الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فخاخ آلحياة ( بخصوص شخصية عَدْجُو مُوحْ نَايَتْ خُويَا عْلِي )

عبد الله خطوري

2023 / 12 / 5
الادب والفن


●حاشية قبل المتن :
بعيدا عن ترهات وسفاسف مستعملي الفضاء الافتراضي وشركائه في اليوتوب ووتساب وما شابه، بعيدا عن تفاهات رواد صفحات البوك، بعيدا عن صرعات البوز وآقتناص جادوغ وباغتاج وآبوني العبثية، بعيدا عن مناورات تزييف تاريخنا وإشراكنا في وراثة مكر المؤرخين وإقناعنا بمكر التاريخ، بعيدا عن محاولات الاستخفاف بقلوبنا قبل عقولنا، بعيدا عن صلافة الاصرار على الضحك من تَرَيُّثنا ورصانتنا وعدم الخوض فيمل يخوض فيه الخائضون، بعيدا عن صرعات مودااات الزمن المقيت بعيدا عن ذاك وذا؛ نضع جرحنا على جرح غائر في تاريخ بلداتنا في المغرب الجبلي المازيغي الشامخ ونومئ الى جانب منير من شخصيتنا وتاريخنا وهويتنا وآدميتنا المترعة بالأنفة والعزة والكرامة والشموخ من أجل شخصية جماعية أكثر آتزانا وثقة في الذات .. من هنا يأتي هذا النص المقتطف من كتاب .. " أوراق بوكافر السرية " لصاحبه : "أم العيد ميمون ".

●المتن :
(عدجو مُوح نايت خويا علي من آيت معرير قبيلة إلمشان، القاطنين بإكنيون، تاولاوالت، عبدي، تيماريغين وأسرير وقرى أُخرى بالجنوب الشرقي.وُلِدت حوَالي 1905 بصاغرو، كانت ضمن الوفود العطاوية التي هاجرت رفقة زوجها لحسن نايت بوح نحو بوڭافر استجابة لمُنَادٍ ينادي في الأسواق والمداشر أن هبّوا إلى محاربة الفرنسيين "النصارى" .. كانت آمرأة ذات حُسن وجَمال كما خلّدتها أشعار الذين عاصروها .. اهتمت برعاية ولديْها (أحمد وخيرة)وَجَلْبِ الماء لأسرتها وخدمة المجاهدين من قبيلتها، وقبل 28 فبراير من سنة 1933 لم يكن أحد يذكر عدجو مُوح نايت مُوح .. لقد كانت، كغيرها من نساء القبائل الأخرى، يخدمن المقاومين، ويُشجعنهم على الدود عن الحمى،سواء بواسطة الزغاريد أو ببعض الأذكار والأشعار المُلهبة للعزائم.وبعضهن يُمسكن جريد نبات يشبه النخيل (قصير وغير مُثمر) ينتشر بشعاب صاغرو ويُلطخنه بالحناء ويُلطخن به جلابيب الرجال الذين يتراجعون ويخافون من أزيز القذائف وفرقعة الطلقات، يَصحن في الرجال بأن يبدلوا ما في وسعهم.ما كان أَحدٌ يُميّز بين النساء .. عدجو موح تالمشيت، ولا بزة امحند أُوتْ عيسى وبراهيم، ولا خيرة موح أُوتْ بُوداود، ولا غيرهن من مئات النساء اللواتي قدمن من صاغرو ودرعة وتازارين وألنيف وتودغى .. لكن اليوم المشؤوم صادف الـ 28 من فبراير 1933 عندما اقتنص أحد المقاومين أشهر عسكري من الجهة الأخرى هنري دو لاسپيناس دو بورنازيل المشهور بـ"الرجل الأحمر".. في ذلك الصباح فقد الجنرال كاترو أعصابه وأمر بالقصف العشوائي غير المنقطع .. استشهد العديد من المجاهدين، الرجال منهم والنساء والأطفال، وكان ضمنهم زوج عدجو موح، إذ يقول الرواة الذين عايشوا تلك الأحداث إن قذيفة مزقت أشلاء زوجها أمام أعينها، فتحولت تلك المرأة الوديعة إلى لبؤة غاضبة .. انتزعت بندقية من ذراع أحد الشهداء وانخرطت كالرجال في جبهات القتال؛ إلا أن الحادث الذي جعل اسمها يتردد على الألسن وجعل شهرتها تتجاوز الآفاق هو قتلها لأزيد من 40 عسكريا دفعة واحدة، ذلك أن معرفتها الدقيقة بشعاب وقمم بوڭافر، جعلتها تختار لها مكانا في قلعة منيعة .. ولما رأت، ذات صباح، فرقة مختلطة من الجنود الفرنسيين والكوم تتسلق إحدى الشعاب في اتجاه حصن جبلي يتحصّن فيه بعض المقاومين، أشارت إلى المقاومين بألا يُحرّكوا ساكنا حتى يصعد آخر جندي.وما أن تيقنت بأن أزيد من 200 عسكري يقتربون من إحدى القمم، حتى سارعت بدحرجة صخور كبيرة، جلاميد تتدحرج مُحدثة صوتا كالهدير، أحجار كبيرة تدوس الجنود ولا تبقي حيّا.منذ ذلك اليوم غدت عدجو مُوح أيقونة الجهاد في صاغرو، قد يكون بين النساء من قدّمن خدمات أكبر للمقاومة ولتاريخ المنطقة، لكن شهرة عدجو مُوح منذ ذلك اليوم تجاوزت الآفاق، ونظم فيها الشعراء أشعارا يتغنّون بشجاعتها ويتساءلون عن أخبارها؛ لكن قدرها شاء أن تُفارق الحياة في مارس من السنة نفسها، وأن تُوارَى الثرى في الجبل حيث قُتل زوجها تاركة وَلَدَيْهَا، حماد أُلحس وخيرة ألحسن أَيتاما وقد فَقَدَا أبويْهما في معركة آسمها بوڭافر "... (١)

●حاشية بعد آلمتن :
عدجو مُوحْ نايتْ خويا علي هي إذن آمرأة أمازيغية قوية مكافحة لقنت المستعمر درسا لم ولن ينساه عندما قتلت بجرأتها وذكائها وإرادتها أربعين عسكريا فرنسيا دفعة واحدة كأننا في إحدى أساطير التي ترويها المرويات الشفهية عن شخصيات خرقت أفعالها حدود الواقع لتسمو في سماء الفانطاستيك لولا أن المستعمر نفسه وقف شاهدا يدون تفاصيل ما حدث في تقاريره العسكرية .. إنها الملحمة تنتجها تاء التأنيث غير الساكنة التي يحاول الكثير من فيمينيست أزمنة الانحطاط الدنو بها الى مرتبة السلعة والحيوان عند تشجيع عرضها في واجهة اومبالاج الرأسمال المتوحش ...
إذا كانت الأساطير قد خلدت إناثا عبر روايات شفهية لحكايات منجزهن الخارق مثل (إيزيس) المصرية التي جمعَت أشلاء زوج مذبوح معيدة إياه إلى الحياة راعية (حورس) الصغير ليلحق بدوره بصفوف مراتب آلآلهة، و(عشتار) الباحثة عن تموزها لتبعث فيه روح الحياة، و(الخنساء)التي لولاها لما ذكر صخرا، وزرقاء اليمامة التي راحت ضحية نبوءاااتها وغفلة ذويها وووو ... فإن (عدجو موح) المازيغية هنا إيقونة لمَن يروم البحث عن رموز حية بلا توابل بلا مبالغات مجرد آمرأة يافعة من لحم ودم تأكل الطعام وتمشي في الأسواق عاشت حياتها ماتت موتها بوعي وكفى .. هي صورة واقعية من تراب من زعتر حريف من مخاض أوجاع معيش الجبال الصافنات غير متعالية غير مثالية .. مجرد صورة مصغرة للأم للأخت للزوجة للبنت للأنثى القروية خلال فترة الاستعمار التي تعرضت لأبشع أنواع الاستغلال داخل ضيعات المُعَمِّرينَ بعد أن تَـمَّ سلب الترابِ وما يَلِدُ الترابُ .. للأسف، لا أحد يولي آهتماما ولو رمزيا معنويا لهذا الصوت، لهذه الصورة النابتة في تضاريس عوالمنا القروية الأمازيغية .. هو صوت المغرب العميق القصي، صوت الهوامش المَقهورة التي تمثل الأغلبية الشعبية المسحوقة من النساء .. للأسف، كانت وماتزال الأنثى البدوية بدون صوت .. لا صوتَ لهنَّ البتة .. موشومات بتجاعيد قهر جائرة في كل الأزمان .. حتى ما يسمى بالتاريخ غير الرسمي، حتى ما يسمى بالذاكرة الجماعية، حتى ما يطلق عليه المورث الشفهي لم يتغن لم يخلد ذكرى شهيدات بوڭافر اللائي تجاوز عددهن الألف .. حتى من أقرب الأقربين إليها في مجالاتها العائلية .. أتدرون، هي لا ترث من أبيها شيئا لا لشيء إلا لأن الأعراف والتقاليد قالت ذلك .. لا وراثة لأنثى .. بذلك جرت مقادير الحيوات المتوارثة في بلدات الأرياف .. حتى إذا آشتدت آلمآسي وضاق الحال بالأحوال ألفيت الأنام يستنجدون معونة يغدقها كرمها السليقي دون تردد أو تسويف تماما كما كان ديدن عنترات العصور البائدات .. كروا وأنتم أحرار .. كان يقال لهم وقت آشتداد الأهوال حتى إذا سويت الأمور على خير وسلام يعم الجميع تُنْكَث العهود والوعود يُضْرَب بها عرض الفراغ ليظل حال المهمشين والمهمشات على حاله .. من حسن حظ عدجو موح نايت خويا عْلي أنها عاشت أبية واجهت قاتلي زوجها بقذيفة مزقت أشلاءه أمام عينيها، فتحولت الزوجة الوديعة إلى لبؤة غاضبة شرسة ماتت واقفة خلدت بإرادتها مصيرها المطلق لم تعش مآسي ظلم ذوي القربى بعيد آنقشاع غيوم آلملمات .. الأنثى الأمازيغيةَ تعيش يوميا مهانةً اقتصادية واجتماعية وسياسية تُشوهُ كيانَها وكينونتها وهُويتها خاضعة عنوة لبنية قانونية لا تعطيها أبسط حقوق الصحة والكرامة الانسانية .. انها تعيشُ الحيف والظلم داخل المحاكم والإدارات العمومية والمستشفيات ووسائل الإعلام وفي الشارع العام والخاص .. انها تلدُ في الطريق قبل الوصول الى مشفى المدينة القريب .. انها في الغابات تنوء بحمل الأثقال في أسواق الجوار تبيع تشتري تقايضُ عيش المُحال .. إنها في ضيعات النخاسين الجدد من أشباه الرجال ولا رجال .. انها هنا هناك لا تملُّ لا تقول : .. آه !! .. حتى في بيتها هي لا تنجو من الحيف ، فهي لا تملك بيتا أصلا لتسترَ فيه آدميتها، كما أن الجمعيات النسائية وغير النسائية _ التي انتشرت في بلداننا كالفطر دون فعالية أو نجاعة _ ومختلف الأحزاب المتهافتة على المناصب _ لم تجرؤْ في يوم على جرد واقعها المُسْتَلَبِ الذي تُشْحَنُ فيه بالرغم منها .. فلسنا نجدُ في المخططات الحكومية ولا في برامج الأحزاب ولا في أنشطة الجمعيات اهتماما بالأمازيغيات اللائي فقدن أزواجهن لظروف آستثنائية قاهرة لسبب أو لآخر في المعامل في الشركات في الضيعات في قيعان الحَفْر في المقالع في المناجم في البحار في البراري في الأجمات في الأزمات .. تظل الأرملة تتجرع غُصصَ آلام وقع الحياة القميئةِ بدراهم معدودات لا يسددن حتى ما يكفي لُقَيْمات صغيرة في اليوم الواحد .. تظل حائرةً قلقة على أبنائها وبناتها تحت تهديد إنقاص قيمة التعويض الذي تتلقاه من ما يُسمى حَوالة ما خلف المرحوم .. في الوقت الذي تُصْرَفُ فيه الملاييرُ جزافا على نوع خاص من البشر يُسْتَقْدَمُ من الخارج من أجل نشر المرح الزائف و الفرح المزور على الوجوه المفقرين العابسة المتجمعة في البلاد .. ذاك ماضي عدجو هذا حاضرها، أما المستقبل، فقصة أخرى نتوجس معها أن يتكرر ما فات ونعيش من جديد مآسي الذكريات كتلك التي عاشتها أمهاتنا التاريخيات في الزمن الغابر الغادر وتلك التي تعيشها الآن هنا في حلقة أخشى أنْ تكون دائرية في دوران مُفرغ يعيد بإتقان مدبر إنتاج فخاخ الحياة التي لا تبقي ولا تذر ...

☆إشارات :
١_ مقتطف من كتاب " أوراق بوكافر السرية" / صفحة 182 / أم العيد ميمون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب