الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم - زوجه تشايكوفسكي- اسقاطات سياسية أم نقل لتجربة زواج الموسيقار الروسي؟

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2023 / 12 / 1
الادب والفن


كتب الكثير عن موسيقى "بيوتر إيليتش تشايكوفسكي" ولكن لا أحد يعرف الكثير عن زواجه المضطرب من أنتونينا ميليوكوفا. لمدة شهرين ونصف فقط عاش الزوجان معا، ولكنهما بقيا منفصلين حتى وفاة تشايكوفسكي. المخرج وكاتب السيناريو الروسي" سيريبـريـنـيكوف" في فيلمه (زوجة تشايكوفسكي) لا يقدم لنا تشايكوفسكي وإبداعاته ومسيرته الفنية أو حتى أزماته المادية، لكنه يقدمه لنا من خلال زوجته (أنتوانينا)، ومن خلالها نتعرف على بعض التفاصيل عن حياة هذا الموسيقار . مع التأكيد هنا، أنتونينا لم تكن مجرد ظلٍ لتشايكوفسكي، بل على العكس كانت هي الشخصية الرئيسية في الفيلم، ونتابع ما فعله حبها له ثم تأثير الزواج عليه. يذكرنا هذا بما قدمه المخرج الراحل ميلوش فورمان في رائعته "أماديوس" عندما قدم لنا الموسيقار موزارت من وجهة نظر موسيقار منافس هو" سالييري". يركز المخرج الروسي" كما يوحي عنوانه زوجة تشايكوفسكي بالفعل، أنتونينا ميليوكوفا " زوجة الملحن الروسي بيوتر إليتش تشايكوفسكي من عام 1877 حتى وفاته في عام 1893. بعد الزواج صارت تعرف باسم أنتونينا تشايكوفسكايا. أقامت عائلتها في منطقة موسكو وكانت تنتمي إلى طبقة النبلاء لكنهم عاشوا في فقر. يقال إنها تخلت عن العمل كخياطة محترفة من أجل لدراسة الموسيقى في معهد موسكو للموسيقى كي تكون قريبة من الموسيقى الشاب تشايكوفسكي الذي كان أحد أساتذتها. في نهاية المطاف، اضطرت إلى التخلي عن دراستها في تلك المؤسسة ربما نتيجة للمشاكل المالية. كتبت رسائل الحب إلى تشايكوفسكي في مناسبتين على الأقل، بعد أن اشترت كتابا تعلمت منه كيفية كتابة رسائل الحب. تبدأ الدراما من مدينة سانت بطرسبرغ في عام 1893، والذي يصادف تاريخ وفاة تشايكوفسكي بعد أصابته بالكوليرا. تحضر الأرملة أنتونينا جنازة زوجها، وتحاول الأرملة التي "عبدته" شق طريقها عبر جحافل المعزين الذين أتوا لتقديم ومواساتهم برحيل الأسطورة الوطنية. مرتدية ملابس سوداء تحاول اختيار الكلمات المناسبة لإكليل جنازة حبيبها وزوجها؛ ولكن عندما تصل إلى الغرفة حيث وضعت جثة زوجها، يستيقظ تشايكوفسكي (أودين بيرون)، وينهض من تابوته ويفاجى بوجود أنتونينا واقفة عند مدخل القاعة ، يصرخ بالحاضرين وبامتعاض : "مالذي تفعله هذه هنا ؟ ، أنا أسالكم ، من دعاها ؟ ، ثم يتجه اليها و يصرخ بوجهها " أنا أكرهكِ ، أحتقركِ أيما إحتِقار ! ، لم يكن بيننا أي حب أبداّ، كل ما أردتِه هو أن نتزوج ، وأنظري لقد حققت هدفك ، أي جنون أصابني في حينها؟ ، ماهو الغرض من هذه الكوميديا السخيفة ؟". يعود تشايكوفسكي الى تابوته، بعدها ترجع الاحداث الى أول لقاء لأنتونينا بالموسيقى الشاب "بترفيش تشايكوفسكي". وكان في عام 1865 في منزل لصديقة مشتركة ،" أناستازيا خفوستوفا “ في مدينة موسكو وهي مغنية معروفة وكان عمر أنتونينا 16 عاما في ذلك الوقت وكان تشايكوفسكي 25 عاما. على الرغم من أنه لم يتذكر هذا الاجتماع، إلا أنها أصبحت مفتونة به على الفور. وتخبره في هذا اللقاء أنها تريد حضور معهده الموسيقي. "لماذا؟، يرد أستاذ الموسيقى "من الأفضل أن تتزوج." ثم تبدأ الشابة المغرمة بملاحقة الفنان الموسيقى بالرسائل والصلوات .

في الفصل الأول من الفيلم، نجد طرحًا رومانسيًا وقصة حب متأججة لكنها من طرف واحد. أنطوانينا تقع في حب تشايكوفسكي من أول نظرة، وتحاول بشتى الطرق أن تدفعه للزواج منها، بينما يفعل هو العكس تمامًا، إذ يحاول الهروب منها بكل طريقة ممكنة، وأخبرت تشايكوفسكي في أول زيارة محرجة للملحن إلى شقتها: “منذ أن رأيتك لأول مرة، أردت شيئا واحدا، أن ارمي ذراعي حول رقبتك وأن أتزوجك “. وفي الاجتماع الثاني تهدد أنتونينا بقتل نفسها إذا لم يتزوجا، بالطبع هذا القول يخيفه. بعد وقت قصير من مقابلته، تسجل أنتونينا ميليوكوفا (أليونا ميخيلوفا) في المعهد الموسيقي في تشايكوفسكي. على الرغم من كونها موهوبة الموهبة، إلا أنها تفعل ذلك بشكل أساسي لتكون قريبة من الرجل الذي أصبحت مهووسة به. لا يستغرق الأمر وقتا طويلا قبل أن تلقي بنفسها عليه وتقترح الزواج تماما. بعد توبيخها في البداية ومحاولة ثنيها عن رغبتها، ويحذرها من نوبات غضبه وبروده وغير معتاد على صحبة النساء. لكن الشابة أنتونينا التي أعماها الحب تتجاهل هذه التحذيرات، وكذالك تتغافل عن المؤشرات تقريبا عن قصد للحقيقة الواضحة جدا بأن حبيبها مثلي الجنس لكنها تقبل بهذه الشروط . ونفاجئ بتشايكوفسكي (أودين بيرون) بتغيير واضح في قراره ويوافق على الزواج بأنتونينا. أمام هذه الضغط يقبل بالزواج، وعندها يقدم لها تشايكوفسكي "حب الأخ" مقابل خاتم الزواج وغير مطالب أكثر من ذالك، تقفز أنتونينا من الفرح عد تحقيق حلمها. من الممكن أن تكون الخياطة السابقة ذات المظهر القاسي (جميلة بلا شك) زوجة للموسيقار، لكنها غير معتادة على مفهوم المثلية الجنسية لدرجة أنها تفترض أن سحرها الأنثوي سيكون قادرا على التغلب على تحفظات الملحن؛ وتقبل " أنتونينا " هذا الازدراء والمسافة التي يفرضها تشايكوفسكي وتلك العلاقة الأحادية الجانب والمسيئة كي تحقق حلمها وتكون قريبة الفنان الموسيقى. على الجانب الآخر، الزواج بالنسبة الى تشايكوفسكي وسيلة لوقف القيل والقال غير المريحة عن شذوذه، وربما تخفيف بعض الضغوط المالية، لذلك بعد فترة طويلة يجعل رغبتها تتحقق - ولكن على الفور يبدأ الندم يتسلل اليه. ومنذ اللحظة التي يتم فيها ارتباطهما وفي حفل وعشاء الذي تصفه أختها بأنه أشبه جنازة أكثر من كونها حفل زفاف يبدأ نفور تشايكوفسكي من زوجته ، سرعان ما يشعر تشايكوفسكي بالملل منها ولا يستطيع تحمل وجودها، أو الخروج بأعذار للابتعاد عنها، أو إرسالها إلى عائلته في الريف لمجرد التخلص منها. في حين تتمسك أنتونينا بعناد بزواجهما.

يتدهور وضعها المالي وكذلك العقلي بسبب تجاهل تشايكوفسكي والإهمال لها، ولكنها حتى وفاة تشايكوفسكي كانت تتشبث بأوهامها. رغم هذه المطاردة فإننا لا يسعنا إلا القول إنها كانت تحبه بشكل حقيقي، وبذلت الكثير من المجهود حتى تكون زوجة صالحة، بالمعنى التقليدي للكلمة آنذاك. هنا ينبغي أن نتوقف عند إشارة الفيلم في بدايته إلى أن المرأة آنذاك لم تكن تملك الكثير من الحقوق، مثل التصويت في الانتخابات، وحتى في جواز السفر كانت تُضاف على جواز زوجها. لكننا سريعًا ما نجد أننا أمام نموذج مختلف للمرأة في هذا العصر، إذ أن أنطوانينا شابة شبه مستقلة، تبادر هي للاعتراف بحبها وتسعى وراء من تحب، ثم تسعى بكل الطرق لتوفير المال المطلوب لإتمام الزواج، ولا تتنازل عن زوجها مهما كلفها الأمر، وكان تمسكها بزوجها يصل إلى حد الهوس، وبالرغم من طلب (تشايكوفسكي) منها بوضوح الانفصال عنه، فإنها لم ترغب أو توافق على إتمام إجراءات الطلاق. وحتى مع دخولها هي في حالة نفسية شديدة الاضطراب، وإقدامها على أفعال لا تشبه شخصيتها فإن هذا لم يجعلها تتزحزح عن قرار التمسك بهذا الارتباط للنهاية. هذه الملامح المتداخلة في شخصية الزوجة، تتكرر أيضًا في شخصية تشايكوفسكي نفسه. في البداية يصعب التعاطف معه بكونه استغلالي لموافقته على الزواج منها لغرض مادي فقط، ثم يتعزز شعور المشاهد نحوه بعدم الارتياح عندما نعلم أنه تزوجها فقط للتغطية على ميوله المثلية. لكن في النصف الثاني من الفيلم، ومع استمرار زوجته في مطاردته ينشأ بعض التعاطف معه، وإن كان ليس كافيًا لمغفرة ما فعله في النصف الأول. كتابة الشخصيات بهذه الطريقة التي تجعلنا لا نستطيع معها أخذ موقفٍ محددٍ منها، أعتبرها من أفضل عناصر الفيلم، لذألك يقدم الفيلم صورة ضبابية إلى حد ما لامرأة مهووسة بالوهم تتمسك بعناد بحبها لرجل نرجسي يحتقرها. أنجبت أنتونينا خارج الزواج وفي النهاية أصبح لديها ثلاثة أطفال. سلمتهم جميعا إلى دار الأيتام، على الرغم من أن تشايكوفسكي لديه الآن أسس قانونية للطلاق الذي يعني تحرر تشايكوفسكي من الزواج الكارثي. إلا أنه لم يتصرف، بل استمر في إرسال المال لها الذي ساعده في شراء صمتها. مشكلة المخرج الروسي "سيريبرينيكوف "الرئيسية هي أنه لا يتعمق حقا في دوافع شخصيته الرئيسية، تاركا نواياها للجمهور ليقررها. هل أنتونينا في حالة إنكار، أم أن كل ذلك جزء من خططها؟ ، عدم رغبة سيريبرينيكوف في الالتزام بتفسير أكثر وضوحا يترك الفيلم مرتبكا بشأن بطلة الرواية حتى انحدارها نحو الجنون. الفيلم ليس سيرة ذاتية بأي حال من الأحوال ولكنه خيال درامي مصمم للتعمق في الحالة الذهنية أنتونينا ميليوكوفا، التي تزوجت من الملحن بيوتر إيليتش تشايكوفسكي في عام 1877 وظلت زوجته حتى وفاته في عام 1893 على الرغم من انفصالهما بعد ستة أسابيع فقط من الزواج. بالرغم من كون هذا الفيلم الذي يحمل اسم الموسيقى " بيوتر إيليتش تشايكوفسكي " في القرن التاسع عشر، ولكن لم يتم توثيق سوى القليل عنه وإخباره عن زوجته أنتونينا ميليوكوفا. هذه هي القصة التي يحكيها المخرج كيريل سيريبرينيكوف، إنها عن الاتصال البشري والهوس والتحدي. منذ اجتماعهما الأول وبعدها زواجهما، ثم الانفصال الذي سترفضه أنتونينا حتى النهاية، يسعى الفيلم جاهدا لإظهار علاقة قائمة من أصولها على كذبة مميتة وقاسية. تدفع المثلية الجنسية الخفية لتشايكوفسكي، واشمئزازه الدفين من أدنى اتصال جسدي مع زوجته، ويقود هذه المرأة نحو الجنون .

الفيلم بورتريه لأنتونينا ميليوكوفا (أيلونا ميخايلوفا) التي تزوجت بيوتر إيليتش تشايكوفسكي (أودين بيرون) لثلاثة أشهر بعد وقوعها في غرامه بالرغم من مثليته الجنسية. هي شابة شديدة التدين تدرس الموسيقى، وهو فنان مشهور ينبذ العلاقات الاجتماعية. الفيلم برمته يصوّر تفاصيل هذا الزواج الكارثي بينهما، منذ لحظة اللقاء الأول الذي يتحول حباً وهوساً من جانبها، حتى المشهد الذي ستبوح فيه بأسرار فؤادها، وصولاً إلى الفقدان التدريجي لعقلها ووعيها وشد حبال بين طرفين، لا يوجد فيه أي تفاهم وأي شكل من أشكال الرومنطيقية، علماً أن المخرج قرر إحاطة القصة بقدر هائل من الحب والعناية والشاعرية في تجسيده لمسألة نفسية وعاطفية معقدة. الفيلم أمام تجربة إنسانية بين امرأة عاشقة بشكل هستيري واعمى للموسيقار الروسي لكنها تعاني كثيرا من اللامبالاة والإهمال العاطفي والجسدي، تبادر هي للاعتراف بحبها وتسعى وراء من تحب، ثم تسعى بكل الطرق لتوفير المال المطلوب لإتمام الزواج، ولا تتنازل عن زوجها مهما كلفها الأمر، مع ملاحظة تنويه المخرج الى واقع حال المرأة في القرن 19 حين عند أشارة المخرج في بداية الفيلم إلى أن المرأة آنذاك لم تكن تملك الكثير من الحقوق. "التعذيب" هي بالتأكيد الكلمة المناسبة لوصف معاناة زوجة تشايكوفسكي الشخصية المرهقة التي رسمها الكاتب والمخرج كيريل سيريبرينيكوف، والتي تصور أصعب العلاقات بدقة من وجهة نظر أنتونينا، حتى في حين أنها تصاب بالجنون وتأخذ الانحدار مع مرور السنين. بالنسبة لأنتونينا، كان الزواج فترة من السعادة العظيمة. كتبت: "كنت أنظر إليه خلسة، لذلك لم يلاحظ، أنا معجبة به بشكل كبير، خاصة أثناء تناول شاي الصباح معاً. إنه وسيم جدا وبعيون ساحرة أذابت قلبي، أود فقط أن أجلس هناك وأنظر إليه"، هذا كان رد فعل أنتونينا سلبيا على انفصالها عن تشايكوفسكي.

في 5 أكتوبر 1877، قام تشايكوفسكي بتوكيل شقيقه أناتولي، وطلب منه السفر إلى موسكو، برفقة نيكولاي روبنشتاين، ليطلب من أنتونينا الموافقة على الطلاق. وكان رد أنتونينا صريحاً بالرفض. كما تم رفض حافز 10000 روبل لقبول الطلاق. اعتقدت أنتونينا أنها كانت ضحية مؤامرة عائلية لإنهاء هذا الزواج. واعتقدت أيضا أن انهيار تشايكوفسكي، الذي سبق انفصالهما مباشرة، كان بسبب الإجهاد الناجم عن التزاماته تجاه موسيقاه. بعد وصول تشايكوفسكي حد الانهيار العصبي، استدعى أناتولي طبيباً نفسياً ونصح تشايكوفسكي بعدم التعايش أو رؤية زوجته مرة أخرى. ولكن بسبب القوانين المتعلقة بالطلاق في الإمبراطورية الروسية، ظل الاثنان متزوجين قانونيا حتى وفاة تشايكوفسكي. السبب القانوني الوحيد للطلاق هو الزنا، الذي رفض تشايكوفسكي أن يستخدمه كورقة للضغط على أنتونينا الاعتراف به.

هل هناك ابعاد سياسية في الفيلم؟

أثار الفيلم الروسي "زوجة تشايكوفسكي" للمخرج كيريل سيريبنيكوف، جدلاً كبيرا عند عرضه في مهرجان كان السينمائي ، حيث تم قبوله في المسابقة على أساس أنه لم ينل أي دعم أو تمويل روسي، حيث كان المخرج قيد الإقامة الجبرية في روسيا ويعيش منذ إطلاق سراحه في المنفى في ألمانيا . ولكون مخرجه معارض روسي، وسبق وان تم القبض عليه ووجهت إليه تهمة اختلاس أموال عامة وحُكم عليه في يونيو 2020 بالسجن مع وقف التنفيذ ، قضى ما يقرب من عامين تحت الإقامة الجبرية في موسكو . المخرج المنشق "كيريل سيريبرينيكوف " الذي أطلق سراحه حديثًا من إقامته الجبرية التي أمر بها بوتين ، وبالتالي تجنب عقوبة السجن 6 سنوات التي طالب بها الادعاء ، ويعيش منذ إطلاق سراحه في المنفى في ألمانيا .

قال مخرج الفيلم" كيريل سيريبنيكوف " خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد عرض فيلمه في المهرجان صرح قائلاً: "إن الفيلم تجربة مهمة بالنسبة له، واستغرقت قصته وقتا طويلا في تطوير تفاصيلها الدرامية، المخرج وهو كاتب السيناريو سيريبـريـنـيكوف لا يقدم لنا تشايكوفسكي وإبداعاته ومسيرته الفنية، لكنه يقدم لنا زوجته، ومن خلالها نتعرف على بعض التفاصيل عن الموسيقار ، يقول المخرج شارحاً: "في روسيا، تشايكوفسكي قامة كبيرة لم تتعذب ولم تعش حياة شخصية. حياته الشخصية بقيت مجهولة لدى الروس كافة". يمكن أن نسقط على الفيلم قراءات سياسية عدة. هناك مَن يرى أن العلاقة بين الزوجين استعارة للسلطة وشبيهة إلى حد بعيد بعلاقة روسيا بشعبها، فهي علاقة قوة لا تطمح إلا للاستعباد". سيريبرينيكوف صاحب موهبة كبيرة، تتكرس فيلماً بعد فيلم، كأحد الأصوات المهمة في السينما الروسية المعاصرة، فأفلامه الأخيرة تتموضع في الغوص في الماضي، الذي ينضح صورة الحاضر فيها، في نوع من حوار بين الأزمنة. وعندما تفكر في أن سيريبرينيكوف قد انتقد علنا حكومة فلاديمير بوتين في الماضي ووضع تحت الإقامة الجبرية بسبب ما يقوله البعض إنها اتهامات احتيال ملفقة، فستكتشف أن وجوده في المهرجان ربما يعني أنه يجلب فيلما يشير بإصبعه الى البلد الذي لم يعد يعيش فيه ويكشف معاناته مع النظام الروسي. منذ عام 2012 كان كيريل سيريبرينيكوف يحاول إنشاء مشروع تعرية السلطة السياسية في البلاد (تحت حكم بوتين). بسبب كشفه المثلية الجنسية لتشايكوفسكي وهو أمر يعتبروه النظام مرفوض. الذي يحاول النظام تصويره رمز وطني وشخصية روسية مبدعة في القرن التاسع عشر. لكن تركيز الفيلم الجديد للمخرج المضطهد من قبل بوتين ليس على الموسيقار، ولكن على زوجته، والمثلية الجنسية (الحقيقية) للملحن هنا ليست أكثر من ذريعة لشرح رفض تشايكوفسكي لزوجته، البطل الحقيقي لفيلم في الأساس، الاغتراب - حتى الجنون - لشخصية نسائية (أنطونينا ميليوكوفا) المحاصرة، أولا، في هالة وهيبة الموسيقي تشايكوفسكي عليها.

في السنوات اللاحقة، التقى الزوجان لفترة وجيزة عدة مرات، مما أثار استياء تشايكوفسكي. على الرغم من أنها عاشت بعد تشايكوفسكي لمدة 24 عاما، إلا أنها أمضت آخر 20 منهم في مصحة عقلية. توفيت في فبراير من عام 1917 في موسكو عن عمر يناهز 68 عاما. لم تر انتونينا زوجها تشايكوفسكي حقا مرة أخرى بعد انفصالهما، وتوفيت في مصحة للامراض العقلية في بتر وغراد في فبراير من عام 1917، ولم يتم دفن جثتها لعد أيام بسبب الانتفاضة التي شهدتها المدينة في ذالك الوقت . للعب دور الموسيقار الروسي تشايكوفسكي، دعا المخرج الروسي سيريبرينيكوف "أودين بيرون " الممثل الأمريكي الذي عاش لفترة طويلة في روسيا حيث كان نجما حتى خرج مؤخرا مما أجبر على الاستقرار في برلين. أما تنفيذ دور "أنتونينا" قامت به ممثلة شابة غير معروفة تقريبا " أليونا ميخائيلوفا " التي قدمته بشكل متميزا ورائع. الأداء المفعم بالصدق والمشاعر الجياشة لأليونا ميخالوفا وهي رياضية سابقة اضطرت إلى التخلي عن حياتها المهنية بعد الإصابة. تتحول ميخالوفا في أدائها لشخصية أنتونينا، من الفتاة الحالمة الرقيقة ذات النظرة الخجولة والحامة بزواجها من تشايكوفسكي إلى كائن معذب مجنون بنظرات تائهة. نراها تؤدي طقوسا دينية محمومة أحيانا أو نراها تتعذب بخيالاتها الجنسية أحيانا أخرى، ولكنها في جميع الحالات معذبة تدمي لها قلوبنا. وقد تم ترشيحها أيضا لجائزة التمثيل في مهرجان كان، أعتمد المخرج أسلوبًا بصريًا شديد الجمال منذ لقطات الفيلم الأولى، يظهر بوضوح كيف يستغل كل عناصر الصورة لصناعة مشاهد ممتعة بصريًا، ودون مبالغة أو فرض للصورة على حساب المضمون. لكن هذه الجمال لم يكن كافيًا ليغفر للفيلم طول مدته، حوالي ساعتين ونصف الساعة، إذ أن الكثير من الأحداث أخذت وقتًا أطول من اللازم، وخاصة في نصف الثاني من الفيلم في مرحلة محاولة الانفصال. يتعقب المخرج "كيريل سيريبرينيكوف “التراث الروسي الموسيقى، تراث لا يخلو من شاعرية، وكذالك تفكيك خفايا الطبيعة البشرية بشغف وإصرار، وبضربات متتالية على وتر المشاعر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا