الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حَتَّى إِذَا أَتينا عَلَى وَادِي النَّمْلِ

عبد الله خطوري

2023 / 12 / 6
الادب والفن


فَتَحْتُ ما بيَدَيَّ .. بيضتان مشققتا الغلاف يتمرد مَاحُهُمَا على ما يحيطهما من بياض هش، وفخذ لحم دجاج جَبَلي ( إيغَـصْ نُوسْشُومْ أُويَزيطْ ) ملفوف في ورق أزرق مما يغلف به عادة السكر القالب ( دْكِيجْ نَلْكَاغِيطْ نَسُّكَّرْ أزِيزَا )، وحُبَيْبات قمح ( إِيحَبَّانْ ) (١) محمصة أرجوانية دهماء قاتم وهجُها آلمعصفر بوقيد آلنيران؛وما إن وضعتُ هذا الرزق جانبا ريثَ أنَظِم تفاصيلَ فَطورنا حتى لاح من حيث لا أدري غزوٌ جارف لأنواع من النمل الصغير والكبير آنتشرت سرعته الحمراء السوداء العارمة بين ثنايا الرزمة مطوقـةً مكان جلوسنا.اِنتفضتُ أنفضُ الطعام تزلزله يمناي تطرد عنه ما أمكن آلأجسام الصغيرة التي فاق هجومها المتحمس توقعاتي، فرحْتُ أنقذ ما تمكنتُ منه تاركا أغلب آلحُبيبات تلقطها كماشاتهم آلصلبة تهرع بها إلى قُرًى لها متفرقة في آلشعاب .. ودون آنتظار، جعلتُ أتعجلُ آلفَطورَ مُزيلا عنه ما علق من أبدان متخبطة تغرق داخل تلافيف آلطعام .. (طَالْبَـيَازْتْ إي وُولينُو تَاقَـرْدوزتْ إي لَهْلينُو) (٢) .. قلتُ ضاحكا ألْقِمُ رفيقي بعض صفار البيض واضعا في يده البدينة عظم الفخذ (بُوعَلاَّق) .. هُوهْ هُـووهْ .. وَاهْ وااهْ .. يُصوتُ هَيْنَمَةً غير ذات معنى .. يفتح فاه يضحك يغمغم بتثاقل يأكل لا يبالي بالحشرات وغير الحشرات .. لا .. لا .. إيليدْ أمَّنْ (٣) .. عبثا حاولت المساعدة .. منهمكا جعلت أضراسه تؤدي واجبَها بجدية وئيدة لا تدع مجالا للتهاون رغم كل الفتات السائل بين الشدقين .. بالصحة والراحة .. ما تْغَزَّتْ إيحَبَّانْ ..؟؟.. (٤) قلتُ مازحا .. عمدتُ إلى بعض ما تبقى من الحُبيبات المدهامات في الرزمة جعلتُ أعـضُّ وسطها المشطور فينفلق بمجرد لمسه .. أناولُ رفيقي آلنصفَ وألقي آلنصفَ أرضًا .. ها الحقْ نَّشْ ها الحقْ نَتشَطْفينْ (٥) .. اِنتحينا جانبا نُكمل وجبتنا جالسيْن على صفّاحة صلدة غير مصمتة ( خي صَفّاحن ) دون أحسَّ بلزوجة القهوة الصباحية المعطرة .. لقد تمنيتُها في تلك اللحظة .. افتقدتُ حليب الماعز الممزوج بالزعتر يَصَّاعَـدُ فَـوَّارُهُ يداعب آلخياشيم يبلسم آلحَنجرة يهدئ آللَّهَاةَ .. لقد كنت متعبا وحرارة عالية آستشعرتها تزند في عظامي ( دي تخشبتينو ) .. إنها آلحمى يا لطيف .. ضربة شمس نهار أو لسعة ندى ليلٍ ها هما آلآن يجتمعان في كامل بدني آلعليل … ولما آستغرق جلوسنا وقتا غير قصير، فإني لمجرد أنْ هممتُ بآلوقوف حتى أحسستُ تثاقلا يكبل مفاصلي يشنج آلعضلات .. وحلقي .. آه .. جاف يَخِـزُهُ آلريقُ آلناشفُ وآلمبلوعات آلمستعصية في آلمضغ .. ولم تجدِ نفعا رشفات عبَبْتُهَا مباشرة من خيوط ماء دقيقة تتخلل حجارة الوادي بحياء وخدر ثقيليْن بللتُ بها فمي غرغرتُ حَنجرتي دون فائدة، ولم أجرؤ _ رغم عطشي الصباحي الشديد _ أنْ أتَبَلَّعَ ولو قطرة منها خشية ما لا تحمد عقباه، وآكتفيتُ برشات بللتُ بها رأسي ووجهي وأطرافي آلمُعَـرَّاة دون أدعَ آلمياه تلمس قدمَيَّ كي لا يستعصي علي صعودَ عقبة ( طَاسْتَرْتْ ) أمامنا وعبور ما بعدها من طريق عامرة بآلأتربة آلمناوشة ودقيق آلحصوات، الأمر الذي خَبَـرْتُ قَماءتَهُ لكثرة مراودتي عَين البلدة أين كنتُ أضطرُّ دائما إلى إعادة غسلهما وتنظيف آلنعليْن وآنتظار مدة غير قصيرة حتى ينشفا ورجلايَ إما فوق كاغيط كارتون أو قطعة ميكا أو معلقتان في آلهواء إلى حين، الشيء الذي لم أكن على آستعداد لتحمله وأنا في حالتي هذه معَلَّقا بين الوصول إلى الدار وإيصال رفيقي إلى أهله وآلمكوث في قاع الوادي في آنتظار قوافل الوافـدين من السوق الذين هم على أهبة المرور .. بدت لي الفكرة غير مستساغة، فلم يك لدي مزاج لقاء أي أحد، وبمجرد أنْ ألحظَ شبحا لدابة أو إنسان أو أسمع قرقعة في طريق المنجورة (٦) أو غيرها حتى أعمد إلى آلاِندساس بين ثنايا المنعرجات وتلافيف الشعاب وما يسنح من خمائل الدفلى (آليلِي) تماما كما تفعل تلك الجيوش الجارفة المتستنفرة في سراديب الوادي؛ ولأن آحتمال لقاء أحدهم ظل واردا في كل لحظة، فإني شرعتُ أسْرِعُ خطواتي ممعنا في إمساك قبضة رفيقي كي لا تنفلت مني حتى إذا أتينا على .......


☆ترجمات :
١_يَازيطْ : دجاج
كاغيط : ورق
_إيغصْ : العظم
_آسْشوم : اللحم
_آزيزا : أزرق
_إيحَبَّانْ : حبوب القمح
٢_طَالْبَـيَازْتْ إي وُولينُو تَاقَـرْدوزتْ إي لَهْلينُو : التينة الطرية الناضجة لقلبي الرهيف وغيرها لأهلي الغائبين، كناية على غنيمة القطاف والاستئثار به عن الغير الذيم لم يبذلوا جهدا في قطافه
٣_لا .. لا .. إيليدْ أمَّنْ : لا لا ليس هكذا ...
٤_بالصحة والراحة : هنيئا مريئا
_ما تغزت إيحبان ..؟؟.. : هل لك في شيء من القمح المحمص
٥_ها الحقْ نَّشْ ها الحقْ نَتشَطْفينْ : فلنتقاسم .. هذا نصيبك وذاك نصيب النمل
٦_طريق متربة مستوية دون تكون معبدة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??