الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جبل تازة وجبالها الى حين ..

عبد السلام انويكًة
باحث

2023 / 12 / 4
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


ممتدة ببناءات بارزة ومنظر ومشهد وأنشطة بأنماط عيش منذ القدم، هي تازة جبالها هنا وهناك شمالا وجنوبا مع ما يتقاسمها من قمم شاهدة، فضلا عن ذاكرة في علاقتها بزمن المغرب السياسي من خلال ما كان لها من تماسات بنشأة كيانات سياسية مغربية منذ العصر الوسيط، دون نسيان ما طبع هذه المرتفعات من أحداث وتطورات وملاحم الى عهد قريب. ورغم ما تبدو عليه هذه جبال تازة من هيبة بروز، يظهر أنها لم تكن بما ينبغي من عناية اللهم ما ورد عنها في تقارير وما قيل عنها زمن الحماية خلال القرن الماضي، ضمن أنشطة تعرفية من قِبل استكشافيين أجانب منهم الفرنسيين خاصة، مع أهمية الاشارة لِما أحيطت به هذه القمم والجبال عموما خلال هذه الفترة من سياسة ترابية استعمارية كما حال كل مناطق البلاد، وقد عملت هذه السياسة جاهدة من اجل ضبطها وإحكام القبضة عليها وعلى علاقاتها بمحيطها مع حفظ أنماط عيش أهاليها، فضلا عن حصارها باعتبارها مصدر ردود فعل ومقاومة غير خافية عن كل باحث مهتم.
وإذا كان قد تم استحضار كيان الجبل ضمن وسط تازة القروي منذ الاستقلال مثلما حصل في باقي تراب البلاد، من خلال ما حصل من سياسات ترابية وخيارات ونماذج تدخلات في هذا الاطار. فإن نتائج ما تم تسطيره من رهان على الورق لا يزال بغير ما كان منشوداً على أرض واقع، ومن هنا أهمية الوقوف ليس فقط على ما هناك من اختلالات وتباينات وحاجيات وتحديات، تخص جبال اقليم تازة وهذا الحيز الترابي المعبر، انما ايضا طرح الممكن عمليا من حيث ما ينبغي من انصاف انمائي ترابي لفائدة هذا المعطى الطبيعي، الذي لا شك أنه يقوم على خاصيات ومؤهلات ومتطلبات واقع ومعيش وثقافة ساكنة وقبائل. وبقدر ما جبال اقليم تازة هي بامتداد مجالي واسع، بقدر ما واقع حالها هو بأسئلة عدة واكراهات وتعقيد، بقدر ما ايضا واقع جبال تازة هو نِتاج سبل عمل وتدخلات وقراءات تمت بها منهجَتُها وتنظيمها وتدبير ترابها. وعليه، ما يحتاج اليه حال هذه المكونات الترابية الجبلية بالاقليم، من أهمية إعادة مساءلة ضمن سياق التنمية المحلية والجهوية. وعندما نقول ما تم اعتماده من سبل تدبير جبال تازة، نعني بذلك ما هو استراتيجي استشرافي كقراءات وخيارات ووقعٍ رسَمَته هذه السبل وما خطته من اجل نماء هذا المجال.
هكذا يبدو أنه ما أحوج جبال اقليم تازة لرأي ومقترح وظيفي انمائي، وآليات عمل تشاركي وتقاسم أدوار لإنجاح خيارات تنميتها ومن خلالها الوسط القروي. علما أنه كثيرة هي الأسئلة التي لا تزال عالقة حول نماء هذه الجبال في كليتها وهويتها بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال، بل تبقى أسئلة الوسط القروي بالإقليم أكثر الحاحاً لعوامل موضوعية. وقد يكون انخراط الجميع كل من موقعه، بأثر في بلورة مشاريع انمائية رافعة من اجل اقتصاد جبلي اجتماعي بالإقليم، إن تأسس هذا الانخراط على ما ينبغي من تأطير للنهوض بهذه الجبال ومن خلاله بالبادية محليا كمجال لا يزال ببنية معقدة.
ويتبين أن سياسة تدبير تراب الاقليم منذ استقلال البلاد، غابت عنها الى حد كبير أهمية ومكانة الجبل به، وغاب عنها استشراف حاجاته البشرية وما يحتويه من موارد لا تزال بحاجة لتهيئة وتأهيل. وعندما نتحدث عن الجبل في اقتصاد الاقليم، تحضر باديته بمشاهدها اللامتوازنة واللامسايرة واللامتجاوبة مع ما هناك من تحولات وانتظارات. واقع لا شك أنه نِتاج سياسات ترابية وتجارب اعتُمِدت في مغرب ما بعد الاستقلال، كخيارات بقدر ما كانت عليه من طموح بقدر ما طبعها من محدودية انجاز وفعل ترابي، اللهم ما هناك من استثناءات ذات طبيعة نطاقية. كلها وغيرها تراكمات يؤدي ثمنها الجبل عموما بالبلاد ومنه جبال اقليم تازة وبواديه، لِما لا تزال عليه من مشاهد هشاشة وصعوبة ولوجية وحاجة للتنمية على أكثر من مستوى.
ولا شك أن بنية اقتصاد اقليم تازة كمجال جغرافي، تقتضي احاطة عنصر الجبل بما يستحق ككيان ترابي هام بحاجة لتنمية أكثر انسجاماً وتجاوباً مع ما هو متباين ومتوفر فيه من موارد محلية، علماً أن مؤهلات جبال الاقليم إن على مستوى نطاق الأطلس المتوسط الشمالي الشرقي جنوبا، أو الذي له تماسات ترابية بجبال الريف شمالا، تقتضي اعادة نظر في زاوية قراءتها وسبل تدبيرها. ولجعلها بأثر في التنمية الترابية المحلية، من المفيد أخذ ما هو وظيفي انتاجي فيه بعين العناية، واعادة توجيه ما ينبغي توجيهه لفائدة عقلنة أهم في اطار ضبط وانسجامية علاقة الانسان ببيئته. واذا كان كل قرار تدبيري ترابي مجالي انمائي هو ما أمر رهين بما هو ثقافي اجتماعي بيئي لبلوغ رضى وقناعة الفاعلين، فإن نماء الجبل ومن خلاله البادية باقليم تازة يقتضي فهم علاقة الانسان القروي بوسطه أولا، وكذا العلاقة بين ما هناك من إمكان حقيقي وأمر مراد إنماءه لبلوغ انجازات بقيمة مضافة على أرض الواقع. وحتى تكون جبال تازة بموقع مناسب في التنمية المحلية والجهوية، من خلال ما هي عليه من تميز ومواد خامة ونقط تراب ومعالم طبيعية، لابد من شروط منها قدرة تجاوبها مع ما هو محلي كحاجات ضمن اقتصاد اجتماعي أكثر تجاوباً مع المقدرات الترابية الكائنة، ناهيك عن بنية ولوجية صوب هذه الجبال فضلا عن قدرة تسويق لخصوصيتها كمؤهلات منتجة للثروة، في علاقة بما هناك من سسيولوجيا محلية رافعة لتنمية مستديمة.
وحتى تكون جبال تازة بما ينبغي من دينامية بما في ذلك ذات البعد الاجتماعي، من المفيد توفر عنصر بشري مؤهل لمسايرة هذا الرهان، ذلك أن الواقع الاجتماعي وما هناك من هشاشة لا يساعد على توجيه تراب جبال لما هو أفضل، وأن جودة التدخل في هذا التراب بقر ما هي بحاجة لطاقات بشرية محلية كجزء من هذا الجبل وثقافته، بقدر ما هناك من حاجة لتكوين وتأهيل وحافزية واستشراف وواقعية ودمج واشراك. ويتبن أن تنمية تراب جبال تازة ومن خلالها الوسط القروي بالاقليم بشكل ناجح، يحتاج لاستيعاب ما يطبع هذا المجال البارز في جغرافيا المنطقة من تنوع، للتمكن منه ومن توجيهه بما يفيد من إغناء واضافة وثروة ونمو وتحول. بل تدبير جبال تازة يقتضي منهجاً واختياراً يجمع بين ذكاء ترابي وابداع عملي وظيفي وبين حاجيات وما هو متوفر من موارد، دون تجاهل طبيعة الفاعل الانسان في المجال كخاصية سسيوثقافية وبيئة.
ولعل جبال اقليم تازة بكائِنِها الحالي كمجتمع واقتصاد وثقاف ..هي بحاجة لتنمية ترابية عبر خيارات ونظم ومخططات وبرامج أكثر تجاوبا مع ما هو منشود من رهان محلي وجهوية. فما عرفه الاقليم منذ استقلال البلاد من تدخلات وما احيطت به جباله من تجارب في التنمية القروية، كانت بإنصاف ونجاعة وفعل ومن ثمة من أثر محدود في حصيلته كاستثمار واستغلال لِما هو متوفر بها من موارد عدة. فمياه جبال الاقليم مثلا التي تغدي سد ادريس الأول عبر وادي ايناون وروافده غربا، لا يستفيد منها الاقليم ضمن مستوى من المستويات. وعليه، يظهر أن هناك إفقار للمنطقة وإغناء لأخرى رغم أنها تدخل ضمن الاطار الجهوي، وأن هذه المشاهد من موارد الاقليم الترابية لا تقدم شيئا من أجل إنماء ترابي اقليمي متوازن. وقد بات الوسط القروي باقليم تازة يعج بشباب باحث عن الشغل، من المفيد ادماجه من خلال سبل تنمية ترابه الجبلي عبر ما ينبغي من اقتصاد ذو طابع اجتماعي وآليات تكوين مهاري ودعم مادي. ولعل تنمية تراب جبال الاقليم وبلوغ ما هو منشود من نتائج، يجعل الجميع كل من موقعه مدعو لأدوار طلائعية في أفق نماء نسقي عبر الممكن المتوفر، ضمن توزيع عادل لأنشطة اقتصادية واجتماعية.
وكانت جبال اقليم تازة دوما مساحة جدل منذ الماضي، لأهميتها باعتبارها وسطا سسيو ثقافيا، وعليه ما لا يزال ينبغي من مواعيد صوب هذا الكيان الترابي في كل أبعاده وتجلياته وأفقه عبر الممكن من السبل، لابراز ما هناك من تميزات زمن ومجال وغنى مَواطِن وانسان وثقافة وتراث..، فضلا عن قراءة هذه الجبال في علاقتها بجوارها ومواردها من أودية وطبيعة بيئة ومنتجات وذاكرة وإرث مادي ولامادي..، ناهيك عما يطبعها من اكراهات عدة ومتداخلة.. الخ. دو نسيان ما هناك من حاجة لنصوص بمعطيات مؤسسة رافعة لمعرفة تاريخية ومجالية وانمائية حولها، علما أن الخزانة المحلية لا ترال تفتقر لدراسات شافية تخص هذا الكيان في بعده الترابي الاستشرافي. فمن شأن العمل البحثي ومعه الابداعي من قبيل ما هو سينمائي، أن يكون بأثر في ابراز نقاط قوة تراب جبل تازة، ومساءلة موارده (مياه، غابات، معادن، مشاهد بيئة..) وكذا واقع اقتصاد مجتمعه .. الى حين ما ينبغي من ورش وأفق انمائي عملي.
عضو مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جلال عمارة يختبر نارين بيوتي في تحدي الثقة ???? سوشي ولا مصا


.. شرطي إسرائيلي يتعرض لعملية طعن في القدس على يد تركي قُتل إثر




.. بلافتة تحمل اسم الطفلة هند.. شاهد كيف اخترق طلاب مبنى بجامعة


.. تعرّف إلى قصة مضيفة الطيران التي أصبحت رئيسة الخطوط الجوية ا




.. أسترازنيكا.. سبب للجلطات الدموية