التي وقعت ‏منذ أواخر 2020، العام الذي تم فيه توقيع «إتفاقات أبراهام»، وشهد أيضاً في أواخره تطوران مهمان ‏ومتلاحقان: 1- الأسابيع الأخيرة من إنتهاء إدارة ترامب؛ 2- سقوط حكومة نتنياهو؛ فتسارع مسار التطبيع ‏بهدف تدارك تداعيات الحدث الأول، وتباطأت خطواته العملية عقب الحدث الثاني. ثم بهت المسار إلى حد ‏ما مع توقيع الاتفاق السعودي - الإيراني، في ظل توتر العلاقات السعودية مع إدارة بايدن، وانشغال الأخيرة ‏بالتحشيد ضد روسيا إثر اندلاع الحرب في أوكرانيا. ولم يستعِد هذا المسار زخمه إلا بعد عودة نتنياهو إلى ‏رئاسة الحكومة، واستنفار الإدارة الأميركية لمحاصرة المد الصيني في الخليج، والعودة إلى استثمار ملف ‏التطبيع داخلياً، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. وفي ظل هذا الاستنفار، تكثفت المباحثات ‏السعودية - الأميركية بشأن التطبيع مع إسرائيل:]‏
‏ (2/1) «لقاء نيوم».. خطوة في «الوقت الضائع»‏
‏■ حلقت طائرة إسرائيلية في الأجواء السعودية، وعلى متنها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي ‏التقى في مدينة نيوم الساحلية، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بمشاركة الجنرال آڤي بالوت، السكرتير ‏العسكري لنتنياهو، ورعاية وحضور وزير الخارجية الأميركية بومبيو- 11/2020. ويقول مراقبون إن نتنياهو ‏تجنب التصريح بنفسه عن وقوع اللقاء، لكنه شجع على تسريب الخبر عن طريق وزراء في حكومته، في حين ‏نفى وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان وقوع اللقاء، فيما لجأ بومبيو إلى المراوغة عند إجابته على ‏أسئلة الصحفيين بخصوص حدوث اللقاء. ‏
‏■ ويرى المراقبون في تشجيع نتنياهو على تسريب الخبر إستثماراً انتخابياً لما يعتبره تحقيق اختراق جدي في ‏مسار التطبيع مع السعودية، في وقت كانت فيه معظم المؤشرات في إسرائيل ترجح الذهاب إلى انتخابات ‏مبكرة هي الرابعة خلال 23 شهراً . كما نوه المراقبون إلى أن النفي السعودي لوقوع اللقاء على لسان وزير ‏الخارجية، دون تعليق من الديوان الملكي ربما يشير إلى رغبة ولي العهد محمد بن سلمان برصد ردّات الفعل ‏تحضيراً للرأي العام السعودي والعربي في حال قامت السعودية بخطوات عملية وعلنية لاحقة على صعيد ‏العلاقة مع إسرائيل. وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلت - 18/9/2020، أي قبل وقوع اللقاء ‏بأكثر من شهر، عن مستشارين لابن سلمان قولهم إنه «يأمل بمشاركة شركات تكنولوجية إسرائيلية بتطوير ‏وبناء مدينة «نيوم» (المستقبل) التي رصد لها 500 مليار دولار» [إبراهيم درويش/ «هل عاد وهم الشرق ‏الأوسط الجديد ووعود الازدهار والتعاون بثمن دفن القضية الفلسطينية؟»/ «القدس العربي»- ‏‏20/9/2020].‏
‏■ جاء لقاء نتنياهو وبن سلمان، بعد التأكد من رحيل دونالد ترامب وفوز جو بايدن في انتخابات الرئاسة ‏الأميركية، الأمر الذي أشعل مخاوف الرياض وتل أبيب من انحسار الضغط الأميركي على طهران، وعودة ‏الملف النووي الإيراني إلى مائدة التفاوض، في الوقت الذي أرادت فيه إدارة ترامب، أن يخرج هذا اللقاء ‏بخطوات تعرقل أي تغيير تجريه إدارة بايدن على السياسات التي سلكتها الإدارة الراحلة تجاه المنطقة. ‏
من هذه الزاوية، بحث المجتمعون في بلورة موقف سعودي - إسرائيلي مشترك في مواجهة إيران، بما في ‏ذلك إمكانية التوجه نحو تشكيل تحالف أمني وعسكري ضدها يضع الإدارة الأميركية الجديدة أمام مستجدات ‏تفرض عليها تدقيق حساباتها عند ترجمة تعهدات بايدن بالعودة إلى التفاوض بشأن الملف النووي الإيراني، ‏وخاصة أن إسرائيل طرفاً مؤسساً في هذا التحالف، وهو ما يعزز الموقف السعودي أمام الإدارة الأميركية ‏الجديدة. ‏
ويلاحظ المراقبون أن الرياض لم تذهب أبعد من ذلك، واكتفت بحدوث اللقاء كرسالة إلى الإدارة القادمة، ‏وفق تقدير سعودي أن التوسع في اللقاءات مع تل أبيب سيكون مجانياً، إذا لم يكن برعاية الإدارة الأميركية ‏الجديدة التي ستكون معنية بتأمين مطالب المملكة مقابل التطبيع. لكن يمكن القول إن الموقف المشترك من ‏الملف الإيراني، في فترة انتقال الحكم في أميركا عبر «لقاء نيوم»، كان مفتاح البداية شبه العلنية لـ«التطبيع ‏المتدرج» بين إسرائيل والسعودية■‏
‏(2/2) توتر العلاقات السعودية - الأميركية
‏■ بعد تولي جو بايدن الحكم في الولايات المتحدة الأميركية خلفا للرئيس الأميركي دونالد ترامب - ‏‏20/1/2021، ساد التوتر العلاقات الأميركية - السعودية، على خلفية ما سبق أن أعلنه بايدن في مناظراته ‏الانتخابية عن تحميل ولي العهد محمد بن سلمان مسؤولية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتوعد ‏حينها بجعل المملكة العربية السعودية «دولة منبوذة» على الساحة الدولية. ‏
لكن الاحتكاك الأبرز الذي أجج التوتر بين الطرفين حصل بعد زيارة بايدن للسعودية- 7/2022، وهي ‏الأولى له منذ تقلد الحكم، وفشل خلالها في إقناع الرياض بزيادة إنتاجها من النفط، وقد اتخذت «أوبك ‏بلاس» (‏Opec +‎‏)، التي تقودها السعودية إلى جانب أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبيك)، قراراً ‏بخفض حصصها من الإنتاج - 10/2022، في وقت كانت فيه الولايات المتحدة الأميركية بحاجة ماسة إلى ‏النفط السعودي، في ظل أزمة الطاقة إثر العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا- 2/2022. وقد أثار هذا ‏القرار غضب بايدن فقال إنه ستكون لهذا التخفيض «عواقب بالنسبة للسعودية»، وزاد على ذلك المتحدث ‏باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، بالقول «إن الولايات المتحدة تدرس إعادة التفكير في ‏العلاقات الأميركية السعودية»، [ريتشارد هال/ «المواجهة بين بايدن والمملكة، هل تعني نهاية العلاقات ‏الأميركية السعودية؟»/ «إندبندنت» الإلكترونية- 14/10/2022]. ‏
الجدير بالذكر أن خفض إنتاج النفط، يرفع أسعار الطاقة في جميع أنحاء العالم بما في ذلك الولايات ‏المتحدة، وهذا يضر بشعبية الحزب الديمقراطي الحاكم، عشية إنتخابات التجديد النصفي- 11/2022. وقد ‏اجتمع غضب إدارة بايدن من الموقف السعودي تجاه تخفيض انتاج النفط مع حنقها من المواقف الغائمة ‏لعدد من الدول (من بينها السعودية) تجاه الحرب في أوكرانيا وعدم اصطفافها ضد روسيا.‏
‏■ يذكر في السياق أن إسرائيل سعت إلى إزالة التوتر بين واشنطن والرياض، لأهداف كشفت عنها ورقة ‏تقدير موقف أعدها مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، وأشار فيها إلى «أن ترميم العلاقات بين ‏السعودية والولايات المتحدة هو مصلحة إسرائيلية، وسوف يُساهم في تعزيز التطبيع بين إسرائيل والدول ‏العربية، بما فيها السعودية نفسها، كما أن هنالك مصلحة إسرائيلية في استقرار المملكة العربية السعودية، ‏والحفاظ على دورها المركزي في التحالف الإقليمي ضد إيران» [مهند مصطفى/ «تطبيع العلاقات بين ‏السعودية وإسرائيل: الدوافع والعوائق»/ «مدار»- 18/6/2023].‏
‏■ تمتد العلاقات الاستراتيجية السعودية - الأميركية لأكثر من 85 عاماً، والملفت استقرارها في فترات ولاية ‏الإدارات الجمهورية، فقد عملت إدارة بوش الابن على ألا تمس تداعيات تفجيرات واشنطن ونيويورك - ‏‏9/2001، مباشرة بهذه العلاقات، التي سادها لاحقاً جو من البرود والتوتر في عهد ولايتي أوباما.. ‏‏2009-2017، بسبب توقيع الاتفاق النووي مع إيران، والانسحاب الأميركي التدريجي من المنطقة، إضافة ‏إلى انتقاد إدارة أوباما الشديد لعدد من العواصم العربية، ومنها الرياض، في ملفي حقوق الإنسان والفساد. ‏لكن هذه العلاقات عادت إلى مسارها الطبيعي في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب.. 2017-2021، التي ‏انسحبت من الاتفاق النووي مع إيران، ونشطت في مساعي إقامة «ناتو شرق أوسطي» ضدها. كما أن إدارة ‏ترامب لعبت دوراً في تعطيل التحقيق الذي طالب به الكونغرس في قضية مقتل الصحفي السعودي ‏خاشقجي■ ‏
‏ (2/3) الاتفاق السعودي - الإيراني
‏■ وقعت السعودية وإيران، برعاية صينية، إتفاقاً- 4/2023، يعيد علاقاتهما الديبلوماسية، ويمهد لحوار ‏ثنائي يساهم في التوصل لحلول سياسية توافقية للصراعات التي نشبت خلال العقد الماضي في الإقليم. ‏ويتعاكس التوقيع السعودي على هذا الاتفاق مع الموقف الذي أبدته الرياض في «لقاء نيوم» لجهة المواجهة ‏المشتركة مع إسرائيل ضد طهران، لكنه - في الوقت نفسه - موقف ينسجم مع قراءة ولي العهد السعودي ‏بن سلمان لاستحقاقات تطبيق «رؤية 2030»، ومن بينها توجيه إمكانات المملكة المتاحة لصالح إنجاحها، ‏بعد سنوات من المواجهات العسكرية المكلفة في اليمن ومن غير مردود ميداني أو سياسي، وإنفاق مليارات ‏الدولارات في صفقات أسلحة لم تمنع استهداف منشآتها النفطية - 9/2019.‏
‏■ وقد خلص كثير من المحللين إلى أنّ المملكة تحت قيادة ولي العهد تعرضت للكثير من النكسات في ‏اليمن ولبنان وسوريا ودول أخرى. لذلك، تجد السعودية أن من مصلحتها إخماد الصراعات التي زجت نفسها ‏بها في الإقليم، فسعت للتوصل مع الأطراف المعنية إلى حلول سياسة لهذه الصراعات. وفي سياق هذه ‏الرؤية، أكدت المملكة على ضرورة الحل السياسي في سورية، وشجعت على عودتها إلى مقعدها في الجامعة ‏العربية، وحضور الرئيس السوري مؤتمر القمة في جدة- 5/2023. وفي كلٍ من الملفين، السوري واليمني، ‏يلعب الاتفاق مع إيران دوراً حيوياً لتحقيق هذا الهدف. ‏
‏■ صُدمت إدارة بايدن جراء توقيع الاتفاق السعودي - الإيراني، خاصة أنه جاء بتشجيع من الصين ‏ورعايتها، فعملت على محاصرة نتائج الاتفاق عبر تشديد الضغوط على الرياض. وفي إسرائيل، هاجمت ‏المعارضة سياسة نتنياهو ووصفها بالفشل، مشيرة إلى أن السعودية كانت قريبة من الدخول في مسار تطبيع ‏مع إسرائيل يجري توظيفه ضد إيران، لولا إهماله وانشغاله بالصراعات الحزبية من أجل العودة إلى مقعد ‏رئاسة الحكومة■‏
‏(2/4) في ظل تبدلات المشهد الإسرائيلي
‏■ تزامن إعلان عناوين «صفقة القرن» ومن ثم إعلانها رسمياً- 28/1/2020، مع مرحلة عدم استقرار في ‏المشهد السياسي - الحزبي الإسرائيلي. فقد سقطت حكومة نتنياهو الرابعة- 26/12/2018، وجرت خلال ‏عامي 2019 و 2020، 3 جولات انتخابية برلمانية [الكنيست 21- 9/4/2019؛ الكنيست 22- ‏‏17/9/2019؛ الكنيست 23- 2/3/2020]، حتى تمكن نتنياهو من تشكيل حكومة مع غانتس- ‏‏17/5/2020. وخلال ولاية هذه الحكومة تم توقيع «إتفاقات أبراهام» مع كل من الإمارات والبحرين ‏والمغرب والسودان برعاية إدارة ترامب. وقد تعامل نتنياهو مع توقيع هذه الاتفاقات، بالإضافة إلى «لقاء ‏نيوم» مع ولي العهد السعودي، باعتبارها إنجازاً سياسياً شخصياً سيعطيه زخماً قوياً يساعده ضد خصومة في ‏معركة البقاء التي يخوضها للاستمرار في منصب رئيس الوزراء. لكن حكومته مع غانتس انهارت- ‏‏22/12/2020، بعد نحو شهر من انعقاد اللقاء مع بن سلمان، على وقع تفاقم الخلاف بين طرفيها. ‏
‏■ خلال مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، عقب انتخابات الكنيست 24- 23/3/2021، إندلعت «معركة ‏القدس»- 13/4 إلى 21/5/2021، بفصلها الختامي «سيف القدس»- 10 إلى 21/5/2021، التي ‏ساهمت نتائجها الميدانية والسياسية في فشل نتنياهو بتشكيل الحكومة، في حين نجحت بذلك المعارضة - ‏‏6/2021، وتولى حينها رئيس حزب «يمينا»، نفتالي بينيت، رئاسة الحكومة، ثم أعقبه في الفترة الانتقالية بعد ‏سقوطها يائير لابيد رئيس حزب «يوجد مستقبل». وعلى الرغم من أن السجالات الناشبة بين «معسكر ‏نتنياهو»، وأحزاب المعارضة، على خلفية تداعيات «معركة القدس»، سادت المشهد الإسرائيلي في معترك ‏الصراع على تشكيل الحكومة، إلا أن جميع الأطراف تقاسمت، في الوقت نفسه، خطاب تبني مسار «إتفاقات ‏أبراهام»، والعمل على تعميمها، كعنوان أساسي في برامجها الانتخابية.‏
‏■ خلال ولاية حكومة بينيت/ لابيد- 6/2021 إلى 6/2022، عُقد «منتدى النقب»- 3/2022 السداسي ‏‏(الولايات المتحدة + إسرائيل + الإمارات + المغرب + البحرين + مصر)،باعتباره «إطاراً نموذجياً» صالحاً ‏لإعادة هيكلة الوضع في الشرق الأوسط وفق «إتفاقات أبراهام». وعشية زيارته إلى السعودية، وقَّع الرئيس ‏الأميركي بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي المناوب يائير لابيد على «إعلان القدس المشترك للشراكة ‏الاستراتيجية» - 14/7/2022. وأكد الإعلان توسيع الدعم الأمني والسياسي الأميركي لإسرائيل، وأشار، في ‏سياق الترحيب بمسار «منتدى النقب»، أن بايدن سيركز خلال زيارته إلى الرياض على ضرورة «بناء هيكل ‏إقليمي قوي، لتعميق العلاقات بين إسرائيل وجميع شركائها الإقليميين وتقدم الاندماج الإقليمي لإسرائيل، ‏وتوسيع دائرة السلام لتشمل المزيد من الدول العربية والإسلامية» [ص26 من كتاب «في مواجهة الحسم» ‏الرقم 43 من سلسلة «على طريق الاستقلال»، إصدار المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات(ملف)/ ط1: ‏‏2023]. ‏
‏■ غرقت حكومة بينيت - لابيد بخلافاتها بسبب مكوناتها المتناقضة، وسقطت بعد نحو عام من تشكيلها- ‏‏6/2022، ليعود نتنياهو مجدداً، وللمرة السادسة إلى رئاسة الحكومة- 12/2022، متحالفاً مع أحزاب ‏الصهيونية الدينية العنصرية المتطرفة، عقب إنتخابات الكنيست 25- 1/11/2022. وتصدر جدول أعمال ‏حكومة نتنياهو «الجديدة» ماسمي بـ «مشروع الحسم»، الذي يهدف إلى ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل ‏وحشر الفلسطينيين في جيوب سكانية، ويمثل هذا المشروع «نقلة خطيرة في السياسة التوسعية الإسرائيلية ‏المعتادة، مثل الاستيطان، والتهويد..، باتجاه تنفيذ عملية الضم عبر إجراءات ميدانية وقانونية مهدَّفة». ‏والجدير ذكره أن نتنياهو حسم، إسرائيلياً، مآل شعار «حل الدولتين» الغائم، الذي تغنى به البيان الصادر ‏عن «منتدى النقب»، عندما قال لاحقاً في الاجتماع المغلق للجنة الأمن والخارجية في الكنيست- ‏‏20/6/2023:«يجب العمل على اجتثاث فكرة إقامة دولة فلسطينية، وقطع الطريق أمام تطلعات ‏الفلسطينيين لإقامة دولة لهم» [ للمزيد، راجع فهد سليمان: «إنه الضم ياذكي»، ص 11 - 25، من كتاب ‏‏«في مواجهة الحسم»/ مصدر سبق ذكره]■ ‏
‏(3)‏
‏«الملف الفلسطيني» في محادثات التطبيع .. ‏
أخفض من سقف أوسلو
‏■ وضعت المحددات الإسرائيلية لسبل حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، الرياض في وضع معقد ما بين ‏تصريحاتها الرسمية بالتمسك بـ«مبادرة السلام العربية»، وما بين اندفاعة ولي العهد بن سلمان نحو تحقيق ‏شروط المملكة الخاصة مقابل التطبيع، في الوقت الذي تدرك فيه الرياض أن واشنطن وتل أبيب متوافقتان ‏حول «الحل الاقتصادي» للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وحول تثبيت مفهوم «الكيانية الفلسطينية» عند ‏حدود حكم ذاتي إداري محدود الصلاحيات، ودون أفق سيادي، وعدم المس بواقع الاستيطان. ‏
‏■ وقد جاءت تركيبة حكومة نتنياهو الأخيرة، وبرنامجها القائم على «مشروع الحسم»، لتضع تساؤلات جدية ‏حول مصير «مبادرة السلام العربية» في سياق المباحثات السعودية حول التطبيع ،الذي أعلن بن سلمان أنه ‏بات قريباً. ويقرأ معظم المحللين «تفاؤل» ولي العهد السعودي هذا، على أن لديه مقاربة مختلفة للمبادرة عما ‏كان عليه الأمر عند إطلاقها قبل 21 عاماً وفي ظروف دولية وإقليمية مغايرة للظروف القائمة. وتنطلق هذه ‏المقاربة من التمسك بالمبادرة من حيث المبدأ، من موقع احتواء المواقف المعارضة للتطبيع داخل العائلة ‏الحاكمة وفي أوساط سعودية مختلفة، ومن موقع طمأنة الجانب الفلسطيني. لكن من الناحية العملية، وفي ‏سياق المباحثات مع الولايات المتحدة والاتصالات مع الحكومة الإسرائيلية، يجري التعامل مع المبادرة ‏كـ«هدف مؤجل»، تشكل مجموعة «التنازلات» الإسرائيلية ،التي طرحت على إدارة بايدن لإقناع إسرائيل ‏بالقيام بها، محطة على طريق تحقيق هذا الهدف. وهي الفلسفة التضليلية ذاتها التي يتبعها الرئيس الأميركي ‏عند تكراره الحديث عن «حماية الطريق إلى حل الدولتين»، أي الحفاظ عليه كعنوان جاذب، وليس مشروعاً ‏جدياً مطروحاً للتطبيق. ولعل السفير السعودي غير المقيم والمعين لدى السلطة الفلسطينية، نايف بن بندر ‏السديري، كان واضحاً في هذا الاتجاه عندما صرَّح خلال زيارته إلى رام الله بأن« مبادرة السلام العربية هي ‏نقطة الارتكاز لأي عملية سلام مستقبلية» [صحيفة «الشرق»- 27/9/2023]. أي أن المبادرة العربية، بما ‏اشتملت عليه من أهداف وآليات ومرجعيات أممية، لن تكون بمنطوياتها، النص المحدد لهذه التسوية. ‏
‏■ لقد تعرضت «مبادرة السلام العربية»، التي باتت في الخطاب السعودي الجديد «نقطة إرتكاز» للتآكل ‏بمشاركة من أصحابها، واتضح ذلك في البيان المشترك الصادر عن لقاء وزير خارجية الولايات المتحدة توني ‏بلينكن مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي- 5/6/2023، بمشاركة الرياض، حيث جرى تضمين ‏المبادرة، في معرض الحديث عن «حل الدولتين» القبول بـ«تبادلات متفق عليها» للأراضي على «طول ‏حدود عام 1967»، بما يعني - على الأقل - ضم الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل [ص 23 من كتاب «في ‏مواجهة الحسم» - مصدر سبق ذكرهُ].‏
‏ ■ شجعت السعودية القيادة الرسمية الفلسطينية على الدخول على خط المحادثات بشأن التطبيع، من زاوية ‏التداول معها في «المطالب» المفترض تنفيذها كي يحظى مسار التطبيع بمباركة رسمية فلسطينية. وقد لاقى ‏هذا التوجه قبولاً إسرائيلياً باعتباره مدخلاً للضغط السعودي على الجانب الرسمي الفلسطيني، الذي استشعر ‏كغيره من الأطراف أن الرياض حسمت قرارها باتجاه التطبيع الذي بات مرهوناً بتلبية طلباتها ليس إلا. لكن ‏القبول الإسرائيلي للتوجه السعودي نحو القيادة الرسمية الفلسطينية كان مشروطاً على لسان نتنياهو الذي ‏قال: «يجب على الفلسطينيين أن يكونوا جزءاً من اتفاقية التطبيع السعودي – الإسرائيلي، لكن دون أن يكون ‏لهم حق النقض» [«الجزيرة نت»- 22/9/2023] مشيراً إلى أن «اتفاقات السلام» مع العرب لم تنجح في ‏الماضي لأنها قامت على «فكرة خاطئة»، وهي إبرام إتفاقية سلام مع الفلسطينيين أولاً. وهذه ترجمة مبسطة ‏للرؤية الأميركية - الإسرائيلية الموحدة حول آليات مشروع «السلام الإقليمي»، التي تقول بتقديم التطبيع ‏الرسمي العربي على البحث في الملف الفلسطيني، أو على الأقل فك الارتباط بينهما كما جاء في «مبادرة ‏السلام العربية».‏
‏■ كانت القيادة الرسمية الفلسطينية جزءاً من الموقف الفلسطيني العام الرافض لـ«صفقة القرن» بأهدافها ‏وآلياتها، وما نتج عنها من اتفاقات في مسار التطبيع. لكن المعضلة تمثلت في عدم تقدمها باتجاه تنفيذ ‏قرارات الإجماع الوطني التي أكدت وجوب القطع مع سياساتها السابقة تجاه عملية التسوية، وحددت هذه ‏القرارات موجبات هذا القطع بدءاً من الخروج من إملاءات «اتفاق أوسلو» السياسية والاقتصادية والأمنية ‏وتبني سياسة جديدة تقوم على رد الإعتبار للبرنامج الوطني الجامع، ومقارعة الاحتلال في الميدان والسياسة، ‏مع ما يتطلبه ذلك من خطوات ملحة على الصعيدين البرنامجي والمؤسسي. ‏
وقد أدت مراوحة القيادة الرسمية عند حدود رفض عناوين الصفقة الأميركية - الإسرائيلية واحتفاظها في ‏الوقت نفسه بخيارها القائم على استعادة مسار التسوية بشروطها السابقة المحكومة بسقف إملاءات أوسلو، ‏إلى أن تعيش حالة من «البطالة السياسية»، في الوقت الذي كان فيه الصراع في ذروة احتدامه ما بين ‏الحركة الجماهيرية الفلسطينية الناهضة وما بين الاحتلال. وهو ما أدى إلى عزلتها عن هذه الحركة من ‏جهة، وزيادة تهميشها في مجرى التحركات الإقليمية النشطة التي تمس مستقبل القضية الفلسطينية، من جهة ‏أخرى. وفي ظل هذا الوضع الذي تعيشه القيادة الرسمية الفلسطينية، جاءت المباحثات السعودية معها بشأن ‏‏«الملف الفلسطيني» في مسار التطبيع الذي شقته الرياض. ‏
‏■ جرت مباحثات فلسطينية - سعودية شارك فيها الرئيس محمود عباس خلال زيارته إلى السعودية - ‏‏4/2023، كما وقعت لقاءات عدة بين وفد من السلطة برئاسة حسين الشيخ، وزير الشون المدنية، بالسفير ‏السعودي، نايف السديري، في الأردن، ولقاءات أخرى أجراها الوفد في الرياض - 9/2023. وعشية هذه ‏اللقاءات كان هناك تقدير لدى الأوساط الرسمية الفلسطينية بأن دولة عربية بوزن السعودية، وفي ظل تلهف ‏تل أبيب وواشنطن على التحاقها بركب التطبيع، مؤهلة لأن تضغط من أجل إعادة مسار التفاوض على ‏‏«حل الدولتين» إلى الحياة، وقد عززت تصريحات مسؤولين سعوديين بأهمية التشاور مع الجانب الفلسطيني ‏اعتقاد أوساط السلطة الفلسطينية بوجود فرصة لتحقيق هذا الهدف. لكن الجانب السعودي وضعهم مباشرة ‏أمام أولوياته في المباحثات مع إدارة بايدن، ومقاربته الجديدة لاعتماد «مبادرة السلام العربية» منطلقاً للحل، ‏من زاوية أن طبيعة الحكم القائم في إسرائيل لا تسمح بمجرد التداول حول قضايا حيوية مثل الدولة والقدس ‏واللاجئين، وأن الشيء المتاح والممكن في ظل هذه الظروف قيام إسرائيل بعدد من الخطوات «المهمة»، ‏التي تحدث «تغييراً» جدياً في حياة الفلسطينيين يخفف معاناتهم، وتعيد الاعتبار لمكانة السلطة الفلسطينية، ‏إلى حين تسمح الظروف بتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني. وكان واضحاً أن الرياض تريد أن تسمع من ‏وفد القيادة الرسمية الفلسطينية طلبات محددة تنضوي تحت سقف مقاربتها الخاصة.‏
‏■ وعلى هذا، خرجت هذه المحادثات بالتوافق على فترة انتقالية لمدة ثلاث سنوات، يجري خلالها خلق ‏الأجواء الإيجابية الضرورية لتطبيق «مبادرة السلام العربية» (تسوية انتقالية جزئية)، وتضمن التوافق المطالبة ‏بتطبيق 14 إلتزاماً إسرائيلياً نص عليها «اتفاق أوسلو» ولم تنفذ، من بينها؛ النبضة الثالثة من الانسحاب ‏الإسرائيلي من مناطق الضفة، ويعني تنفيذها تقليص مساحة المنطقة «ج» حسب تقسيمات الاتفاق، والتي ‏تسيطر عليها إسرائيل بشكل كامل، لصالح توسيع المنطقة «أ» المفترض أنها تحت سيطرة السلطة ‏الفلسطينية، ووقف الاستيطان، وعدم بناء بؤر استيطانية جديدة، وعدم شرعنة البؤر القائمة، وعدم المس ‏بأموال المقاصة الفلسطينية من قبل إسرائيل، وعدم اقتحام المدن في المناطق المصنفة «أ»، وإطلاق سراح ‏الأسرى المعتقلين القدامى (ما قبل التوقيع على أوسلو). والمؤسف أن معظم هذه الطلبات عرضت سابقاً من ‏قبل إدارة الرئيس أوباما على مرجعية المفاوض الفلسطيني - 2010، كإجراءات تلتزم إسرائيل بالقيام بها ‏ضمن ما سمي بـ«بوادر زرع الثقة»، كي يوافق الجانب الفلسطيني فقط على الدخول مجدداً إلى ‏المفاوضات، وهو يستجديها اليوم لصالح تمرير إتفاق التطبيع الإسرائيلي - السعودي دون أن يضمن أن هذه ‏الطلبات ستجد طريقها للتنفيذ، في ظل حكومة إسرائيلية قائمة على العنصرية والتطرف، وفي ظل إدارة ‏أميركية ورثت الخطوط الرئيسية لسياسات ترامب تجاه القضية الفلسطينية.‏
‏■ يضاف إلى قائمة الطلبات، ما هي موجهة إلى الإدارة الأميركية، من بينها؛ إعادة فتح القنصلية الأميركية ‏في القدس الشرقية، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وشطب اسمها من قائمة الإرهاب، ‏والحفاظ على الوضع الراهن في القدس. والشيء الوحيد الذي نفذته إدارة بايدن هو استئناف الدعم المالي ‏للفلسطينيين الذي شطبته الإدارة السابقة. وفي موازاة قائمة المطالب التي ذكرت، أعلنت الرياض عن تقديم ‏دعم مالي للسلطة بمبلغ 170 مليون-$-، منها 70 مليوناً للأمن و100 مليون لميزانية السلطة■‏
‏(4)‏
خلاصات ‏
‏■إرتكبت القيادة الرسمية الفلسطينية خطيئة سياسية مزدوجة؛ أولاً برهانها على تحصيل إنجازات لصالح ‏الحقوق الفلسطينية عبر مسار التطبيع السعودي مع إسرائيل، على الرغم من معرفتها أن هذا المسار هو من ‏أخطر حلقات تطبيق «السلام الإقليمي» على القضية الفلسطينية، والتي وقفت هي ضده في إطار الموقف ‏الفلسطيني العام. وثانياً بقبولها تقزيم المطالب الفلسطينية نزولاً عند مقاربة ولي العهد السعودي لتطبيق ‏‏«مبادرة السلام العربية». ‏
المؤسف أن القيادة الرسمية وضعت بذلك المطالب الفلسطينية تحت سقف أكثر انخفاضاً من «أوسلو»، لأن ‏الولايات المتحدة وإسرائيل ستتعاملان، مع هذه المطالب التي كانت تندرج ضمناً تحت عنوان الالتزامات ‏الإسرائيلية في الاتفاق وفي سياق التفاوض حول تنفيذه، باعتبارها «قضايا كبرى» ينبغي التفاوض حولها من ‏أجل تحويلها إلى مسائل إدارية بحتة لا تتناقض مع خطة «السلام الاقتصادي»، التي طرحها نتنياهو وتبنتها ‏عملياً الإدارة الأميركية بشقيها الجمهوري والديمقراطي. ‏
يضاف إلى ما سبق أن ماتم التوافق حوله من مطالب بين السعودية والقيادة الرسمية الفلسطينية، بما فيها ‏المرحلة الانتقالية، ستمر حكماً عبر الأطر الإقليمية المؤسسة لاتفاقات شرم الشيخ والعقبة- 26/2 و ‏‏19/3/2023 (راجع ص53-57 من كتاب «في مواجهة مخطط الحسم»/ مصدر سبق ذكره)، من أجل ‏وضعها في سياق ترتيبات أمنية وفق الأسس والآليات التي قامت عليها هذه الأطر. وسينعكس ماسبق بشكل ‏كارثي على أية مداولات قادمة بشأن حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وخاصة أن أصواتاً دولية وإقليمية ‏متصاعدة تحيل ما يجري في قطاع غزة إلى استمرار الاحتلال والحصار وعدم قيام الدولة الفلسطينية ‏المستقلة. ‏
‏■ تنظر إدارة بايدن إلى النجاح في إبرام اتفاق التطبيع كإنجاز دبلوماسي مهم يُسجل لصالح رئيسها، والذي ‏لم يستطع تحقيق إنجازات جادة، وتحقيق ذلك سيصب في مصلحته على ابواب الانتخابات الرئاسية القادمة. ‏ورأى وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن أن الاتفاق يصب في خدمة الأمن القومي الأميركي، باعتباره ‏يعزز الخطة الأميركية لترتيب خارطة منطقة الشرق الأوسط ،على المستوى الجيو استراتيجي والتي بدأت مع ‏اتفاقيات أبراهام، وذلك كجزء من الاستراتيجية الأميركية لبناء تحالف إقليمي في المنطقة. ويساهم الاتفاق ‏برأي الولايات المتحدة في وضع حد للتقارب السعودي - الصيني الذي تطور خلال الأزمة السعودية ‏الأميركية الأخيرة. وترى إسرائيل أن توقيع الاتفاق يساهم في تحسين مكانتها الاستراتيجية على المستوى ‏الإقليمي، ويعمق من شرعيتها، ويفتح المجال لتطوير الاقتصاد الإسرائيلي من خلال زيادة الاستثمارات ‏الاقتصادية المتبادلة بين البلدين. كما يفتح آفاقاً أمام تل أبيب لتوقيع إتفاقيات أخرى مع دول عربية، ويعزز ‏في الوقت نفسه مساعي عزل إيران/ [مهند مصطفى/ مصدر سبق ذكره].‏
‏■ يرى محللون أن ولي العهد السعودي بالغ في توقعاته تجاه المنافع التي ستعود على المملكة من وراء ‏التطبيع. ففي المجال الأمني - يضيف المحللون - سيكون للاتفاق الأمني القوي مع الولايات المتحدة ‏استحقاقات عدة؛ أولها مراقبة واشنطن الدائمة لوتيرة العلاقات السعودية مع خصوم أميركا ومنافسيها، وفي ‏المقدمة الصين وروسيا والحد من تطورها، وضبط علاقاتها المستجدة مع إيران تحت سقف الاستراتيجية ‏الأميركية تجاه طهران؛ وسيخلق هذا الاتفاق توجساً لدى شركاء السعودية في مجلس التعاون الخليجي، وبرز ‏ذلك حتى قبل توقيع الاتفاق، فقد أوقفت الإمارات الاتصالات مع الولايات المتحدة المرتبطة بصياغة إتفاق ‏أمني جديد، لترقب ما الذي سيتم الاتفاق عليه بين واشنطن والرياض. ونقلت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية ‏‏«كان» عن مسؤولين في الإمارات قولهم «في حال منحت الولايات المتحدة تحالفا دفاعياً قوياً للسعودية، ‏فالإمارات سترغب بإقامة تحالف مع ضمانات مشابهة» [‏i24 NEWS‏ - 3/10/2023].‏
ومن شأن الاتفاق بشقيه الاقتصادي والسياسي أن يشكل عامل ضغط على السياسة النفطية السعودية منعاً ‏لتكرار تجاوزها المصلحة الأميركية، كما حصل عندما خفضت حصتها من الانتاج في إطار «أوبك»، ‏وسيزداد الضغط الأميركي على الرياض في حال تم تصنيفها كحليف من خارج «الناتو» من أجل أن تأخذ ‏موقفاً أكثر اقتراباً من المواقف الغربية تجاه الحرب في أوكرانيا■‏

المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات
‏ «ملف»‏
‏5/10/2023‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط


.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق




.. جامعة كولومبيا: فض اعتصام الطلبة بالقوة واعتقال نحو 300 متظا