الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجمال , الجنون والإبداع

علي ابو مريحيل

2006 / 11 / 21
الادب والفن


المقدمة النثرية لديواني الأخير قصائد حارقة

***

لا يمكننا أن نتطرق لموضوع الجمال بمعزل عن المرأة , لوجود علاقة
تكاملية بينهما , فالجمال بمفهومــه المجرد هو الجمال الأنثـوي , و أي
جمال يقع خارج هذا الارتباط هو جمال جزئي .
لذلك لا يصح أن نميز بين النساء على أساس الجمال بقولنا : هذه جميلة وهذه قبيحة , لأن القباحة والجمال لا يجتمعان في جسد واحد .
فالنساء هنا إما أن يكن جميلات أو يكن أقل جمالاً .
منذ نعومة أظافري كانت علاقتي بالجمــال علاقة حميمة , حتـــى قبل بلوغي , أذكر ان الجمـــال كان يثيرني , يزلزلني كلمــا دق باب عيني حاملاً لي معارضاً من اللوحات الفنية الراقيـــة وشرائحاً مــن الأزهــار النادرة والرغبات المؤجلة .
هذا ما يجعلني أسلم بأن مواكب الجمال كانت تسير بمحاذاة نمو النطـق والإدراك عند الإنسان , وهنا أصل إلى علاقــة طردية بين تقدم عقلية ونفسية الإنسان ودرجة تأثره بالجمال , وتخضع هذه العلاقة لمؤثرات سلبية من قوى سياسية واجتماعية خارجية .
ومثل هذه القوى يجــب ألا يقــع تحــت تأثيرهــا الفنـانون , لأن ولائد قرائحــهم الفنية يجــب أن تكــون حرة طليقــة , لا تخضــع إلا لقانون المشروع الإبداعي الذي وجدت من أجله .
وإذا أردنـا أن نتعمق في دراســة هذا المشــروع علينا أن نحزم أمتعــة
الوعي جيداً لنسافر إلى عالم من الجنون .
هناك حيث يقطــن الشـــعراء والأدباء ورجال الفن , حيــث لا قوانــين
طبيعــية ولا ديــانات سماويــة , هناك حيـث يفقد الفنــان براءتــه وتفقد
المساحات البيضـــاء عذريتها , هنـــاك حيث لا مكـــان للعقل والمنطق
هناك حيث لا مجال إلا لشهقة واحدة .
كل هذه الكلمات تصف جزءً من سطحية المشهد الذي استطاعت بعض
من شظايا العقل تصويره سراً لنا .




لكــن قوافل الجنون ستسير بنا إلى أبــعد مــن هذا المشهد , إلى نقطة نستطــيع عندها أن نحلل هذا المشــروع الإبداعي حيث سنجد ان كــل تحفة فنية تبدأ بفكــرة , تنمــو بنمـو تجارب الفنان الحياتية , ثــم يأتـي الإحساس بهذه الفكرة , حيث يشـعر الفنان باكتمال نموهــا في داخلــه وهنــاك مؤشــرات لهذا الشعــور لا يدركـها إلا الفنان نفسـه , فحمــل الفنان هنا عكـس المرأة التـــي يرى الجميع حملـــها , ويأتــي بعد ذلك توفير وتهيئة الجـــو المناسب لطــرح هـــذه الفكـــرة بأمـــن وســلام ومـن أهـــم مناخــات هذا الجــو الهدوء التام والانعزال عن الآخــرين .

ويحدث شــيء عجيب أثنــاء هذه المراحــل المتـعاقبة , فــفــي أســمى لحظات التجلي يتحول الفنان إلـى مطيـــة فــي يد الفــن التي تزرع في رحمه بذرة الإبداع , حيث يقوم الفنـان هنا مقـــام المرأة الـتــي تحبــل وتلد , لينجب لنا قبيلة من التحف الفنية الخالدة .
معاناة لا يتحملهـا إلا الفنان وحده , ولكـــن للأسف في عصـرنا هـــذا تمتد معــاناة الفنان إلــى ما بعــد الولادة , ليواجه نماذجاً من النقـــاد المخنثين فكرياً , الذين يحاولون وضــع العقبات في طريـق تقدمـــه ونجاحه .
فالنقاد يعتبرون ان كل إنتاج فكري لا يتناسب مع مقاييس مفاهيمهم ومداركهم الضيقة هو إنتاج رديء .
إن مشروعية النقد لا تصح إلا عندما يستطيع الناقد أن يحلق بمحاذاة الفنان في سماء الجنون , أو عندما يوجه سعــال النقد لفنــان يدعــي الجنون , وباعتقادي إنه لا يوجد فنان يدعي الجنون لأن الفن والجنون وجهان لعملة واحدة .



إن الجنون الإبداعــي لا يعترف بالانتقائية التي يطالب بهــا أولئك الذيــن يعتقدون ان الفنان مجرد مصور فتوغرافي يتحكم بمكان وزمان التصوير فكما ان الفن يختار رجاله , فإن إيحاءات الفن تختار رجالها أيضاً , فأنت مهما اجتهدت , لن تجد شاعراً يتغزل بالمرأة , لا يعشق المرأة أو رساماً تفيض من لوحاته الأنهار , لا يعشق الأنهار أوكاتباً يكتب عــن الســلام لا يعشق السلام .
إن الفصل بين الإنتاج الفكري وصاحب هذا الفكر مـرفوض لسبب واحــد هو الارتباط العضوي بينهما .
لذلك علينا أن نتقبل ولائد الفنان كما هي , بطفولتها , بشراستهـا , بعفتهـا بشهوانيتها , فنـحن لا نستطــيع أن نناقش الطفل فــي طفولته أو نحاكــم الذئب على شراسته , إن مثل هذه الولائد لا تملك إلا خيار البقاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا