الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرشيف المغرب والاحتفاء بالمليح ..

عبد السلام انويكًة
باحث

2023 / 12 / 2
الادب والفن


ضمن ورشها المفتوح منذ عدة سنوات والمتعلق بجمع الأرشيفات الخاصة وفي التفاتة نبيلة منها، نظمت مؤسسة أرشيف المغرب أمس الخميس معرضا خاصا بالأديب والسياسي المغربي الراحل "إدمون عمران المليح" بالعاصمة الرباط. ولعل هذا المعرض الذي يمتد الى غاية ربيع السنة القادمة، يستحضر مسار هذا الاسم في مجال الأدب والسياسة والصحافة..، من خلال وثائق أعماله ومواقفه حول هذا وذاك من القضايا المغربية والعربية والانسانية.
هكذا حط أرشيف الراحل"إدمون عمران المليح" رحيله بمؤسسة أرشيف المغرب، التي استهدفت الانصات لـ" تامغربيت" هذا الأخير من خلال أعماله الابداعية ووعيه وهويّته وذاكرته وتعدد مشارب ثقافته، وجعل أرشيفه الخاص رهن اشارة البحث والدراسة تنويرا وحفظا لرسالته حول قيم السلم والتعايش والحوار والتسامح. ولعل مما أثث معرض الرباط حول "المليح" (1917- 2010)، ما هناك من مواقف لمواطنين مغاربة بارزين ولدوا لأسر مغربية يهودية، من قبيل إدمون عمران المليح وأبراهام السرفاتي وسيون أسيدون، والذين ندّدوا بقتل إسرائيل للمدنيين العزّل بقطاع غزة ولبنان، عندما قالوا ذات يوم من أواسط تسعينات القرن الماضي: “مرة أخرى دولة إسرائيل مصابة بجنون القتل، وتسوق إلى الأوج سياستها الإرهابية الانتحارية بالمشاركة الدبلوماسية واللوجيستيكة النشطة للولايات المتحدة (..) لا سلام ولا تفاوض، تبقى دولة إسرائيل مرتكزة على هدفها الثابت: اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وتحاول رمي مسؤولية جدلية المقاومة/القمع على المقاومة الفلسطينية واللبنانية! نحن الموقعين أسفله على عكس أي منهج طائفي، نوجه هذا النداء إلى جميع من يتمتعون بامتياز اعتبار أنفسهم مغاربة يهودا أو يهودا مغاربة، هنا في بلدنا وفي كل أنحاء المعمور. ونناشدهم التعبير بكل وضوح عن معاناتهم كبشر نساء ورجالا أمام الجرائم التي ترتكب(..) ليقفوا من أجل وضع حد لحمام الدم الناتج عن سياسة إسرائيل الإرهابية الانتحارية”.
وفي علاقة بروح"عمران المليح" وبمعرض الرباط المنظم لفائدته من قبل أرشيف المغرب، من جملة ما جاء في ورقة تأطيرية رفيعة المستوى أعدها بالمناسبة الأستاذ خالد عيش، كون الذاكرة من مكونات لهوية الوطنية الأساسية إلى جانب ما هناك من مكونات أخرى تجسدها عناصر الثقافة المميزة، من قبيل التاريخ والأرشيف واللغة والعقيدة والتراث بكل ألوانه المادية وتجلياته اللامادية. وأن هذه الذاكرة تعتبر فضاء تمتزج داخله هذه العناصر وتتفاعل لإنتاج نسق معين يخص العيش في مجال جغرافي يختزله مفهوم الوطن. مضيفا أن هذه الذاكرة التي تؤدي دورها في إذكاء الهوية الوطنية وفي تماسك مكوناتها، هي بحاجة دوما للصيانة حتى تستمر وتعيش، فضلا عن حاجة إيقاظها من سباتها إن كان قد طواها النسيان. مشيرا الى أن سبيل ذلك يكمن فيما ينبغي من اهتمام بدراسة التاريخ وتثمين التراث، واحترام المعتقدات وإحياء العادات والتقاليد المشتركة ترسيخ لغات التواصل. فضلا عن حفظ الأرشيفات وتثمينها لدورها الأساسي في إعادة تركيب هذه الذاكرة التي تكونها الثقافات المجتمعية داخل المجتمعات المتعددة التركيبة الإثنية والدينية والعرقية والثقافية بكيفية خاصة.
ورقة معرض الرباط هذه، أشارت الى أن هذه اللحظة جاءت وعيا بدور الأرشيف في الحفاظ على الذاكرة الوطنية، وأن على هذا الأساس تواصل مؤسسة أرشيف المغرب تنزيل ورشها وتطلعاتها في توسيع وعاء أرشيفات الخواص، باعتبارها مصدرا رافعا يمكن استثمارها في إذكاء الذاكرة المجتمعية وصياغة مختلف أشكال تثمينها، فضلا عن الحاجة الماسة لحمايتها وحماية قيم المجتمع المغربي ضد أشكال الغزو الإيديولوجي والاقتصادي والثقافي. هكذا تثمن مؤسسة أرشيف المغرب في معرضها بمناسبة اليوم الوطني للأرشيف، أرشيفات "عمران المليح" المعززة للأنشطة المثمنة لمكونات وتعدد الهوية المغربية، وتضع بين أيدي عموم الباحثين إرثا أدبيا وفكريا وفنيا نفيسا يمكن الاستنارة به لدراسة تاريخ البلاد واستحضار ذاكرها وتراثها الرمزي.
مع أهمية الاشارة لِما احتوته ورقة معرض الرباط هذا من حديث حول"تامغربيت"، التي طبعت عمران المليح وأطروحاته الفكرية ونصوصه الإبداعية في أسمى معانيها، لكونه جسد معنى أن يكون المغربي مغربيا حقيقيا مؤمنا بمجتمعه وبحضارة بلاده وبقيم حوار حر وعميق من أجل مغرب متحضر مستقر مؤمن بالقيم الكونية المتسامحة. وأن "تمغربيت" تقاسمها إدمون المليح في بيته وأثاثه الأصيل المغربي التقليدي، ولقاءاته مع النخبة المغربية بجميع أطيافها، الأكاديمية والسياسية والثقافية والفنية وغيرها سواء داخل المغرب أو خارجه، مع ما هناك من تقاسم لأفكار وتجارب ونمط عيش وطبيعة صداقة وود وكرم وغيره من الصفات النبيلة الانسانية.
تبقى إلتفاتة مؤسسة أرشيف المغرب صوب روح وإرث وبصمة "عمران المليح" المغربية، بقدر كبير من الأهمية لِما يمكن التقاطه منها من اشارات رمزية رفيعة، من أجل ما ينبغي من عبرة لدى الناشئة والاجيال، حول ما طبع حياة هذا الرجل من تميز وعصامية ونضال ومثابرة وبذل، لإنجاح طموحاته وتطلعاته في الكتابة والنشر والفكر والابداع والرأي والتواصل رغم ما اعترضت حياته من صعاب. فكان بكل هذا وذاك من التجارب والاجتهاد والحس الانساني والوعي الاجتماعي، نموذجا لـ" تمغربيت" بتعبير مدير مؤسسة أرشيف المغرب الأستاذ المؤرخ جامع بيضا، الذي تسجل له ومن خلاله لكل أسرة مؤسسة أرشيف المغرب هذه الالتفاتة النبيلة في دلالاتها صوب روح "عمران المليح"، الذي لا شك أنه سيظل إسما وعلامة انسانية رمزية شامخة في ذاكرة المغرب والمغاربة الجماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل