الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مراجعات لمفاهيم اقتصادية خاطئة
محمود يوسف بكير
2023 / 12 / 7مواضيع وابحاث سياسية
1- نظرية القيمة في العمل والتي على أساسها رأى ماركس أن قيمة أي منتج أو خدمة تتحدد بشكل أساسي بما بذل فيها من ساعات عمل، والحقيقة أن هذا المفهوم خاطئ لأنه لا العمل ولا تكلفة المكون الرأسمالي في العملية الإنتاجية أو الخدمية هما من يحدد قيمة المنتج ولكنه تقييم المستهلكين انفسهم هو من يحدد قيمة أي شيء. ولذلك كثيرا ما نجد منتجات ذات جودة عالية لما بذل فيها من عدد كبير من ساعات العمل ولكنها لا تجد من يشتريها بالسعر المحدد لها وهو ما يجبر المنتجين على تخفيض السعر إلى المستوى الذي يتماشى مع قناعات وتقييم المستهلكين.
2- هناك سؤ فهم كبير لبعض أفكار آدم سميث والملقب بأبو الاقتصاد الحديث وهو صاحب نظرية اليد الخفية والتي أساء البعض فهمها كما سوف نوضح حالا. وهو أيضا مؤلف أول مرجع اقتصادي أكاديمي والذي يدرس في جميع جامعات العالم وهو كتاب ثروة الأمم. أمّا بالنسبة لسؤء فهم الرجل فقد جاء من تفسير دعوته لحرية الإسواق على أنه يدعم الأغنياء على حساب الفقراء. والحقيقة أن سميث دعى إلى حرية الأسواق في ظل منافسة كاملة وعادلة للجميع ورأى كفيلسوف أن الوحدات الإنتاجية في ظل أجواءً التنافس سوف تعمل ليس فقط لصالحها ولكن أيضا لصالح المجتمع ككل كما لو أنها توجه بفعل يد خفية للعمل من أجل صالح الجميع. كما اتهم سميث بأنه من مؤسسي الرأسمالية الحالية التي لا ترحم. ولكن من يقرأ مرجعه ثروة الأمم والذي نشر منذ نحو ٢٥٠ عاما سيجد أنه حمل الدولة مسؤوليات كبيرة منها حماية الأصول والأموال العامة والتعليم العام للجميع وضمان أن تعمل الأسواق في ظل منافسة عادلة بما ينفع جميع المشاركين في العمليات الإنتاجية والخدمية، وهذا يعني أن أدم سميث كان من أوائل من روجوا للاشتراكية الديموقراطية والتي نتمنى أن تسود في عالمنا العربي البأس الذي يتبنى أسوأ أنواع الرأسمالية.
3- ما نحتاجه اليوم هو التكنولوجيا وليس الأيديولوجيا. لأن هذا العصر بكل تعقيداته وتحدياته لم يعد يحتمل أن يحدد لنا فكر شخص واحد سواء كان يعيش بيننا اليوم أو مات منذ مئات السنين أن يحدد لنا كيف ننظم حياتنا وكيف نخطط للمستقبل والنهوض ببلادنا التي تتقاتل وتتنازع مع بعضها البعض على مراكز المؤخرة وسط سخرية العالم. والسؤال هل نوجّه أولادنا وأحفادنا لدراسة الأيديولوجيات القديمة وتبني شعاراتها التي فقدت صلاحيتها وعفى عليها الزمن أم نرسلهم لتعلم التكنولوجيا والعلوم الحديثة؟
4- لدينا في علم مالاقتصاد مفاهيم شبه ثابتة حول طبيعة السلوك الإنساني في اتخاذ القرارات الاقتصادية ،ومع الوقت أصبحت هذه المفاهيم مسلمات لا يدور حولها الكثير من الجدل.ولكن لو أننا تأملنا وحللنا بعض هذه المسلمات لوجدنا أنه من الممكن أن نستنتج منها مفاهيم جديدة ومفيدة للغاية كما سوف أوضح. ومن هذه المفاهيم أو المسلمات ما يعرف بالتفضيلات الزمنية للمستهلك، ونعني بهذا بأن الإنسان بطبيعته يميل إلى تفضيل الحاضر على المستقبل ومن هنا جاءت نظرية سعر الفائدة وحساب القيمة الحالية والمستقبلية للنقود. وعلى سبيل المثال فإن الحصول على ١٠٠٠جنيه أو جهاز تليفزيون اليوم أفضل لمعظمنا من الحصول عليهما بعد عام. ولذلك فإن مهمة سعر الفائدة هنا هي تعويض المستهلك عن قبوله لتأجيل شراء التليفزيون اليوم والانتظار لمدة عام. وحتى في ظل هذا الحافز على التوفير وتأجيل الاستهلاك غير الضروري من أجل مستقبل أفضل ومستدام للجميع، فإننا كبشر لا نحتمل الصبر كثيرا. ولكن آن الأوان أن نعي أنه كلما قلت نسبة الحاضر/المستقبل كلما ساعدنا هذا على ضمان مستقبل أفضل لأنفسنا ولبلادنا وللأجيال القادمة. وهذا هو سبب فشل كل مؤتمرات الحفاظ على البيئة ضد التغير المناخي التي تنظمها الأمم المتحدة كل عام لإنقاذ كوكب الأرض من الآثار المدمرة للبترول والغاز والفحم، إنه قصر النظر لدي غالبية البشر وطمع الأغنياء وتفضيل الاستمتاع بالحاضر على حساب المستقبل. فلنربي أولادنا وأحفادنا وتلاميذنا في المدارس والجامعات على المعقولية وحب الادخار في كل شيء، وأن نخطط للادخار قبل الإنفاق. هذا الفكر هو أملنا الوحيد في مستقبل أفضل بعد أن خذلنا السياسيون الفشلة والاقتصاديون الذين لا هم لهم إلا تحقيق النمو الاقتصادي القائم على الإنتاج الضخم والاستهلاك بلا حدود واستنزاف الموارد الطبيعية المحدودة لكوكبنا ولتذهب إجيال المستقبل إلى الجحيم.
٥ توقعاتنا الاقتصادية لعام ٢٠٢٤ ليست متفائلة بشكل كبير. وباختصار فإن معظم البنوك الرئيسية وصندوق النقد الدولي يتوقعون أن ينخفض نمو الاقتصاد العالمي في النصف الأول من العام القادم بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع تكلفة الوقود وانخفاض معدلات النمو في الصين، وعلى ما يبدو فإن هذه التوقعات تتماشي مع التطورات السياسية الحاصلة الآن ومنها الخلافات الحادة الحاصلة حاليا بين المجموعة الأوروبية والصين بسبب اتهام الأولى للصين بأنها تغرق دول العالم بمنتجاتها التي لا تحصى على حساب صادرات أوروبا، وأيضا بسبب العلاقة المتأزمة والمكتومة بين أمريكا والصين بسبب مشكلة أوكرانيا وتايوان ومحاولة الصين زيادة نفوذها في أفريقيا وباقي أنحاء العالم. ولكن معظم الاقتصاديين في العالم يتوقعون أن ينجح الاقتصاد العالمي في تفادي الكساد بسبب توجه أمريكا نحو البدء في خفض أسعار الفائدة في النصف الثاني من العام القادم بعد نجاحها في السيطرة على التضخم لديها. والعالم كله سيتبع أمريكا في هذا. ومن خبرتي مع أمريكا فإن معظم الإدارات الأمريكية تحرص على دفع الاقتصاد للنمو في عام الانتخابات أيا كان الثمن. أما في عالمنا العربي فإنه لن يشهد تغييرات كبيرة حيث ستواصل الدول البترولية نموها بمعدلات جيدة بينما ستستمر المعاناة في باقي اقتصاديات المنطقة للأسف حيث انه من المرجح أن يظل التضخم بها مرتفعا مع استمرار العجز المزمن في ميزانياتها وهو مايؤدي إلى نوع من الركود التضخمي.
مستشار اقتصادي
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - ملاحظات تستحق التوقف
د. لبيب سلطان
(
2023 / 12 / 8 - 12:48
)
تحية للاستاذ الدكتور محمود بكير
ملاحظاتكم الاربعة لها معناها العميق المفيد في تطوير فهم مجتمعاتنا المعاصرة للاقتصاد حيث تسود الايديولوجيا محل التكنولوجيا كما كتبتم وكما تأخذ به كافة المجتمعات الا عندنا..العالم يشهد عصر التخلص من الايديولوجيات والتوجه للتنمية التكنولوجية كما في الهند والصين وكوريا وجعلت منها دولا محترمة ..ونحن في العصر الايديولوحي الحجري ..يتم الحديث عن الاقتصاد ايديولوجيا وفق مفاهيم قبل مئتي عام ( تحويل الملكية ووسائل الانتاج للمنتجين ) ولا احد يعرف اين هم المنتجين والانتاج في العالم العربي المحطم
في تناولكم لمساهمة العمل في القيمة النقطة 1 زرت معملا في شيكاغو ينتح اجهزة الكترونية لشركة دانفوس الدانيماركية ينتج 3ملايين جهاز معقد سنويا ويعمل به 16 .عاملا وموظفا فقط الباقي روبوتات ..ما هي قيمة العمل في المنتوج
القيمة الفائضة لامعنى لها اليوم حيث تأخذها الدول ضرائب لتعيد صرفها خدمات وتطوير بنى تحتية اما الملكية فهذه اليوم لامعنى لها..صتاديق التقاعد والادخار للمواطنين تملك اكثر من نصف اسهم الشركات..والفن اصبح كيف تحول الاموال المدخرة عندهم الى انتاج
شكرا لنقاطكم
2 - الفرق بين القيمة والسعر
عبدالرحمن مصطفى
(
2023 / 12 / 8 - 13:49
)
تحياتي للجميع..
ماركس كان واعيا بطبيعة الحال لمشكلة تقلبات الأسعاروهو فرق بين القيمة والسعر ..بمعنى أن ماركس كان يعرف أن أذواق المستهلكين تلعب دورا في تحديد أسعار السلع لكن الأسعار ليست عشوائية بمعنى أنها لاترتفع الى مستويات خيالية بل هناك هامش محدد للارتفاع أسعار كل سلعة ..مثلا سلعة الخبز قد يرتفع سعرها بفعل ندرتها وفي الحالات الاستثنائية كالحروب والكوارث الطبيعية الخ...لكن سعرها لايرتفع ليصل الى سعر السيارة أو الأجهزة الكهربائية مثلا ..لماذا ؟ ببساطة لأن قيمة الخبز أقل من قيمة السيارة وجهاز التكييف والتبريد الخ..هنا الفرق بين القيمة والسعر..
أتفق مع ملاحظتك بخصوص ادم سميث ..نعم هناك سوء فهم لكتابات ادم سميث فهو كان مؤيدا لنظام تنافسي ولدور فاعل للدولة في ضبط هذا التنافس وهذه ملاحظة جيوفاني أريجي في كتابه أدم سميث في بكين وادم سميث كان يتصور بالدرجة منتجين مستقلين وليس عمال مأجورين ..على عكس مانشهدعه في عالمنا المعاصر من احتكار قلة ..
تحياتي..
3 - من ابتذل مدرسة ادم سميث ؟ه
منير كريم
(
2023 / 12 / 8 - 14:46
)
تحياتي استاذ بكير
مدرسة ادم سميث ليبرالية -علمية ,ابتذلها ماركس بان استحوذ على نتائجها وبنى عليها استنتاجات خاطئة كحتمية انهيار الراسمالية . تماما كما فعل مع فلسفة هيجل اخذ ديالكتيك الفكرة وابتذله الى دياكتيك المادة ليفسر نمو النبتة من بذرة الى ثمرة بنفي النفي وان الشيوعية هي نفي النفي للملكية
المدرسة النيوكلاسيكية في الاقتصاد فندت افكار ماركس الاقتصادية وبينت ان قيمة السلعة هي قيمتها الاستعمالية والقيمة التبادلية حسب العمل المتجسد في السلعة مفهوم ميتافيزيقي لاتؤيده التجربة العملية , وحتى تمييز السعر عن القيمة فكرة خاطئة فاذا كان ذلك لابد من وجود تناسب بين القيمة والسعر وهذا غير موجود في الاف الامثلة
الاقتصاد اليوم علم قائم عل بناء النماذج الرياضية المتقدمة تماما كبقية العلوم
شكرا لك
4 - د. لبيب سلطان
محمود يوسف بكير
(
2023 / 12 / 8 - 17:38
)
أشكرك على المساهمة في المقال بما ضربته من أمثلة ووقائع حية لا تحتمل الكثير من الجدل ، الإيديولوجيات الدينية والسياسية تخنق مجتمعاتنا بشكل خطير وهي السبب الرئيسي فيما وصلنا إليه من أوضاع مزرية ، أما بالنسبة لمفهوم فائض القيمة فهو مخالف لكل المبادئ الاقتصادية ، ولي حوار طويل مع الأخوة القراء والكتاب في الحوار المتمدن شارك فيه الأستاذ منير كريم حول ما وقع فيه ماركس من أخطاء وهذا لا يقلل أبدا من شأن الرجل لأنه كان بشرا مثلنا، وكما تفضلت فقد تجاوزتنا الكثير من الدول عندما ألقت بالأيديولوجيا ت خلفها وانطلقت للأمام، مع كل الشكر والتقدير
5 - الاستاذ عبد الرحمن مصطفى
محمود يوسف بكير
(
2023 / 12 / 8 - 17:54
)
أشكرك على تعليقك وأحياناً بالفعل وفي الأسواق الاحتكارية يتسع الفارق بين القيمة والسعر في نظرية الأثمان ولكن هذا أستثناء وليس قاعدة ، والقاعدة هي أن السعر هو إنعكاس للقيمة في الأسواق المفتوحة ، وأنا سعيد أنك ممن ينصفون آدم سميث، مع تحياتي
6 - الأستاذ منير كريم
محمود يوسف بكير
(
2023 / 12 / 8 - 18:23
)
شكراً جزيلاً أستاذ منير على تعليقاتك التي تثري الحوار وتزيده فائدة، الاقتباس شائع في كل المجالات وفي بعض الإحيان يكون ملهما لأفكار جديدة وخلاقة وفي أحيان أخرى وكما تفضلت يفسد كل شئ. ومن الأمثلة الأخرى تجدها في الوسيقى حيث يسمح لأي مؤلف موسيقى أن يقتبس عدد محدد من المواسير الموسيقية ويبنى عليها تنويعات جديدة وقد يوفق في هذا كما كان يحدث مع العملاق محمد عبد الوهاب والملقب بموسيقار الأجيال وهو هكذا بحق، ولكن وفي حالات أخرى مع موسيقيين آخرين ودون زكر أسماء كان الاقتباس غير موفق ومشوه، وأشكرك على ملحوظتك الدقيقة بخصوص علم الاقتصاد حيث تحول بشكل كبير بدأه كينز من علم أجتماعي إلي علم رياضي حتى إن كل الجامعات الغربية تشترط على طلاب الدراسات العليا المرور باختبارات تمهيدية في الرياضيات وتحليل البيانات قبل التسجيل ، مع أطيب تحياتي وأمنياتي
7 - الأستاذ منير كريم
محمود يوسف بكير
(
2023 / 12 / 8 - 20:40
)
عفواً أستاذ منير حدث خطأ مضحك في تعليقى حيث كتبت موازير موسيقية ولكن الأخ جوجل غيرها لمواسير ولم أنتبه لهذا ، والمازورة في وحدة قياس الزمن في النوتة الموسيقية ، تحياتي
.. إعادة المحتجزين والحد من قدرات حماس تهيمن على الإعلام الإسرا
.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن إسقاط 3 طائرات روسية بدون طيار
.. الإعصار فرانسين يصل لجنوب لويزيانا الأميركية والسلطات تحذر م
.. بتقنية تايم لابس.. حريق جسر في كاليفورنيا
.. الأردن: حزب جبهة العمل الإسلامي يفوز بـ31 مقعدا في البرلمان