الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس ومعضلة الديون الخارجية

الطاهر المعز

2023 / 11 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


أنتَجَت السياسات الليبرالية - بين سنتَيْ 1970 و 2010 - الفقر والبطالة وخلقت الظروف الموضوعية لانتفاضة 2010/2011، كردّ فعل على الخيارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية للدّولة، طيلة أربعة عُقُود، وبرزت قُدْرَة سُكّان المناطق الدّاخلية (غير السّاحلية) والأحياء الشّعبية على النّضال وعلى الصّمود، رغم القمع والقتل والإصابة بالرصاص الحي والإعتقال، غير إن القوى التّقدّمية التي يُفْتَرَضُ أن تُرْشِدَ جماهير الفُقراء والكادحين، وتَقُودهم إلى النّصْر، وتحقيق مطالبهم، كانت دون مستوى جماهير الفُقراء وكانت عاجزة على طرح بديل للنظام القائم، فاستولت القوى الرجعية على السّلطة فتغيرت الوجوه والأسماء ولم تتغيّر البرامج السياسية والإقتصادية، وتغيّر شكل الحكم، من دكتاتوري بوليسي إلى دكتاتوري برلماني، وبقي النّظام تابعًا للقوى الإمبريالية وحارسًا لمصالحها، مقابل تعهّدها بتقديم "مُساعدات" بقيمة أربعين مليار دولارا إلى الدّول التي انتفض سُكّانها (المغرب وتونس ومصر والأردن واليمن ) غير إن هذه "المُساعدات" (التي لم تأتِ) هي قُرُوض مَشْرُوطة بتطبيق برامج الإصلاح الهيكلي التي انتفضت ضدها جماهر البلدان الفقيرة خلال العِقْدَيْن الأخيرَيْن من القرن العشرين، وبخصخصة المؤسسات العمومية و"تحسين مناخ الإستثمار للقطاع الخاص" وتغيير قوانين العمل، من خلال ما يُسمّيه صندوق النّقد الدّولي "المُرُونة" أي العقود قصيرة الأجل والعمل بدوام جزئي والهشاشة، و"نَصَح" البنك العالمي حكومة ائتلاف الإخوان المسلمين والدّساترة (أتباع بورقيبة وبن علي) ورجال الأعمال الفاسدين ب"تعزيز المنافسة وتحسين مناخ الأعمال... وتحرير سوق العمل والشروع في الخصخصة والشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص..."، والتزمت الحكومة التي هيمن عليها الإخوان المسلمون سنة 2012 بتطبيق الليبرالية الإقتصادية والخصخصة والتقشف وخفض الإنفاق الحكومي، مقابل الحصول، منتصف سنة 2013، على قرض بقيمة 1,75 مليار دولارا، وتعدّدت الحكومات التي كان حزب الإخوان المسلمين محورها ولم تتغير السياسة الإقتصادية التي منحت العديد من الحوافز للشركات العابرة للقارات وخفض دعم السلع والخدمات الأساسية وزيادة الضّرائب وخصخصة المصرف المركزي بذريعة "استقلاله" عن الدّولة (عارض جزء من الإخوان المسلمين "استقلالية المصرف المركزي في بداية الأمر ثم تأقلموا مع أوامر صندوق النقد الدّولي) بهدف خفض قيمة العملة المحلية (الدّينار) ورفع سعر الفائدة، وتجدر الإشارة إن "استقلالية" المصرف المركزي هي مُرادف لعدم إقْراض الدّولة التي تلجأ إلى القطاع المالي الخاص بفوائد مرتفعة جعلت القطاع المصرفي التونسي أهم قطاع مُرْبح في البلاد، وحصلت الحكومة، منتصف سنة 2016، على قرض بقيمة 2,9 مليار دولارا، شرط خفض الضرائب على رأس المال وزيادتها على الأجور وزيادة الضرائب غير المباشرة (ضريبة الإستهلاك) وخفض قيمة الدّينار وتجميد الرواتب، رغم زيادة الضرائب وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية والطّاقة ورفع الدعم عنها، وتجدر الإشارة إن الدّولة تستخدم الدّيون الجديدة لتسديد الدّيون القديمة وفائدتها المرتفعة (خدمة الدَّيْن) ويَحْظر الدّائنون استخدام الدّيُون (التي لا تتسلمها الدُّوَل دفعة واحدةً بل أقساطًا، بعد مراقبة دقيقة لمدى الإلتزام بتطبيق الإملاءات من خصخصة وتقشف وخفض قيمة العُمْلة وما إلى ذلك.
التزمت الحكومات المتعاقبة بتطبيق شروط الدّائنين، لكنها لم تتمكّن من تطبيقها بالسّرعة المطلوبة بفعل مُقاومة الأُجراء (عبر الإتحاد العام التونسي للشغل) وصغار الفلاحين وسُكّان "الأطراف" والأحياء الشّعبية، وعودة مطالب 2010/2011 إلى الواجهة، ما أجبر تلك الحكومات على "تأجيل" تطبيق بعض بُنُود برنامج "الإصلاح الهيكلي"، ولم يتغير الأمر بعد 25 تموز/يوليو 2021، حيث لا تزال معضلات توفير الوظائف والرّعاية الصّحّيّة والتعليم وارتفاع حجم الدّيون الخارجية وقُيُود اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي قائمة، وذلك في ظل غياب القوى التقدّمية والثّورية التي دعم بعضها الرئيس قَيْس سعَيِّد فيما تحالف بعضها الآخر مع الإخوان المسلمين والقوى الرجعية الأخرى، ولم تتراجع منظومة الحكم الجديدة عن سياسة التقشف وتجميد الرواتب وخفض الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب، فضلا عن تحويل البلاد إلى سجن للمهاجرين من فُقراء إفريقيا الراغبين في التّوجه إلى أوروبا بحثًا عن القُوت، مقابل بعض الفُتات وتقديم بعض تجهيزات المراقبة لشرطة الحدود البحرية (خَفْر السّواحل) من زوارق وأسلحة خفيفة وكاميرات الخ
أدّت القروض الخارجية التي حصلت عليها الدّولة منذ سنة 2011 إلى انخفاض مبالغ الجِباية من أرباح الشركات ومن الرُّسُوم الجمركية فتراجعت موارد الدولة وزادت حاجتها إلى الإقتراض بنفس الشروط والاملاءات لما قبل سنة 2011، وأدى إلغاء دعم القطاع الفلاحي إلى انخفاض إنتاج الحُبُوب والحليب واللُّحُوم والخضروات والفواكه وتوريدها بالعملات الأجنبية التي ارتفعت قيمتها مقابل الدّينار التونسي فارتفعت أسعارها بشكل جنوني، وأدّى ارتفاع الدّيُون إلى ارتفاع خِدْمَة الدّيْن التي استنزفت نحو ثُلُثِ إيرادات الدّولة ومعظمها من الضرائب وخصوصًا الضرائب غير المُباشرة التي تضاعفت نسبتها، وبلغت إيرادات الضرائب حوالي 92 مليار دينارًا، خلال الفترة 2011/2022، لكن ارتفاع حجم الدُّيُون زاد من تَبَعِيّة اقتصاد البلاد من ضيق هامش استقلاليتها الإقتصادية والسياسية، وبذلك يجد المواطنون أنفسهم في وضع ما قبل انتفاضة 2010/2011، مع بعض الفوارق ومن بينها ارتفاع حجم الدّيون وانخفاض موارد الدّولة وارتفاع نسبة البطالة والفَقْر والأُمِّيّة، وتُظْهر ميزانية سنة 2024 مدى التّقَهْقُر والتّراجع الإقتصادي...
يمكن مراجعة مقال بعنوان: اقتصاد تونس – آفاق 2024 – الطاهر المعز 23/ََ/2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران