الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تنازل عمر بن الخطاب و صلاح الدين الايوبي عن القدس لليهود ؟

محمد رضا عباس

2023 / 11 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


لقد اصبح الدفاع عن حق الفلسطينيين في استرجاع ارضهم مطلب عالمي , بعد ان عمت التظاهرات القارات الخمسة ضد جرائم الكيان الصهيوني على سكان غزة , ولم يعد عند مناصري الدولة الصهيونية من العرب من كلام يدافعون عنها , الا من خلال تزوير التاريخ , ولكن هذه المرة تزوير التعامل الإسلامي مع اليهود في القدس . ففي الآونة الأخيرة خرجت عدد من الكتابات تزعم ان امير المؤمنين عمر بن الخطاب والقائد الإسلامي صلاح الدين الايوبي قد سمح لليهود العودة الى مدينة القدس , وبذلك اعتبر ان قبول هاذين القائدين الإسلاميين عيش اليهود في القدس هو اعتراف صريح بيهودية القدس . لقد ظهر " خبير قانوني و متخصص بالشؤون الإسلامية" من مصر العربية على اليوتيوب وهو يصرح ان الخليفة عمر بن الخطاب و القائد صلاح الدين وثالثهم محمد أنور السادات , رئيس مصر العربية الأسبق , قد اعترفوا بحق اليهود في فلسطين وان المعارض لذلك الاعتراف هو من لم يقرأ القران ولم يتفقه فيه ! بقول اخر , وحسب ما قاله الأخ من مصر , ان اعتراف هؤلاء القادة بيهودية فلسطين ما هو الا تصديقا لقول الله سبحانه وتعالي "يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ". وعلى ضوء ما ذهب هذا "الفقيه" فان كل من استشهد من العرب والمسلمين في الحروب مع إسرائيل مصيرهم النار, لانهم لم يتبعوا ما فرضه الله.
طبعا الذي يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي سوف يجد الكثير من هذه الدعوات التي أصبحت مصدر تشويش لفكر القارئ و المستمع , خاصة وان ضرورات الحياة المزدحمة لا تسمح بتدقيق صحة كل خبر او حديث يطلق . وعليه فانه اصبح من واجب الطبقة المثقفة الوطنية والحرة اسكات هذه الأصوات عن طريق نشر الحقائق التاريخية والتفاسير المعتبرة التي تعاملت مع القضية الفلسطينية خدمة للحقيقة ودعما للقيم الإنسانية .
بالنسبة لي , ان فلسطين عربية وهذا شعار تعلمته منذ الصغر وما زلت امن به , وان ارض فلسطين ارض عربية حالها حال مصر والمغرب والعراق والسعودية والشام وان كل من ينكر هذه الحقيقة فهو يخالف الحقائق التاريخية . لقد جاء في حديث الامام الأكبر الدكتور احمد الطيب , شيخ الازهر, وهو يتحدث عن عروبة القدس " ان تاريخ العرب في هذه الأرض يعود الى 5 الاف سنة , فالكنعانيون واليبوسيون وهم فرع من كنعان , هاجروا من اليمن الى شمال الجزيرة العربية وحكموا هذه المدينة اكثر من الف سنة, ويوجد كتاب اسمه "القدس في الضمير" لخص تلخيصا دقيقا تاريخ الأمم التي حكمت القدس . وقد سجل التاريخ ان اليبوسيين هم اول من حكمها من 3000 ق م الى 1750 ق م , يعني انهم حكموا لمدة 1250 سنة , ثم جاء الهكسوس حكموا 150 سنة , ثم الفراعنة المصريين حكموا 200 سنة , ثم جاء بنو إسرائيل مع سيدنا داود وسيدنا سليمان وحكموا 463 سنة فقط , حتى جاء الاشوريون فحكموها 8 سنين , وبعدهم البابليون حكموا 49 سنة , ثم الفرس 206 سنوات , وبعدهم حكمها اليونان 166 سنة , ثم المكابيون 103 سنوات , وبعدهم الرومان حكموها 298 سنة , ثم عاود الفرس احتلالها 14 سنة , ثم البيزنطيون 300 سنة , حتى فتحها المسلمون , ثم احتلها الصليبيون فترة قبل ان يحررها المسلمون وبذلك يكون المسلمون قد حكموها 1383 سنة ".
اذن , ان القدس لم تكن صحراء قاحلة لا ماء ولا شجر , لم تكن حكرا على اليهود , وانما كانوا قوم اشتد ساعدهم وتجمعوا حول انبيائهم وانتصروا في معركتهم مع " جالوت" واصبح لهم مملكة تحكم القدس واطرافها حتى انتهى حكمهم على يد الاشوريين ومن بعد الاشوريين البابليون والفرس واليونان وهكذا. وبذلك ان حكمهم للقدس عدد سنين لا يعطيهم الحق بامتلاكها بعد ان انتهى حكمهم بما يقارب 2500 سنة. ولو تبنينا موقف اليهود من القدس لأعطينا القدس هذا اليوم الى اليبوسيين , حيث انهم اول من حكم البلاد .
ومن قراءة تاريخ حكم المدينة يصل الى قناعة ان هذه المدينة قد سكنها اقوام كثيرون : عرب وفراعنة و يونانيين ويهود و فرس و رومان . وان ليس من الضروري ان يكون سقوط حكم معين بدون معاقبة أنصاره كما حدث لليهود على يد الرومان الذين هدموا القدس و الهيكل سنة 70 ميلادية على يد الامبراطور تيتوس وانتهت صلتهم ببيت القدس بعد خسارة حربهم ضد الامبراطور هادريان عام 135 ميلادية .
لم يذكر التاريخ لنا عدد اليهود في القدس عند سقوطها بيد المسلمين من البيزنطيين , ولكن عددهم كان من القلة بحيث لم يذكرهم الخليفة عمر بن الخطاب في عهده المعروف (العهد العمري) للمسيحيين عند دخوله للمدينة . لقد اتفق السواد الأعظم من المؤرخين , عدا الطبري, بان العهد العمري لم يشترط بعدم السماح لليهود ان يسكنوا بيت المقدس . وهكذا بقى اليهود افرادا او جماعات يعيشون في القدس أحرارا وبدون الخوف من القتل على يد اعدائهم , في زمن الدولة الراشدية و الاموية والعباسية حتى احتل الصليبيون القدس وطردوا منها اليهود .
استرد صلاح الدين الايوبي القدس عام 1187 من الصليبيين بمعركة حطين الشهيرة التي قضت على الحملة الصليبية الثانية و تم الاتفاق بين صلاح الدين وامبراطور إنجلترا ريتشارد على ان يدوم الصلح لمدة ثلاث سنوات وثلاثة اشهر وان يتخلى الصليبيون لصلاح الدين عن عسقلان وغزة والداروم , وان للنصارى الحرية التامة في زيارة الأماكن المقدسة في القدس دون ان يؤدوا ضرائب للمسلمين وتكون السيادة على الأماكن التعبدية _ بما فيها اليهودية_ بحسب الاتفاقية من صلاحية المسلمين.
اذن , ان صلاح الدين لم يدعوا اليهود من الشتات للتجمع في القدس او تشكيل حكومة لهم او امتلاك ارض القدس , وانما كانوا موجودين فيها حالهم حال أي قوم او قبيلة أخرى , وعاملت الاتفاقية اليهود على انهم سكان من اهل القدس ,مثل معاملة المسيحيين وانهم احرار في ممارسة طقوسهم الدينية على ان تكون إدارة أماكن العبادة بيد الدولة الايوبية , وبذلك فان من يقول بان صلاح الدين الايوبي هو الذي مهد الطريق لليهود بتأسيس دولتهم ما هو الا هراء وكذب فاحش . كل ما صنعه الرجل , هو ما يصنعه زعماء العالم " المتحرر" الان , وهو السماح لأبناء شعبهم ممارسة طقوسهم الدينية بحرية . على سبيل المثال , ان سماح ايران لأصحاب الديانة الزردشتية لا يعني انها قد تخلت من المناطق التي يتكاثر عليها انصار هذا الدين , و لا يعني سماح لبنان ممارسة الشيعة طقوسهم يوم عاشوراء ان الحكومة اللبنانية قد تخلت عن الجنوب , ولا يعني سماح المملكة العربية السعودية للإسماعيليين ممارسة طقوسهم انهم قد تخلوا عن منطقة جيزان , مكان تجمع هذه الجماعة.
نعم اعترف الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات بالدولة العبرية لظروف معروفة , حيث من خلال هذا الاعتراف استطاع استرجاع جزيرة سيناء الى مصر مقابل الاعتراف. وهكذا , فان الرئيس محمد انور السادات هو الأول من اعترف بالدولة العبرية , وليس عمر بن الخطاب او صلاح الدين الايوبي.
بقى السؤال هو , هل صحيح ان الله وعد بني إسرائيل بالأرض المقدسة ؟ والجواب هو نعم , ولكن بشرط وهو ان يكونوا من المؤمنين الذين يعملون بكتاب الله , وطالما وان اليهود لم يتبعوا ما كتب الله لهم , فان هذا الحق قد انتزع منهم , تماما مثلما انتزع الله الجنة من ادم عندما خالف امره. الله وعد البشر بالجنة , ولكن هذا الوعد مشروط بان يتبع البشر تعاليم الله , ومن لم يتبع تعاليمه لا يدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش