الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق التعددية محفوظة للإرهابيين

طارق الهوا

2023 / 12 / 1
كتابات ساخرة


قد يتفهم المرء هجمات الجهاديين على كنائس الشرق الأوسط ونسفها وقتل القساوسة أحياناً، لأن المسيحيين أقليات من الدرجة الثانية، والرؤساء إما سلفيين أو رعاة لهم بنفقات حكومات تهتم بالخطاب الديني أكثر من البحث العلمي، لكن الهجمات على كنائس الغرب تحت سمع وبصر رؤساء مسيحيين/علمانيين وأغلبية مسيحية أمر محير، خصوصاً عندما لا يشير الاعلام الغربي إلى "حوارات الأديان" الحقيقية على أرض الواقع، وليس في أجواء نفاق الصالونات الدينية، وتصمت الحكومات عما تتعرض له الكنائس المسيحية من هجوم في جميع أنحاء أوروبا الغربية، مثل النمسا وألمانيا وإيطاليا والسويد.
تفوقت فرنسا على جميع دول أوروبا الغربية لجهة الهجمات على كنائسها، ربما لأنها أعلنت بوضوح "الجهاد" على الانفصاليين عن الجمهورية، وتتمسك بعلمانية الدولة، وتدافع عن حرية التعبير رغم كل الضغوط. أو ربما لأن اليمين القومي فيها لا يمثله شخص واحد مشهور مثل فيلدزر في هولندا بل عدد كبير، أو لأن العذراء ظهرت في مدينة "لورد" الفرنسية، لكن لم يظهر شفيع أو شفيعة للمهاجرين غير الشرعيين مثل ميركل في ألمانيا وجو بايدن فاتح حدود الولايات المتحدة الأميركية.
وقد يكون أحد أسباب الاستهداف طلب المثقفين في فرنسا بوقف عمل آيات مدنية محددة في القرآن، رغم انها سابقة معروفة ومتكررة في تاريخ الإسلام، منها على سبيل المثال عدم جباية الجزية أو الخراج من أهل الذمة.
سندع كل هذه التخمينات ونتجه للغة الأرقام حيث يُوثق تخريب كنيستين أو واحدة اسبوعياً، ويصمت الفرنسيون وهم يتناولون قربان الايمان بالتعددية على مذبح التصويب السياسي في الغرب، بينما الحدود مفتوحة لاستقبال المزيد من الجهاديين المطاردين في دولهم الاسلامية، أو الفارين من غزة، كما فعل ماكرون أخيرا لأنهم جرحى!
توقفت الهجمات الجهادية الانتحارية في أوروبا، ويبدو أن التوجه الجديد هو الهجمات على الكنائس، وهذه حوادث موثقة أبدأ بالأحدث منها، ففي يوليو/تموز 2023، هاجم مسلمون ودنسوا عدة كنائس في فرنسا، من خلال تحطيم أبوابها ونوافذها ورش كتابات ضد المسيح ومؤيدة لمحمد على جدرانها.
كما أحرق الجهاديون كنيستين تاريخيتين، واحدة من القرن السادس عشر في دروسناي، وكنيسة سان جورج دي لا هاي ديكارت من القرن الثاني عشر، بعد أعمال شغب صاخبة أثارها إطلاق الشرطة الرصاص في 27 يونيو/حزيران على ناهل مرزوق، وهو إرهابي ومجرم مسلم.
السلطات الفرنسية فسرت الأمر بأن الكنيستين"اشتعلتا بالنيران ربما بسبب عاصفة"، وأصرّت على أن قتل المجرم المُطارد قانونياً، هو الذي دفع المسلمين المسالمين إلى أعمال الشغب!
تفوقت السلطات الفرنسية في تفسيرها على تفسير حادثة قتل الجن لسعد بن عبادة، لأن المرء لو ابتلع تفسير العاصفة التي أشعلت النار، لن يستطيع هضم هجوم الجهاديين على الكنائس منذ عقود بدون مساعدة العواصف. وعلى أي حال هذا التفسير يقود إلى سؤال أهم عن كنيسة نوتردام التي "اشتعلت فيها النيران بماس كهربائي"، ولم يكن سعد بن عبادة قريباً منها.
في 3 يونيو/حزيران تعرضت كنيسة ميلهاك لتخريب شديد، وفي 26 منه تم تدنيس وسرقة كنيسة سان لازار، التي تقع بالقرب من كنيسة أخرى تعرضت للتخريب أيضا من مسلمين في 5 يوليو/تموز.
في 20 يونيو/حزيران اقتحمت "مجموعة مسالمة" من طلاب الجامعات كنيسة سانت روش في مدينة نيس، وسكبوا على أنفسهم الماء المقدس بشكل ساخر، وبدأوا في الصراخ "الله أكبر"، وفي الثالث والعشرين من الشهر المبارك نفسه، اقتحم ثلاثة مراهقين مسلمين، أعمارهم بين 12 و 13 عاما، كنيسة القديس يوسف في مدينة نيس، خلال قداس بعد الظهر وصرخوا بشكل متواصل"الله أكبر". مدينة نيس السياحية الجميلة المسالمة قتل فيه مسلم 84 شخصا في عام 2016.
في 28 مايو/آيار قام "مجهولو الهوية" باقتحام وتخريب كنيسة سان لوران في كوجنو، التي يسكنها عدد كبير من المسلمين، وشوهوا صليبها، وقلبوا شموعها على الأرض، وألحقوا أضرارا بالأيقونات، وتم إشعال النار فيها لكن عربات الإطفاء وصلت بسرعة وأخمدت النيران.
بعد ذلك دعا ألبرت سانشيز عمدة كوجنو وهو أحد المؤمنين بالتعددية إلى مزيد من "الحوار والتفاهم بين المجتمعات الدينية والثقافية المختلفة في مدينتنا"، لأن "التنوع هو قوتنا وفخرنا". ويبدو أن العمدة حفيد البحار الإيطالي الذي دّل محمد الثاني (أو الفاتح) على طريق خليج صغير في مضيق البوسفور تتفادى فيه جيوشه مدافع القسطنطينية الرهيبة، لكي يحاصروا المدينة من الخلف ويحتلوها للأبد.
في 16 مارس/آذار اقتحم رجل مسجل خطر بسبب تطرفه الإسلامي كنيسة سان هيبوليت في باريس وعطل خدمتها. كما سرق صليب الكنيسة الزجاجي الذي يبلغ ارتفاعه ستة أقدام، وقالت الشرطة إنه تم العثور عليه في مكان قريب "محطم إلى عدة قطع".
في الثامن من مارس/آذار دخل مهاجر مسلم إلى مقبرة كنيسة سانت لويس في إيفرو، وقام بكسر وتدنيس الصلبان المثبتة على حوالي 30 قبرا، وفي الثاني منه قام رجل يوصف بأنه "يشبه الأفارقة" بتخريب كنيسة سانت أوستاش، إحدى أكبر كنائس باريس، وحطم الزجاج الواقي للمذبح باستخدام طفاية حريق.
رداً على مناقشة الهجمات على كنائس باريس، تعرضت ثماني كنائس باريسية للتخريب أو إضرام النار فيها خلال الأسابيع العشرة بين يناير/كانون الثاني ومنتصف مارس/آذار 2023.
معظم الهجمات على كنائس فرنسا لا يتم حتى الإبلاغ عنها من قبل وسائل الإعلام المحلية، بل ترد في المواقع التي ترصد الحوادث الإرهابية، التي رصدت أيضا ظاهرة قطع رؤوس تماثيل القديسين أو "بتر أعضاءها". في أبريل/نيسان الماضي تم قطع رأس تمثال مريم العذراء في كنيسة سانت مارتن في تشويسي لو روا، ولم تسلم كنيسة زوجها القديس يوسف في سان لويس، حيث حطم مخربون أبواب الكنيسة بفأس وحطموا جميع نوافذها، ودمروا جميع الصلبان والرموز الدينية الأخرى.
الموتى المشركين لم يسلموا من المخربين. في فيلسي تم إتلاف وسرقة 150 قبرا في يونيو/حزيران 2022. وسرق الجناة الصلبان الموجودة على القبور والرموز الدينية أو دمروها، وتم تدمير ثمانية عشر قبرا للكنيسة في روكيمونت في مايو/آيار من نفس العام، وسُرق تمثال مريم العذراء من مقبرة جينيكورت سور فونس في أغسطس 2022.
هناك خريطة منشورة على موقع Christianophobie.fr تحدد بدبوس أحمر كل مكان تعرضت فيه كنيسة في فرنسا لهجوم بين عامي 2017 و2018 فقط، وتبدو الخريطة كأنها وجه ملاكم تعرض لضربات هائلة متواصلة من خصمه ولم يطلب الحكم وقف القتال، وتقريبا خريطة فرنسا بأكملها مغطاة بالدبايس الحمراء.
وفقاً لموقع "سنوبس" المؤمن بالتعددية وقوتها، فإن رسم شعارات جهادية معادية للمسيحية على جدران كنيسة، أو مقاطعة خدمة القداس بواسطة متسلل مسلم يصرخ "الله أكبر"، ليس "خطيراً بما فيه الكفاية"، لكن مجلة "نيوزويك"لخصت الأمر بجملة مفيدة: "يتم تدنيس الكنائس الكاثوليكية في جميع أنحاء فرنسا، والمسؤولون لا يعرفون السبب". لم تذكر "نيوزويك" أي شيء عن البابا فرنسيس الذي يريد مباركة زواج المثليين كنيساً (وليس عقده) لأنهم أبناء الله، في نفس الوقت الذي تتعرض فيه كنائسه للتخريب ولم يقل كلمة.
يجدر الاشارة إلى "الجماعات الليبرالية"، و"الجماعات الفوضوية والنسوية" الغاضبة من الكنائس التي تفعل أحيانا ما يفعله الجهاديون، لأن الكنيسة "رمز للنظام الأبوي يجب تفكيكه". وهو تفكير مريض لا علاقة له بالنسويات أو الليبرالية بل بالمرض العقلي.
وفقًا لتقرير منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لعام 2022، تعد فرنسا من بين الدول الأوروبية الخمس الأولى التي لديها أكبر عدد من جرائم الكراهية المسجلة ضد مسيحيين، والدول الأخرى في المراكز الخمسة الأولى هي إسبانيا وألمانيا والمملكة المتحدة والسويد.
ما هي الأسباب السياسية أو العملية وراء التعتيم على كل هذه الهجمات الجهادية الإسلامية على الكنائس الفرنسية والأوروبية ضمناً؟ وهل وسط هذا التعتيم وعدم وجود شفافية يمكن قبول حريق كاتدرائية نوتردام بماس كهربائي؟
يبدو أن موضوع تدخل الجن لم يصل بعد إلى السلطات الأوروبية المترهلة.
هل يفيق الغرب من حملة تطعيم " التصويب السياسي" ومتى يفهم أن للحرية حدود وللديمقراطية أسوار يجب عدم تخطيها؟
سقوط الحضارات الكبيرة كان في معظمه بسبب الترهل والترف الذي أدى بها إلى الانكفاء أمام همج أو غزاة جائعين أو جحافل مرتزقة لم يكن لديها أي عمل سوى النهب المتفرق وقطع الطرق والعمل لدى من يؤجرهم، ثم وحدهم قائد أو مغامر أو قاطع طريق أو مريض عقلي لحسابه تحت هدف واحد.
سقوط الحضارات الحديثة يبدو انه يتم بتطعيم المجتمعات بأفكار جذّابة تنخر فيها على المدى الطويل أو القصير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟