الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في البحث عن الإجابة الصعبة : مَن في خدمة مَن ؟

جعفر المظفر

2023 / 12 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


إتخذ الرئيس الأمريكي بايدن قرارات كبيرة لدعم الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة. لقد كان متوقعاً أن تقف أمريكا إلى جانب إسرائيل في حربها على القطاع, لكن مستوى وحِدَّة تلك القرارات قد أثارت الدهشة لدى الكثيرين, ليس بسبب الانحياز الأمريكي الواضح لصالح إسرائيل, وإنما بسبب التطابق النموذجي على مستوى ردتي الفعل الإسرائيلية والأمريكية على مغامرة حماس التي منحت الإسرائيليين فرصة كبيرة لعدوان كارثي مفتوح الأهداف.
هذا التطابق كأنما أنهى الحاجة إلى الإجابة عن السؤال التقليدي, مَنْ في خدمة مَنْ, إسرائيل في خدمة أمريكا أم أمريكا في خدمة إسرائيل ؟ فالبلدان كما هو واضح قد وصلا إلى النقطة التي تصبح فيه الإجابة عن السؤال هي واحدة في كلتي الحالتين بعد أن صارت هناك وحدة قرار وكأنما صارت هناك قبلها وحدة مؤسسة.
لقد ضاقت كثيراً المساحة التي كانت تستدعي الحاجة إلى طرح أحجية من هذا النوع, وكأنما انتهى أيضاً زمن البحث المضني عن حلٍ لها.
حتى التناقض على مستوى التفاصيل صار محدوداً بعد أن دخلت العلاقات بين البلدين إلى حالة من التفاعل العضوي الجدلي التي لم تقف عند إنتاج وحدة موقف بل تعدته على مستويات عديدة لانتاج وحدة اسلوب أيضاً.
أتذكر جيداً الموقف الأمريكي في زمن العدوان الثلاثي على مصر التي شاركت فيه كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بعد تأميم قناة السويس على يد الزعيم العربي المصري جمال عبدالناصر وذلك في عام 1956. صحيح أن الموقف السوفيتي كان قد سبق الموقف الأمريكي في الطلب من دول العدوان الثلاثي إيقاف عدوانها على مصر لكن الموقف الأمريكي كان ساخناً أيضاً وكأنه كان في سباق مع الموقف السوفيتي نفسه, فما إن انتهى الرئيس السوفيتي خروشوف من تهديده لدول العدوان ( ضرب لندن بالصواريخ ليس أكثر وحشية من ضرب القاهرة) حتى سارع الرئيس الأمريكي إلى وضع توقيعه على الطلب من دول العدوان الثلاثي الكف عن عدوانها والإعتراف بعائدية قناة السويس إلى مصر.
في البحث عن تفسير لذلك التلاقي الإستثنائي بين الموقفين الروسي والأمريكي في الإنتصار للموقف المصري لا بد من العودة إلى المعطيات التاريخية التي تحكمت بتلك المرحلة. ولأننا بصدد ملاحقة التطور الإستراتيجي على صعيد العلاقات الأمريكية الإسرائيلية فقد يكون باستطاعتنا هنا من باب الاختصار القول أن إسرائيل قد انتصرت تاريخياً على العرب حينما أفلحت بتحقيق حالة من التفاعل العضوي بينها وبين صناع القرار في واشنطن وصولاً إلى بناء حالة من التماهي قل أن يكون لها شبيهاً بين الدول على صعيد التاريخ.
في العودة إلى ذلك الموقف الذي تشاركاه كل من الرئيس السوفيتي والرئيس الأمريكي رغم تفارقهما الأيديولوجي والسياسي يمكن القول إن دوافع الموقف الأمريكي لم تكن محض انسانية وإنما تأسست على نوازع تحقيق المصالح القومية الأمريكية بعد أن تهاوت في ذلك المفصل التاريخي الزمني قوى الإستعمار القديم المتمثلة بالقوتين البريطانية والفرنسية.
غير أن القوة الثالثة الحليفة التي تشاركت في العدوان على مصر, أي إسرائيل, عرفت كيف تستدير لكي تنجز مهمتها الأخطر الكائنة في الإلتحاق العضوي مع القوة الأمريكية الصاعدة.
ودون أدنى شك فإنه لا يمكن تحميل السياسة الناصرية مساوئ ذلك الفشل فالتحالف الإسرائيلي الأمريكي كان قد نما وترعرع وتشكل وتوسع في داخل العمق الأمريكي ذاته بحيث بدأت تضيق تدريجياً المساحة التي تفصل في العادة بين قوتين مستقلتين, صهيونية إسرائيلية من جهة وأمريكية من جهة أخرى. وقد صار ممكناً القول أن دولة إسرائيل ذاتها قد أصبحت إنتاجاً سياسياً وعسكرياً لذلك التحالف العضوي الذي بدأت تضيق في داخله المسافات الفاصلة لكي تخلق منه طرفاً واحدأ لا غير.
ولم يكن قد مر سوى عقد واحد حتى بان شكل ذلك التحالف حينما وقفت أمريكا إلى جانب إسرائيل في حربها ضد ثلاثة دول عربية هي مصر وسوريا والأردن وذلك في عام 1967 ثم ليتطور ذلك الموقف من خلال الدعم الإستثنائي الأمريكي لإسرائيل في أثناء مجابهتها للهجوم المصري في السادس من أوكتوبر عام 1973 حينما أقامت الولايات المتحدة جسراً جوياً لدعم إسرائيل وفتحت أمامها مستودعات الجيش الأمريكي كاملةً.
في أستدارته التاريخية نحو أمريكا أعلن السادات بعد حرب أكتوبر ان 99% من أوراق الحل هي في يد أمريكا. على متن الطائرة التي عادت به من إحدى جولاته المكوكية لحل النزاع المصري الإسرائيلي حاول حكيم السياسة الأمريكية وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر أن يلخص الفرق بين العلاقتين المصرية والإسرائيلية مع أمريكا بقوله أن القربى الإسرائيلية الأمريكية قد وصلت إلى حدود التماهي وكأنما أفلحت في بناء مركز قرار سياسي واحد, أما بين مصر وأمريكا فالعلاقة ستظل إلى أمدٍ تاريخي مفتوح علاقة بين رئيس ورئيس, بينما سيظل شعب مصر نتيجة لإختلافات اجتماعية وسياسية وثقافية غير قادر على تحقيق الحد الأدنى المطلوب لبلوغ ذات العلاقة التي حققتها اسرائيل مجتمعياً ومؤسساتياً.
وفي كمب ديفيد الذي وضعت فيه اتفاقات السلام بين إسرائيل ومصر عام 1979 كان السادات وكأنه يتفاوض مع إدارة أمريكية إسرائيلية مشتركة رغم أن الأمر بدا شكلياً وكأنما هناك رعاية أمريكية للمؤتمر ووساطة يقوم بها البيت الأبيض بين الدولتين مصر وإسرائيل.
ثمة حشد من المعطيات التاريخية التي تفسر هذا الإنحياز الغريب من قبل أمريكا للموقف الإسرائيلي المغرق في دمويته ضد الشعب الفلسطيني, لكن استيعاب ذلك التماهي في الموقفين لا يمكن أن يمر من خلال استمرار البحث في المساحة التقليدية القديمة : من في خدمة من, إسرائيل في خدمة امريكا أم العكس ؟ وإنما يمكن استيعابه من خلال فهم واقعية التطور في العلاقات الإسرائيلية الامريكية التي وصلت إلى هذا التماهي الإستثنائي الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً.
وفي الموقف من غزة وكأنما صار الفلسطينيون في مواجهة دولة واحدة هي الدولة (الإسرامريكية أو الأمريكوإسرائلية) وليس في مواجهة دولتين متحالفتين فحسب.
قد لا يكون السادات مخطئاً حينما أكد على أن 99% من أوراق الحل هي بيد أمريكا غير أن خطئه قد تجلى في مراهنته على امكانية العثور على ما يفيده من أوراق ضاغطة في مساحة ألـ 99% التي كانت إسرائيل قد أكملت تاريخياً الاستيلاء عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التماهي في المصالح والسادات كان محقا
د. لبيب سلطان ( 2023 / 12 / 1 - 15:43 )
استاذنا المحترم
شكرا على مقالتكم وتحليلكم....اني أرى ان جذو تحول اميركا من محايد عام 56 الى تحالف استراتيجي مع اسرائيل عام 1967 والذي لا زال قائما يعود الى اصطفاف ناصر مع السوفيت مقابل اسرائل مع اميركا..كل اختار حلفاؤه ..ان معركة 67 هي في الواقع معركة بين القطبين كما حدثت مثيلتها في كوريا وفيتنام..كل منهما اعتبر الامر انتصار الاخر هزيمة له في صراع
يستهدف وجوده..انه خطأ استراتيجي لعبد الناصر لغبائه السياسي اولا ولديكتاتوريته ثانيا .. انه اختار السوفيت لانهم باركو له مشروعه الامبراطوري (الوحدة العربية) برئاسته واسقاط الانظمة الملكية الموالية للغرب تحت شعار تحرير فلسطين والتحارة بالقضية ونجح السوفيت في جر العرب ومن خلال ناصر لمعسكره وحشدهم ضد الغرب بينما نجح سياسيوا اسرائيل في طرح انفسهم كشريك استراتيجي لاميركا لمجابهة التوسع السوفياتي تحت غطاء ناصر..قام السادات ( واعتقد انه مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية وليس شخص السادات نفسه) بصياغة مصالح مصرواقنعت السادات بضرورة التحول عن السوفيت..وحصل على مايريد ولكن التحالف الاستراتيحي مع اميركا بقي لمواجهة صدام والاسد وايران حتى يومناهذا


2 - أستاذنا الدكتور لبيب سلطان
جعفر المظفر ( 2023 / 12 / 2 - 00:40 )
كان ناصر في بدايته وطنياً مصرياُ وحتى أنه كان متحالفاً أو قريباُ من الأخوان المسلمين بما يعزز القناعة أنه كان معادٍ للشيوعية ولم يتحرك بإتجاه قومي إلا بعد حرب السويس عام 1956 (العدوان الثلاثي) على مصر, لذلك فإن خياراته السوفيتية والقومية جاءت مضغوطة بفعل ياسه من إمكانية إيجاد موقع له في مساحة التحالف او التقارب مع الغرب, ويجعلني ذلك أقول أن ضغط الخيارات وليس الغباء السياسي هو الذي جعله حليفاً للسوفيت وخاصة بعد أن أضطر لعقد صفقة الأسلحة مع جيكوسلافاكيا لعجزه عن الحصول عليها من الغرب نفسه.
أستاذي أنا أتفق معك بالعناوين لكن التفاصيل التي أسست لتلك العناوين تتحدث عن مشاهد مفصلية لا بد من الوقوف عندها بدقة لغرض فهم طبيعة تلك العناوين.
.شكراً مرة أخرى لوقوفكم الكريم
د. جعفر المطفر


3 - تقييم عبد الناصر اليوم
د. لبيب سلطان ( 2023 / 12 / 2 - 11:04 )
استاذنا الفاضل الدكتور المظفر
اني اتفق معكم ان عبد الناصر ذهب للتحالف مع السوفيت لقلة الخيارات امامه بعد ان يئس من دعم الغرب لتأديب اسرائيل..انا استخدمت كلمة (الغباء السياسي) ليس بمعنى انه غبيا أو انه لم يكن قائدا وطنيا وقوميا مخلصا لمصر والقضية الفلسطينية بل للاشارة الى ضعف الجانب الاستراتيحي والسياسي فيه،والا لعرف ان تحالفه مع السوفيت سيؤدي بالمقابل الى قيام تحالف استراتيجي بين اميركا واسرائيل وهو الذي ادى فيما بعد الى انهيار مصر والعالم العربي بهزيمة67، انها حقيقة كانت حربا بين القطبين ولو فهمها لاختار تحييد الغرب .ولم يفهمها الا بعد الهزيمة . انه اعتقد ان السوفيت سيقفون معه الى النهاية وهذا لم يحصل واظن انه وعى الامر متأخرا وقبل بمبادرة روجرز الاميركية عام 69
ناصر وكأي عسكري كان يتصور ان الاحزاب والديمقراطية تضعف الامة وان قيادة شعب ودولة هي كقيادة فرقة في الجيش ومنه منع الاحزاب وكلنا يعلم ماحصل من انقلابات مماثلة وقيام دكتاتوريات بينما اسرائيل استفادت وبوعي من تطوير حياتها السياسية الديمقراطية بمفاهيم الغرب وبن غوريون كتب (اخترنا نموذج الغرب لانه نموذج بناء الدول القوية)
مع الشكر


4 - تقيم عبد الناصر ـ2
د. لبيب سلطان ( 2023 / 12 / 2 - 22:38 )
استاذنا الدكتور الفاضل
ارجو ان لا أكون قد اطلت عليكم فمقالتكم تستحق التوقف والبحث والتعمق فشكرا لكم. اود القول ان كشف خفايا التحالف الاميركي الاسرائيلي لابد وان يرجع الى مفاصله التاريخية وهو ما ذكرتموه في تعليقكم ومنه وضعت عبد الناصر ومدرسته السياسية كأحدى أهم المفاصل ما في تعليقي 1و3. ولي سبب بذلك. اني اضع كل ماحصل في العالم العربي من دمار وتخلف وتراجع على كاهل عبد الناصر وخطه السياسي تحديدا..بدء من اغتيال النظم الديمقراطية وصعود الديكتاتوريات وقمع الحريات وتحريم الاحزاب ومنع الرأي الحر والصحافة وشعبوية الخطاب وتدمير الاقتصاد..شعبويته ونموذج نظامه دمرت ثمانية دول عربية اليوم ( العراق وسوريا واليمن مصر وليبيا والسودان وحتى الصومال ولبنان) جميعها تعود لشعبوية وديكتاتورية عبد الناصر ..وانسب قيام التحالف الاميركي الاسرائيلي تحديدا بوقوعه في الفخ السوفياتي في صراعه مع الغرب ( كما في ت1),..ان ماجرى منذ 71 عاما ليس بعيدا عن نموذج الظاهرة الناصرية، تتغير الاشكال ( صدام محل ناصر ) ولكن جوهرها واحد .النموذج الناصري الديكتاتوري الشعبوي الفاشل على المستووين الداخلي والخارجي
واستميحكم عذرا


5 - أستاذنا الدكتور لبيب سلطان
جعفر المظفر ( 2023 / 12 / 3 - 01:39 )
نعم يا سيدي أوافاقك على أن العسكر والعسكرتاريا كانت السبب الرئيس في دخول العالم العربي في المأزق الخطير. كانت إرادة التاريخ قد لعبت دورها في ضغط الخيارات.
تحياتي أستاذنا الموقر.

اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟