الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم -العراق في أشلاء

علي البزاز

2006 / 11 / 20
الادب والفن


ما الذي يدعو طفل عراقي أن يقول: أريد أن أصبح طياراً، لأهبط في بقعة نظيفة وأعيش في غير العراق. وبعد أن تتفاقم عذاباته من جراء الضرب والإهانات التي يتلقاها من صاحب ورشة الحدادة التي يعمل فيها يقول "حتى عن الحلم قد توقفت" يبدأ الفيلم بلقطات سريعة لأنحاء بغداد: نشاهد الجيش الأمريكي في الشوارع، تحليق الطائرات، البنايات المهدمة. هذه المشاهد تلخص رسالة الفيلم بأن العراق بلد مدمر نتيجة الوجود الأمريكي. ورغم أن الفيلم وثائقي إلاّ أن البناء الدرامي للفيلم وقدرة الكاميرا على اقتناص الحدث بدقة يعطيان انطباعاً بأن للفيلم شخصية الروائي وذلك من خلال مشاهد شاعرية مدهشة وسيطرة على الحدث ( سنأتي لاحقاً على ذكرها ) كما أن أسلوب المونتاج يدل في أغلب الأحيان على أن الكاميرا هي التي تفاجأ الحدث .
محمد طفل عراقي يعمل في ورشة حدادة يديرها شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة مبتور الساق يتلكأ محمد في المدرسة التي لا يستسيغها ويفضل عليها العمل فبعد مرور أربع سنوات على دراسته لا يستطيع أن يكتب اسم والده مقدم الشرطة المفقود منذ عهد النظام السابق .فقدان الأب أدى إلى فقدان سعادة الطفل. صاحب الورشة ضد الوجود الأمريكي لأن هذا الاحتلال يهين العراق لكنه من الناحية الأخرى يسمح لنفسه أن يضرب الطفل محمد بكل قسوة ويتجاوز آدميته إن هذا جزء من الشخصية العراقية الموصوفة بالا انسجام .الفيلم يُروى على لسان محمد ويدخل من خلاله إلى متاهة الواقع العراقي العجائبي من هدم وتقتيل، مدارس غير نظيفة وسبورات كالحة لا تصلح للكتابة فتضطر المعلمة أن تكتب على الحائط . يتكرر مرتين مشهد استخدام المروحة السقفية في أثناء تحليق طائرة مروحية مما يذكرنا بفيلم " القيامة ألان لكابولا " . لم يضع المخرج أية فرصة إلاّ وقارنها بالصورة، مثلاً عندما يضرب صاحب المحل محمد تنتقل الكاميرا وتصوره وهو يضرب على الأدوات الحديدية، حلاق يقص شعر الزبون وفوقهما تحلق مروحية. الُمشاهد ومنذ البداية يقف أمام مخرج يعرف صنعته بدقة ويستخدم كل طاقة الكاميرا على البوح والرصد فيعدنا إلى مهارة الكاميرا الروسية الناطقة، كما ابتعد الفيلم تماماً عن التعليق فما حاجته إليه والصورة تروي كل شي وبعد أن ملّ محمد من الشتائم والضرب ينتقل ليعمل في محل عمه ويشعر بالسلام.
من خلال طفولة مهددة ومهانة عبر الفيلم إلى عراق مهدد ومهان. هكذا يتمحور الجزء الأول من الفيلم العراق في أشلاء تحت عنوان: "محمد وبغداد"


الجزء الثاني .. مدينة الصدر

تدور أغلب وقائع الفيلم في مدينة الناصرية حيث يسيطر جيش المهدي ويسن قوانينه الخاصة منتهكاً كرامة المواطن والدولة.
الناصرية هي الحاضنة لمدينة أور السومرية تأسس فيها الحزب الشيوعي العراقي عام 1934 وبمبادرة من أحد أبنائها وهو فؤاد الركابي تأسس حزب البعث ووجدت المعارضة العراقية ملاذاً لها في أهوارها، المدينة الأكثر استهلاكاً للخمر وفق بعض الإحصاءات والتي أتحفت الإذاعة والتلفزيون ب 60 بالمائة من الفنانين مدينة الغناء التي أصبح الغناء فيها ممنوعاً بأوامر من جيش المهدي. هذه المدينة أعلنها جيش المهدي مدينة إسلامية وأخضعها لقوانينه. يتابع الفيلم غارات جيش المهدي على المتعاملين بمهنة بيع الخمور وضربهم المبرح، ثم أحداث الصدام مع القوات الإيطالية، دماء وقتلى وفي الجانب الآخر تبدو المدينة خربة مهملة لاشيء فيها سوى خطب ممثلي جيش المهدي والسؤال كيف استطاع المخرج أن يرافق جيش المهدي في مداهماته ويحمل معه كاميرا 35 ملم ويطوف العراق. أية شجاعة وجلد وحلم سينمائي لديه؟؟ ففي مشهد مؤثر لامرأة عراقية تتوسل لقائد في جيش المهدي أن يطلق سراح زوجها وابنتها بقربها تبكي، وحتى عندما يستخدم الفيلم لقطات وثائقية من الأرشيف يُدخل عليها الصناعة السينمائية فتبدو وكأنها وليدة الحدث الآني ينتهي هذا الجزء بلقطة سينمائية مؤثرة: قبر وبجانبه يرفرف علم عراقي ثم كاميرا سريعة تصور السكك الحديدية إلى أن تتباطأ في سرعتها لتقف عند مشهد محطة فارغة هذا هو حال العراق قتل وتمزيق (قبر) السكك الحديدية ترمز إلى الانتقال من مرحلة إلى أخرى وأخيراً يصبح العراق محطة ولكن يبقى السؤال حائراً لماذا محطة فارغة؟؟


الجزء الثالث ـ كردستان

يبدأ هذا الجزء من الفيلم بدخان أسود لمعمل صناعة الطابوق (كوره) أقدم طريقة لصناعة الطابوق أستخدمها السومريون، الطابوق يرمز إلى البناء، نلاحظ مرة أخرى اللغة السينمائية في الفيلم في حين نرى القتل والخراب في باقي أنحاء العراق كأن الفيلم يريد أن يقول أينما يتواجد الأمريكيون يحل الهدم (لا توجد في كردستان العراق قوات أمريكية) هذا الجزء يصور الرعاة والفلاحين الكرد، الأطفال سعداء ويلعبون ويذهبون بشوق إلى المدارس في حين أن الطفل محمد في الجزء الأول يُضرب ويُهان ويترك المدرسة.
يقول فلاح كردي أن العراق سيقسم إلى ثلاث مقاطعات فتنتقل الكاميرا لتصور ناراً تلتهم الحطب ويعني حسب هذه اللغة السينمائية أن مصير العراق الاحتراق إذا جرى تقسيمه إلى مقاطعات وأحسب أن هذا الموضوع هو بالنهاية رأي الفيلم ولذلك اُختير العنوان (العراق في أشلاء) ويبدو أن طاقم الفيلم قضى وقتاً طويلاً في كردستان من خلال تصويره لمناظر الربيع والشتاء نشاهد أطفالاً يتراشقون بكرات الثلج وهم سعداء وقد عاش المخرج سنتين في العراق من أجل إنجاز فيلمه ينتهي فيلم "العراق في أشلاء" بمشهد يصور صبياً يدخل الحقول..
المخرج جيمس لونكي (34 عاماً ) درس التصوير واللغة الروسية في أمريكا وروسيا، أخرج العام 2001 فيلماً بعنوان (وقائع يومية في غزة) حصل فيلمه العراق في أجزاء على جائزة أفضل إخراج وتصوير في مهرجان - الشمس المشرقة - في أمريكا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عُرض الفيلم ضمن فعاليات مهرجان السينما العربية في أمستردام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي


.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????




.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ