الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كامب ديفيد ورحيل روزالين كارتر

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2023 / 12 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


إلى روح روزالين كارتر ،،،
أثار وفاة روزالين كارتر فى19 نوفمبر الماضى هذا ذكريات كامب ديفيد ، فى خضم الدماء فى غزة ومؤامرات المتصالحين فى صلح إبراهيم وصفقة القرن والصورة المأساوية الكبيرة للوطن وللشرق الأوسط ، برزت ذكريات كامب ديفيد كأنها ذكرى من ذكريات الزمن الجميل ، كما إعتدنا أن نقول اليوم عن الماضى القريب بالنسبة لحاضرنا المؤلم ،،،
يبدو لى هذا المقال من البداية صعباً ، ولاأعرف إذا كنت أهديه إلى روزالين أم إلى كامب ديفيد ، كما لاأعرف إذا كان سيصنف فى النهاية فى باب السياسة أم فى باب السيرة الذاتية ، فأنا من جيل كامب ديفيد ، تخرجت من كلية الآداب مع توقيع المعاهدة ، وأعطتها تأييدى المطلق ، رغم تعارض ذلك مع إيماناتى اليسارية الشديدة فى ذلك الوقت ، فقد كنت أتصرف بالفطرة ، هتفت للسادات وكارتر بحماسة هيسترية عندما مرا أمامى على شاطىء البحر بمنطقة محطة الرمل بالإسكندرية ، مدينتى الجميلة التى فقدت ملامحها ، كان إندفاع أدهشنى أنا نفسى ، كما أدهش صديقى حسين تمراز الذى كان معى فى تلك اللحظة ، والذى لاأعرف أين أراضيه اليوم ، كما لا أعرف كيف أصبحت أنا أعيش فى إندونيسيا ، ولا كيف تدهورت الأحوال فى بلادى المستورة كل ذلك التدهور ،،،
وصف كثير من الناس كامب ديفيد بالخيانة الكبرى ، الأجيال التى عاشتها مثلى ، أو التى أتت بعدنا وورثت العداء لها ، قالت عنها إستسلام للعدو ومذلة ، لأأعرف كيف وقد حققت السلام بين الدول الأربع المعنية مصر وإسرائيل وفلسطين والأردن، لقد رأيت الإسرائيليين يزورون مصر بلاحارس ولاخوف عندما كانوا يأتون سنوياً إلى مولد أبو حصيرة بدمنهور القريبة من الإسكندرية ، أحد أوليائهم المشهورين ، مقبرته مازلت فىى منطقة دمنهور ، وكانوا ينزلون بفندق سان إستفانو القديم حيث كنت أعمل فى الفترة مابين 1980-1983 قبل أن أرحل للعمل فى السعودية ، ومنها إلى إندونيسا ، كان هؤلاء الضيوف الذين يشبهوننا فى معظم الأشياء تقريبا يأكلون من الطعام الذى نقدمه لهم فى الفندق بلاخوف ولافحص مسبق ، والغريب أنه لم يكن أحد يحرسهم سوى المرشد السياحى الذى كان يأتى معهم ، معظمهم كان يعرف العربية بلهجات البلاد العربية المختلفة ، وكان يوم زيارتهم يوم فرح وضجيج فى الفندق ، سمعت أيضاً عن المصريين الذين هاجروا إلى إسرائيل بالمئات والآلاف وتزوجوا وعاشوا هناك وإنقطعت أخبارهم ، كما سمعت من صديقى المرحوم رفعت رسمى أستاذ أمراض النبات فى معهد العلوم الزراعية أنه عندما زاروا القدس فى رحلة دبرها المعهد ، رأى شرطى فلسطينى وشرطى إسرائيلى يتبادلان السجائر وهم يحرسان أحد أبواب المسجد الأقصى ، فى مشهد لايصدق ، حكايات كالأحلام اليوم ، لم أقرأ عنها فى كتاب لكنى عشتها بنفسى ، ولا أعرف كيف يمكن أن يكون كل ذلك السلام الذى عاش نحو عشرين عام من كامب ديفيد الأولى حتى كامب ديفيد الثانى ، 1979-2000 ، إستسلام ومذلة ؟ هل يعقل أن يكون السلام إستسلام ومذلة ؟
كانت كامب ديفيد طعنة كبرى فى صدر أعداء السلام رغم أى نقائص شابتها ، أعادت سيناء إلى مصر ، أسست للسلطة الفلسطينة فى أوسلو 1993، ومنحت الفلسطينين وجهة وهوية ، كما أسست للسلام مع الأردن فى إتفاقية وادى عربة 1994م ، والأهم من كل ذلك فقد قربت بين كل تلك الشعوب المتصارعة، وإستمرت فى صعود حتى كامب ديفيد الثانية ، إستمرت فى الصعود حتى بعد إغتيال السادات وإسحاق رابين ، كانت مثل كرة الثلج التى تكبر وتكبر كلما تدحرجت إلى أسفل ، كانت محاولة كبرى لتفكيك للصراع الدينى المزمن فى تاريخ الشرق الأوسط ، والقضاء على لعنة إبراهيم التى لم نتعرف عليها إلا اليوم فقط بعد أن هرمنا ، التاريخ لايمكن إدراكه وفهمه إلا فى نهاية العمر ، لذلك أنا هللت بهستيريا عندما مر أمامى السادات وكارتر ، كنت أتصرف بالفطرة ، اليوم فقط أستطيع أن أحل الشفرة ، كنت أهلل للضربة القاضية التى نالها الإسلام السياسى ، بصرف النظر عن كونى إشتراكياً أو ليبرالياً ، فبقدر السلام تموت الأصولية والدين السياسى ، وبقدر الكراهية تنتعش وتحيا ، لقد كنت أحتفل بموت الأصولية الصاعدة فى السبعينات ، والتى أعجزتنا فى الجامعة ، بعد أن تلقت طعنة كبرى ، طعنة السلام ، سلام كامب ديفيد الذى أذعج نتنياهو وبن عمير وأصحابهم ، والذى أصبح وجه روزالين كارتر الطيب رمز له ، لكن تأتى الرياح بما لاتشتهى السفن ،،،
رفض عرفات التسوية النهائية فى كامب ديفيد الثانية بسبب مشكلة اللاجئين ، كما حدث فى مفاوضات 1948 مع الجيل الذى سبقه ، أصرعلى إدماجها فى إتفاقية واحدة ، ورفض تخصيص مسار خاص بها ، رفض موافقة الطرف الإسرائيلى على تسليم الضفة والقطاع وتقسيم القدس ، وتأجيل مشكلة اللاجئين لتطرح فى ملف منفصل ، لم ينتبه إلى حكمة إبراهام لينكولن حين قال عن حرب تحرير العبيد ، أننا لانحرر الألاف المستعبدة اليوم ، لكننا نحرر الملايين الذين سيأتون بعدهم ، وهكذا كانت الطامة الكبرى ، سقط أنصار السلام وصعد الأصوليون إلى الحكم ودمروا كل شىء ، والعصور تأنى وتذهب مع أصحابها ، ففجأة تغيرالزمن بسرعة وسقطت دول وإرتفعت دول أخرى ، ومصر التى كانت تحرك المنطقة أصبحت المنطقة وأموال البترول تحركها ، وذهب زمان كامب ديفيد وحل محله زمان صلح إبراهيم وصفقة القرن والغدر بدول كامب ديفيد والطمع فى أراضيها ، ليتوج كل ذلك اليوم بالإبادة الجماعية والتهجير فى غزة، والتربص بإسقاط السلطة الفلسطينية وإغراق كل المنطقة فى الفوضى ،،،
رحم الله روزالين كارتر ، وزمانها الجميل ، إستضافت السلام فى كامب ديفيد ، بكل كرم ومحبة ، ولن ينساها التاريخ أبداً ،،،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تقييم موضوعي لفرصة كامب ديفيد
د. لبيب سلطان ( 2023 / 12 / 1 - 09:09 )
شكرا للاستاذ لمقالته اللامعة..والحقيقة ان اغتيال فرصة السلام واقامة حل الدولتين اتت من نفس الطرفين اللذان دمرا غزة اليوم كما دمرا حل السلام ..ناتنياهو والسلفية اليمينية اليهودية ..وحماس والسلفية الاسلاموية وتفرعاتها الايرانية في اربع دول عربية
اعتقد ان تحليل الظروف التي ادت الى كامب ديفيد الثانية وكانت مؤاتية تشير انه بغياب اطراف دولية واقليمية للمتاحرة بالقضية، وانكفاء اليمين الاسرائيلي والسلفي الاسلاموي في عام 2000 جعل فرصة التفاهم والسلام مؤاتية ..فرصة ضيعها عرفات لخوفه من السلفية فتراجع..ومنها صعدت السلفيات ..ودخلت ايران ..ودخل بوتين ..واردوغان..وكل من يتاجر بالقضية ليقيم امبراطورية ..ورجعنا للسبعينات ..ومنه وقعت القضية الفلسطينية في قبضة المزادات بانواعها ..وربما الانتظار خمسين سنة اخرى لتحين فرصة يضعف فيها المزايدون والتجار الكبار والصغار ..كي تخلق ظروف حلها من جديد ، فالحل يحتاج بيئة طرد المزايدات والدجل الايديولوجي والتجار
شكرا للكاتب على اناقته وجمال طرحه


2 - الرد على تعليق رقم 2 للدكتور لبيب سلطان
عبدالجواد سيد ( 2023 / 12 / 1 - 09:54 )
الدكتور لبيب ، طبعاً أتفق معكم أن وجود الأطراف الدولية واٌلاقليمية الفاعلة هو الذى أدى إلى كامب ديفيد وإن إهدار الفرصة التاريخية التى أتاحتها كامب ديفيد أدى إلى صعود كل اليمين فى المنطقة وليس اليمين اليهودى فقط ، حضرتك قدمت الصورة الشاملة ، للموضوع ، ، مع ذلك فإن المبادرة اليوم فى يد اليمين اليهودى فقط يتنازل عن صلح إبراهيم وصفقة القرن ويعود إلى مسار كامب ديفيد ومبادرة السلام العربية وسيجدنا جميعاً وكل العالم معه، تعليقكم أثرى الموضوع ، شكراً على مروركم الكريم


3 - مسؤولية الأنظمة الملكية الرجعية في ضياع فلسطين
حميد فكري ( 2023 / 12 / 1 - 14:11 )
الحقيقة يا أستاذ عبد الجواد سيد ، أن من ضيع الفرصة التاريخية على الشعب الفلسطيني ، في إقامة دولته ، هو الأنظمة الملكية الرجعية(المصرية ،الأردنية والعراقية) أنداك ، إثر هزيمتها النكراء التي قادت الى النكبة ، بسبب رفضها قرار التقسيم ،1947.

الإتحاد السوفييتي ،أيد هذا التقسيم .ومعه جزء من الحركة الشيوعية .
وماحصل للقضية من تطورات ليس سوى تداعيات تلك الهزيمة النكراء ، التي تبين لاحقا أن من بين أهم أسبابها ،هو عدم الجاهزية ،والتنافس بين تلك الملكيات ،وصفقة الأسلحة الفاسدة التي حاربت بها جيوش تلك الأنظمة الفاسدة الرجعية .

طبعا ،كيف تنتصر تلك الأنظمة الرجعية العميلة ،وهي لاتزال تحة رحمة سيدتها بريطانيا!!!


4 - للتاريخ حول موقف النظم الملكية من فلسطين
د. لبيب سلطان ( 2023 / 12 / 1 - 16:36 )
عام 1948 وهو عام قيام اسرائيل كان بقرار دولي مشترك للغرب والشرق اتخذ باقامتها ولكل من الشرق والغرب موقفه ومصالحه ..الانظمة الملكية حاربت اسرائيل نصرة للشعب الفلسطيني وارسلت جيوشها دون دعم ..الغرب يرفض ابادة دولة يهودية نشأت للتو في الشرق الاوسط والسوفيت سلحوا اسرائيل من خلال جيكوسلوفاكيا والغرب لم يسلح العرب ..انتهت باستيلاء عبد الله على الضفة والقدس الشرقية وفاروق على غزة وهي ضمن خطة التقسيم للامم المتحدة
لم تكن للدول الملكية جيوشا جرارة ..فهي دولا فقيرة اساسا ( ميزانية العراق حوالي 5 مليون دولار اومئتي مليون اليوم) ..قاتلت رغم وقوف الشرق والغرب ضد حربها وهذا يحسب لها..ام ما عليها فهوانها لم تقم دولة فلسطينية ..عبدىالله طمع بالضفة والقدس وفاروق بغزة ..توسيعلاللعرش..وقبلها عام 47 ولنفس السبب رفضت الجامعة العربية الاعتراف بامين الحسيني ملكا على فلسطين .اطماع عبد الله من جهة..وهو كان سلفي اساسا متهما باتعاون مع النازية ورفضه الانكليز ( عكس اليهود شكلوا فصيلا للقتال مع الانكليز ضد هتلر) ومع السوفيت باسم الاشتراكية والتحرر من الاستعمار ..كسبوا الطرفين وبقي الشعب الفلسطيني دون دولة


5 - الرد على الأستاذ حميد فكرى تعليق رقم 4
عبدالجواد سيد ( 2023 / 12 / 1 - 21:35 )
الأستاذ حميد فكرى ، الواقع هو أن كامب ديفيد كانت إحياء لقرار التقسيم ووضعه على أرض الواقع ، لا ننكر الموقف المتفرق والمصالح المختلفة للجيوش العربية فى حرب 1948 لكن لاننسى الدعم الغربى المخطط خاصة من بريطانيا والولايات المتحدة والذى ساهم فى تلك النكبة أيضاً، أما بالنسبة للتاريخ المعاصر كامب ديفيد كانت إحياء لقرار التقسيم مرة أخرى ، فرصة تاريخية ضيعها عرفات ، ومازلت مرفوضة من اليمين الإسلامى كما هى مرفوضة من اليمين اليهودى ، اليمين المتدين هو سبب الكارثة على الجانبين ، شكراً على مروركم الكريم


6 - لماذا استاذ عبد الجواد منعت تعليقي رقم1الرجاء التو
المتابع ( 2023 / 12 / 1 - 22:39 )
الرجاء التوضيح خاصة ولانه ايجابي ويقيم مقالكم عاليا-تحياتي


7 - الرد على التعليق رقم 7 للأستاذ المتابع
عبدالجواد سيد ( 2023 / 12 / 2 - 14:36 )
الأستاذ والصديق المتابع أنا لم أمنع تعليقكم ، تعليقكم يسعدنى ويشجعنى ولكن الحوار المتمدن هو
، الذى منعه أو لم ينشره كاملاً أعتقد لإنه لايقبل الأسماء المجازية مثل المتابع مثلاً والله أعلم
عموما يمكنكم إرسال الشكوى إلى الحوار المتمدن مباشرة ، يوجد عبارة أسفل التعليق المبتور تقول ، إرسال شكوى على عدم نشر التعليق، يمكنكم الضغط عليها وإرسال الشكوى إلى الحوار مباشرة ،
كل التحية والتقدير


8 - الرد للمرة الثانية على الصديق المتابع تعليق رقم 7
عبدالجواد سيد ( 2023 / 12 / 2 - 14:49 )
الصديق المتابع أنا لم أمنع تعليقكم برجاء إرسال شكوى إلى الحوار المتمدن مباشرة للإعتراض على منع التعليق ، عبارة إرسال شكوى على منع التعليق مكتوبة أسفل تعليقكم المبتور مباشرة، ربما منع لإنهم لايقبلون الأسماء المجازية والله أعلم ، وشكرا على تعليقكاتكم المشجعة دائما اكل لتحية والتقدير


9 - الرد للمرة الثالثة على الصديق المتابع تعليق رقم 7
عبدالجواد سيد ( 2023 / 12 / 2 - 14:54 )
الصديق المتابع لم أمنع تعليقكم ربما خطأ فنى يمكن مراجعة الأمر مع الحوار المتمدن كل التحية والتقدير لشخصكم الكريم


10 - توضيح
عبدالجواد سيد ( 2023 / 12 / 2 - 15:10 )
ألى جميع الأصدقاء أنا لا أمنع أى تعليقات الموضوع خاص بقواعد النشر لدى الحوار المتمدن برجاء إرسال شكوى إلى الحوار مباشرة على أى تعليق ممنوع من النشر كل التحية والتقدير

اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح