الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدلة على أن المعري شيخ البلغاء والمتكلمين

داود السلمان

2023 / 12 / 6
الادب والفن


ثمة دلائل كثيرة تشير إلى أن ابا العلاء المعري، هو شيخ البلغاء والمتكلمين، بلا منازع. وفي هذا المبحث سنستقرأ نماذج نثبت بها ما ندعي، القول الفصل، ففي "الفصول والغايات" وفي "رسالة الغفران" وفي "رسالة في الملائكة" وفي غيرها من كتبه الأخرى، أدلة صارخة حيث نلتمس بلاغة عظيمة،. لكن للأسف لم يُسلط عليها الأضواء، ولم ينوه عليها أحد، إلا من الشزر اليسير، لسببٍ أو لآخر، بل سلطت الأضواء على سواه، واهملوا ذكر هذا الرجل من هذه الناحية، أي من كونه شيخ البلغاء والمتكلمين.
ولعلنا، هنا، قد ننصفه بعض الشيء، ونرفع الحيف عنه، والغاية من هذا هو انتصارا للحقيقة وللبحث العلمي، وهي دعوة صادقة لرجال العلم، ولأرباب البحوث الرصينة في غربلة التراث الاسلامي، ونفض الغبار عنه. ذلك لما عُلق به نتيجة لأسباب قد يجهلها البعض، والبعض الآخر قد يدرك تلك الأسباب.
وهذه بعض النماذج التي تؤكد على أن المعري هو صاحب السطوة فيما نؤكد عليه، وهذه هي النماذج، ندع القارئ الكريم أن يراها بنفسه، حتى يكون هو الحكم والشاهد وهناك أدلة أخرى سنوضحها، تباعا، والنماذج هذه من كتابه المحظور "الفصول والغايات".
نموذج:
سبيل السفر، والهاجمة على نقيع الجفر و يشهر خلقها بأمر للواحر ملك الدهر، خالق السنة والشهر، غبقت غيبة بقدر، ثم رجعت عن هجر، فما كدت أجد من شفر، بدل مسكن بقبر، كأنهم سقوا ماء الأباء".
تفسير: عن هجر: لآي بعر مدة. وذكر بعضهم أنه يقال: ما ألقاه إلا عن هجر: أي بعد سنة. من شفر: أي من أحد. الأباء: القصب، ويقال إن ماءه قاتل، قال الهذلي.
وأسعطك في الأنف ماء الأباء مما يثمل بالمخوض يثمل: أي يترك حتى يطول مكثه.
نموذج:
أحلف بسيف هبار، وفرس ضبار، يدأب في طاعة الجبار، وبركة غيث مدرار، ترك البسيطة حسنة الحبار، لقد خاب مضيع الليل والنهار، في استماع القينة وشرب العقار، أصلح قلبك بالأذكار، صلاح النخلة بالإبار، لو كشف ما تحت الأحجار، فنظرت إلى الصديق المختار، أكبرت ما نزل به كل الإكبار، نحن من الزمن في خبار، كم في نفسك من اعتبار، ألا تسمع قديمة الأخبار، أين ولد يعرب ونزار، ما بقى لهم من إصار، لا وخالق النار، ما يرد الموت بالإباء.
تفسير: الهبار: القاطع. والفرس الضبار: الذي إذا وثب وقعت يداه مجتمعتين. الحبار: الأثر والهيئة. الخبار: أرض سهلة فيها جحرة فأر ويرابيع؛ توصف بصعوبة المشي فيها. ومن كلامهم القديم: من سلك الخبار، لم يأمن العثار. والإصار: الطنب، ويقال الوتد.
نموذج:
ما آمل وقد فقدت أبوي، وأخذت الشبيبة من يدي، ومشيت إلى الأجل على قدمى، حتى كدت أطؤه بأخمصي، ووقع كل الأيام على، ونظرت عين المنية إلى، آن اشتعال الوضح بمفرقي، وأنا لا أفارق الغى، وأصبح أخا السلامة الحى، وأعلم أن الملحد آخر منزلى، وأن جسدى مزايل للحوباء.
سرب الموماة والإجل، ويد الماشية والرجل، وسوار الكاعب والحجل، يشهد باله أعظمته نار رآها الشماخ بالغميم، كأنها الشعرى العبور، وأخرى بالعقيق شبهت بحصار والفرود، وثالثة آنسها العبادي، وذكر أن طعامها الغار والهندي، وما نار أبى الحباحب غافلة عن ذكر الله ملث الظلام، والناران من الحزن والظمأ بالله تحبران، جرد مجرد عضباً، فأسال به دماً غضباً، وقدح من بيضاء كلائحة المضل ناراً لا يسبقها إلى العبادة المريخ، والصارم يشهد بقدرة الأول، كأنه مقدمة ما في الأطباء. غاية.
تفسير: السرب: القطيع من الطباء. وقد يستعمل في النساء والقطا وغير ذلك. والإجل: القطيع من البقر خاصة. والنار التي رآها الشماخ بالغميم هي التي قال فيها:
رأيت وقد أتى نجران دونى ... وأهلى دون منزلهم ثبير
لليلى بالغميم ضوء نارٍ ... تلوح كأنها الشعرى العبور
والنار التي بالعقيق هي التي قال فيها الشاعر، ويقال إنه المجنون
أرى نار ليلى بالعقيق كأنها ... حضار إذا ما أعرضت وفرودها
والعبادى هو عدي بن زيد بن أيوب، أحد بني امرئ القيس بن زيد مناة ابن تميم، وهو الذي يقول:
يالبينى أوقدى النارا ... إن من تهوين قد حارا
رب نار بت أرمقها ... تقضم الهندى والغارا
ملث الظلام أي اختلاط الظلام. ومنه قول ربيعة بن مقروم الضبى:
ومطيةٍ ملث الظلام بعثته ... يشكو الكلال إلى دامى الأظلل
والغضب: الشديد الحمرة من كل شيء. والبيضاء هاهنا: الدرع. والعرب تشبهها بلائحة المضل وهى آخر ما يبقى من السراب، يقال في المثل: أكذب من لائحة المضل. ومقدمة ما في الأطباء: السيء وهو أول ما يدفع به الضرع من اللبن وهو سم فيما قيل، ويتعمد الحالب إلقاءه في الأرض، وكذلك فسروا قول الشاعر
بحسبك في القوم أن يعلموا ... بأنك فيهم غنى مضر
وأنت مليخ كلحم الحوا ... ر فلا أنت حلو ولا أنت مر
كأنك ذاك الذي في الضرو ... ع قدام درتها المنتشر
المضر: الذي له ضرة من المال، وهي قطعة من الإبل عظيمة أو مال يقوم مقامها. والمليخ: الذي لا طعم له.
نموذج:
لله الغلب، وإليه المنقلب، لا يعجزه الطلب، بيده السالب والسلب، سل قمراً كالمحلب، وهلالا مثل المخلب، وليلا جمع من المخشلب، يخبرنك بالعجب، عن حق مرجب علم ما وراء النجب، الفاضل موجب، والفاجر منتخب، وإلى السكوت صار اللجب، ونجوم الشمال والجنوب في علم الله كمقاعد الضرباء. غاية.
تفسير: النجب: قشر الشجرة. موجب: يأكل الوجبة. وهي أكلة واحدة في اليوم والليله؛ قال الشاعر:
فاستغن بالوجبات عن ذهب ... لم يبق قبلك من مضى ذهبه
ومقاعد الضرباء متدانية، وهم الذين يضربون بالقداح.
نموذج:
هل مازن وهوازن القبيلتان في ملك الله إلا كمازن النملة، والهوازن من الطير النافرة، وكذلك كلاب بن ربيعة وكلب بن وبرة، إنما هما كلب مفرد وكلاب مستنبحة، وقضاعة بن مالك كالدابة الخارجة من حضارة، وقريش كذاك، وفر قد السماوة كفرقد السماء، والجرباء ذات النجوم بمنزلة الناقة الجرباء. غاية.
تفسير: المازن: بيض النمل. والهوازن: طير، واحدها هوزن والقضاعة: كلبة الماء. وخضارة: البحر. وقريش: يقال إنها ملكة دواب البحر. وتكبيرها القرش، وفرقد السماوة: ولد البقرة الوحشية.
نموذج:
العمل وإن قل يستكثر إذا اتصل ودام، لو نطقت كل يوم لفظة سوء لاسودت صحيفتك في رأس العام؛ ولو كسبت كل يوم حسنةً عددت بعد زمن من الأبرار، إن اليوم ائتلف من الساع والشهر اجتمع من الأيام، والسنة من الشهور، والعمر يستكمل بالسنين؛ الرجل مع الرجل عصبة، والشعرة مع الشعرة ذؤابة، والحجر جدار، والنخلة إلى النخلة حائش، والصيحانية إلى الصيحانية صاع، وإلى الخالق مفزع القوم الأرباء.
كم حي بلغ الدرك، وحد ربة أو أشرك، وجمع لنفسه فما اترك، وارتحل إلى الرمس فأرك. من بالشح أمرك، وعلى الدنيا أمرك، أخالقك الذي صورك! كلاً وعظمته لقد أنذرك، هتكت ستر التوبة فسترك، وجاهرت بالمعصية فأخرك، واستنصرت به فنصرك، وهو أحفى بك من القرباء.
تفسير: الدرك: المنزلة. فأرك أي فأقام.
نموذج:
أيها الوعل الوقل، والطائر المستقل، والمكثر والمقل، والمسافر المنتقل، لا يعصمك معقل، عبء. الدنيا مثقل، يرتع الحي ويبتقل، ويعنق في حياته ويرقل، حتى إذا الأيام تصرمت، وحقب مدته تجرمت، وجاء الوقت، وقع من أهله المقت؛ فخذار إذا نازعت صاحبك من الإرباء.
الموت أعظم الحدث، والجدث لا يأنس بالجدث، أما العالم فمحدث، وربنا القديم المورث، الوابل بقدرته والدث، ليس بسواه متشبث، ولا لملك غيره لبث، رب جسد كالنبث، ما صنع التراب بالجثث، فعل بها فعل المجتث، لا يفرق بين السبط والكث، استوى المذكر والمؤنث، ألحقت المنون جديداً برث، فانأ عن القبيح والرفث، وسبح في النهار والملث ما أنشأك ربك لعبث، بل اجتباك بالكرم أحسن اجتباء.
تفسير: الدث: أضعف المطر. والنبث: ما يخرج من تراب القبر أو البئر.
نموذج:
أنت أيها الانسان أغر من الظبى المقمر، لست بالعامر ولا المعتمر، ولا في الصالحات بالمؤتمر، أحسبت الخير ليس بمثمر، بلى! إن للخير ثمرة لذت في المطعم، وتضوعت لمن تنسم، وحسنت في المنظر والمتوسم، وجاوزت الحد في العظم، وبقيت بقاء السلم، فما ظنك بثمرة هذى صفتها لا يمكن السارقة كفتها، ولا تذوى في الوقدة نضرتها، قد أمنت أجيج القيظ وصنابر الشتاء.
تفسير: أعز من الظبى القمر: مثل. ويقال إن الظبى يصاد في الليلة المقمرة. الكفت: الضم والجمع.
نموذج:
من دخر جميلا وجده عند الله، ما هبطت بطن تبالة لنحرم الأضياف ولا أريح الدثر عليك ليبيت تزيلك وهو عيمان، ولا جمعت لك العروج لينصرف المكل عنك رجلان، ولا عصبت السلم إلا لتشبع الضان، يكفيك من الإبل ذود أو ذودان، ناقة للحلب، وأخرى للمركب، وثالثة لحمل الأعباء. غاية.
ما قالت الجرادتان لو فد عاد؟ قالتا ما الله به عليم، فشغلتاهم عن استغفار الواحد الرحيم، طال الأمد فلم يعلم القيل، درس خبر الناسك والمريب، وربنا المحيي والمميت، لا يخفى عنه وادس حديث، إن الثناء عليه لأريج، كأنما هو المسك الذبيح، لا يبيح ما حماه المبيح، التاجر معه ربيح، هل تسمع فتصيخ، أم تعرض ولست برشيد، إن غير حبل الله جذيذ، مالك سواه من ظهير، الممسك بعروته عزيز، وهو العصمة إذا بلغ النسيس. للحية من الفرق كشيش وللجندب في البيداء كصيص، والجبل له قضيض، من رهبة منشئ السقيط، ذهب قر ومقيظ وأنا في ذلك لا أريع، وفي الغد أظمأ فلا أسيغ، بارداً يعذب في الرشيف، إنى بالعظة لحقيق، لو أرشدني إليها المليك، إني في الصحة عليل، جسدي بالآفات دميم، ما يضرني فيه كنين وكأن اللب مليه، يا طول حسدى للوحش الأعداء.
تفسير: الجرادتان: المغنيتان اللتان شغلتا قيل بن عترٍ وأصحابه من وفد عاد حتى هلك قومهم. وإياهما عنى ابن أحمر في قوله:
كشراب قيلٍ عن مطيته ... ولكل أمر واقعٍ قدر
مد النهار له وطال عليه الليل واستنعت به الخمر
وجرادتان تغنيانهم ... وتلألأ المرجان والشذر
أصل الوادس: من ودس النبت، إذا ظهر منه شئ يسير. النسيس: بقية النفس. الكشيش: صوت الحية. والكصيص: صوت الجندب.
السقيط: الجليد. لا أريع: لا أرجع. دميم: مطلى. مليه: امتله عقله إذا ذهب.
نموذج:
يصبح الوحشى أنقاً، يرتاد مغربا ومشرقا، لا يتقى من خطب متقى، يعتام الرياض الموسومة، قد حيته الوهود بالزهر، وشرب ماء الغدر، على أغاني الذباب، واخضرت جحافله من لس الغمير، وأرجت سنابكه من وطء النوار، وامترغ في النبات حتى كأنه سندس خرج له من الجنان، يميل من الأشر ميل الثمل، ويغرد إذا صاح تغريد الطرب النشوان، إن سحل فعن مجد الله ترجم السحيل، وإن شحج فشحيجه تكبير وتهليل، وإذا عشر فالنسك في ذلك التعشير حبيس، وإذا صفن فصفونه تقديس، وقع حوافره على الأودية والرزون، يشهد بأن الله أول حكيم، حتى إذا نضا ربيعاً بعد ربيع، وخلص من مصيف في إثر مصيف، واشتد القيظ ووقدت الشعريان، وتظاهر في ظهره عتيق الأعوام، وأمرته الرجل والقيعان، إمرار المسد البديع، أجمع الورود والماء منه لا أمم ولا قريب، وسبقه أشعب كأنه نمر إلى النمير، في جفيره زرق ظباتٍ كأنها جمرات النار، أفواقها كأفواه أفرخة النغران، تعود أن يضعها من الوحش بحيث أراد، أقسم فأبر القسم، ليروينها بعد الخضم، من دماء الهاديات؛ له صبية كالتوالب، وسلفع كأنها السعلاة، يقوتهم لحم القطا ولحموم القطوات، ويكثر عندهم الوشيق من متون الأخدريات، فبات ساهراً من الطمع وأطفاله من السغب ساهرين، تتقضى دجاه وينصرم عنه الصريم، وهو في دحيةٍ لا يجلوها النهار، سميره في الليل الخموش، تحتك القرناء جارته بحيث يسمع، كاحتكاك الجرباء في العقال، حتى إذا الليل ضربه ذنب السرحان، ورد الوحشى بأتنه وهو يظن أن لا أنيس، فلما شرع أو كاد، أهوى له بمشقصٍ كأنه ناب الغول فانتظم به رعاماه، فسقط صريعاً بعلم الله، وانصرفت حلائله أيامى لا تحفل بحرارة الأ يوم، ولقى البائس حتوم القضاء.
تفسير: الأنق: المعجب بالمرعى أو غيره. يعتام: يختار. الموسومة: التي أصابها الوسمى. لس الغمير: أن يأخذه بجحافله، وهو النبت في أصول النبت الأول. السحيل: دون الشحيج. عشر: إذا نهق عشرة أصوات في طلق واحد. الرزون: جمع رزن ورزينٍ: وهو ما غلظ من الأرض. ويقال الرزن حفرة في صخرة يجتمع فيها الماء. عتيق الأعوام: يعنى الشحم. الرجل: جمع رجلة، وهي ما اطمأن من الأرض. البديع: الجديد، والنمير: الذي ينجح في الشارب. الخضم: المسن. الهاديات: اللواتي يتقدمن الوحش. التوالب: الجحاش الوحشية. وسلفع: جريثة. القطوات: اللواتي في أعجاز البهائم الأخدريات: منسوبات إلى أخدر، وهو فيما حكى عن الأصمعى: حمار أهلى توحش فضرب في حمير الوحش. والد جية بيت الصائد، ويقال له الناموس أيضاً.
الخموش: من أسماء البق، جمع لا واحد له من لفظه القرناء: حية لها في رأسها لحم ناتئ. قال الراجز:
تحكى له القرناء في عرزالها ... تحكك الجرباء في عقالها
المشقص: نصل طويل. الرعامى: زيادة الكبد.
نموذج:
لله الحكمة والرشاد، المرفق أين اتجه غانم، والمحدود أين بقع لا يظفر بالنجاح. رب أشعث أبى أولاد اختلف إلى منابت الشجر، فرأى فيها قضيباً نبعاً، فلبث ينتظرها ستاً أو سبعاً، ثم انتحبها فسقاها ماء اللحاء ممظعا، واقتضب لها من الغصنة حولها أسهما أحكمن صنعا، وجثم في مورد القمر يأمل لبنيه شبعاً، فرمي فأخطأ، وانصعن فزعاً، يحمدن الله على النجاء. غاية.
تفسير: ممظعاً: مظعت القوس إذا سقيتها ماء لحائها، وهو أن تقطعها وهي رطبة وتترك في الظل حتى تجف برهة من الدهر؛ وذلك عنى أوس بن حجر بقوله:
فمظعها حولين ماء لحائها ... تعالى على ظهر العريش وتنزل
نموذج:
أنعم ربنا كل حين، وجاء فعله بالبرحين، خلق بالفلاة ذب الرياد، ينظر من جزع ويطأ على محارٍ، ويتجلل بالقبطية، ويتسرول برود خالٍ، كأن خده برقع فتاة يعتصم بقناتين نبت معهما اللهذمان، لم تقوما بثقاف ولا سفعتا بنارٍ تستعر عليهما الوديقة فتصلبان وذلك بقضاء عالم الأسرار، ظل الأسفع نهاره طرباً، ثم أقبل متأوباً لأرطاةٍ قد اتخذ في أصلها كناساً، كأنه بيت العطار أرجاً، حتى إذا التفع غيهباً، جعل الله الشمال سبباً، فأثارت بقدرته سحباً، يتبوج برقها تلهبا، تحسبه من الهند قضباً فلما طرد الإصباح شهباً، ورأيت عموده منتصباً، آنس من سنبس متكسباً، يوسد معه أكلباً، قلدهن من الشعف عذبا، كأن عيونهن العضرس غضباً، لا يعرف سواهن نشباً، قد اتخذ منهن أما وأباً، فأمعن الوحشى هرباً، فلما كن منه كثباً، أنف فكر مغضباً، ينفذ من الكشوح سلهباً، فأبد الضاريات عطباً، وصرعن في مجاله عصباً، وعاد روقه مختضباً، وانطلق بنفسه معجباً، يحمد الله ناسباً مالقى من الجربياء. غاية.
تفسير: البرحين: الدواهي. جمع لا واحد له. ذب الرياد: الثور الوحشى، وأصله أن يكون وصفاً. قال طهمان بن عمرٍ والكلابى:
وكم دون سلمي من مهامه بيضها ... صحيح بمدحى أمه وفليق
ومن ناشطٍ ذب الرياد كأنه ... إذا راح من برد الكناس فنيق
وأصل الذب: الكثير الحركة. والرياد: الذهاب والمجئ، مصدر راد يرود. المحار: الصدف. القبطية: ثياب بيض. وبرود خالٍ: برود فيها سواد وبياض. الوديقة: شدة الحر ودنو الشمس من الأرض، من قولهم: ودق إذا دنا. العذب: القلائد. والعضرس: أصول البردى. ونوار العضرس تشبه به عيون الكلاب. فأبد الضاريات عطياً: أي فرق العطب فيهن؛ قال أبو ذؤيبٍ:
فأبدهن حتوفهن فهارب ... بذمائه أو ساقط متجعجع
نموذج:
لا تقنطن أيها الإنسان، فإن بلغتك عند الله الكريم، والرزق يطلبك وأنت تبصر الأحلام. لو أن للرزق لساناً هتف بمن رقد، أو يداً لجذب المضطجع باليد، أو قدماً لوطئ على الجسد، لا يزال الرزق مرنقاً على الهامة ترنيق الطير الظماء على الماء المطمع، فإذا صفر من الروح الجثمان، صارت تلك الطير يناديد، فأعجب بظلم في الدو، رتع بجوٍ بعد جو، وأيده حصى وربل، وكأنما نيط بعنقه حبل، تحسبه أدمن السجود مستغفراً من المنا كير، فرأسه بلا شكير، صم وهو عن ذكر الله سميع، إذا عار فكأنما يقول: جل من لوشاء جعلنى أقصر ظمأً من الأعفاء. غاية.
تفسير: المطمع: الذي قد أطمعها في النزول عليه. واليناديد: المتفرقة.
ا لدو: قفر في بلاد بني سعد من تميم، ويقال أيضا لكل قفر دو. أيده: قواه. حصى: لأنه يلتقط الحصى. والربل: ما يتفطر به الشجر من الورق في أواخر الصيف عن غير مطر. عار: صاح. والصدر العرار وهو صوت الذكر خاصةً وصوت الأنثى ذمار. الأعفاء: جمع عفو، وهو ولد الحمار. والحمار يوصف بقصر الظمأ، ويقال للشيخ المسن: ما بقى من عمره الا ظمء حمار.
نموذج:
وإنى عن الورد لغنى، ما أغفله عن غراء متألقة، إلى بلاده بالقدرة منطلقة، كأن رعودهاً تصرخ هلم إلى العشرق والذبح والتنوم تنبت له الهبيد، وللخيل اليعضيد، والسعدان للإبل، والحلب لذوات النزيب وتوسع الأربد من ألآء.
الحمد الله الذي جعلنى أرد بغير ترويع، وأطعم إذا شئت من المريع ورب مطرودٍ حلى عن الورود، سمع قسيباً، فطمع طمعاً قشيبا، فلما وضع في البارد قدما، وهو أن يدنى إليه فماً، راعته الروائع فصرفه عن سويدٍ خيفة سويداء القلب أن تختصب بقانئ النجيع، ومنعه أزرق يصدع الأكباد، من أزرق يزيل غلةً الفؤاد، فانقلب يتسكع في رمال الدهناء. غاية.
تفسير: المريع: المخصب. القسيب: خرير الماء. سويد: من أسماء الماء: تسكع في الأمر: إذا ركبه على غير علم به. الدهناء: من بلاد بنى تميم.
نموذج:
لو قدمت في الحقيبة بالصحة والخلود، وأصبت الوالدة قد سبق بها الحمام، لوجب ألا أبتهج بذلك القدوم. أبعد الله خيراً لا ينتفع به الأوداء.
يا قلب لعل أسودك زنجى من ولد حام، وحبتك حبة بر، وأذنيك أذنا قلب خداش، الذي يقال فيه: ليس لقلب خداشٍ أذنان، أموجودتان هما كأذنى الزبابة لا تسمعان الأصوات، أم فقيدتان كأذنى الرعلة فهي تعذر على أنها صماء، أتكون حماطتك أفانيةً في بعض الزمان. وعمرى لقد سكنها من الغش الثعبان. ألا تبنش لأول من فعل معك الجميل، ألا تجزع لتقوض الأقربين! يا شمال ألم يحزنك شلل اليمين، أقمت وتحمل الناس، وإن لحاقى بالظاعن لوشيك، لا يضر البنانة ذهاب الفتخة، وذهاب الظفر بها مضر. عند الله أحتسب ما رزئت من أهل، ولقيت من همٍ كاد الغربيب له يشبب، وتعبٍ رسخ ألمه في الأعضاء. غاية.
تفسير: خداش: من كلب. الزبابة: فارة تخلق صماء: ويقال في المثل: ألص من زبابةٍ، وأسرق من زبابةٍ. قال الحارث ابن حلزة:
ولقد رأيت معاشراً ... قد جمعوا مالاً وولداً
وهم زباب حائر ... لا تسمع الآذان رعداً
الرعلة: النعامة. الحماطة: حبة القلب. والأفانية: نبت. يقال لها إذا يبست الحماطة، وهي موصوفة بأن الثعبان يألفها. ومن ذلك قول حميد بن ثور:
فلما أتته أنشبت في خشاشه ... زماماً كثعبان الحماطة أزنما
نموذج:
القدر أعسر، والحمام يسر، ليس في سهامه وغد ولا سفيح لو ترك القطا لنام، والأقمر لما هام، والعرفج لما اضطرم أشد اضطرام، وفي خوف الله الشرف والنور، وإنما يعاتب الأديم ذو البشرة، فاصدق الكذوب وفيها البقية، قبل أن يحلم الأديم ويهى السقاء فلا يمكنك فيه التكتيب، والعجل قبل الفوت، فما يسر الغريق حمله على الرمث، ولا من سيت بسببٍ، إنحاءً بالشفرة على ذلك السبب، حتى يوجد كهدب الأشفار، وهل نفع كعباً وقد فاظ قدوم صحبه على البثير الفياض، أدرك نفسك ولو بأحد المغروين، وتمسك من الدوحة ولو بأضعف الأغصان، وتزود بما كان ولو بالصغيرة من الجراد، فإن النفس تبهش في بعض الأحيان إلى مثل العنجدة من الزاد، لا تغرنك قوة الجسد وسواد الشعر، واقتبال الأمل، فإنما أنت بشفى، تلتقط سلاءً وسفى، تمسى أو تصبح منصرفاً من دار الرحلة إلى دار المقام، فالغياث من اليفن أسرف شاباً وركب المعصية مكتهلا، وأصر عليها أشمط وغشيها مسناً، فلما كربت مسحاة الحافر له تصل، وشفن إلى ماله الورثة ونسج كفنه الناسجون وهمت الأرض أن تلتهمه، ذكر والخالق ذكره، فاجتهد في أعمال الصلاح فكان كالخرقاء المضيعة، عثرت على الغزل بأخرةٍ، فلم تدع بنجدٍ قردةً، وكالورهاء الراعية حبست الماشية بالغداة والظهيرة، فلما حان وجوب الجونة ضربت الضأن على امتلاء الأقراب، وأستعذ بالله من الأحبل، بعد شجر يفرع رؤوس الإبل، ومن الخبر، بعد النخل المؤبر، فمن شر ما منى به العبد محارة في حور، ولا يعجبنك البدن، فهزل، من غير أزل، خير من فخامة، تشهد عليها بالوخامة، كم من بدن بطين، كالفدن المطين، يبيت الليل كموكر السحابل ويظل النهار كالجون الأنق، لاذكر عنده ولا فكر، شغله عن ذكر الله صبوح أو غبوق، كأن قلبه جلمود بصرٍ أو زبرة حديد، فأترك للخالق هواك، وامتهن نفسك له امتهان العسفاء. غاية.
تفسير: الوغد والسفيح: سهمان لاحظ لهما. والوغد من الرجال الضعيف. الرمث: خشب يضم بعضه إلى بعض وير كب عليه في البحر.
سيت: خنق. البثير من الماء: الكثير؛ يقال بثر وبثير. المغروان: سهمان قد جعل عليهما الغراء، وهو مثل. تبهش إلى الشئ إذا تبين فيه إرادة له. العنجدة: الزبيبة، ويقال حبة الزبيبة. الشفى: البقية. والسلاء: الشوك. الشفى: شوك البهمى. اليفن: الشيخ الفاني. كربت: قربت. مسحاة الحافر: المجرفة. شفن: إذا أحد النظر. ويقال الشفن: نظر الغضبان، ويقال أيضا شفن: نظر باعتراض؛ ومنه سمى المشفن. تلتهمه: تبلعه. الخرفاء: المضيعة التي لا تحسن العمل. وعثرت على الغزل بأخرة، فلم تدع بتجدٍ قردة: مثل تقوله العرب. يراد أنها اطلعت على المنفعة بالغزل في آخر أمرها فجمعت الصوف من كل مكان، وهو القرد، والواحدة قردة. والورهاء: الحمقاء. الأقراب: الخواصر. الأحبل: اللوبياء. والسخبر: ضرب من النبت يطول ثم ينثنى فيضرب به المثل للرجل إذا غدر وحال عن عهده، فيقال: ركب أصول السخبر. محارة في حور: مثل يراد أنه رجوع في نقصان. البدن: عظم البدن. والهزل: الهزال. والأزل: الضيق والحبس. الفدن: القصر. موكر السحابل: الموكر المملوء. والسحابل: الأسقية العظام. بصر: حجارة بيض؛ فإذا فتحت الباء قيل بصرة، وبه سميت البصرة. العسفاء: الأجراء واحدهم عسيف.
نموذج:
الجسد بعد فراق الروح كما قص من يدك، وقصر من فودك، إذا ألقى فسيط في النار لم تباله، وإذا غرق فليل في اللج فكذاك؛ هكذا يقول المعقول، والله نظر في العالم دقيق، لا يمتنع أن يكون جسد الصالح إذا قبر في نعيم، وجسد الكافر في عذاب أليم، لا يعلم به الزائرون وعابد الله ليس بغبين. ليت أنفاسى أعطين تمثلاً، فتمثل كل نفس رجلا قائما يدعو الله تبتلاً، يمنع جفنه لذيذ الإغفاء.
أستغفر من لا يعزب عليه الغفران، لو كانت الذنوب سوداً صارت بشرتى كحلك الغراب، وأصبح دمي كالحبر المستنعت للكتاب، وأعديت ما جاورني من وقتٍ ومكان، حتى يكون مقعدى في الشمس الصافية مظلماً وأنا في رأد الضحاء.
إذا أذن ربنا اخضر الدرين، وتبجست بالماء الإرين، ووفى لقرينه القرين، وراحت الساجسية ومأواها العرين، ولحقت بالقلائد البرين، تصير برة الغادة عقداً، وبرة الناقة في عنقها قداً، وذاك من القدرة ليس ببديع، ما فعل ابنا قيلة وبنو بقيلة، والرائحة والعازبة، وكسرى والمرازبة، جر الزمن عليهم ذيلاً، وأجرت الخطوب في ديارهم سيلا، وعاد النهار فيها ليلا، وركبوا للمنايا خيلا، وشربوها جشراً وقيلا، وكانوا لا يرهبون من الدول ميلا، أولد مدركة هذيلا، وآمنت الحبشة نفيلا، وقرب على كميلا، وورث عامر طفيلا وهجا ابن دارة زميلا، تلك أنباء لا تنفع، والنشب لمالكه لا يشفع، يا مقبس ويا مقتبس. إن أمرنا لملتبس، خلق دنيانا ضبس، يضحك ظاهرها والباطن معبس، والتلف عنا لا يحتبس، يغتصبنا ويختبس، والحازم الذي لا يأبس، يمجد الله ويقدس، وبغير طاعته لا ينبس، لعل الأجل يدركه من أهل الصفاء.
الدرين: اليبيس. الإرين: جمع إرةٍ وهي النار بعينها. ويقال للموضع الذي تكون فيه النار: إرة وجمعها على وجهين: إن شئت أن تجعله مثل الزيدين بواو في الرفع وياء في النصب والخفض، وإن شئت أن تجعل نونه مثل نون مسكين، فتجرى عليها الإعراب. وقد يفعل ذلك بنون مسلمين، وهو في إرين وبابه من المنقوص أكثر. الساجسية. ضرب من الغنم. بنو بقيلة من عباد الحيرة، وهم من غسان. الجشر: شرب السحر. والقيل: شرب نصف النهار. الضبس: السيء. يختبس: يقتسر ويغتنم. ويقال للغنيمة: الخباسة. ويسمى الأسد الخبوس: يأبس: يظلم، والأبس: الظلم.
نموذج:
ما أنس رجل وحيد، بين أناس حيد، عن مودة الحريد، رجع إلى عشيرة، بالرشد عليه مشيرة أكثر من أنسى بدعائك، وأنت ربنا الفذ، وذكرك بأفواهنا لذ، والرجاء من سواك منذ، والعمر ماضٍ أحذ، والمريش منا أقذ، وجارى قدرك لا يبذ. ما أعظم نعمك على المخلوقين، رب نخيل، جعلتها في ملك بخيل، الفقير. عنده حقير، والمسكين، ليس بمكين، لو قدر لمنع الصعو، من نقر المعو، والهاتف ذا الشعف، من الوقوف بالسعف، وصان الجريد، صيانة الخود الخريد، وأظهر الكرب في النسيب، من حب الكرب والعسيب، يطعم ولا يطعم، وينعم وهو غير منعم، إن كرمك لعظيم، والثناء عليك نثير ونظيم. رب هجمه، وهبتها من نفس وجمه، مخلبه، دون محلبه، وأبنه تمنع من لبنه، لا يجود برى الحسل، من الرسل، ولا من السمار، بما يدنس جانب الخمار، ودفر الشاب ليس بمقصر، عن طلاب الغانية والمعصر، يحسب في الشنب، ماء العنب، فهو كل وقت، جدير بالمقت. إنك بنقله بصير، وأعوذ بك رب من وفارة الجسم. فالضئبل عند الربل، وخص هزيل، بالأجر الجزيل، وليت الأوابد بهئت بى كما تبهأ الفور، بالخرق اليعفور وأنا بين جبل، وغدير سبل، أظهر، فأتطهر، وأرجع إلى غاد، بعد من كل مغادٍ، أرتعي من النبات، ومرتعى بين ثباتٍ لا يأتمرن، كيف يختمرن، وما اكتحلن قط من جلا، ولا رهبن عندى منجلا، أجزى بالورق، عن البرق، والشحير، عن كل نحير، وأنا بينهن في عفاء.
تفسير: حيد: جمع أحيد. وهو الذي يحيد عن الشئ. والحريد: المنفرد. والفذ: الواحد. الأحذ: السريع هاهنا. ويقال للحمار إذا كان قصير الذنب: أحذ، وللقطاة حذاء. المريش من السهام: الذي عليه الريش. والأقذ: الذي لا ريش عليه. لا يبذ: لا يسبق. الصعو: ضرب من الطير. والمعو: البسر إذا جرى فيه الإرطاب فعمه. الخود: الناعمة. والخريد: الناعمة. الهجمة من الإبل: من الستين، وقيل من السبعين إلى المائة: والوجمة: البخيلة. الابن: العيوب، وأصلها العقد في الغصون. الحسل: ولد الضب، ويقال إنه لا يشرب أبداً. السمار: اللبن المذيق بالماء. الدفر هاهنا: الدفع، يكون أيضا في معنى النتن. الغانية: يقال إنها الغانية بجمالها عن الزينة والحلى، أو بمالها ومال أبيها عن الرجال. وأموالهم. والمعصر: التي قد بلغت عصر شبابها، ويقال إنها التي قد حاضت، ويقال معصرة بالهاء، وحذفها أفصح. ووفارة الجسم: صخامته. والضئبل: الداهيه. والربل: الكثير اللحم. والأوابد: الوحوش، سميت بذلك لطول أعمارها. وبهئت بي: أي أنست. والفور: الظباء. واليعفور هاهنا: ولد الظبية. وإنما سمى يعفورا لكثرة لصوقه بالعفر وهو التراب، وأكثر ما يستعمل اليعفور للذكر من الظباء. والخرق: الذي يخرق فلا يبرح من موضعه. الجلا: ضرب من الكحل. والشحير: ضرب من النبت.
نموذج:
صاحب العيدان، مالك بالموت يدان، أعض الجمار، أسهل عليك أم عض الجمار، أجبار حريص، أشرف عندك أم جبار خريص، سئلت عرق تمر، فعرقت لفدوح الأمر، تصدق في حياتك فما للميت من صديق، وتارك الصلاة من صلاة السعير، وجدير من صام، بالاعتصام، والنسك، أوثق التمسك، والانفراد، أستر الأبراد، والزكاه، تذهب عن المال الشكاه، فاذا ز كيت أموالك فاخفها كل الإخفاء.
تفسير: العيدان: النخل. الجبار الحريص: الملك الحريص على جمع المال. والجبار الخريص: النخل الذي يخرص. عرق تمر: جمع عرقة وهي الزبيل.
نموذج:
غفرانك ربنا القديم، خلقت الخير، إلى جنب الضير، رب صعق، في غمامٍ منبعق يطرد الجدب، بخصب أدب، وغريق، في غمرٍ ينقع سالك الطريق، وما أقدرك على إنقاذ الجميع. يا نفس لا تهللى دون التهليل ولا تكبرى عن التكبير، كيف يتكبر، من في الغد يقبر، عجبت لفم ذكر الله كيف يدرد، وثنايا مر بها ذكره كيف تحبر، ولسانٍ نطق بتسبيحه أنى يتلجلج، ونهكةٍ اجتازت بها أسماؤه كيف لا تأرج، وقلبٍ أضمر عظمته لم لا يتصدع، وربنا بذلك حقيق، والعجب لقيلٍ مكرم يحتل في جنابٍ كالحرم، خرج من الدنيا بوسق، من فسق، وفجور، كالبحر المسجور، وكرم ربنا أعظم من ظلم الظالمين، وآخر محتقر، في النادى ليس بموقر، ارتحل بذخر، ليس فيه من سخر، ومال، من حسن الأعمال؛ وأجر، يطفئ حرارة الهجر، والله الموفق للرشاد، رب لا تجعلنى راب عروج، جعلها الوسمى كالبروج، يعاذ من شكية العود، ويذود السائل عن كل ذود خلقه نابٍ، أن يحمل على الناب، وأن يسمح لابن سبيل بفحل، يضع عليه أقتاد الرحل، وللوبر، لديه أعظم الخبر، ورزقك ربنا عليه مدرار، ولا أكن رب مثمر غنم، يصبح بينها كالصم، أسمن، واجتاب السمن، لا يهب إمراً، ولا يسقى غمراً، دون عبوره الشعرى العبور، وحمل العرماء، عنده كحمل السماء، وأنت رب مقسم الأرزاق. يا معفر الصور، ألا تخاف حورا بعد كور، أخبرك عن صواديك! إنها ليست تفديك، فاسمع بالمعد، لسعيد وسعد، واتق الله بالغدو والآصال، كفتينى رب شقاء الدينا فاكفن شقاء الآخرة، وأنت محمود معنا. في العصر رجال كلهم من البوس، ظاهر العبوس، يشرب الثجير، في الهجير، ويصطلى الغزالة من قيامٍ وقعود؛ كاصطلاء حرباء العود، ويندفن في الثبره، من شفيف السبره، ويلجأ في الصنبر، إلى قرموص كالقبر، وربما فزع إلى وقود خضل، يحرق السمل، وكأنه للعين قد سمل، فدمعه من الدواخن جار، وكأنه من طلته في إجار، ساكن الضريح، في رأيه كالمستريح، ليس في منزله من خفاء.
تفسير: الصعق: الذي تصيبه الصاعقة، ومنه سمى الصعق أبو يزيد ابن الصعق. انبعق الغمام: إذا جاء بمطر كثير، وكذلك انبعقت المزادة. الأدب: العجب. ينقع أي يروي ويقطع العطش. تحبر. الحبر: وسخ يركب الأسنان. والقيل: ملك دون الملك الأعظم، وقد يقال لكل ملك قيل.
الوسق: الحمل. المسجور: المملوء، وهو في غير هذا الفارغ. العرج: الخمسمائة من الإبل إلى الألف. ويقال عرج أيضا ويجمع في القليل أعراج، وفي الكثير عروج. والذود: من الثلاثة إلى العشرة. أسمن: إن شئت كان من كثرة السمن وإن شئت كان من سمن غنمه. واجتاب السمن أي لبسه كما تقول اجتاب الثوب. الإمر: الجدى. والعناق إمرة. العرماء: التي فيها بياض وسواد.
المعفر: الملقح، والصور: جماعة من النخل صغار، لا واحد له من لفظه. الحور بعد الكور: النقصان بعد الزيادة، والأصل من حار إذا رجع، وكار العمامة إذا أدارها على رأسه، صوادى النخل: الطوال، المعد: الذي قد أرطب كله، وكل غضٍ رطبٍ من ثمر أو نبات فهو معد. لسعيدٍ وسعدٍ: مثل يضرب يراد به كل الناس، وأصل ذلك فيما ذكر المفضل الضبى: أن ضبة بن أدٍ كان له ولدان، يقال لأحدهما سعد، وللآخر سعيد، فسافرا، فرجع سعد ولم يرجع سعيد، فكان ضبة إذا رأى سواداً مقبلا قال: أسعد أم سعيد؟ ويقال إن ضبة بن أدٍ ساير الحارث بن كعبٍ في أرض الحرم فتحادثا، فقال الحارث بن كعب: صحبت رجلا في هذا المكان فقتلته وأخذت منه هذا السيف، ووصف صفة سعيد بن ضبة. فقال له أبوه ضبة: أرنى السيف، فلما أخذه عدا على الحارث فقتله، وقال: الحديث ذو شجونٍ، ويقال إنه أول من نطق بهذه الكلمة، فعوتب في قتله رجلا بالحرم، فقال: سبق السيف العذل. وهو أول من قال ذلك فيما روى المفضل. وذكر قوم أن أول من قاله الحارث بن ظالم. وذكر الأصمعي في الأمثال أن معنى قولهم أسعد أم سعيد: يسأل به عن الشئ أي الأمرين هو؟ أخير أم شر.
الثجير: العكر. الثبرة: الأرض السهلة. الشفيف: البرد. والسبرة: الغداة الباردة. والصنبر: شدة البرد. والقرموص: حفرة يحتفرها الرجل ويدخل فيها من البرد؛ قال الشاعر:
جاء الشتاء ولما أتخذ ربضا ... يا ويح كفى من حفر القراميص
الربض هاهنا: المرأة. خضل: ندٍ. السمل: الثوب الخلق، وسمل العين إذا فقأها بحديدةٍ أو نحوها. الإجار: السطح. والمعنى أنه وإن كان مستظلا فكأنه بارز للسماء. الخفاء: شئ يغطى به الوطب أو غيره من المتاع نحو الكساء، وجمعه أخفية.
نموذج:
عز من بيده نواصى العباد. فاجعلنى رب ممن يتعظ، قبل أن يعظ، ويفر، فيستغفر، ويقول، ما هو بين الأخيار منقول، ورحم الله أمرأ ركع وسجد، وجاد بما وجد، واستنجد، في النوب فأنجد. التقي ملجم، يفتقر كلامه إلى أن يترجم، لا يفز عنى اللجم، تارة أمكث وتارة أتهجم، قد نطق الزمان الأعجم، فافهم إن كان لك فهم، ما بقى ظن يرجم، إن هواء تنسم، بالقدرة أحيا النسم، وطلع صبح يبتسم، فطلب عبيد الله القسم، هذا أعرق وهذا وسم، غائر أخب ومنجد أرسم، وكلنا يشرب السم، ولو شاء الله لحسم، ريب منون قد عسم. لا يترك ما تجسم، فشفى نفوساً تعجز عن الشفاء.
تفسير: يفر: من وفارة العقل. اللجم: دوبية: يتشاءم بها. وسم: أي أتى الموسم. عسم: طمع.
نموذج:
وفق اللهم لما يرضيك، أقتنع، فأمتنع، تكتفى الخرنق، بالماء الرنق، وتستغنى الأرنب، عن الزرنب. ما يصنع الخزز بالجزز، والله الهادي إلى غوامض الأمور. إياي ومحافل الرياء. ليس عارق من بارقٍ، ولا الرماح، من آل الطماح، نأت قيس عيلان، من غيلان، ونمير، من بني قمير، والله مؤلف المختلفين. كيف أتشبه، بمن غيره لى الشبه، لا يلتبس النعيق، بالوعيق، ليس يزيد، من بني تزيد، بعد عبيد، من قوم لبيد، وسبق مريد، فمتى يلحق به دريد، والله رافع الرتبات. من المأمن غائلة الحذر، وفي حندس الجرم يضئ مصباح المعتذر، لا تأمن الحرج، ولا تيأس من قرب الفرج، كم وجد كنز في جنز، واستخرج نشب، من غيلٍ وأشب، وبرز أرقم بالحتف المطل، من بيتٍ باردٍ مظل، فاستكف من شرف عن الأكفاء.
تفسير: الخرنق: ولد الأرنب. والرنق: الكدر. والزرنب: ضرب من الطيب. والجزز: الصوف. عارق: شاعر من طييء ويقال إن اسمه قيس بن جروة. وإنما سمى عارقاً بقوله: " لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه " وبارق: قبيلة من الأسد. ومنهم معقب بن حمار البارقي الشاعر. والرماح: ابن ميادة وأبوه أبرد، وهو من مرة غطفان. والطماح: من بني أسد. غيلان: قبيلة من بني تميم. وهو غيلان بن مالك بن عمرو بن تميم. وقمير: من خزاعة. النعيق: صوت الراعي وما أشبهه. وقد يقال نعق الغراب بالعين غير معجمة، والغين أكثر. والوعيق: الصوت الذي يسمع من بطن الدابة وقد حكاه بعضهم بالغين معجمةً. تزيد: من مهرة، تنسب اليها البرود ويقال إنهم اخوة مهرة؛ قال أبو ذؤيبٍ:
يرفلن في حدٍ الطباةٍ كأنما ... كسيت برود بني تزيد الأذرع
ويزيد: بطن من الخزرج بن حارثة. عبيد: ابن الأبرص، أسدى. ولبيد: ابن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب. مريد: أحد وفد عادٍ، وإياه عنى القائل:
رعى هنيدة يهديه ويقدمه ... هادى مريد بن سعدٍ أينما ذهبا
ودريد: ابن الصمة من جشم بن بكر بن هوازن. الجنز: بيت صغير من طين.
نموذج:
أأسألك رب أم أمسك، فأنت العالم بضمائر الصدور، أما الدنيا فحظوظ ضاع فيها تعب الحريص، والخير عند ربنا لا يضيع. ليس قضاء الحاجه، باللجاجه، ولا الغلب، بكثرة الجلب، إن مد لجاً نبح، حتى أصبح، ليجيبه كلب، فأجابه أحص لايرده الألب، والله مخلف الظنون نزلت رحمة من الرقيع، إلى أهل البقيع، فأضاءت السدف، في الجدف، وذلك من نور الله يسير. فارحمنى رب إذا أدرجت، ثم أخرجت، من الوطن، ألى أضيق عطن، وخفت الأليل، واستراح المعلل من التعليل، فالحرب الحرب! لقد أكرمت ووقيت، ثم أسلمت فألقيت، في زوراء بعيدة المزار، موردٍ من يعرب ونزار.
وسكنى التربة، أغرب الغربة، انقضبت الآراب، من أهل التراب، وغدر بهم أهل الوفاء.
تفسير: الاحص: الذئب، ويقال إنه أخبث ما يكون إذا كان أحص، والألب: الطرد، الرقيع: السماء. ويقال لكل سقف رقيع، ولذلك جاء الحديث بالتذكير لقوله عليه السلام: من فوق سبعة أرقعةٍ، ولو كان مؤنثا لوجب أن يكون من فوق سبع أرقعٍ لأن فعيلا إذا كان للمؤنث جمع على أفعل. والبقيع ها هنا: المقبرة التي بالمدينة. والبقيع: كل فضاء واسع مثل البقعة الأليل: أنين المريض.
نموذج:
كفرت البرية وربها حليم، صوم الآبد أفضل من صوم المفطر على حرام، فاذا صمت من المآثم فعند ذلك صم عن الطعام، واحجح كلوم جرائمك فإذا برئت فاحجج عند ذلك مشاهد الصالحين، واعلم أن صلاة المنافق صلاء النار وطهارة الخلد أبلغ من طهارة الجسد بالماء.
تفسير: صوم الآبد: ذرق الظليم، واحجج كلوم جرائمك، الحج: ضرب من مداواة الجراح، ويقال هو أن يقطع عظم من الجرح، وقال قوم: الحج أن يختلط الدم بالدماغ فيجمع الدم بقطنة؛ قال الشاعر:
وصب عليها المسك حتى كأنها ... أسى على أم الدماغ حجيج
أسى: فعيل بمعنى مفعول.
نموذج:
أريت العبر، وأوقدت العنبر، وكان الليل بفنائك يشبه من المصابيح الصباح، وكل نورليس من عند الله فهو سريع الانطفاء.
استغنى الله عن كل العابدين، وشغل الآدميون ببناء بيت شعر وبيت شعر، وجدار من مدرٍ، فبيوتهم في الآجلة كبيوت العناكب واهية الرواق والكفاء.
يستقيم العالم إذا أذن إله المخلوقين، وبعلمه أرخيت السجوف، دون المنجوف، وثبت القتر، في الكتر، وضن المرء بما ملك، فهلك وأهلك، ونم الرجل على أخيه، ينشق عدوه ويلخيه، والله مجير المتهضمين، بانت قدرته في الثمر والقمر، وكل ما علم بأمر، لا يتوارى ملكه بالخمر، مالك الفرقة والرفاء.
تفسير: المنجوف: من قولك نجفت الشئ، إذا استخرجته. ولذلك قيل للقبر منجوف لأن ترابه يستخرج. والقتر: نصل صغير. ويقال أيضاً لبعض السهام قتر. والكتر: السنام. ويلخيه: يسعطه، الأمر: جمع أمرة وهي العلامة مثل الأمارة، ويقال للحجارة التي توضع ليهتدى بها في طريق أو يعرف بها قبر: أمر. الخمر: كل ما واراك من شيء.
نموذج:
يا نفس تحذرين، ولا تعتذرين، وإذا أعرض الطمع فما تذرين، إنك لأهل، للجهل: والحلم، ليس لك بخلم، أنت شر من جسدك، وجسدك شر منك، لو قدرت لانتفيت عنك أبلغ انتفاء.
تفسير: أعرض الشئ: اذا بدا والخلم: الصديق
نموذج:
أسننت وكأنى مقتبل، أبهج وأتربل، كأننى لا أحتبل، هل يخطئنى السبل، ولأم الكافر الهبل. غدت المنية بنبل، كالوبل، وسهام، ألطف من الأوهام، تخفى المسألة عمن استتر أشد الإخفاء.
شهد بك البرق والرعد، والنبات الثعد، وانثرى الجعد، وخضعت قحطان لك ومعد، وجرى بقدرك النحس والسعد، وصدق منك الوعد، لا تظلم أحداً ولا تعد، كنت من قبل وتكون من بعد، لا تفتقر في عزك إلى الحلفاء.
أستغفرك إلى أن يصح أن العود، أروى بلغامه الذود، وأستعينك حتى يمسى مارد، فارطاً للوارد، ولك الحمد حتى يصبح الكدر، وفي عنقه الدر، نظمته أمه في البيد، وجمعته من مروٍ وهبيد، والملك بيدك أو يساق جدى الفراقد، في هدى العاقد، نذراً، يجعله للضعفة وذراً، ولك الحجة على كل مخلوق حتى يقف الظربان على الظرب، موقف الكئيب الحرب، يبكى من بين البائسة أم حبين، وذلك ما لا يكون إلا أن تريد، وأنت مفزع بريتك حتى تحمل يثرب، على يد الأرب. والعقول عاجزة عن معرفة حقيقتك إلى أن توصل تهامه، ببعض الهامه، كل بجد، في نجد، وكورٍ، في الغور، يخضع لك على رغم السفهاء.
تفسير: مارد: الحصن الذي جرى به المثل. مرد مارد وعز الأبلق والكدر: الحمار الوحشي إذا كان غليظا. العاقد: الذي يعقد على نفسه نذراً أو غيره. والوذر: قطع اللحم، الواحدة وذرة. ويقال في الجمع أيضا وذر. الظرب: الجبيل المفترش. والأرب: صاحب الحاجة. البجد: الجماعة من الناس. والكور: الجماعة من الإبل.
نموذج:
أعننى رب وأعنى واعن بي، حتى تغنيني عن أمي وأبي، فقد ذهبا وأنا إلى رحمتك فقير. ومن الغني عنك! ينبغي أن يدعى ذلك من يقدر أن ينفع ويضر، ولا يقدر على المنفعة والضرر سواك. زحل زنجي بين يديك، والمشترى عبد لك مطيع، والمريخ يتصرف بين أوامرك ونواهيك، والشمس والزهرة أمتان تنصفانك، وعطارد والقمر مستخدمان لا يصلان إلى الاعتفاء.
يقدر ربنا أن يجعل الإنسان ينظر بقدمه، ويسمع الأصوات بيده، وتكون بنانه مجاري دمعه، ويجد الطعم بأذنه، ويشم الروائح بمنكبه، ويمشي إلى الغرض على هامته، وأن يقرن بين النير وسنير، حتى يريا كفرس رهان، وينزل الوعل الزعل من النيق، ومجاوره السوذنيق، حتى يشد فيه الغرض، وتكرب عليه الأرض، وذلك من القدرة يسير. سبحانك ملك الملوك وعظيم العظماء.
سبح لك تأسيس يمال ويفخم، والردف بخمس جهاتٍ تفهم، والروى بحروف المعجم، والوصل بأربعة مذاهب يترنم، والخروج بثلاثةٍ تعلم. إن رس التأسيس، كرس الأنيس، دائم العبادة ودائم التقديس، ودأب في التعظيم، الإشباع في كل نظيم، وشهدبك التوجيه، شهادة الوجيه، والحذو بآلائك منبئة؛ وكذاك المجرى، أين تصرف كلام وجرى، والنفاذ تحذر نوافذ القضاء.
تفسير: التأسيس: الألف التي بينها وبين حرف الروى حرف واحد، وهو الدخيل، كالألف في قوله: أتعرف رسماً كاطراد المذاهب الألف في مذاهب تأسيس والهاء دخيل. ويجوز إمالة الألف وتفخيمها. فأما التأسيس في مثل ناصب فلا تجوز إمالته لأجل الحرف المستعلى بعده وهو الصاد. والردف: واو ساكنة، أو ياء ساكنة، أو ألف تكون قبل حرف الروى. وإنما صار بجهات خمس، لأن الواو يكون ما قبلها مفتوحاً، ومضموما، نحو الواو في جونٍ، وجون، والياء يكون ما قبلها مفتوحاً، أو مكسورا، نحو الياء في لينٍ ولين. والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحاً. وإذا كان ردف القافية ألفا لم يجز أن يشركها غيرها من الحروف مثل قوله: " أقلى اللوم عاذل والعتابا " وإذا كان ردف القافية واواً مفتوحاً ما قبلها ثم جاءت واو مضموم ما قبلها فهو عيب يسمى سناداً. وإذا كان ردف القافية ياءً مفتوحاً ما قبلها ثم جاءت ياء مكسور ما قبلها فهو سناد أيضا، وبأي الحالين بدئ في القصيدة ثم خولف فهو سناد. وإذا جاءت الواو المفتوح ما قبلها مع الياء المفتوح ما قبلها فليس بسنادٍ ولا عيبٍ، وكذلك الواو المضموم ما قبلها مع الياء المكسور ما قبلها.
والروى: يكون من أي حروف المعجم جعل.
والوصل: هو الحرف الذي بعد حرف الروى، وهو أحد أربعة أحرف. الواو، والياء، والألف، والهاء، فالواو في مثل قول زهير:
إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنى ... أصبت حليما أو أصابك جاهل
والألف في مثل قول سحيم: عميرة ودع عن تجهزت غازيا والياء في مثل قول النابغة: كلينى لهمٍ يا أميمة ناصب والهاء مثل قول زهير: صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله والهاء تكون ساكنة مرة ومتحركة أخرى. فالساكنة قد مضى ذكرها، والمتحركة في مثل قول أمية:
يوشك من فر من منبته ... في بعض غراته يوافقها
والوصل إنما يكون في الشعر المطلق دون المقيد. والإطلاق حركة الروى. والخروج واو، أو ياء، أو ألف، يكن بعد هاء الوصل المتحركة؛ فالواو كقوله:
وماء لا أنيس به ... مطحلبةٍ جوانبه
وردت وليله داج ... وقد غارت كواكبه
والياء كقوله:
نحن ضربناكم على تأويله ... كما ضربنا كم على تنزيله
والألف كقوله: عرف الديار توهما فاعتادها رس التأسيس: هو الفتحة التي قبل ألفه. ورس الأنيس: هو البئر، والمعدن. وكل بئر: رس الإشباع: ذكره الأخفش ولم يذكره الخليل، وهو حركة ما قبل حرف الروى في الشعر المطلق المؤسس، مثل كسرة الصاد في قوله: كلينى لهمٍ يا أميمة ناصب والتوجيه: حركة ما قبل حرف الروى في الشعر المقيد، مثل قوله: وقاتم الأعماق خاوى المخترق وإذا اختلفت هذه الحركة فهو عيب ينسب إلى السناد عند الخليل، وليس بعيبٍ عند الأخفش.
والحذو: الحركة التي تكون قبل الردف وهي ضمة، أو فتحة، أو كسرة، مثل قوله:
تراه كالثغام يعل مسكاً ... يسوء الفاليات إذا فلينى
فتحة اللام في فلينى هي الحذو. وكذلك الضمة في قوله:
إن تشرب اليوم بحوض مكسور ... فرب حوض لك ملآن السور
مدورٍ تدوير عش العصفور فالضمة التي قبل الواو حذو. وكذلك الكسرة التي قبل الياء في قوله: عاذل قد أو لعت بالترقيش فإذا كان الحذو ضمة، وقعت بعده واو لا غير. وإذا كان كسرة وقعت بعده ياء لا غير. وإذا كان فتحة وقعت بعده الألف، والياء، والواو. كقولك: هان، إذا كان في قافية، وكذلك هون، وهين.
والمجرى: حركة حرف الروي. وإنما يكون ذلك في الشعر المطلق. ويكون ضمة، أو فتحة، أو كسرة.
والنفاذ: حركة هاء الوصل. وتكون فتحة، أو ضمة، أو كسرة، فالفتحة كقوله: رحلت سمية غدوةً أجمالها والضمة كقوله:
وبلدٍ عاميةٍ أعماؤه ... كأن لون أرضه سماؤه
والكسرة كقوله تجرد المجنون من كسائه.
نموذج:
أستغفرك ما حي السيئات من قول ليس بإسناد، استكثر من السناد، كم أوطئ في الذنوب، وأضمن الحوب بالحوب، وإذا تقويت، لفعل الحسنة أقويت، ومتى انكفأت، إلى الخير أكفأت. فاسترنى رب فعيوبى أقبح من السناد والإكفاء. إن لهماً، سكن في شماريخ رضوى شهماً، يرى الأنيس عن عفرٍ، ويلد غفراً بعد غفر، وهو من خلق الله بديع يتوقل في كل يفاع، ويعلق بروقه رءوس الأفاع، رعى النشم، وما أحتشم، وجمع في سنةٍ بعد سنة، بين التيقظ والسنه، نيا ونيا، على قراه وكشحه مبيناً، وناش العتم في العتمات، ووطئ القان بقيونٍ مؤبدات، ولو أخطأه قتل مات، أتيح له رام، جعل بضيعه في البرام، فيا ويح قوس من السدر، أنزلته من الشعف إلى القدر، إستماه القانص فرماه، ورداه بما حمله وارتداه، وكأنه من طول الدهر، حامل شجرةٍ على الظهر، وعمد راميه وما هاب، إلى الإهاب. فاتخذ منه نعلين، شراهما بدرهمين، ناسك دلف بهما في طاعة الله، لجدير والله كريم أن يبعثه رب العالمين فيرتع، ولا يروع، في روضةٍ منوية، غير مصوحةٍ ولا ملوية، ويكرع في أعدادٍ مروية، ما طلع نجم بعشاء.
تفسير: السناد هاهنا: المخالفة. والإيطاء: تكرير القافية في الشعر. ويروى عن أبي عمرو الشيباني أنه نزل به أعرابي فقدم اليه طعاماً فيه لونان متساويان فقال: يا أباعمرو قد أوطأت في طعامك. والتضمين: أن يكون المعنى يحتاج إلى البيتين من الشعر. والإقواء في الشعر: اختلاف إعراب الروى وهو هاهنا مثل، والمعنى أنى لا أستمر على صوابٍ. والإ كفاء: اختلاف حرف الروى في نفسه مثل أن يكون مرةً طاءً ومرة دالاً. وأكثر ما يقع ذلك في الحروف المتقاربة مثل الصاد والسين، والطاء والدال؛ قال الراجز: جارية من ضبة بن أد كأن تحت درعها المنعط شطا أمر فوقه بشط وإنما يوجد ذلك في أشعار النساء والضعفة من الشعراء. اللهم: الوعل المسن.
الشهم: الجرئ الفؤاد. عن عفرٍ: عن دهرٍ. الغفر: ولد الأروية وهي أنثاة الوعل. يتوقل: يترقأ. النشم: ضرب من الشجر ينبت في الجبال تعمل منه القسى. الني: الشحم. والني: ضد المطبوخ. والعتم: زيتون ينبت في الجبال. القان: ضرب من شجر الجبال أيضاً. والقيون: جمع قين وهو جانب عظم الوظيف. مؤبدات: شداد. البضيع: اللحم. استماه: طلبه في الهاجرة. ورداه: ألقاه من علوٍ إلى سفلٍ. منوية: مسمنة. صوح النبت: إذا تشقق لليبس. وألوى: إذا ولى. العد: الماء القديم.
نموذج:
إن ناقةً وجملاً، غبرا في الزمن هملاً، حتى إذا صار الجمل عودا، والناقة ناباً لا تتبع ذوداً، سلط عليهما رب مدية، لا ينشط لأخذ الفدية، فنحرا بعلم الله، والقدر، صير لحومهما تقدر، وصنع من جلودهما خفان، مسح عليهما للصلاة، لحقيقان والله قدير أن يعيدهما الخالق بكرين، يهملان بين حمضٍ وعين، لا يمنع منهما حوض، ولا يحظر عليهما روض، يدومان كذلك ما اكتسى هيق بعفاء.
لطف منشئ العقول. ان نسراً، أدرك محارباً وجسرا، كان يسيح، في الجو الفسيح، فبصر بأوصال، في بعض الآصال، وقد كظه جوع، ومنع منه الهجوع، فانكفت، وما التفت، إلى رذىٍ ملقى، بين نهرٍ ونقى، فحال الإنسان بمثله، بين النسر وبين أمله، وكسا ريشه سهاما، فظهاراً منه ولؤاما، لخليق وربنا حميد إذا رمى بتلك الأسهم في سبيل الجبار أن يحشر في طيرٍ لا يصدن، وبأذيةٍ لا يقصدن، وما أريد به وجه الله لم يذهب في الزبد الجفاء.
تفسير: محارب: ابن خصفة بن قيس بن عيلان. وجسر: قبيلة من محارب. انكفت هاهنا: انقض. الظهار: الذي يعلو من ظواهر الريش. واللؤام: أن يكون ظهر الريشة إلى بطن الأخرى، وهو أجود ريش السهام. الزبد الجفاء: هو الذي يرمى به السيل لا يحتسب به.
نموذج:
إن ربنا لطيف. إن كان التمر في البير، فالنبات في الصبير، رب ذبيح، للضيف النبيح، طرق الحي بأجلٍ معجل، لم تكن الراعية منه على وجل، لعل الأسحم، لا يترحم، لروحٍ فارقت عريناً سقط عليه في التبع، فشبع منه وأشبع، والأخطب، لا يستغفر لمالك الرطب، وأنا على خلاف ذلك الرأي. كل نغبةٍ شربتها فاشتفيت، أو تطهرت بها فصليت، أوأزلت دنساً فأنقيت، فرحم الله المحتفر قليبها، وكل ثمرةٍ أصبتها، فلا تبعد يد من غرس قضيبها، ومن كان ذريعة خيرٍ وصل إلى فجوزي أحسن الجزاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة


.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات




.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي