الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحزاب سياسية أم إقطاعيات عائلية ؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2023 / 12 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


تعود نشأة الأحزاب السياسية في البلدان العربية إلى مطلع القرن العشرين المنصرم , بعد تزاييد الوعي الوطني لدى شعوبها ورغبتها باالتحرر والإستقلال وإرساء أسس بناء دول حديثة, مسايرة لروح العصر والمعارف الحديثة, حيث كان معظمها يومذاك , إما تحت الإنتداب البريطاني أو الفرنسي , او إستعمارهما المباشر من قبلهما , بعد أن وعدتها تلك البلدان بإستقلاها التام عند تخلصها من هيمنة الدولة العثمانية التي إستمرت قرونا عديدة , الأمر الذي إستلزم تضافر جهود مفكريها ومثقفيها وقادتها لتشكيل تجمعات جماهيرية لقيادة شعوبها وتنظيم صفوفها للمطالبة بإستقلال بلدانها ونيل حريتها ,والتخلص من كل أشكال الهيمنة الأجنبية, والكف عن نهب خيراتها وثرواتها . وبمرور الوقت تطورت تلك التجمعات إلى تنظيمات سياسية حزبية على غرار ما هو سائد في الدول الأوربية بصورة أو بأخرى .
ففي مصرمثلا تأسس الحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل سنة 1907 , تلته أحزاب الأمة والوفد والإصلاح والنبلاء والدستوري والوطني الحر والمصري والأحرار الدستوريين. وبعد ثورة 23 تموز عام 1952 منعت الأحزاب السياسية من العمل عدا حزب الاتحاد القومي الذي تغير إسمه فيما بعد إلى الحزب العربي الاشتراكي , وهو الحزب الذي أسسه قادة الثورة لمساندة برامجها السياسية. سمح للأحزاب بالعمل عام 1976 بإستثناء الحركة الإسلامية. أنشأه الرئيس أنور السادات في عام 1978 الحزب الوطني الديمقراطي , بعد حل حزب الاتحاد الاشتراكي العربي، وتولى الرئيس أنور السادات رئاسته حتى اغتياله سنة 1981, وترأسه بعده حسني مبارك حتى عام 2011, تم تغيير اسمه إلى الحزب الوطني . أجرى الرئيس مبارك تغييرات في الحزب الوطني الحاكم في محاولة فاشلة لتهدئة المتظاهرين ضده عام 2011, حيث أزاح ابنه جمال، ومعظم مؤيديه من مواقع النفوذ في الحزب والدولة , بعد أن كان مهيئا لإستلام مقاليد الحزب والسلطة خلفا لوالده على غرار ما حدث في سورية حافظ الأسد , وكأن الحزب والسلطة إقطاعية سياسية وأرثا عائليا ينتقل من الأباء إلى الأبناء , لكن الرياح لم تجر بما كان مخطط لها , حيث أطاحت إنتفاضة ما عرف بالربيع العربي , بنظام حكم حسني مبارك الذي جثم على صدور المصريين سنين طويلة .
والمفارقة الغريبة هنا أن الأحزاب التي نشأت في عهد النظم الملكية والحكومات التقليدية في مصر والعراق وسورية وغيرها , كانت أقرب إلى مفهوم الأحزاب السياسية المتعارف عليها في الدول الأخرى ,وأن شاب بعضها ضعف التنظيم وفقدان الرؤية السياسية الواضحة للتصدي للمشكلات العميقة التي كانت تعاني منها مجتمعاتها التي تسود أوساط واسعة منها مظاهر الفقر والتخلف والأمية. والمفارقة الغريبة الأخرى هي أن النظم الجمهورية التي قامت على أنقاض النظم الملكية اتي أطاحت بها في إنقلابات عسكرية كان بعضها داميا , ويحلو للقائمين بها ومن ناصرهم , تسميتها بالثورات التحررية , إتسمت بالدكتاتورية المقيتة ومصادرة الحريات وتكميم الإفواه وعدم السماح بتأسيس الأحزاب, وزج معارضيها في المنافي والسجون , وإحتكار السلطة التي يرأسها قائد تاريخي منقذ , أحاط نفسه بجوقة من الإعلاميين المنافقين لإضفاء هالة من التعظيم والتبجيل للقائد الذي وهبه الله لشعبه , بصورة لم يعامل بها ملوكهم المبجلين . شكل هؤلاء الحكام أحزابا سياسية على مقاساتهم , وبعضهم سخر أحزابا سياسية قائمة وتكريسها لخدمة سلطتهم المطلقة .
ولعل لبنان البلد العربي الوحيد الذي إعتمد نظام الأحزاب السياسية , إذ عرف لبنان نظام التعددية الحزبية منذ عشرينات القرن الماضي . تأسست معظم هذه الأحزاب على أسس طائفية إنسجاما مع نظام لبنان السياسي القائم على أساس المحاصصة الطائفية , وبنكهة عائلية وكأنها إقطاعيات سياسية خاصة بها . كان حزب الكتائب اللبنانية أحد أبرز الأحزاب السياسية اللبنانية. تأسس كحركة قومية شبابية سنة 1936 على يد بيار الجميل,وتحول إلى حزب سياسي سنة 1952 , وتزعمه بيار الجميل حتى وفاته سنة 1984 , ليخلفه نجله بشير الجميل الذي أنتخب رئيسا للبنان في الأول من شهر أيلول سنة 1982, لكنه لم يتمكن من إستلام مهام الرئاسة , إذ أنه قد قتل بحادث إنفجار قنبلة أودت بحياته في 14 من شهر أيلول من العام نفسه, ليخلفه أخاه أمين الجميل, رئيسا للبنان للفترة (من 22 أيلول 1982 إلى 22 أيلول 1988) , وكأنهم يستلمون تركة عائلية يرثونها كحق شرعي لهم دون سواهم . ولا يقتصر الإقطاع السياسي على حزب الكتائب فقط , فهناك حزب الوطنيين الأحرار الذي أسسه الرئيس اللبناني كميل شمعون سنة 1958 بعيد انتهاء ولايته الرئاسية , ليخلفه نجله داني شمعون ألذي تولّى رئاسة الحزب سنة 1985 واستمر في منصبه إلى أن اغتيل في شهر تشرين الأول سنة 1990, ترأسه من بعده شقيقه دوري الذي قاده طوال فترة الوجود السوري في لبنان , وكذلك الحال بالنسبة للحزب التقدمي الإشتراكي الذي أسسه كمال جنبلاط سنة 1949 , الذي إغتيل عام 1977 ليخلفه نجله وليد جنبلاط الذي يتزعم الحزب حتى يومنا هذا .
وشهد العراق بموجب قانون الأحزاب الذي صدر في 2 آب 1922, تأسيس أحزاب سياسية ذات عقائد وتوجهات سياسية مختلفة , كان أقدمها الحزب الوطني العراقي عام 1922 بزعامة جعفر أبو التمن , ولكن سرعان ما ضعف الحزب وتواري في مطلع عقد الثلاثينيات ,وحزب الإستقلال الوطني عام 1924 بزعامة عبد الله العمري , والحزب العراقي عام 1930 بزعامة نوري السعيد والذي هو الآخر تلاشى عام 1932 , وحزب الإخاء الوطني عام 1930 بزعامة ياسين الهاشمي الذي حله ياسين الهاشمي نفسه عام 1935 عندما تولى منصب رئاسة الوزراء, والحزب الشيوعي العراقي عام 1934 بزعامة يوسف سلمان المعروف بإسمه الحركي فهد , الذي أعدم ورفيقيه زكي بسيم وحسين الشبيبي عام 1949 , وحزب الشعب العراقي عام 1946 بزعامة عزيز شريف الذي حل من قبل صالح جبر عام 1947 , وحزب الأحرار بزعامة سعد صالح جريو عام 1946 والذي حل عام 1948, وحزب الإتحاد الوطني بزعامة عبد الفتاح إبراهيم عام 1946 وحل عام 1947, والحزب الوطني الديمقراطي عام 1946 بزعامة كامل الجادرجي ومحمد حديد والمحامي حسين جميل ,وحزب الإستقلال بزعامة محمد مهدي كبه ومحمد صديق شنشل والمحامي فائق السامرائي , وحزب البعث العربي الإشتراكي في أوائل الخمسينيات بزعامة فؤاد الركابي , وحزب الأمة الإشتراكي عام 1951 بزعامة صالح جبر,وحزب الإتحاد الدستوري بزعامة نوري سعيد للفترة (1951 – 1952), ونشأت أحزاب كردية مثل هيو (الأمل)، وقد تأسس عام 1937 بمبادرة من بعض المثقفين والضباط الكرد، ومن قادته مصطفى العزيري ويونس رؤوف. وكان الإخوان المسلمون يعملون تحت مظلة "جمعية الأخوة الإسلامية" ومن قادتهم الشيخ محمد محمود الصواف وعبد الكريم زيدان.وفي العام 1946 تأسس الحزب الديمقراطي الكردي بزعامة مصطفى بارزاني ولكن في مؤتمرالحزب الثالث المنعقد في مدينة كركوك عام 1955، تقرر تغيير الاسم إلى (الحزب الديمقراطي الكوردستاني) . ويلاحظ أن معظم هذه الأحزاب, أحزاب تدور في فلك مؤسسيها سرعان ما تتلاشى بتلاشي مؤسسيها من المشهد السياسي , خلافا للأحزاب العقائدية اليسارية والقومية والدينية التي كانت تمثل جبهة المعارضة في حقبة النظام الملكي .
لم تسمح حكومات الإنقلابات العسكرية التي أعقبت النظام الملكي بممارسة العمل الحزبي إطلاقا , عدا حزب السلطة وبعض التنظيمات السياسية الهزيلة لإضفاء شكل زائف من ديمقراطية باهتة لا تقدم ولا تؤخر . وبالعودة إلى إقطاعيات الأحزاب السياسية في العراق , نشير هنا إلى أبرزها التي تمثلت بحزب البعث العربي الإشتراكي الذي حوله أمينه العام الذي تولى السطة المطلقة بعد مجزرة قاعة الخلد عام 1979 التي أطاحت بكبار قادة الحزب وبعدد كبير من كادره المتقدم , ليتحول حزب البعث العربي الإشتركي من حزب قومي عقائدي ثوري إلى إقطاعية سياسية لصدام حسين وأخوته وبنيه وعائلته التي تحميه وأبناء قريته التي تؤيه ,, حبث شغل أبن خاله عدنان خير الله منصب وزير الدفاع وعضو قيادة حزب البعث , وفي وقت لاحق شغل أبن عمه علي حسن المجيد منصب وزير الدفاع وعضو قيادة الحزب , وأصبح نجله قصي صدام حسين مشرفا عاما على القوات المسلحة وعضو قيادة الحزب , وشغل صهره حسين كامل الذي رقي من مرتبة نائب عريف إلى مرتبة فريق , منصب نائب رئيس الوزراء ووزير التصنيع العسكري , وتوزع أشقاء صدام حسين , برزان وسبعاوي ووطبان على رئاسة المخابرات والأمن ووزارةالداخلية , وشغل آخرون من العائلة مناصب عليا أخرى كمحافظين وقادة كبار في الحزب والدولة . ولعل من المفيد أن نشير هنا إلى أن معظمهم إن لم يكن جميعهم لا يملكون مؤهلات تؤهلهم لإشغال هذه المناصب الرفيعة في الحزب والدولة , فبعضعهم منحوا رتبة فريق ركن عسكرية وهو لا يحمل أكثر من شهادة الدراسة الأبتدائية أو ربما أعلى منها قليلا . كان يجري إعداد عدي النجل الأكبر لصدام حسين ليخلفه في قيادة الحزب والدولة , لولا تعرض عدي لحادثة إغتيال في وضح النهار بمنطقة المنصور عام 1996 , أدت به إلى عاقة مستدامة تمنعه من تبؤ موقع قيادي , لذا إتجهت الأنظار إلى نجل صدام الثاني قصي لتهيئته لهذا المنصب . والأدهى من كل ذلك أن العراق برمته قد إختزل بإسم صدام حسين تحت شعار " إذا قال صدام قال العراق " , ولم يكن ذلك مجرد شعار يردد في التظاهرات والمناسبات , بل أصبح حقيقة ملموسة لكل من عاش في العراق أو كان متابعا لشؤونه , حيث أصبح صدام هو وحده من يقرر سياسة العراق داخليا وخارجيا , وعلى الآخرين تنفيذها دون أن يكون لهم وجهة نظر فيها كما حدث في غزوه الكويت وما تبعها من ويلات ومصائب حلت بالعراق والعراقيين ما زالوا يعانون منها حتى يومنا هذا .
ولم تقتصر الهيمنة العائلية الحزبية على حزب البعث فقط , فها هو الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي أسسه ملا مصطفى برزاني , كحزب قومي ليبرالي في كردستان عام 1946 , يخضع الآن لهيمنة عائلة برزاني , إذ خلف مؤسسه ملا مصطفى بعد وفاته 1979 ,نجله مسعود بارزاني الذي يترأس الحزب إلى الآن, ويشغل كل من نيجيرفان ومسرور بارزاني مواقع قيادية في الحزب وحكومة إقليم كردستان ( رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة ) ذات الصلاحيات الواسعة في إدارة الإقليم وسيطرتها على موارده ,لتجعل منه شبه حكومة مستقلة عن العراق . وكذا حال غريمه حزب الإتحاد الوطني الكردستاني الذي يتمتع بنفوذ واسع في محافظة السليمانية , يكاد لا يشاركه أحد في إدارة المحافظة ,ويتشارك مع الحزب الديمقراطي في إدارة الإقليم , والمناصب الوزارية والمواقع الوظيفية الرفيعة في العراق بموجب نظام المحاصصة المعمول به في العراق . ويذكر أن الحزب قد تأسس عام 1975 من قبل جلال الطالباني , كرد فعل للانهيار الذي منيت به الحركة الكردية بزعامة ملا مصطفى بارزاني وحزبه الحزب الديمقراطي الكردستاني ,عقب توقيع اتفاقية الجزائر بين الحكومة العراقية وشاه إيران بوساطة جزائرية ,حيث كانت إيران تدعم الحركات المسلحة الكردية مما أدى إلى انهيار كامل في الحركة الكردية . توفى جلال الطالباني عام 2017 , لتهيمن بعد وفاته عائلته على قيادة الحزب , إذ تتناقل وسائل الإعلام حاليا تسريبات على وجود خلافات حادة من الأمينين العامين المُشتركين للحزب، بافل طالباني، نجل مؤسس وزعيم الحزب جلال الطالباني، وشريكه في قيادة الحزب وابن عمه لاهور شيخ .ويذكر أن كلا الحزبين الديمقراطي والإتحاد يملكان مليشيات مسلحة في مناطق نفوذهما , الديمقراطي في أربيل والإتحاد في السليمانية بوصفهما الآمر الناهي في المنطقة ولا سلطة لأحد سواهما .
وبعد 2003 وسقوط النظام الدكتاتوري حصل انفتاح كبير على انشاء الأحزاب السياسية حيث اتسمت الحياة السياسية بعد 2003 بشمولية دينية طائفية وأثنية حكمت النظام السياسي بعد الاحتلال , بدلا من بناء نظام ديمقراطي حقيقي في العراق يضمن التداول السلمي للسلطة ويحمي الحقوق ويرسخ دولة المواطنة . إستندت بعض هذه الأحزاب على أرث عوائلها الديني كما هو الحال بالنسبة للتيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصادر نجل المرجع الديني محمد الصدر الذي إغتيل ونجليه من قبل قوات الأمن العراقية في عقد التسعينيات من القرن المنصرم , وكذا الحال بالنسبة لتيار الحكمة الذي يتزعمه عمار الحكيم , خلفا لوالده عبد العزيز الحكيم الذي ورث الزعامة من أخيه محمد باقر الحكيم نجل المرجع الديني محسن الحكيم .
ولا تقتصر ظاهرة النفوذ العائلي على الأحزاب السياسية في البلدان العربيية كما قد يتصور البعض , بل ظاهرة شهدتها بلدان عديدة ذات نظم سياسية مختلفة , منها الولايات المتحدة الأمريكية فقد كان لعائلة آل كنيدي دورا مهمينا على الحزب الديمقراطي , إذ إختير جون كنيدي رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية مرشحا عن الحزب الديمقراطي , وإختار جون أخاه روبرت مدعيا عاما . أغتيل جون كنيدي عام 1963 , لتتجه أنظار عائلة كنيدي لترشيح روبرت السنتاور للرئاسة في مرحلة لاحقة , وقد ترشح فعلا لهذه الإنتخابات , لكنه هو الآخر قد إغتيل عام 1968 أثناء حملته الإنتخابية , ولم يتبقى من العائلة سوى الأخ الأصغر أدورد الذي أنتخب لعضوية مجلس الشيوخ وقد توفاه الله بمرض عضال عام 2009, وبذلك أسدل الستار على عائلة آل كنيدي . وتكرر الحال بالنسبة لبيل كلنتون وزوجته هيلاري كلينتون , فقد تولى بيل منصب رئاسة الولايات المتحدة مرشحا عن الحزب الديمقراطي مرتين , وتولت زوجته منصب وزير الخارجية لتترشح بعدها لإنتخابات رئاسة الولايات المتحدة التي لم يحالفها الحظ بالفوز بها . ولم يقتصر النفوذ الحزبي العائلي على الحزب الديمقراطي فقط , فقد كان نفوذ بوش وعائلته واضحا هو الآخر على الحزب الجمهوري , فقد تولى جورج بوش منصب رئاسة الولايات المتحدة لمرة واحدة , وتولى أبنه دبليو بوش منصب الرئاسة لمرتين ، ما جعله ثاني رئيس يتولي المنصب بعد والده، في أعقاب رئاسة جون كوينسي آدمز. وترشح شقيقه جيب بوش، الحاكم السابق لولاية فلوريدا، عن الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية عام 2016. وفي الهند بلد الديمقراطية الآسيوية , تولت إنديرا غاندي عام 1966 رئاسة حزب المؤتمر الهندي الذي حكم الهند عقود طويلة بعد أن قادها بعد الإستقلال ونيلها حريتها عام 1947 بقيادة المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو الذي وافته المنية عام 1964. مهّدت إنديرا لولدها سانجاي غاندي ليكون وريثها في الحكم ,لكنه وقع حادث مفجع لولدها سانجاي، إذ سقطت به طائرته التي كان يمارس بها هواية التحليق والطيران، وكانت ضربة قاسية لأحلام أنديرا في الاستمرار والبقاء على كرسي الحكم، هي ونسلها . ظلّت فكرة الحكم تستحوذ على ذهن أنديرا، فجعلت ولدها راجيف الذي لم يكن يملك مؤهلات الحكم والسلطة يحتلّ مقعداً في البرلمان الهندي، ويحل محلّ أخيه القتيل في اللجنة التنفيذية لحزب المؤتمر الحاكم . وبعد اغتيال إنديرا غاندي عام 1984 ، رشحه قادة حزب المؤتمر الوطني الهندي ليكون رئيسا للوزراء، قاد راجيف غاندي الحزب إلى الفوز في الانتخابات الرئيسية في عام 1984 بعد فترة وجيزة. أغتيل راجيف غاندي أثناء حملته الإنتخابية عام 1991 . ولا يختلف الحال في دولة الباكستان إذ تولت بينظير بوتو زعامة حزب الشعب , بعد والدها ذو الفقار علي بوتو الذي إطيح به بإنقلاب عسكري قاده الجنرال ضياء الحق الذي قام بإعدامه . جريت أول انتخابات تشريعية بعد مقتل ضياء الحق في حادث طائرة، ونجحت بينظير بأغلبية ضئيلة، وشغلت منصب رئيس الوزراء لأول مرة في الأول من كانون الأول عام 1988م. وتولت بينظير بوتو هذا المنصب مرة ثانية بين عامي 1993 و1996، وفي الحالتين أقالها رئيس البلاد من منصبها بعد اتهامها بالفساد. أغتيلت بينظير عام 2007 وفي العام 2008 أصبح زوج بنظير بوتو عام 2008، آصف زرداري رئيسا لباكستان. وهناك أمثلة أ كثيرة في بلدان أخرى منها كوبا الثورية التي حكمها ألأخوين فيدل كاسترو وخليفته شقيقه راؤل كاسترو منذ إنتصار الثورة الكوبية عام 1959 , تنحى راؤول كاسترو عن زعامة الحزب عام 2021 ، وبذلك أنهى هيمنة عائلة كاسترو على قيادة الحزب الشيوعي الكوبي لأول مرة منذ أكثر من (60) عاماً . وكوريا الشمالية التي قامت بترفيع زعيمها كين جونغ أون إلى مرتبة قريبة من وضع جده كيم إيل سونغ، مؤسس البلاد ولم يكن قد بلغ الثلاثين من عمره عندما ورث السلطة عن والده كيم جونغ إيل في 2011. لكنه فرض منذ ذلك الحين سلطته وبات يحكم البلاد بقبضة من حديد . وعين شقيقته كيم يو-جونغ عضوا بالتناوب في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم في البلاد. نكتفي هنا بهذا القدر , فهناك أمثلة أخرى كثيرة في بلدان عديدة ذات نظم سياسية مختلفة .
وختاما نقول أن الأحزاب السياسية العريقة لا يمكن إختزالها بفرد أو أفراد مهما كانت قدراتهم وإمكاناتهم وأهميتهم , فها هو ونستن تشرشل رئيس وزراء بريطانيا وقائد حزب المحافظين الذي قاد بريطانيا إلى النصر العظيم ودحر ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية , والذي بعد أحد أعظم القادة في التاريخ البريطاني حتى يومنا هذا , قد فشل فشلا ذريعا أمام خصمه حزب العمال في أول إنتخابات برلمانية أجريت بعد إنتهاء الحرب مباشرة والإعلان عن الإنتصار الباهر لبريطانيا , إذ رأى البريطانيون أن لكل مرحلة متطلباتها ولها رجالها , فمرحلة ما بعد الحرب تتطلب رجال أكفاء لإعادة ما دمرته الحرب , وليس رجالا لخوض المزيد من الحروب . والمفارقة هنا أن قادة منتصرون يتركون مناصبهم , بينما في بلداننا العربية يتمسك قادة منهزمون بمناصبهم حتى أخر رمق . فالشعوب أكبر من القادة أيا كانت إنجازاتهم ,وهي وحدها لها الحق بإختيار قادتها بمحض إرادتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة