الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب والصهاينة والمفارقات المحزنة!

منذر علي

2023 / 12 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


عقب طوفان الأقصى، وخروج جماعة حماس من قفص غزة إلى ضواحي غزة، والفتك بحوالي 1400 إسرائيليًا، واعتقال 240 إسرائيليًا، تدافع رؤساء الدول الإمبريالية الكبرى: بريطانيا وأمريكا وفرنسا وغيرها، التي صنَّعت، بمكر، دولة إسرائيل، بمزيج من بقايا المحارق وأوهام التاريخ، وزارت تل أبيب، وإدانة حماس وعبَّرت عن حزنها على الضحايا الإسرائيليين، وقدمت دعمها اللامحدود لإسرائيل، ومنحتها الشرعية المطلقة في الدفاع عن نفسها وقتل عشرات الآلاف من النساء والأطفال الفلسطينيين عقابًا لحماس.
وهنا بدا النفاق الغربي مثيرًا للتقزز، لأنَّ الغربيين نظروا إلى التاريخ بشكل انتقائي، selective، أي أنهم اختاروا من فصول التاريخ ما يروق لهم. فالغربيون أخفوا جريمتهم الاستعمارية الأساسية، وتجاهلوا دورهم في صناعة إسرائيل في فلسطين على أرض عربية، ثُم نظروا إلى الصراع في فلسطين كأنَّه بدأ في 7 أكتوبر 2023، وليس في سنة 1917!
لكن ما يثير الدهشة حقًا، هو موقف بعض الدول العربية، التي تطمح لأن تكون ضمن الدول الكبرى في العالم، وليس في ذلك ما يعيبها، بطبيعة الحال، ولكن العيب يكمن في التزلف للنظام الصهيوني الفاشي على حساب الشعب العربي الفلسطيني والضمير العربي والإنساني، والسعي لتزييف التاريخ تناغمًا مع مواقف الغرب الإمبريالي.
بعد أحداث غزة بساعات، أتصلَ وزير خارجية الإمارات، بالقيادة الإسرائيلية، وسعى للاتصال بضحايا بالإسرائيليين ضحايا "الإرهاب الحمساوي"، لكي يواسيهم عن مصابهم الجلل، ولكنه لم يولِ بالًا للضحايا الفلسطينيين قبل وبعد أحداث 7أكتوبر 2023.
وقبل أيام أدانت مندوبة الإمارات في مجلس الأمن الدُّوَليّ "منظمة حماس الإرهابية"، وطلبت من الحاضرين أن يقفوا دقيقة صمت على أرواح الضحايا الإسرائيليين. وكنتُ آمل أن تدين المندوبة الإماراتية، في ذات الوقت، دولة إسرائيل العنصرية، وتطلب الوقوف دقيقة صمت على أرواح الأطفال الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل بدم بارد، ولكن هذا لم يحصل، متجاهلة حقيقة أنَّ البشر متساوون أمام الخالق، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في مقابلة له قبل أيام مع الصحفي الأمريكي اللامع فريد زكريا.
وبعد هذه الواقعة، ببضعة أيام، شاهدتُ مقابلة مع المؤرخ اليهودي اليساري، آفي شلايم، Avi Shlaim، أستاذ التاريخ البارز في جامعة أكسفورد البريطانية، قال فيها:
إنَّ المشكلة في فلسطين لم تبدأ في 7 أكتوبر 2023، ولكنها بدأت سنة 1917، حينما أصدرت بريطانيا الاستعمارية وعد بلفور، وقررت أن تقيم دولة لليهود في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني. وبذلك، قررت بريطانيا الاستعمارية، أن تعطي ما لا تملك لمن لا يستحق.
ثم أسترسل البروفسور، شلايم، وقال: إنَّ الدعاية الصهيونية سعت، بمكر، لإقناع العالم إنَّ فلسطين كانت أرض بلا شعب، (وهذا يعني: ليس فيها شعب فلسطيني) لشعب بلا أرض، وهم اليهود (وهذا يعني: أنَّ فلسطين ستكون بالنتيجة لليهود في كل أصقاع العالم)، وهذا تزوير ماكر للتاريخ.
وأضاف البروفسور شلايم مؤكدًا إنَّ فلسطين كان فيها شعب فلسطيني مكون: من العرب المسلمين والعرب المسيحيين والعرب اليهود، وإنَّ نسبة اليهود في فلسطين سنة 1917 لم تزد عن 2% من مجموع سكان فلسطين، وأنَّ نصيبهم من أرض فلسطين لم تزد عن 10% من مجموع أرض فلسطين.
وبعد إقامة الدولة الصهيونية سنة 1948، أقدمت إسرائيل على التطهير العرقي، Ethnic cleansing، والتهجير القسري للشعب الفلسطيني إلى الدول المجاورة. وبعد ذلك، عمدت دولة إسرائيل الجديدة إلى استجلاب اليهود إلى فلسطين من بقاع العالم المختلفة، وتم تملكيهم أرض ومساكن الفلسطينيين؛ أي تملكيهم ما كان يملكه الفلسطينيون على مدى قرون.
وفي سنة 1967 شنت إسرائيل حربًا مباغتة على مصر والأردن وسوريا، واحتلت ما بقيَ من فلسطين؛ وأعني الضفة الغربية والقدس وغزة، فضلًا عن احتلالها أجزاء واسعة من مصر وسوريا.
وبعد حرب 1967، تغيرتِ المعادلة بشكل جذري، وأصبحت نسبة اليهود في دولة إسرائيل، المُصنَّعة غربيًا، حوالي 51% من مجموع سكان فلسطين، ويستغلون أكثر من 85% من المساحة الكُلِّيَّة للأرض الفلسطينية، في حين هبطت نسبة الفلسطينيين من 98% إلى 49% من مجموع السكان، ويستغلون في الوقت الراهن حوالي 15% من مساحة الأرض التاريخية لفلسطين، وتسعى إسرائيل، كما يلوح في الأفق في هذه الأيام، إلى تهجير بقية الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية ومناطق 1948، والسيطرة على ما نسبته 100% من أرض فلسطين التاريخية.
وضمن هذا السياق التاريخي، كما أشار البروفسور، شلايم، يجب أنْ ننظر إلى الأحداث في ضواحي غزة في 7 أكتوبر 2023. ومن هذه الزاوية أيضًا، يمكننا القول إنَّ حركة حماس الفلسطينية، أو بالأحرى جناحها العسكري، كتائب القسام، تشبه إلى حدٍ بعيد، حركة اسبارتاكوس، Spartacus Movement في الدولة الرومانية، التي قادها الرقيق اسبارتاكوس في القرن الأول قبل الميلاد، وسعى للانتقام من مضطهديه ومضطهدي طبقة العبيد.
اسبارتاكوس كان رمزًا للثورة ضد الاستبداد والظلم الاجتماعي، وقاد حركة تمردية ضد الجمهورية الرومانية. وهذا ما تقوم به حركة حماس، كما أوضح البروفسور اليهودي، شلايم.
وحينما سُئِلَ البروفسور، شلايم، ما إذا كانت حماس منظمة إرهابية، كانت إجابته كالتالي: حماس حركة مقاومة ضد الاحتلال، ولكن جناحها العسكري أقترف أعمال إرهابية ضد الإسرائيليين ردًا على إرهاب الدولة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، والآن المطلوب هو الوقف الشامل لإطلاق النار، وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم في حدود 4 يونيو 1967.
اليهود اليساريون، والمسيحيون اليساريون، والبوذيون اليساريون والمسلمون اليساريون والمناصرون لقيم الحرية والعدالة، في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبقية دول العالم،" تعرَّبوا" بالمعنى التحرري الإيجابي، وقرروا أن يدينوا الدولة الإسرائيلية الصهيونية، التي تقتل الفلسطينيين والمسلمين، وطالبوا بوقف العدوان ومنع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعملوا، دون كلل، من أجل منح الفلسطينيين حق تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، بموجب القرارات الدولية.
فيمَا العرب المسلمون اليمينيون، والمسيحيون العنصريون واليهود الفاشيون والهندوس المتعصبون والمناصرون للإمبريالية والصهيونية، "تِصهْيَنُوا"، بالمعنى الفاشي المقيت، وقرروا أنْ يدينوا الفلسطينيين المسلمين ويناصروا الإسرائيليين اليهود، وبرروا قمع إسرائيل للفلسطينيين واقتراف الإبادة الجماعية، وعززوا علاقاتهم السياسية والاقتصادية بدولة إسرائيل، وعملوا، دون كلل، على تشجيع بقية الدول العربية على التطبيع مع الدولة الصهيونية المتوحشة.
اليساريون التقدميون، أنصار الحرية وأبطال الأمل، في كل من كوبا وفنزويلا وكوريا الشِّمالية، يرفضون الاعتراف بدولة إسرائيل العنصرية، ويدينون جرائمها البشعة بحق الشعب الفلسطيني. فيمَا الرجعيون العرب المسلمون، أنصار الإمبريالية والصهيونية، مثل الإمارات والبحرين والسعودية والمغرب، يباركون الجرائم الإسرائيلية، ويلومون الشعب الفلسطيني، ويُبَرِّئُونَ جرائم الصهاينة ويحثون بقية الدول العربية على تطبيع علاقاتها بإسرائيل.
تُرى أيهمَا أقرب إلى القيم الإنسانية وإلى روح الإسلام اليساريون التقدميون أم العرب المسلمون الرجعيون؟
الإجابة واضحة، وهي أن موقف اليساريين التقدميين، أنصار الحرية والتقدم، أقرب إلى روح الإسلام من موقف العرب المسلمين، أنصار الإمبريالية والصهيونية، الذين يزعمون أنهم مسلمون. أليست هذه مفارقة محزنة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا