الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموظف العراقي بين الولاء الحزبي والالتزام الوظيفي

رياض سعد

2023 / 12 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


قلناها مرارا وتكرارا ؛ لا يستقيم الوضع السياسي في العراق الا من خلال القضاء المبرم على كل اشكال والوان ومصاديق الخط المنكوس , ولعل من ابرز الدعوات الهدامة لاتباع هذا الخط المشؤوم ؛ تفضيل المصالح الخارجية والاجنبية والغريبة والفئوية والحزبية على مصالح الوطن والامة والاغلبية العراقية , وتقديم الهويات الفرعية على الهوية الوطنية الاصيلة , والايمان بالولاءات الخارجية والكفر بالعراق وبكل ما يتعلق به , وتغليف تلك الدعوات المنكوسة بالحجج الدينية الباطلة والشعارات القومية المزيفة والادعاءات السياسية الكاذبة ؛ والذرائع الفكرية والثقافية الساذجة والسطحية .
ومن الواضح ان حب الوطن والتمسك بالهوية الوطنية , من العادات الانسانية الراسخة في النفوس البشرية ؛ فالمرء مجبول على حب وطنه وديار الاهل والاحبة , والاعتزاز بقيمه وتراثه وتاريخه وهويته الوطنية ؛ وروي عن الأصمعي من أنه سمع إعرابياً يقول : "إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف شوقه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه وبكاءه على ما مضى من زمانه" ... ؛ وقد أكدت الاديان السماوية والوضعية على هذه السجية , وعدها البعض من أهم القيم الاخلاقية والمثل السامية ؛ وبما ان استقرار الوطن لا يتم لا من خلال النظام السياسي المستقر والحكومة الوطنية المنتخبة من قبل الشعب ؛ صار لزاما على المواطنين دعم حكوماتهم الشرعية لأنها تصون الوطن وتعمل على خدمة المواطن , وبغض النظر عن مستوى اداء تلك الحكومات , ولعل الحديث المنسوب للإمام علي يؤكد اهمية وجود الحكومات في ضرورة حماية الاوطان وتسيير الامور ولو بالمقدار البسيط ؛ اذ قال : (( ... وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر , يعمل في إمرته المؤمن. ويستمتع فيها الكافر ؛ ويبلغ الله فيها الأجل , ويجمع به الفيء ، ويقاتل به العدو, وتأمن به السبل , ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به بر ويستراح من فاجر ... )) نعم قد يتضمن الولاء للوطن الولاء للسلطة تلقائيا ان كانت سلطة وطنية منتخبة وشرعية ؛ وقد يتعارض الولاء للسلطة مع الولاء للوطن ؛ وذلك فيما اذا كانت السلطة خائنة وعميلة ودكتاتورية ولا تمثل ارادة الشعب كما هو الحال مع الحكومة البعثية الصدامية البائدة ... .
والخضوع للقوانين والأنظمة والتشريعات يحقق مصالح الأمة العراقية ، وهو سبب للقوة والنهضة في جميع المجالات ، لأن السبب الرئيسي من وضع هذه الأنظمة هو تحقيق الاستقرار والنظام العام ، وتعبر إطاعة النظام دليل على ولاء وانتماء الأفراد للدولة ... ؛ هذا بالنسبة للأشخاص العاديين والمواطنين ؛ فما بالك بالموظف الحكومي الذي يتحتم عليه ؛ بالإضافة الى حب الوطن وتقديم مصالحه على كافة المصالح الفئوية والحزبية والقومية وغيرها ؛ الولاء للحكومة الشرعية والالتزام الوظيفي وتحقيق اهداف الحكومة وتنفيذ قراراتها .
نعم مجتمعاتنا تعج بالهويات المتعددة والولاءات المختلفة ؛ فكثيرة هي تلك الولاءات : الولاء للدين , الولاء للقومية والعرق , الولاء للمذهب والطائفة , الولاء للقبيلة والعشيرة , الولاء للحزب والحركة السياسية ... الخ ؛ الا ان تلك الولاءات ينبغي ان لا تتعارض مع الولاء للوطن ؛ فالولاء للوطن اولا واخيرا , وهذه الولاءات يجب ان تكون في طول الولاء للوطن وليس في عرضه ؛ والبعض يحاول الالتفاف على هذه البديهة من خلال ادعاء الولاء لله لتمرير مخططاته الخبيثة في اهلاك البلاد والعباد , فمن اوضح الواضحات ان الولاء لله لا يتقاطع مع الولاء للأوطان , لان الله لا يكن العداء والضغينة للشعوب والاوطان ؛ فالكل عنده سواء ؛ بل العكس هو الصحيح , يجب شكر الله على هدية الاوطان والتنعم بخيراتها ؛ فلولاها لما عرفنا نعم الله وآلاءه .
وقد اثبتت التجارب التاريخية والسياسية ان تعدد الولاءات المختلفة والهويات المتناقضة والتي تتقاطع مع الهوية الوطنية ؛ لا يجني منها الوطن الا الخراب والدمار والخسائر الباهظة , فإذا تخلف الجندي عن اداء واجبه بسبب ان الارهابيين الدواعش من طائفته او منطقته او عشيرته , وترك موقعه وهرب من مواجهتهم , وكذلك لو ترك المعلم المدرسة استجابة لأوامر حزبه ... الخ ؛ لعم الهرج والمرج وشاعت الفوضى , وانحل عقد النظام , وعشنا قانون الغاب ؛ وعليه يجب على الامة العراقية حكومة ومواطنين ؛ عدم التساهل مع هذه الخروقات القانونية وهذا التسيب والاستهتار الذي يهتك سيادة الدولة وهيبة الحكومة الشرعية ؛ وذلك من خلال انزال العقوبات بحق المخالفين وطردهم من الوظائف الحكومية ... ؛ فالموظف المؤدلج من ذوي الولاءات المتقاطعة مع الهوية الوطنية والسياسة الحكومية الشرعية ؛ مستعد لفعل اي شيء من اجل حزبه وفئته وبغض النظر عن مصلحة الوطن والمواطن ؛ وامثال هؤلاء يسخرون كل امكانيات الحكومة وموارد الدولة لتحقيق اجنداتهم الضيقة واهدافهم الطائفية والقومية والحزبية والفئوية ؛ بل والاضرار بالحكومة وعرقلة سير اعمالها وتعطيل مشاريعها احيانا كما يفعل البعثية في بعض الدوائر .
لذا نشاهد ان البلاد التي تعيش تعدد الولاءات المختلفة والهويات الفرعية والتي تتعارض مع الهوية الوطنية والحكومة الشرعية ؛ تعاني من مختلف الازمات والنكبات والانتكاسات والمؤامرات , فحينها يصبح الولاء للوطن مجرد شعار كاذب فارغ من كل محتوى حقيقي , واكذوبة كبرى , يستطيع ابسط مواطن اكتشافها وذلك من خلال التفاصيل اليومية التي تكمن فيها شياطين الولاءات الخارجية ومردة الهويات الجانبية , فلا يغرنكم بكاء القوم على الوطن ولا تظاهرهم بالوطنية ؛ اذ ان الوطنية ايمان بالقلب واقرار باللسان وعمل بالجوارح والاركان ... ؛ بينما نشاهد في البلدان التي تعتبر الولاء للوطن من المقدسات كاليابان - مثلا – مظاهر العظمة والكرامة والاستقرار والازدهار .
ولا يوجد بلاء اشد من انتشار الموظفين المؤدلجين اصحاب الولاءات المتعارضة مع الهوية الوطنية وسياسة الحكومة الشرعية ؛ في دوائر الدولة , وشيوع ظاهرة الولاء للخارج بين المواطنين , بالإضافة الى مجيء حكومة عميلة وغير شرعية , ولا تربطها بالوطن اية رابطة حقيقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يستهدفون سفنا جديدة في البحر الأحمر • فرانس 24


.. الشرطة القضائية تستمع إلى نائبة فرنسية بتهمة -تمجيد الإرهاب-




.. نتنياهو: بدأنا عملية إخلاء السكان من رفح تمهيدا لاجتياحها قر


.. استشهاد الصحفي سالم أبو طيور في قصف إسرائيلي على مخيم النصير




.. كتائب القسام تستهدف جرافة إسرائيلية في بيت حانون شمال غزة