الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في المشهد الراهن براجماتية السياسة ولا مشروعية القوة ..!

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2023 / 12 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


عبر مسار التاريخ القديم والحديث كانت القوة حاضرة في أدوات الصراع بين الدول بل وداخل الدولة الواحدة ضمن مجموعات سياسية ومجتمعية .. ومع الثورة الصناعية ومنتجاتها من التطور التكنولوجي خاصة في مجال الأسلحة زادت القوة من حضورها في اجندة الدول والجماعات وحتى المليشيات ..
في هذا السياق لانجد تباين بين السياسة والقوة بل هما وجهان لعملة واحدة ..فالسياسة لأي دولة تكون حاضرة وفاعلة استنادا الى قوة تسندها ..ومع مختلف مراحل تطور النظام الدولي كانت القوة ولاتزال احد اهم الأدوات وأليات تفعيل الوحدات السياسية ضمن منظومة العلاقات الدولية بل كانت الحروب أداة لصياغة نمط من العلاقات الدولية ومعه تتعددة الدول والقوى التي تتميز بتطور نوعي في مجالات الدفاع والأسلحة ..
في مرحلة سابقة أجاب نابليون على سؤال الى جانب من يقف الله في المعاركم فقال الى جانب من يمتلك مدفعا كبيرا وقويا .. معنى ذلك انه مع التطورات التكنولوجية اصبح الانسان يستخدم هذه الأخيرة في السيطرة على الطبيعة وعلى الانسان نفسه وهنا تزايدت الاطماع والنزوات الفردية من خلال استعمال القوة في تسوية المنازعات او السباق على الموارد الطبيعية حيث تمكنت الدول الاستعمارية من السيطرة على ملايين البشر في مختلف المستعمرات وفقا لمصادر القوة التي كانت تتميز بها وتمتلكها ..
من المؤكد ان السياسة في جوهرها تقوم على القوة او التهديد باستعمالها لكن ما يجعلها فاعلة اكثر السياسة التي تعتمد الرؤى الاستراتيجية بعيدة المدى وفق محددات التخطيط والتنظيم والتمكين .. واذا كانت القوة تحقق أهدافا قد لاتتحقق بالسياسية فكلاهما معا يكونان فاعلان في تحقيق اهداف متعددة ويحققان التميز للدول في فضاء العلاقات الدولية .
وهذه الأخيرة عبر مراحل تطور النظام الدولي منذ معاهدة وستفاليا منتصف القرن السابع عشر وحتى مابعد انهيار القطبية الثنائية تظهر تعدد في القوى الدولية وفاعلية اكبر للدول ذات التطور التكنولوجي والعسكري .. هنا تكون سياسة القوة مظهرا رئيسيا في العلاقات الدولية وهنا أيضا يكون سلاح الردع العسكري (تطور الأسلحة نوعيا –الأسلحة النووية ) وتكون الحروب الاستباقية او يكون التهديد باستخدام القوة - جميعها مظاهر لنزق سياسي يتجه الى القوة لتحقيق اهداف لم تستطع الدبلوماسية تحقيقها وبالقوة يكون الخروج عن القواعد والاتفاقات الدولية ..
وتزداد القوة حضورا وخطورة في تهديدها مع الأسلحة النووية ومع الذكاء الاصطناعي الذي اصبح جزء فاعلا في المعارك واستخدام القوة ..
وما تتميز به الدول الأقوى عسكريا وتكنولوجيا يمنحها مميزات في الهيمنة والتاثير في صناعة القرارات ذات التاثير في السلم والامن العالمي .. ومعها أيضا تزداد الفوارق بين المجتمعات والدول في مسار القوة والتطور وينقسم العالم الى مراتب متعددة وفقا لهذه المؤشرات .
في هذا السياق تحاول الدول من العالم الثالث التماهي مع الدول المتطور من خلال شراء أسلحة متعددة ومتنوعة وتعزيز ترسانتها العسكرية غالبا توجه نحو الداخل ونحو الصراعات الحدودية وتأخذ جزءا كبيرا من الموازنة المالية والناتح المحلي الإجمالي بل والدخل القومي .ويكون ذلك على حساب برامج التنمية والبنى التحتية والانفاق على التعليم وعلى حساب الاستقرار السياسي أيضا وهو امر يمكن ملاحظته في دول عدة عربيا وإقليميا .
الجدير بالذكر انه مع اختلال العلاقات الدولية منذ العام 90 تلعب أمريكا أدوار مناهضة للنظام الدولي وميثاق الأمم المتحدة من خلال دعمها اللامحدود وغير المبرر للعدوان الاسرائلي تجاه المدنيين في غزة وعموم الأراضي الفلسطينية ولأنها احتكرت دور الوسيط في هذه القضية من العام 90 الا انها لم تكن يوما واحدا وسيطا محايدا او ينظر بعقلانية لأزمة وقضية تجاوز عمرها اكثر من نصف قرن . هنا يتساءل بعض المثقفين والسياسيين الأمريكيين لماذا يكرههم العالم ..؟ مع ان الإجابة بسيطة وواضحة تتجلى في سياساتهم التي لاتحترم ميثاق الأمم المتحدة ولا تحترم الانسان ذاته بل تدعم كل القوى التي تمارس عدوانها على الانسان في اكثر من مكان على هذا الكوكب .
القوة تعبير عن العودة الى غريزة حيوانية تقلل من مكانة الانسان وقيمته التي حصل عليها باستخدام عقله نحو المدنية والحضارة .. لكن ارتداده نحو الهمجية يكون باستخدام القوة اكان من نظام تجاه شعبه ومعارضيه او عصابات ومليشيات او دولة ضد شعب احتلت أراضيه او تكتل دولي يشن حربا على دول نامية محدودة التطور .
الجدير بالذكر انه على دول العالم الثالث والدول العربية جزء من هذا العالم ان يبحثوا لانفسهم عن تجمع اقتصادي سياسي مواز لحلف الناتو حتى يتحقق التوازن في العلاقات الدولية.. وان يعملوا لدعم تعدد الأقطاب أيضا لنفس الهدف ..من هنا على الدول العربية ان تنسج علاقات ومصالح كبيرة مع الصين وروسيا والهند وان تربط ذلك بمواقف سياسية تعزز تعدد الأقطاب وتوازن المواقف في المسارات السياسية الدولية ومنها مواقف تجاه القضايا الوطنية والقومية ومنها القضية الفلسطينية ..
وبنظرة ثاقبة للجغرافيا السياسية للمنطقة العربية تستطيع هذه الدول ان تسخدم جغرافيتها من المنظور السياسي والاستراتيجي لتحقيق مصالح اقتصادية وامنية كبيرة وان تعزز دورها على المستوى الدولي شرط وجود موقف رسمي متقارب ومتكامل في أهدافه العامة على الأقل ، وهو شرط قد لايتحقق لان غالبية الدول العربية او جميعها لاتتفق على موقف واضح ومحدد تجاه كثير من المشاهد السياسية .. وجميعها تتصف بان نظم الإدارة فيها عطلت من فاعلية الجغرافيا السياسية لبلدانها ونفس الامر دول العالم الثالث التي تتبنى رؤى تبتعد على المنظور الأمريكي .
المشهد السياسي والميداني في غزة أكد للمرة الالف نزق الإدارة الامريكية – ومعها الحكومات الغربية - في تبرير العدوان الإسرائيلي ووصفه بالعمل المشروع لان الحاضنة العربية للمقاومة الفلسطينية ضعيفة وحتى الدول الأخرى إسلامية او عالمثالثية ... الصراع في عالم اليوم يعتمد على محددات القوة التكنولوجية والعسكرية والاقتصادية ومعه تطور في الإدارة والتخطيط وسياق مجتمعي واقليمي داعم ومؤيد .. ومع ضعف الموقف الرسمي عربيا وإقليميا تستطيع هذه الدول -على الأقل - عبر المنظمة الأممية ومجلس الامن ومعهما روسيا والصين ان تحصل على توافق باصدار قرار وقف اطلاق النار والتحول الى الفعل السياسي والدبلوماسي ..
العرب منذ اكثر من نصف قرن يمارسون السياسية دون منظور استراتيجي ولا اهتمام بمفاعيل الجغرافيا السياسية لذلك يفتقدون كثير من أوراق اللعبة السياسة ومع اعتمادهم نهج براجماتي الا انه لا يخضع لمرجعية توجهه وتحدد أهدافه المتوسطة والبعيدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى