الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عنصريتان

خليل قانصوه
طبيب متقاعد

(Khalil Kansou)

2023 / 12 / 7
القضية الفلسطينية


كان شعار مصر بعد هزيمتها في حرب حزيران 1967 ، هو " محو آثار الهزيمة ". يمكننا فهم ذلك بأنه دعوة إلى الحرب أو الاستعداد لها ، ضد العدو إلغاء للمكاسب التي حققها في عدوانه علينا ، إذا كان هذا الأخير هو الذي بادر إلى العدوان ،لاغتنام ما هو لنا . أي بكلام أكثر وضوحا إبطال نتائج الحرب التي أنتصر فيها علينا ، و بالتالي التأكيد له ، بالبرهان ، على أن حربه كانت دون جدوى ، ما يعني ضمنيا أن عليه الاّ يعاود عدوانه .
السؤال هو عما إذا كان ممكنا محو آثار العدوان سلما، دون هجوم مضاد. ترتكز الإجابة أولا على معرفة الأهداف التي أراد المعتدي بلوغها من وراء عدوانه. ينبني عليه أن هذه الأهداف هي بحسب تقدير المعتدي نفسه غير قابلة للتحقيق، بالتراضي، لذا لجأ الي العنف.
هنا ينهض سؤال ثان عما إذا كانت حرب " محو آثار العدوان" في تشرين أول، اكتوبر 1973، قد حققت النتائج المتوخاة منها في مصر و سورية؟ الإجابة على هذا السؤال هي بالنفي. لا نذكر الأردن، الذي خسر في حرب 1967 الضفة الغربية و لكنه لم يشارك في حرب 1973 ، ربما لأنه كان مطروحا في إطار قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين ، دولة يهودية إلى جانب دولة عربية تضم الضفة الغربية و شرق الأردن ، هذا لم يتم في سنوات 1947 ـ 1949 و بعدها ، و في أغلب الظن أن الشرطين اللازمين الرئيسين لنشوء هذه الدولة هما موافقة إسرائيلية و استعداد ملكيا في شرق الاردن ، ما يزالان بعيدا المنال .
تقدر خسائر الإتحاد السوفياتي في الأرواح خلال الحرب العالمية الثانية بأكثر من عشرين مليونا ، كان ذلك ثمن انتصاره على المانية النازية . فالانتصار على نظام عنصري يكون دائما عالي الكلفة موجعا. فأما أن يتحملها الذين يحيق بهم خطر الإبعاد أو الإبادة و أما أن يكبدوا الدولة المتوحشة المفترسة خسائر لا تستطيع تكلفها .
هذه توطئة تمهيدا للتفكر فيما يجري في قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول الماضي بوجه خاص و في فلسطين عموما، لم لهذه القضية من و قع كبير على البلدان العربية المجاورة مثل مصر وبلاد الشام و العراق ، ذلك لا يتيح لنا التغافل عن الاهتمام الجدي بها ، دون اخذ الظروف المحيطة بالحسبان .فالهارب من هذه المنطقة لن يعود إليها بينما ينتصر الصامد المقاوم على هزيمته أو يُقتل
لا جديد في القول أن الولايات المتحدة و الدول الغربية التابعة لها تشارك بشكل من الأشكال إلى جانب إسرائيل في الحرب المعلنة على الفلسطينيين في قطاع غزة ، و ليس مستبعدا من و جهة نظرنا أن تكون خطة تفريغ الضفة الغربية و قطاع غزة من السكان الأصليين متوافق عليها فيما بين هذه الأطراف جميعا بالإضافة إلى بعض و كلائهم على رأس السلطة في البلدان العربية الذين يتعاونون معهم في إطار هذه الخطة و غيرها التي سبقتها في المنطقة منذ اندلاع الحرب العراقية الإيرانية ثم الحرب على العراق و حروب " الربيع " العربي .
أما العجب العجاب فهو الصمت الذي يلوذ به حكام الدول الغربية التي أشرنا إليها ، حيال المنحى الدموي الذي تتخذه عملية إفراغ السكان بحيث صارت تحاكي التصفية العنصرية بواسطة الإبادة الجماعية. من البديهي أن الحروب التي يشنها هؤلاء الحكام على الشعوب الفقيرة دعما للفقر و الجهل ، و طمعا بثرواتها ، تخللتها فصول ارتكبت فيها المجازر الجماعية و الإرهاب و الفرز العرقي ، على نطاق واسع ، و لكن الغريب في الأمر هو أن حكام الغرب يبررون الحرب على الفلسطينيين التي نجد فيها كل ميزات حرب الإبادة و الترحيل و التفريغ و غيرها من الجرائم ضد الإنسانية ، حيث استبدلوا القوانيين التي وضعت في زمن " القطب الأوحد " مثل قانون واجب التدخل الإنساني ، و قانون مسؤولية الدفاع عن السكان المدنيين " بواجب " التصدي لمعاداة للسامية و منعا لتكرار الإبادة الجماعية ضد اليهود ، ما يعني ضمنيا في فهمهم ، أن الدافع إلى النضال التحريري الفلسطيني هو الكراهية ضد اليهود ,وليس نضالا دفاعا ، من أجل تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي و من سياسة التمييز العنصري . كما لو أن سياسة الدول الغربية و إسرائيل خلوٌ من العنصرية و الإرهاب و من جرائم التصفية العرقية!
من المعلوم أن الحركة الصهيونية لم تكن الأكثر حماسة في سنوات 1930 ، في معارضة السياسة النازية في ألمانيا ، كما يفهم من تحقيق المفكرة حنا أرنت (أيخمان في القدس ) و من شهادة أحد القادة البارزين ، مارك يدلمان ،لانتفاضة اليهود في غيتو فرصوفيا . هذه الانتفاضة التي تحاكي إلى حد بعيد انتفاضة سكان قطاع غزة حاليا .
مهما يكن لا شك في أن نعت الحركة الصهيونية بالقومية الوطنية اليهودية مبالغة في الكلام، فلولا السلطات في الدول الغربية، التي كانت تعلم بما يجري لليهود في أوروبا ، حيث أحكم النظام الألماني النازي سيطرته ، و لم تقم بما كان يمكنها القيام به ، لعرقلة أو وقف عملية نفي اليهود إلى معسكرات التصفية ، ناهيك من أن هذه السلطات أقفلت حدود بلدانها بوجه النازحين منهم أثناء الحرب و بوجه الناجين منهم عند انتهائها ، فكان العدو من ورائهم و فلسطين أمامهم ! حيث الانتداب البريطاني الموكل إليه تطبيق وعد بلفور لصالح الحركة الصهيونية.
مجمل القول إن التاريخ يكتبه المؤرخون وليس مالكو وسائل الإعلام والدعاية. لولا بريطانيا لما و جدت دولة اسرائيل بما هي في الأصل مشروع استعمار بريطاني دائم الغاية منه تأمين الطريق البحري إلى الهند من جهة و الفصل بين مصر و بلاد الشام . يحسن الذكير أيضا بأن إسرائيل خاضت حروبها بين 1948 و 1973 و انتصرت فيها بدعم من بريطانيا و فرنسا و المانيا و الولايات المتحدة الأميركية.
تجدر الإشارة أيضا إلى أن اليهود كانوا تاريخيا مكونا سكانيا، ثابتا ، في مجتمعات البلدان العربية ، و ليس معروفا أن هذه الأخيرة كانت مسرحا لمسألة يهودية ،كتلك التي برزت في بلدان أوروبا توازيا مع احتدام الصراعات القومية ، قبل أن تتوافق الدول الغربية بعد الحرب العالمية الثانية على تصديرها إلى فلسطين .
كان اليهود، قبل نشوء الحركة الصهيونية و قبل الانتداب البريطاني، يهاجرون إلى فلسطين أو يسافرون إليها زائرين ، دون أن تعترضهم السلطات العثمانية ، من البديهي أن الشروط تغيرت بسبب مشروع الدولة " اليهودية " .
ما أود قوله هنا، باختصار هو أن العداء العنصري في بعض الأوساط السياسية و الاجتماعية في أوروبا ضد المهاجرين الآتين من بلدان ضربتها الحروب ، يذكرنا بالاضطهاد الذي تعرض له اليهود قبل الحرب العالمية الثانية ، برهانا على أننا في قطاع غزة و الضفة الغربية ،حيال عنصرية ولدت من رحم عنصرية !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا الأميركية تهدّد ب«طرد» الطلاب الذين يحتلّون أ


.. دونالد ترامب يحمل نتنياهو مسؤولية هجمات 7 أكتوبر 2023| #مراس




.. ما تداعيات ومآلات تدخل شرطة نيويورك لفض اعتصام الطلاب داخل ج


.. مظاهرة لأهالي المحتجزين أمام مقر وزارة الدفاع بتل أبيب للمطا




.. الرئيس الأمريكي جو بايدن: سنعمل مع مصر وقطر لضمان التنفيذ ال