الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجيوثقافية والميتا أيديولوجي: مصر والمقاومة الفلسطينية مشتركا ثقافيا ممكنا

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2023 / 12 / 7
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


إذا كنا في لحظة تاريخية حرجة تتطلب الخروج بتصورات فاعلة وناجعة للخروج من المأزق التاريخي الراهن والتناقضات التي تفجرت في مستودع الهوية العربي، والتي وصلت لذروتها في مرحلة ما بعد عملية طوفان الأقصى والعجز العربي/ الإسلامي عن الخروج ببيان سياسي مشترك يعتبر ما حدث في يوم 6 أكتوبر عملية عسكرية قامت بها مقاومة شعبية بغرض التحرر ورفض الاحتلال..!
فإن أبرز التصورات النظرية والفكرية الممكن تقديمها في هذا السياق؛ هي فرضية جديدة تقوم على فكرة استعادة الجغرافيا الثقافية العربية وقيمها العميقة المشتركة، بوصفها الحل للخروج من التناقضات الراهنة والرافعة الحقيقية لاستعادة الأمن القومي العربي.
وفي ظل فكرة استعادة الجغرافيا الثقافية العربية والتزامها بثوابت مستودع الهوية العربي؛ تأتي عدة فرضيات فرعية لترفد اللحظة التاريخية الراهنة، وتعالج التناقضات التي تفجرت فيها معالجة تبصر جيدا مركز النسق الثقافي العميق والرسخ في جوهرها، الذي كان سببا فيها (في تطوير للمنهج الثقافي في الدراسات الإنسانية وإعماله في نطاق الأمن القومي والعلاقات الدولية والجيوبولوتيكية)..
ومن أبزر تلك الفرضيات في ظل الجغرافيا الثقافية العربية الجديدة في ظل الأزمة الفلسطينية/ المصرية الحالية، تأتي فرضية أن المستوى الجيوثقافي العميق وقيمه الحاكمة يتجاوز بقوته -وعند الحاجة ولحظات الخطر- التمثلات الأيديولوجية الظاهرة في الحالة العربية، ويتحول إلى رابطة عليا قوية أعلى من المستوى الأيديولوجي أو ميتا أيديولوجي..
أي أن الأنساق القيمية المشتركة في مستودع الهوية العربي بمكوناتها الأساسية الصلبة والعميقة والمتجذرة عند الذات العربية وفي مستودع هويتها، تتحول عند الأزمة الجيوثقافية إلى القيمة العليا وتتجاوز الأشكال والتمثلات السياسية الحاضرة، وفي هذه الحالة نحن نتحدث تطبيقا للفرضية عن الدولة المصرية وعن المقاومة الفلسطينية وتمثلها "حماس" (حركة المقاومة الإسلامية)، فعلى المستوى السياسي الظاهر وتمثلاته بين الجانبين قبل الأزمة الجيوثقافية في مواجهة التمدد الجيوثقافي الصهيوني بإزاحة الفلسطينيين والمقاومة المصرية باتجاه مصر، كانت القاهرة على خلاف سياسي شديد مع حماس في مرحلة ما بعد إزاحة الإخوان في مصر والتناقضات التي صاحبتها.
لكن الشِّدة/ الأزمة الجيوثقافية الحالية وتفكك الجغرافيا الثقافية العربية، التي أدت لتفجر الجغرافيا السياسية وتمدد السردية الجيوثقافية الصهيونية على حساب مصر والمقاومة الفلسطينية، بإزاحة الفلسطينيين خارج قطاع غزة وطردهم إلى سيناء، ستدفع الجميع وفق فرضية ظهور الرابطة الجيوثقافية -عند الحاجة- وقيمها المشتركة وتجاوز الأيديولوجي، ليحدث التقارب بين القاهرة وبين المقاومة الفلسطينية، على أساس المشتركات الثقافية العميقة في مستودع الهوية التي تقوم على القيم الكبرى مثل: الدين والتاريخ واللغة والمصير المشترك الجامع.
ويتم اعتبار المقاومة الفلسطينية هي الجيش الميداني الأول (أو الرابع مع الجيوش الثلاثة المصرية) وطليعة الجيوش المصرية في الجبهة مع العدو الصهيوني، من ثم يصبح من أولوية اللحظة الراهنة عسكريا دعم صمود المقاومة الفلسطينية بالأسلحة الدفاعية المشابهة في تكوينها لترسانة المقاومة أو الشروع في تصنيعها في أقرب فرصة، ودعم صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه المحتلة بكل السبل والبدائل الدبلوماسية المكنة.
والحقيقة أن "المشترك الثقافي" الممكن بين المقاومة الفلسطينية والقاهرة، وتجاوزه لما هو أيديولوجي إرث القرن العشرين بين فرق الدين السياسي (التي تنتمي إليها حماس) وبين القاهرة (التي تمثل دولة ما بعد الاستقلال ببنيتها التاريخية التي تقوم على الدور المزدوج مدنيا وعسكريا لمؤسسة الجيش التي قامت بالدور الرئيسي في التحرر من الاستعمار القرن الماضي)، يمكن أن يلتقي مع مشروع الثورات العربية في القرن الحادي والعشرين بقاعدتها الشعبية ومفصليتها الثقافية الكامنة التي طالبت بتجاوز شعارات اليمين واليسار، والبحث عن سردية وجودية وثقافية جديدة.
وإذا ذهبنا أبعد من ذلك في تتبع مركز القيمة الثقافية العميقة خلف الجغرافيا الثقافية العربية وحضورها في الفرضية الراهنة، وفي فهم القيم الثقافية للجيوثقافية العربية وتجاوزها للتمثلات السياسية والأيديولوجية، سنجد للأمر دلالة أكبر من ذلك بين مصر والمقاومة الفلسطينية، أي سنجد أن حاجة الجغرافيا الثقافية العربية الآنية والواقعية التي فرضها الواقع، واستعادتها لنفسها التي تتطلب تجاوز الأيديولوجي الراهن إرث القرن الماضي، هي بالفعل حاجة منطقية وطبيعة في فهم الحالة العربية.
وهي منطقية وطبيعية؛ لأن القرن العشرين كان فكرته الجيوثقافية المركزية هي جيوثقافية المسألة الأوربية ونظريتها المطلقة عن الصراع الكلي، واختزال الوجود البشري كله في صراع بين الجغرافيا الثقافية للماركسية أو الجغرافيا الثقافية للرأسمالية، واخترعت لنا وهما أن الحرب ضد الرأسمالية لابد أن تكون انتصارا لبديلها الوحيد المتمثل في الماركسية!! وفي الشرق العربي في حقيقة الأمر ظهرت فرق الدين السياسي في مصر أولا ضد تطرف الماركسيين والليبراليين في تبنى المسألة الأوربية بصفتها حضارة مطلقة (تَجبُّ الذات العربية/ الإسلامية) واختيار حتمي بين بديلين مركزيين لا ثالث لهما!
أي أن الجغرافيا الثقافية العربية واستعادتها لنفسها بين مصر والمقاومة الفلسطينية بصفتها مشتركا ثقافيا أعلى من الأيديولوجيا (ميتا أيديولوجي) في اللحظة الراهنة، هي انتصار للبشرية كلها ضد خرافة الحضارة المطلقة والمسألة الأوربية وإرثها، تلك الاستعادة بين مصر والمقاومة الفلسطينية يمكن أن تقوم بفعل جيوثقافي مركزي جديد يؤسس للحظة تاريخية تقوم على مفصلية ثقافية جديدة مركزها "التداول الحضاري"، وتجاوز وهم الحضارة المطلقة ومركزية الثتائية المطلقة الليبرالية أو الماركسية.
فالحقيقة أن الجغرافيا الثقافية العربية النابضة والفعالة بفطرتها بين مصر والمقاومة الفلسطينية؛ يمكن أن تؤسس لسردية جيوثقافية عالمية جديدة، تعيد صف التراتبات القائمة حاليا في العالم وتخلق كتلة جيوثقافية جديدة يلتف حولها البعد العربي والإسلامي والأفريقي (ومن أيدهم واختار موقفهم)، لتصنع توزانا في عالم القرن الحادي والعشرين بين الغرب الليبرالي بزعامة امريكا، وبين الشرق مع الأوراسية الجديدة (التي تعيد إنتاج المركزية الجيوثقافية بمسميات جديدة ليس إلا).
فنحن أمام فرضية جيوثقافية عالمية جديدة؛ يمكن لمصر تحديدا ومعها المقاومة الفلسطينية؛ أن تؤسس لها شرط بذل الجهد وإعادة توظيف الموارد المتاحة بكل قوة وسرعة وهمة، لإعادة ترتيب وصف التحالفات التي تقع في مستودع الهوية العربي، ببعده الإسلامي والأفريقي تحديدا، لأن هذه هي الكتلة الجيوثقافية الثالثة التي يمكن أن تُخرج العالم من الجنون الأوربي القديم، وخرافة الحضارة الجيوثقافية المطلقة بين الليبرالية والماركسية أو ورثة الماركسية الذين يتم إعادة إنتاجهم حاليا في أشكال جيوثقافية جديدة تمثلها "الأوراسية الجديدة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا