الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيان استيطاني في أزمة

خليل قانصوه
طبيب متقاعد

(Khalil Kansou)

2023 / 12 / 2
القضية الفلسطينية


الفصل الثاني :
الملاحظ استنادا إلى معطيات تاريخية أن مصر و بلاد الشام و العراق والمناطق الساحلية في شبه جزيرة العرب ، كانت غالبا مفتوحة تتجول فيها الجماعات و الشعوب بحسب قانون ميزان القوى الذي يجعل بعضها مهيمنا إلى حين بينما بكون بعضها الآخر خاضعا إلى حين ، و لم يكن يعترض التجوال حدود سياسية ، بالمعنى الحديث لمفهوم الدولة ، او عوائق جغرافية . و لا شك في أنه كانت تتشكل أحيانا في ظروف ملائمة جماعة حول زعيم أو شيخ ، فتقصد مكانا مرغوبا وتحتله و تحاول استملاكه ، رافضة الاختلاط و الشراكة مع المقيمين الأصلين فيه أو مع الوافدين إليه ، فتقع الحروب بين الأطراف المتنازعة إلى أن تنهار السلطة أو يفنى أحد الأطراف ، أو يقتنع الناجون بضرورة الاختلاط و التشارك . كما تحسن الملاحظة أيضا بأن نسبة كبيرة من اليهود الإسرائيليين هم من السكان الأصليين في البلدان العربية ، حيث كانوا منتشرين في كافة هذه البلدان ، لا تخلو منهم بلاد . الغريب في الأمر أن رواد الدولة اليهودية في فلسطين ، حيث كان جلهم من أصول أوروبية ، استطاعوا إقناع اليهود الأصليين بمساعدة بريطانيا و فرنسا ، الدولتان الاستعماريتان آنذاك ، بالهجرة إلى فلسطين لحاجة لهم في تنفيذ مشروع الدولة اليهودية حيث منحوا بالمناسبة الجنسية الاسرائيلية . بكلام آخر لم يكن يميز اليمني اليهودي عن اليمني غير اليهودي إلا الديانة ، هذا معطى لا جدال فيه . هل أن الديانة هي التي جمعت في فلسطين تحت ظل الانتداب البريطاني بين اليمني اليهودي و بين الروسي اليهودي ، أم هي أسباب معيشية ؟ . مهما يكن فإن اللافت في هذه المسألة هو أن اليمنيين الوافدين إلى إسرائيل لم يلقوا على الأرجح معاملة عادلة ، أو بتعبير آخر لم يكن مرحبا بهم في بيئة المستوطنين الأوروبيين . نشير هنا ، على عجالة ،في سياق التلميح إلى تعقيدات هذه العلاقة ،إلى قضية اختفاء حوالى عشرة آلاف طفل من أبناء المستوطنين اليمنيين بين سنتي 1949 ـ 1950 في ظروف غامضة ، لم تتضح بعد ؟
نذكر في السياق نفسه قرار ا أصدرته السلطة الفرنسية في الجزائر سنة 1870 ، بعد إعلان هذه البلاد جزءا من فرنسا ، المعروف باسم قرار كريمييه ، وزير العدل آنذاك ، يقضي باعتبار السكان الجزائريين الأصليين أتباع الديانة اليهودية ، مواطنين فرنسيين ،كاملي الحقوق لهم ما للمواطنين الفرنسيين و عليهم ما عليهم . لم يشمل هذا القرار غيرهم من السكان الأصليين في الجزائر فهؤلاء " أصليون ، تنطبق عليهم قوانين خاصة بالأصليين ، و فيما يخص الاحوال الشخصية كانوا عربا أو مسلمين فقط " . هذا يقودنا إلى التساؤل عن أوجه الشبة و الاختلاف بين الجزائر و فلسطين في أطار سيرورة استعمارية استيطانية شهدها البلدان ؟
لنعود من بعد إلى موضوعنا الرئيسي ،و هو التفكر في طبيعة دولة إسرائيل بما هي دولة مستوطنين ، بدءا من الدوافع التي حدت بالمستوطن لمغادرة بلاده الأصلية بحثا عن و طن بديل يستوطن فيه . هنا ينهض السؤال عما إذا كانت الديانة هي التي فرضت على " المؤمن " واجب العودة إلى فلسطين و بعث الدولة اليهودية ، تطبيقا لسرديات ، يقال أنها جاءت في التوراة علما أن رواتها ليسوا مؤرخين و لم يعثروا بعد على آثار اركيولوجية (حفريات في أطار أبحاث علمية عن الآثار) تدعمها ، على عكس ما يؤكده بعض المؤرخين من وجود أثار و معالم تتناسق إلى حد ما مع السرديات المذكورة في شبه جزيرة العرب و اليمن . و لكن إذا كان الدافع دينيا بحت، لما ذا تضافرت الدول الغربية العلمانية ، على دعم إسرائيل ماديا و معنويا و سياسيا ، إلى حد اعتبارها جزءا منها و امتدادا لها . كما لو أن الديانة اليهودية تحولت في بلدان ذات سوابق إجرامية في مجال العنصرية عموما و معاداة السامية خصوصا ، إلى شريان بين كل منها و بين إسرائيل ، لتغذية و تقوية هذه الأخيرة ، لغاية في نفس يعقوب .
من البديهي ، استنادا إليه ، أن المشروع الإسرائيلي مشترك ، ذو أبعاد استراتيجية من أجل بلوغ أهداف القطبية الغربية التي كانت بريطانية ثم صارت بقيادة الولايات المتحدة الأميركية . لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى دور الانتداب البريطاني على فلسطين في إنشاء دولة إسرائيل ،و إلى الدعم الفرنسي لهذه الدولة ، في سنوات 1950 ـ 1960 ، الذي تمظهر بوضوح في حرب قناة السويس سنة 1956 ، و في التعاون البحثي في مجال السلاح النووي ، وما من شك في أن إسرائيل حازت على ثقة الولايات المتحدة الأميركية ، الكبيرة بعد حرب حزيران 1967 ، حيث صارت الحليف الأول لها في جميع بلدان العرب وصولا إلى تخوم روسيا .
مجمل القول أن إسرائيل لاعب غربي كبير على الصعيد الإقليمي ، و لكن دورها أكبر من حجمها ، ناهيك من أنها تقع في الشرق و ليس فيها شرقي إلا الديانة ، فالإٍسرائيليون الغربيون يوجدون في غالبيتهم في الولايات المتحدة الأميركية ، اما سكانها فإن نصفهم من غير اليهود ، و نصف اليهود أصلهم في البلدان العربية . بكلام أكثر وضوحا و صراحة ، نحن حيال بقعة استيطانية غربية في فلسطين غير مكتملة ، بمعنى أنها أقرب إلى القاعدة العسكرية و المنصة المخابراتية منها إلى الوطن القومي ، بانتظار إخلاء جميع السكان الأصليين غير اليهود منها . و لكن بلوغ هذا الهدف يبدو صعبا على الأقل في المدى المنظور ، أضف إلى أن المخزون العربي من السكان اليهود قد نفد و إلى أن المستوطنين الجدد ، الأوروبيون و الأميركيون ، هم في غالبيتهم ذوو ميول فاشية و بالتالي ستكون مساهماتهم سلبية في تمكين الدولة في إسرائيل ، كما يتضح في الراهن في الضفة الغربية و قطاع غزة . و إلى جانب هذه المشكلة السكانية التي لا يمكن حلها بواسطة سياسة التمييز العنصري و اسقاط أطنان القنابل على رؤوس الناس ، تواجه إسرائيل مشكلة حاجتها الضرورية لضم مزيد من الأرض لكي تمتلك فعلا مقومات الدولة الكبرى التي يتطلبها دورها الإقليمي و الدولي الذي ألمحنا إليه .
من الواضح في الختام و استنادا إلى ما تقدم ، أن الذين يدعون إلى حل الدولتين هم في أغلب الظن غير صادقين ، كما أن الذين ينادون إلى حل الدولة الواحدة ، الديمقراطية العلمانية ، تنقصهم بحسب رأينا الدروس التي يمكننا استخلاصها من الحرب على قطاع غزة ، التي تواصلها السلطة الفاشية في إسرائيل ، امام أعين دول الغرب و بمساعدة منها و بتشجيعها غير المشروط ، في حين أن أغلبية الإسرائيليين يلوذون بالصمت نفسه الذي تلتزم به هذه الدول ،حيال سلوك المستوطنين في الضفة الغربية ، بالرغم من أن السياسة المتبعة تلامس النازية كما قال المؤرخ الإسرائيلي زييف سترنيل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟