الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو عروبة جديدة عروبة الديموقراطية لا عروبة الاستبداد والعسكر

حواس محمود

2023 / 12 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


استطاعت الأنظمة العسكرتارية العربية بعد استقلال الدول العربية عن المستعمر الأجنبي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ان تختطف العروبة وتجييرها لصالح ديمومة الحكم والقمع والاستبداد ، وهي جاءت من خلال انقلابات عسكرية سميت زيفا بالثورات وهي ليست بثورات انما حركات عسكرية اعتمدت على مجموعات صغيرة من الضباط واستولت على مقاليد الحكم (1) ، استندت هذه الأنظمة - وهي أنظمة جمهورية – الى بروباغندا إعلامية مكثفة ساهمت في تدعيم أنظمتها عبر شعارات العروبة وتحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة والوحدة العربية وأهملت التنمية ومسائل حقوق الانسان والديموقراطية بحجة أنها غير ذات أهمية الصراع مع إسرائيل – لا صوت يعلو فوق صوت المعركة - وبعد نكسة 1967 انكشفت لعبتها وزيفها لكنها استمرت رغم ذلك بنفس طريقة الحكم السابقة رغم الانتقادات اللاذعة لها من قبل النخب الفكرية العربية ، وامتلأت السجون بالأحرار وفشلت التنمية وتراجع التعليم والثقافة والصحة والخدمات وصولاً الى ثورات الربيع العربي وانكسارها بفعل عوامل داخلية وخارجية آزرت قوى الثورة المضادة .
هذه العروبة بالمعنى السلطوي العربي تعرضت للانتقاد الشديد من قبل نخبة فكرية عربية قديرة ، وهي تدعو الى إخراجها – العروبة – من معطف الحاكم المستبد الى فضاء الجغرافية العربية الواسعة ، لأنه استحقاق تاريخي يتطلب تحقيقه لإعادة وضع الدول العربية على الضفة الفاعلة من التاريخ .
يبين المفكر المصري حازم الببلاوي أن القومية او الانتماء العربي ليس له مشكلة بحد ذاته ولكن مشكلته الأساسية عندما يقترن أو يتماهى بالاستبداد " القومية وكل شيئ نبيل يصبح نقمة في ظل الاستبداد والدكتاتورية ولا يعود الى طبيعته كنعمة الا مع الديموقراطية والحرية " ويضيف بالقول " مشاكلنا العربية ليست وليدة القومية أو الانتماء العربي وانما هي بنات الاستبداد " (2)
وضمن هذا السياق يؤكد المفكر الدكتور الفضل شلق على أن العروبة لا تتناقض مع قومية أخرى أو شعبا اخر إنما مشكلتها الأساسية مع الاستبداد " نقيض العروبة هو الاستبداد بجميع اشكاله ، هو منظومة السلطة العربية بمختلف أطيافها ، ليس نقيضها شعبا آخر أو قومية أخرى " (3)
ويحدد المفكر د. محمد جابر الانصاري السمة الأساسية للعروبة الجديدة بقبول التعددية بداخلها وبين "وطنياتها في البلاد العربية المتعددة أولا ، حتى تستطيع بعدئذ رعاية التعددية في جوارها وبين القوميات الأخرى التي تتعايش معها في الأرض والمصير ، ان مجاهدة الفكر العربي والعمل السياسي العربي لتأصيل عروبة ديموقراطية يجب ان تكون عنوان المرحلة وهدفها وأولويتها " (4)
وفي المنحى ذاته يشير المفكر عبد الله تركماني الى أنه " لا يمكن التحدث عن مفهوم للعروبة الا اذا اشترط عليه ان يشهد تحولا كيفيا يمتلك من خلاله بعض السمات، ويحيط نفسه بمجموعة قرائن تجعل العروبة مقبولة من جماهير العرب ونخبها، بما عليها ان تشكل في طياتها من مخزون يحوي قدرا من التحرر والديموقراطية والتنوع " (5)
ويبدي حازم صاغية موقفا حديا تجاه العروبة ومآلها ويرى انها قد ماتت لكن لم يعلن عن مراسيم الدفن : " لقد ماتت العروبة ، وكان اجتياح صدام حسين للكويت آخر الأنفاس التي لفظتها .. "( 6)
ويمكن القول ان ممارسات الانظمة التسلطية العربية وتغييب الديموقراطية والتنمية عن مفهوم العروبة قد اثر بشكل سلبي كبير على العروبة ، ولعل هذا ما دفع حازم صاغية ان يصل الى هذا الموقف ، رغم ان العديد من المفكرين العرب يحاولون إعادة صياغة مفهوم العروبة واسنادها الى جملة مقومات حديثة تتلاءم مع العصر وبخاصة ربطها بالديموقراطية وحقوق الانسان والتعددية وهناك من دعى الى توسيع اطار العروبة بحيث تستوعب الأقليات الدينية والعرقية في الدول العربية ( لا ننسى كم حدثت خسائر ومجازر بشرية وبنى تحتية وتشتت وانقسام دول مثل العراق حيث الكرد وكردستان - حلبجة 1988 والأنفال - والسودان حيث إقليم الجنوب الذي انفصل عن الشمال بسبب لجوء الدولة العربية للحل العسكري وفشلها في حل مشكلة القوميات والأقليات الأخرى حلا سلميا ديموقراطيا ) يرى مأمون فندي ضرورة توسيع دائرة مفهوم العروبة لتشمل الأقليات القومية والدينية في العالم العربي الذي يراها موزاييكا للحالة الثقافية العربية " ان إعادة تعريف العروبة بالمعنى الواسع لهو بداية الحل في أزمات تستفحل في سوريا والعراق " ( 7 )
ومن الأهمية بمكان " تحقيق العروبة كمشروع سياسي يفلت من عقال الهوية المعطاة من الماضي ليشكل واسطة تخرجنا من المحلي الى الكوني وهذه ليست إشكالية المواجهة مع العالم التي تفشل كل يوم لأنها تعجز عن تحويل الأوهام الأيديولوجية أوهام العزلة والانكفاء الى وقائع مفيدة " (8)
المفكر العراقي سيار الجميل يدلي بدلوه هو الآخر في موضوع العروبة وضرورة تطويرها بالقول " تتبلور العروبة الجديدة اليوم بأساليب حضارية نهضوية بعيدا عن الأدلجة السياسية " ( 9)
ويلخص المفكر العربي عزمي بشارة فكر "العروبة الجديدة " ويرسم ملامح مشروعها بعقلانية ومهارة في حواره القيم الذي صدر في كتاب " في نفي المنفى " الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 2017 ، وتتمثل لديه القيم الفكرية للعروبة الجديدة بعدة نقاط أهمها : أن الديموقراطية حلا لقضية الاستبداد ولا مكان لطغيان السلطة باسم العروبة القائمة على العصبية ، الحرية والعدالة الاجتماعية والمساوة وتعدد الهويات في مجال الامة من خلال الحداثة والتمدن ، والعروبة هي ثقافة وذاكرة تاريخية وانتماء متجاوز للطوائف والقبائل والعشيرة ، ولا يمكنها ان تستند الى الدم ، أو تقوم على أساس الجنس والشوفينية ، الواقعية والعقلانية وتحكيم العقل لا الرومانسية في الشعارات والاوهام والأفكار المتخيلة وعدم التعامل معها حقائق ثابتة وهوية العروبة الجديدة انتماء حضاري وثقافي عابر لكل اوبئة القرن العشرين " (10) .
ختاما يمكن القول : إنّ طرح النخبة الفكرية العربية للعروبة الجديدة التي تختلف كثيرا عن العروبة التقليدية لهو مؤشر ومبشر لنهضة فكرية ثقافية قادمة تشكل استمرارية للحراكات الثورية - وإنْ بشكل فكري -التي شهدتها وتشهدها باستمرار الساحات العربية وتكون منارة للشعوب العربية التي تريد نفض غبار الماضي عن العديد من المفاهيم والأفكار والتصورات التي بقيت قارة في مكانها دون تعديل او تغيير او تحديث .
فالفكر العربي المعاصر بحاجة الى مفاهيم ومصطلحات وتعابير جديدة ( أو بث الحياة وإعادة مراجعة المفاهيم التي تم تجميدها بقدرة قادر أيديولوجي عدة عقود ) تناقش سلبيات الحياة السياسية للقرن المنصرم في العالم العربي وممارسات بعض الأحزاب والسلطات الحاكمة حتى يومنا الراهن ، هذا النقاش من شأنه ان ينشط الساحة السياسية العربية الراهنة بمقولات وأفكار ومفاهيم جديدة تفعل مفعولها في الشارع السياسي العربي لتشكل حالة أشبه ما تكون الى الثورة الثقافية العربية المعاصرة للخروج من حالة الجمود والركود والستاتيك الفكري ولهز ورجرجة كل المسلمات والبدهيات والمقولات السابقة ولتأت بجديد مثمر ومعاصر ومبدع وحداثي فعال .
.................................................................................................
هوامش :
1 – انظر حواس محمود " ثورات القرن الماضي بين الحقيقة والتزييف " رصيف 22 – 7 فبراير 2019
2- حازم الببلاوي " انه الاستبداد وليس العروبة " الاهرام 8 يوليو 2007
3- الفضل شلق " عروبة غب الطلب " جريدة السفير 26 – 2- 2016
4- د. محمد جابر الانصاري " البداية الجديدة عروبة ديموقراطية ذات مشروع حضاري " صحيفة الحياة 14-4-2006
5- عبد الله تركماني " نحو عروبة معاصرة " ، مجلة العربي مارس 2006
6- حازم صاغية " وداع العروبة أم عروبة الى الابد " - البيان 5 مارس 1998
7-مأمون فندي " نحو عروبة أوسع " الشرق الأوسط 3 ابريل 2017
8- الفضل شلق " الدولة السياسية والدولة الاقتصادية " مجلة الاجتهاد عدد 55-56 صيف وخريف 2002 ص 30
9- سيار الجميل " العروبة الجديدة " ضفة ثالثة - العربي الجديد 6 أكتوبر 2018 العروبة الجديدة .
10- سيار الجميل - مصدر سابق
......................................................................................................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ