الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميديا الغرب، الأكاذيب ذاتها والعمى ذاته عن الحقائق والوقائع

سعيد مضيه

2023 / 12 / 6
القضية الفلسطينية


اجرى جوناثان كوك، صحفي استقصاء بريطاني، في مقال نشره في 25 نوفمبر /تشرين ثاني، مقارنة بين أحداث النكبة الأولى في فلسطين حيث طمست ميديا الغرب وقائعها، وتعيد الكرّة أكاذيب وخدع في حرب غزة الجارية حاليا، ليخلص الى القول ان"إسرائيل تدرك ان الفلسطينيين ماضون لمواصلة البقاء شوكة في خاصرتها ، تذكرة بأن إسرائيل ليست دولة عادية؛ وأن النضال الجاري لتعديل عقود من ممارسات إسرائيل في نزع أملاك الفلسطينيين ومعاملتهم بوحشية سوف يغدو قضية أخلاقية مائزة لدى الجمهور في الغرب، مثلما كان ذات مرة الكفاح ضد الأبارتهايد في جنوب إفريقيا".
جوناثان كوك أقام بالناصرة عشرين عاما ثم عاد الى المملكة المتحدة عام 2021. أصدر ثلاثة مؤلفات حول (النزاع) الإسرائيلي الفلسطيني : "الدم والدين :تمزيق القناع عن الدولة اليهودية"، "إسرائيل وصدام الحضارات : العراق، إيران والخطة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط" و "فلسطين تتوارى : تجارب إسرائيل في تيئيس البشر":
تقوم إسرائيل بتنفيذ التطهير العرقي في غزة ، ومع ذلك، وكما حدث أثناء النكبة الأولى، تهيمن اكاذيب إسرائيل وخدعها علي ميديا الغرب وروايته السياسية .
التاريخ يعيد نفسه، وكل سياسي او صحفي بالميديا الرئيسية يتظاهر بعدم القدرة على رؤية ما يبدو امام الاعين. هناك رفض جماعي وقصدي لربط النقاط بغزة ، حتى عندما تشير في نفس الاتجاه فقط.
واصلت إسرائيل نمطا ثابتا من السلوك منذ إنشائها قبل 75 عاما –تماما، مثلما يوجد نمط لا تتغير استجابة قوى الغرب بمقولة "لا نرى شرا ، لا نسمع شرا".

في العام 1948 في أحداث أطلق علييها الفلسطينيون "نكبة" تم تطهير 80 بالمائة من الشعب الفلسطيني من وطنهم في ما اطلق عليها دولة إسرائيل.

مثلما استقر رأي الفلسطينيين في ذلك الحين- وفيما اكد مؤرخون إسرائيليون بعد ذلك، إثر اطلاعهم على وثائق لأرشيف- كذب قادة إسرائيل حين قالوا ان الفلسطينيين هربوا من تلقاء انفسهم ، بناء على أوامر الدول العربية المجاورة.
وكما اكتشف المؤرخون أيضا، كذب قادة إسرائيل، إذ ادعوا انهم طلبوا ، اولا ببقاء 900000 فلسطيني كانوا لا يزالون داخل حدود دولتهم، وبعد ذلك طلبوا من 750000 أجبروا على الرحيل، بالعودة الى الديار.
الأصح ان الأرشيفات أظهرت ان جنود الدولة الجديدة قد نفذوا مجازر رهيبة لكي يطردوا السكان الفلسطينيين خارج وطنهم .اطلق على عملية التطهير العرقي بكاملها خطة دالت.
فيما بعد كذب القادة الإسرائيليون بالتقليل من عدد التجمعات الزراعية الفلسطينية التي دمروها: اكثر من 500 قرية مسحتها الجرافات الإسرائيلية والمهندسون العسكريون من على وجه الأرض ؛ للمفارقة ، عرفت العملية في الأوساط الشعبية الإسرائيلية " جعل الصحراء تزهر".
بصورة خارجة عن المألوف، فإن العلماء والصحفيين والسياسيين ذوي السمعة الحسنة- كل من يهيمن على النقاش الرئيس – قد تجاهلوا جميع البينات المؤكدة لخداع الإسرائيليين وكذبهم طوال عقود، حتى بعد ان أيد المؤرخون الجدد والوثائق الأرشيفية الرواية الفلسطينية عن النكبة .
اتبعت استراتيجيات مختلفة لحجب الحقيقة ؛ واصل مراقبون بارزون اعتماد نقاط في أحاديث إسرائيليين تبين كذبهم ؛ وأخرون رفعوا أيديهم زاعمين ان الحقيقة لا يمكن تقريرها بصورة دقيقة.

ومع ذلك، أعلن آخرون انه حتى لو حدثت أشياء سيئة يوجد ما يكفي لإلقاء اللوم على الطرفين وانه، مهما يكن ، فمن الرائع ان يجد الشعب اليهودي ملجأً ( حتى لو دفع الفلسطينيون الثمن، وليس الأوربيون، أعداء السامية ومقترفو إبادة الجنس). تلك الدفاعات بدأت تتداعى مع وصول السوشيال ميديا والعالم الرقمي ، حيث المعلومات يمكن ترويجها بسهولة أعظم. النخب الأوروبية حاولت على عجل قفل كل نقاش نقدي للظروف التي ولدت فيها دولة إسرائيل ، ودمغت ذلك النقاش باللاسامية.

الحيز في غزة يتقلص على الدوام

كل ذلك يشكل السياق لتفهمم المعطيات الراهنة " للتيار الرئيس "حول ما يحدث في غزة . فنحن شهود ذات الانفصام بين الأحداث الحقيقية وتدبيج الدولة العميقة رواية إعفاء إسرائيل، باستثناء حدوث الخدع و"الإضاءة الغازية" ( في علم النفس نمط من الإساءة النفسية الخطيرة، يقوم على التلاعب بالعقول، من خلال زعزعة ثقة شخص ما بنفسه)، في هذه الأيام والجمهور بمقدوره أن يرى بنفسه الوقائع المرعبة تتكشف اما م عينيه في الزمن الواقعي. لسنا بحاجة الى مؤرخين يبلغوننا ماذا يجري في غزة ؛ فهي احداث حية تبث على التلفزيون( او على أقل تقدير الرؤية الأشد تعقيما ) . لنستعيد الوقائع المعلومة.
دعا المسئولون في إسرائيل الى اجتثاث غزة مكانا يستطيع الفلسطينيون العيش فيه ، وقالوا ان جميع الفلسطينيين معتبرون أهدافا مشروعة للقنابل والنيران الإسرائيلية.
صدرت الأوامر للفلسطينيين بالانتقال من النصف الشمالي للقطاع ؛ هاجمت إسرائيل المستشفيات، وآخر ملاذات للفلسطينيين بالشمال. قطاع غزة من اكثر الأماكن في العالم اكتظاظا بالسكان؛ غير ان الفلسطينيين أجبروا بالنصف الشمالي من القطاع، حيث تعرضوا ل" حصار كامل" حرمهم الطعام والماء والطاقة ؛ حذرت الأمم المتحدة من ان المدنيين في غزة يواجهون " الاحتمال المباشر" لمجاعة.
أصدرت إسرائيل حاليا الأوامر للفلسطينيين الرحيل عن القسم الأكبرمن مدينة خانيونس أكبرمدن جنوبي القطاع؛ بالتدريج يجبر الفلسطينيون على الإسراع بالانتقال الى الممر الضيق في رفح، المحاذي للحدود مع مصر . يجري حشر 2.3 مليونا من البشر في حيز يضيق على الدوام.
أغلبية أهالي القطاع لم يتبق لهم بيوت يعودون اليها ، حتى لو تركتهم إسرائيل يتجهون الى الشمال؛ المدارس والجامعات والمخابز والجوامع والكنائس هدم معظمها ؛ مساحات كبيرة في غزة غدت أرضا قفرا.
منذ سنوات أعدت إسرائيل الخطط لطرد الفلسطينيين من غزة ، عبر الحدود الى صحراء سيناء المصرية.

عمى الميديا

حاولت إسرائيل بعد التطهير العرقي الذي اجرته عامي 1948 و1967 إدارة أمور الفلسطينيين الباقين من خلال نموذج الأبارتهايد التقليدي، حشر المواطنين في معازل، مثلما فعل أسلافها مع بقايا "المحليين" الناجين من حرب الإبادة.
كل حذر من جانب إسرائيل استخلصته من المناخ السياسي المختلف الذي توجب عليها العمل خلاله: بات القانون الدولي اكثر مركزية بعد الحرب العالمية الثانية، مع تعريفات واضحة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
بتصميم يسيئ الغرب تشخيص عملية إسرائيل، نزع الملكية وحشر الفلسطينيين الباقين داخل معازل، ويصورنها "صراعا" لأنهم يرفضون الخضوع بهدوء لنموذج غيتو الأبارتهايد.
والآن تحطم تماما مقترب إسرائيل في إدارة الفلسطينيين – لسببين:
الأول ، استعان الفلسطينيون بتقاني جديدة فبات من الصعب وضعهم تحت المراقبة ، واجتذبوا الدعم الشعبي المتسع أبدا – وبين الجمهور في الغرب ، وهذا أكثر إشكالية.
واستطاع الفلسطينيون أيضا رفع قضيتهم الى المنابر الدولية ، حتى أنهم كسبوا الاعتراف بهم دولة من قبل أغلبية دول المنظمة الدولية ؛ بات بالامكان حتى تعديل مكانتهم لدى مؤسسات الغرب الأممية الشرعية ، مثل المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الادولية.
نتيجة لما تقدم بات أصعب فأصعب إخضاع الفلسطينيين – أو حفظ "الهدوء" مثلما تفضل تسميته الدول العميقة في الغرب.
وثانيا، في 7 أكتوبر برهنت حماس ان المقاومة الفلسطينية لايمكن احتواؤها حتى تحت الحصار المدعم بالمسيّرات، وبنظام قبة حديدية معترضة تحمي إسرائيل من صواريخهم الانتقامية؛ في مثل هذه الظروف أظهر الفلسطينيون انهم يبحثون عن أساليب مباغتة وخلاقة لتحطيم جدران السجن وإخراج مظلوميتهم الى الأضواء.
في الحقيقة ، إذا ما أخذنا بالاعتبار بلادة شعور الغرب إزاء مكابدة الفلسطينيين ، من المحتمل ان تستخلص الفصائل الكفاحية ان الفظائع التي تستولي على العناوين البارزة – تعكس مقاربة إسرائيل التاريخية للفلسطينيين- هي الأسلوب الأوحد لجذب الاهتمام .
تدرك إسرائيل ان الفلسطينيين ماضون لمواصلة البقاء شوكة في خاصرتها ، تذكرة بأن إسرائيل ليست دولة عادية؛ وأن النضال الجاري لتعديل عقود من ممارسات إسرائيل في نزع أملاك الفلسطينيين ومعاملتهم بوحشية سوف يغدو قضية أخلاقية مائزة لدى الجمهور في الغرب، مثلما كان ذات مرة الكفاح ضد الأبارتهايد في جنوب إفريقيا.
لذا فإسرائيل اغتنمت فرصة اللحظة كي " تتم المهمة"؛ المصير النهائي بات بوضوح في مرمى البصر، مثلما ، في الحقيقة، كانت طوال اكثر من سبعة عقود. الجريمة تتكشف خطوة فخطوة ، وتتسارع الخطوات ؛ ومع هذا فكبار الصحفيين والسياسيين بالغرب ، شأن أسلافهم يواصلون العمى عن كل ما يجري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران