الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلقة الأخيرة من رواية عتيق

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 12 / 4
الادب والفن


حنين للغد
كل الناس يأخذها الأشتياق للماضي بأشخاص بأحداثه بذكرياته ، بكل ما يشد الإنسان إليه... إنه الحنين للروح حين تبحث عن ذاتها بين ركام الحاضر وأطلال الخراب.. قد يكون الحنين أيضا مرتبط بلحظات صنعتنا... كونتنا.. صاغت الخطى لما نحن فيه... كل ما تقدم الإنسان بالعمر وذاق مرارة الحاضر زاد حنينه لتلك الخوالي من الأيام... إلا أنا فحنيني يعمل بالأتجاه المعاكس... إنه الحنين للمستقبل الذي أرسمه كل يوم على أمل أن أعيش لحظاته قبل المحطة الأخيرة من رحلتي.
لا أتذكر من الماضي شيء ولا أريده أن يعود، ولا حتى أفكر في أن ارى حتى لحظات السعادة... تقول أمي من فاتك لا تسأل عني فلا أنت تعود له ولا هو من الممكن أن يلحق بك... لكنه سيشوش عليك الطريق... أذهب دوما للأمام ستجد ما تحب وما تريد أن تحب... هذه الدنيا طريقها طريق واحد أوله حيث تضع خطواتك وأخره أماك.... فكن كبير الأمل وطويل الخطى لتمنح نفسك حرية أكبر في صنع ما تريد...
السعادة هي أن ترسم مستقبلا كناطحة سحاب..... وتحاول أن ترتقي السلالم معتمدا على فكرة أنك ستجد جائزتك "الحلم المستحيل" في أخر طابق يمكنك الوصول إليه... لذا أحببت عتيقتي... بجنون العقلاء منذ أن رأيتها تقبل نحوي... تتفحص الطريق بعين وتنظر لي بعين أخرة... خجل على حياء وخوف مشوب بمتعة التعرف على غريب...
لمحتها بسرعة ربما هي المرة الأولى التي أستجمع قواي القلبية لأرحب بسيدة من طراز أخر.... طراز غريب عني ربما لأنني لم أخالط منهم من قبل إلا لضرورات العمل .... كلما أنظر بعينيها أبحث عن وجه الغرابة فيها وأنا أتصورها ناطحة السحاب التي ستكون فيها جائزتي يوم غد... البعض لا يفهم كلامي.... حتى هي تتعجب أحيانا من أني كثير التفاؤل في "الغد".... بالرغم من لا دلائل على أن الغد سيكون مختلفا عن أمسي... تعلمت أقاتل لوحدي وأحيانا بدون سلاح لأنني لا أريد أن أذوق بعضا من هزائمي القديمة.
السيدة عتيقتي
التي تحمل الكون في أحشائها
خائفة
تسبح في دائرة الخوف
لكنها لا تغرق
تمسك بأهداب الأمل
هكذا علمتها
أو ..................... تدور
في دائرة الفرح
لنبني شمسا للغد وجنة
وقصيدة عشق نتركها إرثا للمحبين
وعندما تتداخل الدوائر فينا
ونضطرب
تضيق أحلامنا في ماضينا
لتهاجر للغد
فلا شبابيك في ديرتنا
تطل على الغد
إلا حبنا المطل على الفضاء الكبير
أو حين تسرق من الشمس
ضياء
لتعطينا....
قالت لي مرة... الحقيقة أنها تقولها في كل مرة ...."أيها المجنون العتيق"... سأسير معك في الحلم حتى تتحقق كل أحلامك فيه... لعل قلبك يخشع مرة ويضيفني لسلسة أحلامه باللقاء .... أسعد ويسعد اللقاء ....
يوم أضافتني بسمة على شفتيها شعرت أن الكون هذا الذي نصفه دوما بالقبيح .... وأحيانا بالوحشي ليس هو كما نعرف... إنه عالم حميل مليء بالرومانسية شفاف معطر ودود.... فيه يمكنك أن تشرق من حيث تريد الحياة أن تكون مشرقا...لا وجود لشيء أسمه غروب... في عالم عتيقتي النهار يعمل طول اليوم بلا كلل بلا ملل بلا راحة وهو سعيد... لا يدع لليل أن يحل إلا حين نأمره نحن.... هكذا رأيت أبتسامتها وكتبت لها ... أن الله قد حرم عليك أن تحزني أو تلقي الوجد على ملامح وجهك... وأقسمت لها أنني رأيت مكتوبا في صحف الأولين أن أسمها الحقيقي باسمة.
قبلتها في شفتيها تعبيرا عن تقديسي لتلك الابتسامة الرائعة التي طرز بها ربي عالم المحبين... وشكرت الله أنه ما زال يرسل لنا الجمال دون توقف... أيها الرب المحب شكرا ... شكرا لك لأنك مصدر الجمال ومصدر الحب ومصدر النور الذي يفيض بأرواحنا حتى صارت الصحارى جنائن مبسوطة لنقيم لك فيها جنة عدن التي وصفتها لمحبيك.
أرسلت لها رسالة بيد ساع بريد أمين حينما أرادت أن تختبر غيومي........ هل فيها مطر؟ أم أنها مجرد غيوم تمر في سماءها؟... قلت لها في رسالتي معاتبا " تركت بعض من ذاكرتي على رصيف مجاور شباك غرفتك، التمس لها الاعذار في كل مرة اعود لاتفقدها واشم بعض من عطرك" فأكثري منه حتى تلبس الدنيا ثوب زفافها لي وتقول لي نعيما أيها العريس القادم من بحر العطور الملائكية.
لم ترد كعادتها ما زالت ترى أني بحاجة للكثير من الأعترافات حتى أنال رضا قلبها... اعرف تماما أن قلبها كلما سمع حروفي تقطر عسلا في أذانها... يرقص كمجنون في خلوته وحيدا... يحتفل بحريته التي أشتراها بالبعد عن الناس... قلبها صديقي الوحيد عندها... كلما خاطبته من بعد يجيبني... رغما عنها....... ورغما عن كل المسافات والخوف، وأحيانا عدم الرغبة في الصعود معي للقمر.
تعرفين من أين يصعد الناس
في قطار الريح؟....
ليذهب بهم بعيدا نحو أخر المدى...
تعالي
هذه كفي
فيها تذاكر السفر....
وعلى ذراعي ستعومين كحورية
لنقطع بحر الأماني
بعيدا وبعيدا جدا......
حيث لا عيون ترقب
ولا سيف يشهر في وجهي
وأنا أركب سفينة التاريخ لنرحل
نحو القدر...
هناك عند ناصية العالم الكبير
وحيث لا بشر
لا جنة غير جنتنا
ولا نار غير نار الشوق
تعالي مدي يدك
لا تخافي الغرق.....
كنت أنتظر قرارها بالرحيل نحو مرافئي.... قرار صعب حقا بكنه ضروري جدا... لم يعد نطيق الأنتظار.. وحتى الكلمات لم اعد تحمل أشواقنا كما كانت تفعل...
لذا أنا قررت أن أحمل حقيبتي على ظهري وأنتظرها خارج أسوار المدينة منتظرا أن تأتي بها قافلة المشاعر... أدركت أن البقاء خلف الحروف والكلمات لا تجدي نفعا في زمن الواقعية المفرطة... جهزت مركبي وتجهزت لرحلة العمر القادمة مع حبي وعتيقتي وسر أحلامي التي صارت تتوالد كأرنبة غي مرج أخضر لا تكف عن متعة التفريخ..
رأيتها في باب دارها تقدم خطوة وترجع خطوة حائرة بين الشروع وبين الرجوع... لا شيء يمتعها كما لا شيء بقول لها أبق... قلبها يدفعها للخروج وملامح الخوف من المجهول تجرها كعربة ثقيلة للوراء...
ما زلت أنتظر.... كلما شممت عطرا قادما من بعيد أخذت سجادتي لأصلي للرب ... وهكذا صرت عابدا ناسكا رغم أنفي... وما زالت الريح كل يوم تحمل عطرها وأنا في لجة الشوق يتيم في ليلة عيد...
..............................................................
في صباح الصباحات أشرقت الشمس مرتين في آن واحد
هي والله
هي التي حلمت في ليلتي التي مضت أنها تحمل قلبي بيديها لتعيده مكانه بعد أن تم أسره مرغما عنه... لكنه كان أسعد قلب بيد أسره ومؤسره...
هي قد جاءت... ولم تغيب الشمس من يومها حتى عندما نستضيف المساء .. تجلس الشمس بقربنا تتعلم منا الهمس الدافئ والحنين إلى الغد....
إنها الأن ملكة تقود شعبها نحو الغد... وأنا سعيد لأني كل شعبها أنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا