الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القمع ، والقتل ، والتقتيل ، والاغتيال في دولة امير المؤمنين المخزنية والبوليسية . جهاز البوليس السياسي . ( الجزء الثاني ) .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 12 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


.
بعد عرضنا للجزء الأول من هذه الدراسة ، التي أظهرت ان مشروعية النظام والحكم المخزني ، هي القمع بشتى اشكاله وألوانه ، وهي مشروعية تتجاوز المشروعية الثيوقراطية المغلفة بعقد( البيعة ) الغير مدون في نصوص ، حيث يُعتمد في تصريف أساليب القمع ، وفي تسيير الدولة المخزنية فقط على المزاج ، سنطرح الجزء الثاني من الدراسة للدولة المخزنية البوليسية الحديثة ، التي لا تقل همجية عن همجية الدولة المخزنية البوليسية التقليدية ، لنصل الى معرفة درجة القمع الاستثنائي الذي يتعرض له الشعب المغربي ، والرعايا المغاربة ، وهو قمع / عنف يوجد فقط في الأنظمة الدكتاتورية ، والبوليسية ، وفي الأنظمة الطاغية ، أنظمة المزاج ، وليس بأنظمة النصوص والقوانين ، أي أنظمة الغاب La jungle ، وليس بأنظمة الشرائع .. ، سنعالج الدراسة الثانية من بحثنا ، على ضوء المعطيات القديمة التي أسست لدولة الإرهاب بشكل مباشر ، الى دولة الغاب الحالية ، التي تبني مثل سابقاتها ، مشروعيتها فقط على القمع ، وبواسطة الأجهزة الفوضوية اللاّجمة ، التي تتصرف وتشتغل ، من دون الرجوع الى اصل القانون الذي يميز الدولة الديمقراطية والأنظمة الديمقراطية ، عن غيرها من الدول الغارقة في الفساد ، حتى عندما تكاثر فسادها واصبح عبئا عليها ، عملت على نقله خارج الحدود ، بإفساد قطاعات معروفة بانتمائها الديمقراطي ، لتصبح بعد تدخل فساد الدولة المخزنية ، بدورها غارقة في فساد السلطان ، سواء لإخفاء تجاوزات خطيرة في ميدان حقوق الانسان ، او شراء الضمائر الميتة ، للتغطية عن الحقيقة التي تجسدها المشروعية الدولية في نزاع الصحراء الغربية . وقد تعرى فساد النظام المخزني في واقعتين . أولهما فضيحة Morocco Gate التي ادانها البرلمان الأوربي ، حيث وصلت ازمة الفساد المستكشفة ، الى اصدار مذكرة توقيف بلجيكية في حق " المدير العام للإدارة العامة للدراسات والمستندات " ياسين المنصوري " . وثانيهما جريمة زرع جهاز Pegasus الإسرائيلي ، في هاتف الرئيس الفرنسي Emanuel Macron ، وفي هواتف وزراء وسياسيين فرنسيين . وقد أبلغت إسرائيل الدولة ، الرئيس الفرنسي Emanuel Macron ، بتلغيم جهازه ، وجهاز وزراء فرنسيين ، ببرنامج Pegasus الإسرائيلي ، التي ترتب عنها قطع العلاقات الثنائية بين شخص الرئيس الفرنسي وبين محمد السادس ، وبين الدولة الفرنسية التي تحتكم الى القانون وحقوق الانسان ، وبين الدولة المخزنية التي تحتكم الى العنف والقمع الذي هو مشروعيتها الحقيقية ..
1 ) أساليب القمع في الدولة المخزنية البوليسية :
في هذا السياق ، نرى انّ الحكم المخزني البوليسي في الدولة السلطانية ، يجتهد باستمرار في تحديد وتنويع اساليبه القمعية الدائمة ، لكي تشمل كل المرافق ، وتضمن سيطرة مطلقة للنظام المخزني البوليسي على المجتمع ، سيما وان كل اجتهاداتها تصب فقط في ممارسة القمع بأشكاله المختلفة ، وبما فيها التجويع والمرض الذي كان ولا يزال يفتك بالرعية المنعدمة الحقوق ، في مملكة امير المؤمنين حامي حمى الملة والدين .
فالهدف المخزني من وراء اساليبه القمعية الدائمة ، هو ممارسة التأثير الفعال في كل الاتجاهات ، الافقية والعمودية ، مكتسبة بذلك طابع التعميم والشمولية ، الى درجة يرتفع معها مفهوم القمع ، الى مرتبة مذهب وعقيدة في الحكم المزاجي ..
طبعا ومن خلال بحث بسيط ، سنصل الى وجود تطبيقات هذا المفهوم ، أولا في المستوى الاقتصادي ، من خلال الاستغلال الفاحش لثروات الرعايا التي أصبحت مفقرة ، وتعيش الامرين بانعدام شروط العيش الكريم ، وممارسات تعسفية مقيتة ، كما يتراءى لنا في المدن والبوادي ، من خلال الشروع في انتزاع الأراضي ، وترحيل الساكنة الى المجهول ، لتتوسد الأرض وتتغطى بالسماء ،ومن ثم تفقير الرعايا المفقرة أصلا ، خاصة الفلاحين الصغار ، لتشريدهم من دون بديل يحفظ الجزء اليسير من أراضيهم التي سيطرة عليها مافيا العقار ، او من خلال تهميش ملايين المواطنين في المدن ، والرمي بهم الى غول البطالة يطحنهم ويفتك بهم ، وسد آفاق الشغل والعيش الكريم في وجههم ، او تجاهل الحد الأدنى من القوانين الاجتماعية بالنسبة للعاملين منهم .... وما ظاهرة الهجرة المكثفة من البوادي في اتجاه المدن ، ومن كل المغرب في اتجاه أوربة الغربية ، وهناك اعدادا متعددة تطلب الرحيل الى الجزائر ، ومنهم من يدعو الى التخلي عن الجنسية المغربية .. ، الاّ تعبيرات بسيطة عن شراسة هذا القمع الاقتصادي ، الذي يستهدف اقتلاع جذور جماهير واسعة ، والزج بها في أوضاع " المنفى الاضطراري " ، سواء داخل البلاد او خارجها . وما ظاهرة الرشوة المنتشرة بكثافة ، بل المقننة والمشجعة من طرف الدولة المخزنية البوليسية ، الاّ تعبير بسيط كذلك ، عن طبيعة التعامل بين مافيا الدولة المخزنية ، المزاجية ، الكمبرادورية ، النيوبتريركية ، النيوبتريمونيالية ، الدولة الرعوية التي على رأسها راعي كبير ، الثيوقراطية ، الطقوسية والتقليدانية .. الخ ، وبين " المواطنين " الرعايا ، قوامه الابتزاز والتعسف ، وخرق ابسط حقوق المواطنة المنتفية ..
اما على الصعيد الاجتماعي ، فغير خاف على احد ، ان سياسة التجهيل ، خاصة بعد ضرب المدرسة العمومية ، وتشويه التعليم العمومي ، وخلق التعليم الخصوصي ، الأكثر انحطاطا من التعليم العمومي ، وحرمان ملايين الأطفال والشباب من التعليم والمعرفة ، وتفشي الانحلال الاجتماعي والضياع ( الاجرام ، الفساد الذي صدّروه الى قلب البرلمان الأوربي ، تعاطي المخدرات ، الدعارة العشوائية والدعارة المقننة والمتحكم فيها .. ) ، كلها أساليب نصنفها ضمن القمع الاقتصادي / الاجتماعي ، الذي سلطه الحاكم المخزني على فئات واسعة من الشعب المغربي ، وكذلك الشأن بالنسبة للسياسة النخبوية في ميادين الصحة ، والشغل ، والسكن الخ ...
واذا كان هذا النوع من القمع المخزني البوليسي ، يسري في صفوف الجماهير الشعبية ، ودونما تمييز ، فإننا نرى ان النظام يلتجئ اليه أحيانا ، بأهداف سياسية مُبيّتة ، كما تجلى ذلك سابقا في ثمانينات القرن الماضي ، في الخطة الجهنمية التي اعدها خبراء النظام في مديرية الشؤون العامة بوزارة الداخلية ، لمحاولة تكسير نقابة " الكنفدرالية الديمقراطية للشغل " CDT .. من خلال تسريح عشرات المناضلين والاطر النقابية ، دون سبق انذار .. وخرقا لكل القوانين القائمة ، وحرمانهم وعائلاتهم ، من قوتهم اليومي ، سعيا وراء تركيع ( ك د ش ) Cdt ، وتفكيك هياكلها وتنظيماتها التي تفككت حقا ، عندما استقبل محمد السادس رئيس النقابة محمد نوبير الاموي ، لتصبح النقابة مخزنية بامتياز ، ومن اشهر النقابات التي تدعم السلم الاجتماعي ، على حساب القوت اليومي للجماهير الشعبية ..
أمّا على صعيد القمع السياسي البحث ، فإننا نجد انّ النظام المخزني ، قد استفاد من تجربة المحاكمات السياسية الكبرى ، التي غالبا ما تتحول الى محاكمته هو بنفسه ، وتخلق موجة من التضامن داخليا وخارجيا ، تعود بفوائد سياسية على النضال الجماهيري عامة ، فعمل بمقتضى ذلك ، على رسم خطة تضمن له ممارسة القمع السياسي ، بشكل معمم وواسع ، عن طريق أدوات متسترة ومرنة عند الاستعمال ، لكنها لا تقل خطورة وفعالية في مواجهة المد النضالي المتصاعد ، وضربه قاعديا ، والحيلولة دون تجذره وتعمقه . هذا هو الدور السياسي الذي أسند لمختلف " المحاكم " التي كانت تنظر في القضايا السياسية المسلحة بالقوانين الاستعمارية ، ومن بينها القانون الشهير الذي حظي بنقاشات سياسية " كل ما من شأنه " .. السيء الذكر ..
فبهذه الطريقة ، حاول النظام ، شل نضال المنظمات الجماهيرية ، خاصة المنظمة الطلابية " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " ، ونقابة " ك د ش – CDT " ، وكذا ضرب القواعد الحزبية ، والمناضلين السياسيين الجذريين ذوي الارتباط المباشر بالجماهير ، العاملين وسطها ولأجل خدمتها ، دونما تمييز بين هذا الحزب او ذاك . لكن فقط بهدف منع الوعي ، والتأطير ، والممارسة التنظيمية والجماهيرية ..
طبعا لقد نجح النظام من ضرب وحدة الحركة الطلابية ، حين ساهم مع حلفاءه ، في اضعاف المنظمة الطلابية ، منذ فشل المؤتمر الوطني السابع عشر ( غشت 1982 ) ، وزاد في تعميق ازمة الحركة الطلابية ، ظهور لوائح التيار الاسلاموي ، الذي حول المعركة في الجامعة ، من معركة ملفات مطلبية ، الى معركة تنظيمية تتنافس السيطرة على المنظمة الطلابية ، بحيث أصبحت الساحة الطلابية مقسمة الى إسلاميين ، والى علمانيين وديمقراطيين . ورغم استغلال هذا النزاع الذي اثر سلبا في وحدة الحركة الطلابية ، تكون ازمة " ا و ط م " ، قد دخلت ازمتها التنظيمية الكبرى ، عندما أصبحت الساحة الطلابية موزعة بين الفصائل المتصارعة ، التي جعلت كل محاولات إعادة احياء المنظمة الطلابية من جديد ، مستحيلة التحقيق والتسجيل . فباستثناء قلعة ظهر المهراز الجمهورية ، فان المواقع الطلابية الأخرى ، قد تم افراغها من فصائلها السياسية ، بشكل جعل المنظمة الطلابية ، في عداد الموتى . واكبر دليل على هذا الغياب للفصائل ، عجز فصائل الحركة الطلابية في إعادة البناء ، كما كان عليه الوضع قبل المؤتمر الفاشل السابع عشر ( غشت 1982 ) .
وبنفس النتيجة ، ستنقلب " ك د ش – CDT " ، من منظمة نقابية في ملك الشغيلة والعمال ، الى مجرد دكان في ملك زعيمها محمد نوبير الاموي ، الذي انقلب كليا على اهداف النقابة ، منذ استقباله شخصيا من قبل محمد السادس ، لتصبح النقابة اول من يدافع على السلم الاجتماعي ، وتتحول من نقابة العمال ، الى نقابة القصر ، وبعد موت الاموي ، تحولت من نقابة القصر الى نقابة وزارة الداخلية التي تمثل الجهاز السلطوي ، حيث سيستدعي الاموي شخصيا ، وزير الدولة في الداخلية ادريس البصري ، لحضور اشغال احدى مؤتمراتها ، حيث ستسمي المعارضة الراديكالية المؤتمر ، باسم مؤتمر السِّي ادريس .
ولا فائدة في التأكيد هنا ، على ان " استقلالية القضاء " عامة ، وعندما يتعلق الامر بالمناضلين النقابيين والسياسيين خاصة ، ما هو الاّ قول فارغ المعنى ، لا علاقة له بالحقيقة الجلية للعيان . فرئيس ( السلطة ) القضائية يبقى هو الملك شخصيا ، الذي يتصرف كإمام كبير ، أي قاضي كبير ، كرئيس لجهاز المأمومين ( القضاة ) ، لان ( القضاء ) هو من وظائف الامامة ، وطبعا فهؤلاء المأمومين ، الذين يرأسهم الامام الكبير ، تصدر الاحكام باسمه ، وتنفد باسمه ، والاعوان الذين ينفدونها ، هم اعوانه ، لأنه هو رئيسهم الذي يتحكم في كل صغيرة او كبيرة تخص الامامة ( القضاء ) . هكذا يصبح جهاز الامامة ( القضاء ) ، سلاحا خطيرا ، لتمرير مغالطات تتحدث عن وجود ( سلطة قضائية ) الغير موجودة أصلا ، في دولة الامام المعظم الكبير رئيس كل الدولة ، وليس فقط كونه رئيسا لمفصل من مفاصلها المجسدة في الدولة الديمقراطية في المؤسسات ، وفي الدستور الديمقراطي ، الذي يحكم سلطات كل مفصل من المفاصل . فأحكام الإمامة العظمى ( القضاء ) ، تبْني صدور قراراتها ، على المحاضر التي يحررها بوليس الملك ، كرئيس للجهاز التنفيذي ، وتكون الكارثة كبرى ، عندما يشرع المأمومون ( القضاة ) في المحاكمات السياسية ، خاصة الكبرى ، يتصرفون كجزء خاضع للبوليس السياسي ، الذي رئيسه الفعلي هو الملك لا غيره .. فتكون الدولة وبهذه الحقيقة دولة الملك ، لأنه هو وحده الدولة التي تجسد الاستمرارية ، وباقي ما يسمى بالمؤسسات ، فللتسلية وللسهر على الحفاظ على ما يعتبر مصالح الدولة العليا ، التي هي مصالح دولة الملك .
في هذا السياق ، نرى أحيانا ان القرار السياسي هذا ، أي المبني على المزاج ، الصادر عن الحكم ، لأجل توجيه ( العدالة ) الإمامة ، واملاء القرار عليها ، لا زال يحن الى العهود المخزنية العتيقة . كما نلمس في مفهوم " العفو " الذي يمارسه القصر تجاه بعض ( القادة ) ، يمر أولا ب " التربية " والعقاب الشديد ، لمجرد القول بفكرة مخالفة ( المحجوبي احرضان ) مثلا ، وينتهي بالعفو الأحادي الجانب ، الذي يشترط فيه الركوع والتسليم للنظام ، والتّوْبة ، وتقديم " صكوك الغفران " بالأساليب المخزنية العتيقة ، المغلفة بالطقوسية ، وبالتقليدانية المخزنولوجية ... وطبعا كمحللين للشأن العام لبلدنا ، ومهتمين بشأن النظام المخزني في حلله القديمة الغابرة في التاريخ المنسي ، نجد هذا في نظرة الحكم لمختلف الهيئات والأحزاب السياسية التي يرفض تمثيليتها ، ويعتبرها مجرد أدوات للعبة السياسية المفضلة : لعبة " القمع والانفتاح " ، لعبة " تربية دار المخزن ، و التوبة بالرجوع الى السراط المستقيم . أي شد نوع من التوازن بين مختلف المتناقضات الموجودة ، او التي يتوجب خلقها ، عملا بالشعار الاقطاعي المعروف : شعار " فرق تسد " . فالنظام المخزني الطقوسي والبوليسي ، يعتبر ان الشرعية ، كل الشرعية ، له وحده ، يستمدها من مؤهلات مادية وروحية ، يمتلكها وحده دون سواه .
وفي تعداد الأسلحة القمعية المتجددة والمتنوعة ، نجد النظام يولي اهتماما بالغا للجانب الأيديولوجي والدعائي ، من خلال ضجيج اعلامي يومي واسع النطاق ، تجند له كل الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية ،لإنزال الدعاية الرسمية المنهجية ، بشكل مكثف عبر خليط من المفاهيم المادية والروحية الكاذبة ، لا يخرج اهتمامها عن هدف واحد : تبرير وتثبيت شرعية الحكم ، والدعاية لسياسته ، سياسة حلفاءه الإمبرياليين من جهة ، والتعتيم والتشويه الإعلامي في حق القيم والمبادئ والاعمال الوطنية والتقدمية ، سواء على المستوى الوطني ، او القومي ، او الدولي . وهذا التطبيل والتهليل حول الأيديولوجية السائدة واصحابها ، والذي لا يكاد ينقطع ليل نهار ، ليس مجانبا بطبيعة الحال . بل انه الاستغلال السائد ، وتقديم هذه الأخيرة كشيء منزل يتوجب القبول به والخضوع له ، وبالتالي ، فان هذا أيضا اسلوب من أساليب القمع غير المباشر . اذ انه يلعب دورا وقائيا من خلال محاولة تعتيم وعي الجماهير ، والتقليل من فرص نهوضها ، واقبالها على النضال والدفاع عن النفس ، سواء على المستوى المطلبي والاجتماعي ، او على المستوى السياسي .
واذا كان هذا النوع من القمع الموجه للعقول بغرض شلها وتخديرها ، يكتسي طابعا خفيا متسترا ، فإننا نجد تطبيقات حية مماثلة له في مجال الحريات بشكل عام ، بدءً بحرية التعبير التي تخضع لضوابط محددة ، إما عن طريق الرقابة المباشرة ، او من خلال فرض الرقابة الذاتية على الفرد والجماعة ، وصولا الى ابتدال مفهوم الاقتراع العام ، وتزوير الإرادة الشعبية بشكل واضح ومباشر ، كما شهد تاريخ الاستقلال الشكلي ، عبر مسلسل المهازل الانتخابية التي انفضح امرها للرأي العام الداخلي والخارجي على حد سواء .
ان دوس كرامة المواطن عمدا ، وجعله يشعر و يقبل بالواقع الطبقي ، والتفاوت الحتمي بين الغني والفقير ، في الحقوق كما في الواجبات ، وتكميم أدوات التعبير عن القيم والمبادئ الوطنية والتقدمية ، ومحاربة التنظيم النقابي ، والسياسي ، والجمعوي الملتزم ، محاربة عشواء .. ، كلها أساليب تستهدف التحكم البوليسي ، في الحياة السياسية في البلاد عامة ، مع إعطاء العناية والاسبقية للبادية بشكل خاص .
وخلاصة القول ، أن الحكم القائم في المغرب منذ 350 سنة ، كانت سنوات عجاف ، قد اجتهد بشكل خاص طوال السنين الأخيرة ، في إيجاد أدوات وأساليب قمعية متنوعة ومتجددة ، يتوخى من خلالها تعميم القمع وتوسيع نطاقه ، والرفع من فعاليته عبر حضور يومي ظاهر او متستر ، مع محاولة التقليل من ردود الفعل التي بإمكان القمع العنيف والمباشر، ان يثيرها .
ولا يفوتنا انْ نذكر ، انّ الاسلوبين – العنف الاجرامي المباشر ، والقمع المعمم – لا يتناقضان في شيء . بل يكملان بعضهما البعض الآخر ، ولكل واحد منهما وظيفته الخاصة التي قد تتزامن مع وظيفة الثاني ، او تتفاوت معها في الزمان والمكان . فالعنف المباشر هو الأداة الرادعة الفتاكة ، التي يراد بها التدخل في الوقت المناسب ، للحيلولة دون تحول ميزان القوى لصالح الجماهير ، والأساليب المتنوعة الأخرى – والتي لا تخلو من عنف كذلك – تلعب دور القمع اليومي الشامل والحاضر في كل مكان ، وبشكل دائم .
و لا يفوتنا كذلك ، ان نرد على الدعاية الرجعية التي تم الترويج لها ، ولا زال يروج لها النظام ، تحت شعارات كلها أفلست ، وتعرت ، وافتضحت " الدمقرطة " ، والمسلسلات المتعاقبة ، التي تريد إيهام الرأي العام المحلي والدولي ، بان النظام المخزنولوجي ، النيوبتريركي ، النيوبتريمونيالي ، الكمبرادوري ، الطقوسي ، التقليداني ، والثيوقراطي .... الخ ، قد غيّر من طبيعته من تلقاء نفسه ، وانتقل من وضعية نظام بوليسي شمولي ورجعي ، الى نظام " تعدد الأحزاب " و " تعدد النقابات " ، يحترم الحريات الفردية والعامة ، بل وحتى " الليبرالية " ... أي اصبح نظاما ديمقراطيا ، ساهمت في الترويج لهذه الاشاعة ، التدابير المصطنعة مع ما كان يسمى ب " العهد الجديد " ، من خلال الترويج لبعض الشعارات الكاذبة ، كالمفهوم ( الجديد للسلطة ) ، ربط المسؤولية بالمحاسبة ، ( ملك الفقراء ) .. الخ . لكن انقلاب 16 مايو 2003 بالدارالبيضاء ، تفجيرات الدارالبيضاء Les attentats de Casablanca en 16 Mais 2003 ، وتفجيرات مدريد في 11 مارس 2004 Les attentats de Madrid en 11 Mars 2004 ، سرعان ما كذبت شعارات العهد الجديد ، وليتحول المغرب وفي ظرف وجيز ، الى اكبر قلعة يمارس فيها القمع بكل الوانه وتجلياته ، خاصة مع صدور قانون " الإرهاب " ، الذي نشر الرعب في المغرب ، مع العلم ان تفجيرات الدارالبيضاء ، وتفجيرات مدريد ، كانت انقلابا على شعارات الدولة الديمقراطية ، ليصبح المغرب في هذه الاثناء من اكبر قلاع الأنظمة الدكتاتورية ، التي ترخص لاستنطاق أجانب سُلّموا لها من قبل أجهزة استخبارات اجنبية ، كوكالة المخابرات الامريكية . لان القوانين الامريكية تمنع على الجهاز الأمني الأمريكي ، ممارسة التعذيب الجسدي على المشبوهين ..
ان هذه الدعاية المغرضة التي ساهم فيها بعض ( الزعماء ) المغاربة المحسوبين على جهة ( اليسار ) الملكي ، -- بل يذهبون ابعد من ذلك ، ويؤكدون ان المغرب في ظل محمد السادس اصبح " احسن " بلد ديمقراطي في العالم العربي ، وفي القارة الافريقية ، وفي دول العالم الثالث .. – يتأثر كذلك ، بعض الأصدقاء والحلفاء ، انطلاقا من رؤية بسيطة ومقارنة سطحية ، بين الأوضاع السائدة في الأقطار العربية الأخرى ، وبين الساحة المغربية التي تفيض حيوية ونشاطا ، بجمعياتها ، واحزابها ، ونقاباتها ، وصحفها ... ، وينتهون الى القول بوجود " ديمقراطية حقيقية " في المغرب ، وان النظام الجديد هناك ، قد تخلى عن أساليب القمع الاجرامية المعمول بها في بقية البلدان ، واختار الديمقراطية بديلا عنها . وللرد على كل هذه الاشاعات التي ساهم في الترويج لها ، جزء من ( اليسار الجديد ) ، الى جانب الاتحاد الاشتراكي ، وحزب التقدم والاشتراكية ، كما ساهم فيها حزب العدالة والتنمية الذي سرق نتائج حركة عشرين (20) فبراير ، ولينقلب وفي رمشة عين ، على كل الوعود التي امطر بها اغبياء السياسة ، وليصبح من اشد المدافعين عن النظام ، وفي المقابل اصبح من اكثر المعارضين لمن صوت عليهم ، ومن الناخبين ، الى الجمهور الذي صدمه عبدالاله بن كيران ،عندما اصبح وحزبه من اكبر أعداء الشعب المغربي .
لكن لدحض كل هذه المزاعم والاكاذيب ، نكتفي بالملاحظات الأساسية الاتية :
1 ) ان وجود الأحزاب السياسية ، والنقابات ، والجمعيات ، والصحف ، هي مكاسب حققها الشعب المغربي ، خلال كفاحه البطولي ضد الاستعمار المباشر نفسه ، وتمكن من فرضها خلال فترات زمانية ، مرة متقاربة ، ومرة متباعدة ، وبالتالي ، فان النظام الذي نصب نفسه على رأس البلاد غداة الاستقلال الشكلي ، وبتعاون مع الاستعمار الجديد الدخيل ، قد وجد نفسه مضطرا للتعامل مع هذا الوضع القائم ، خاصة وان ميزان القوى كان لصالح الحركة التقدمية المغربية بشكل عام ، وانه لم يتمكن من قلب هذا الميزان ، إلاّ من خلال الانقلاب والانفراد بالسلطة ، والاعتماد على القمع كوسيلة أساسية للبقاء والاستمرار ، رغم حالة ضعفه الدائم ، الناجمة عن افتقاره لأية شرعية وطنية ، غير شرعية القمع والقتل والتقتيل .
وباختصار ، فان ما فرضه الشعب المغربي من إمكانيات التعبير والنضال ، لم تكن يوما هدية من هدايا النظام الذي يكره المغاربة ، او نتيجة " دمقرطة " ما ، بل انها نيلت بفضل تضحيات جسام ، وكفاح دؤوب ومرير ، سواء في عهد الاستعمار الفرنسي القديم ، او في عهد الاستعمار الجديد ، او خلال الاستقلال الشكلي . وما لائحة شهداء الشعب المغربي ، ولوائح السجناء والمختطفين والمشردين ، الاّ ضريبة عن مثل هذا الكفاح البطولي ، لكنها لم تكن ضريبة مجانية ، بل انها حققت ما حققته من مكاسب على درب التحرر والانعتاق والتضحيات الجسام .
2 ) ان طبيعة الحكم المطلق كنظام بوليسي دكتاتوري شمولي Totalitaire ، لم تتغير ابدا . وما طبيعة الدساتير ك ( التعديل الدستوري ) ابّان حركة 20 فبراير ، والقوانين المعمول بها ، والتي تمركز كل السلطات التشريعية منها والتنفيذية ، و( القضائية ) في يد هذا الحكم ، زيادة على السلطة ( الروحية ) التي منحها لنفسه زورا وتسلطا ، وما الاحتكام لممارسته لهذا الحكم ، الذي لا يتوانى عن الطعن في سيادة الشعب علانية ، واحتكار السيادة له وحده دون سواه ، والمطبوع بطابع القمع الدموي الشرس ، إلاّ اذلة قاطعة على ان " دار لقمان " لا زالت على حالها ، وان حالة الضعف فقط ، هي التي ترغم النظام على إيجاد واجهات " ديمقراطية " شكلية ، موجهة للاستهلاك الخارجي ، ومشدودة بشكل حديدي الى جدلية القمع و( الانفتاح ) السيئة الذكر ..
المطلوب اذن ، ليس الاكتفاء بالمقارنات السطحية ، لكن إنصاف الشعب المغربي في كفاحه الطويل والصبور ، وتثمين مكتسبات هذا الكفاح ، وتقديم السند والمعونة والتضامن ، من اجل اهداف التحرر الوطني الكامل للمغرب . وهي اهداف ولا شك انها لصالح كل الشعوب الافريقية والعربية ، وكذا حركة التحرر على الصعيد العالمي ..
2 ) لمحة عن طبيعة أجهزة اللّجم والقمع :
ولمزيد من التأكد من طبيعة هذا النظام التي شرعيته مجرد قمع وقتل وتقتيل وتجويع ، ومن حقيقة أساليب البطش والإرهاب التي يمارسها في حق جماهير شعبنا ، نعود لإلقاء نظرة سريعة على طبيعة الأجهزة القمعية نفسها ، التي ورثها عن سلفه الذي منحه الشرعية والحماية في نفس الوقت ، الاستعمار بصيغته القديمة والجديدة .
أكدنا أعلاه ان الطبيعة الاقطاعية الرأسمالية الهجينة ، والمزاجية للحكم المخزني البوليسي لم تتغير . فالنظام السلطاني المخزني هو الدولة وهو الحكم . أي ان كل المغرب هو مغربه الذي وحده له صفة الاستمرار والاستقرار، وغيره يتحرك ظرفيا ، لأنه مهما بلغ وزنك السياسي وضمن القبيلة ، فلن ترقى ابدا الى رتبة الأمير والامام ، الذي وحده له ميزة البقاء ، وغيره يخضع للقرارات المزاجية التي تتخذ باسم الملك ، فالملك دائم ، وغيره ، تواجده ظرفي ، ينتهي امره بمجرد نفاد المأمورية المخولة له ، والتي انتدب اليها .. والحسن الثاني المتشبع بفلسفة مكيافيلي Machiavel ، ومن دون خوف ، أكد هذه الحقيقة ، عندما قال ، انه يمكنه تعيين سائق سيارته وزيرا أولاً .. أي ان دور الوزير الأول في النظام المزاجي ، عبارة عن مِعْول يحركه الملك نحو أي اتجاه شاء ، أي ان الوزير الأول والحكومة ، هم مجرد موظفون سامون بالديوان الملكي في صفة وزراء ، ولا سلطة لهم خارج سلطة الرئيس الفعلي للدولة الذي يبقى وحده الملك ..
اذن ان اصل ومحور الحكم ، انه حافظ على اصوله الاقطاعية والطقوسية ، وخاصة الأصول الثيوقراطية المزيفة . فالبنيات الفوقية ظلت على حالها من الحسن الثاني الى محمد السادس . والذي تغير عن الدولة السلطانية التقليدانية والقديمة ، هو الشكل ، وليس الجوهر الذي ظل كما كان ، خاصة عند التركيز على مشروعية القمع والقهر ، لتثبيت أسس الحكم . فذكاء الحسن الثاني الذي عصْرن الدولة المخزنية ، ظهر جليا مع استيعابه لبنيات رأسمالية استعمارية ، ودمجها في الهياكل القائمة ، وبالتالي استيعاب كل الأساليب الاستغلالية الرأسمالية ، والمناهج البرجوازية .. عدا المزايا ، والفوائد ، والقيم التي حققتها الثورات البرجوازية ، والمتجسدة فيما يسمى بالديمقراطية البرجوازية ، بفضل كفاح وضغط الفلاحين والعمال .. فهو بالتالي ، نظام شاذ ، يكاد يكون فريدا من نوعه ، من حيث استمرارية طابعه الاقطاعي المشدود للقرون الوسطى ، وحتى للأزمنة الغابرة قبل التاريخ ، واستيعابه لهياكل رأسمالية عصرية في نفس الوقت ..
وطبعا وعند تعمقنا في التحليل ، للنظام المخزني السلطاني البوليسي ، نجد انعكاسات وتأثيرات هذه الطبيعة المزاجية الهجينة ، في كل المستويات ، سواء بالنسبة للهياكل والبنيات القائمة الاقتصادية والاجتماعية ، ذات الطابع المزدوج او المتعدد الاشكال ، او بالنسبة للإيديولوجية الاقطاعية العتيقة السائدة حتى اليوم ، والممزوجة بتلقيحات برجوازية مشوهة ومعطوبة وباهتة ، او بالنسبة للسياسة الرسمية التي تسعى عبثا ، الى التوفيق بين جوهر النظام الدكتاتوري البوليسي ، وقيام مؤسسات " ديمقراطية " ، كتقليد ممسوخ للنمط البرجوازي الأوربي الغربي .. ونجد هذا في طبيعة أجهزة القمع كذلك التي تشتغل كخذم عند السلطان .
وهكذا ، فان أجهزة القمع في الدولة المخزنية ، متعددة البنيات أيضا . فمن جهة ظل الجهاز القمعي المخزني البوليسي قائما ، ولم تدخل عليه سوى بعض التحسينات في الشكل وفي الأسلوب ، وشيء من التطور في أدوات القمع المستعملة ، وهو الذي بجهاز " لمقدمين ، والشيوخ ، والقُيّاد ، والخَلْفان ، والباشوات " ، والمخبرين والمتعاونين معهم في المدن والبوادي ، من اجل إحصاء انفاس المواطنين ، ومراقبة الكبير منهم والصغير .. ، ويمر بأجهزة المخابرات المبثوثة في المساجد وفي الزوايا ، خاصة منها المعتمدة على الشعوذة والتلغيم .. لينتهي بأجهزة التعذيب والقتل والتقتيل ، وحتى الإرهاب اذا اقتضت الضرورة السياسية ، ومصلحة النظام المتشبث باستعباد ( الرعايا ) الشعب ، لديمومته الاحتكار المطلق لثروة الرعايا المفقرين ، تماما كما كان الحال في عهد السلطان الدموي (مولاهم ) إسماعيل ، وغيره من الملوك الدكتاتوريين ، الاقطاعيين المتعطشين الى البطش وسفك الدماء . وعدد ضحايا الحسن الثاني لا مثيل له في تاريخ الاجرام السياسي التي عرفها المغرب منذ دخول العلويين قبل اكثر من 350 سنة ، مرت كلها سنوات عجاف في الديمقراطية ، وفي حقوق الانسان المفتري عليها . وهي الوضعية المؤلمة التي نالت النصيب الأكبر في تقرير البرلمان الأوربي ، وفي تقرير وزارة الخارجية الامريكية ..
ومن جهة أخرى ، نجد ان النظام قد قام بتطوير جهازه البوليسي الموروث عن الاستعمار ، وعمل بتأطير مباشر من الجهات الامبريالية ، خاصة الفرنسية ، والأمريكية ، والإسرائيلية ، والجنوب افريقية زمن نظام الميز العنصري ، وهي الحقائق التي جعلت Mandela ، يناصر وبلا هوادة الجزائر في نزاع الصحراء الغربية ، وعلى رفعه الى مستوى مستلزمات العصر ، وتقنياته الحديثة ، بدءا باستعمال الأساليب النفسية في التتبع والمراقبة والتحقيق ، وصولا الى الاشتغال باللجان المختصة ، والملفات المدروسة ، والعقل الالكتروني ..
و هذان الهيكلان لا يناقض الواحد منهما الاخر ، بل انهما يتكاملان وينسجمان ، كما اننا نجد قاسما مشتركا لهما ، في الاعداد المتعددة من المخبرين ، ومن المتعاونين الذين يستقطبهم النظام ، استفادة من ظروف القهر الاقتصادي ، والحاجة والاحتياج ، التي يعمل على ادامتها وتعميقها باستمرار . كما نلاحظ انّ الهيكل الأول ، يجيب عامة على ضرورات ممارسة العنف بشكله المادي والمعنوي ، هو العنف الاجرامي المباشر كما اسلفنا أعلاه ، في حين ان الثاني ، يتولى دراسة " التوجيه " ، والتدقيق في الخطط الاجرامية الجهنمية ، التي تستهدف ضرب وتفتيت قاعدة القوى الوطنية التقدمية الحقة ، بالأساليب الأكثر خبثا ، وخساسة ، وتسميما ، ومنهجية .
ويتمتع هذان الهيكلان المتكاملان ، بكل الوسائل والأدوات اللازمة ، لممارسة عملها الحقير والدنيء ، حيث نجد ان الفُرُق الخاصة ، والعصابات المسلحة المفصولة عن بعضها عن البعض الاخر ، هي التي تمنحها في الحقيقة ، احسن مثال عن " التعددية " التي يتشدق بها النظام كنظام قمعي ، يتعدى في قمعه ما تقوم به جماعات المافيا المدربة احسن تدريب .
ومن دون ادنى مبالغة ، يمكن القول ، بان جهاز القمع في الدولة البوليسية المخزنية ، هو وحده " القطاع " الذي يضمن لنفسه سيرا عاديا متطورا ، قياسا بالأزمة الخانقة التي تشهدها مختلف المرافق الاقتصادية والاجتماعية .. وهذا ليس من قبيل الصدفة ، علما بان القمع لذا النظام ، هو القاعدة الصلبة التي يرسى عليها أسس الاستمرارية والبقاء . وهذا ما ذهب به ، تجنبا لانعكاس الازمة الاقتصادية على سير كل هذه الأجهزة ، الى تأمين تمويلها المتزايد عن طريق " المعونات " الخارجية ، وخاصة منها تلك التي تأتي من الخليج كالإمارات العربية المتحدة ، والمملكة العربية السعودية .. ولا فائدة في التأكيد أيضا ، على ان التأطير ، والتوجيه ، والتكوين ، موكل للخبراء الأجانب الأمريكيين ، والفرنسيين ، والإسرائيليين ، وحتى الالمانيين ، الى درجة ذهب معها النظام المخزني البوليسي ، الى منح الثقة في الموضوع الأمني ، للأجانب دون سواهم ، مع التأكيد على تعدد الأجهزة ، والفصل في اختصاصاتها ، لضمان التحكم في حجمها ، ولجعلها تراقب بعضها البعض الاخر في نفس الوقت .
ويجب الاعتراف ان النظام المخزني البوليسي ، قد تفوق فعلا في المجهود المتواصل الذي بدله خلال اكثر من خمسين سنة ، في تطوير وتحسين هياكل اجهزته القمعية ، بفضل التأطير المادي ، والمعنوي ، والمالي ، الذي يقدمه الأجانب ، الى درجة أصبحت معها الأجهزة القمعية تتمتع بمستوى عالمي ، وشهرة مرموقة ، وسمعة ذاع صيتها في الوطن العربي ، وفي افريقيا ، وحتى بالقارة الاوربية .. فإذا كانت بلادنا تعاني مثلها مثل بقية بلدان العالم الثالث ، من ظاهرة " هجرة الادمغة " ، فإنها تمتاز عن هذه البلدان بكونها تعرف أيضا ، تصدير " الأطر البوليسية " المحنكة في قمع الشعوب ، وكبح تطلعاتها ، فها هم جل رؤساء الدول الافريقية الرجعيين التبعيين ، كانوا يتهافتون على استيراد مثل هذه الأطر من النظام المخزني البوليسي ، لحمايتهم في زمن ما ، من غضب شعوبهم ، ونضال قواها الثورية ، دون ان ننسى تصدير الأطر البوليسية للخدمة في أنظمة الخليج زمن ما .. فهي أدوار كان النظام البوليسي يلعبها نيابة عن الامبريالية ، التي أصبحت تفضل توكيل حلفاءها المحليين ، في كل الاعمال القمعية العنيفة الموجهة ضد تطلعات الشعوب ... " الزايير " ..
وتجدر الإشارة الى ان الأجهزة القمعية البحثة ، ذات الطبيعة والمستوى المذكور ، لا تعمل بشكل معزول داخل المجتمع المغربي ، بل تحظى ب " ترسانة " من الأجهزة الإضافية المكملة ، والتي لا يقل دورها في القمع خطورة وشراسة ، ومن ضمنها أساسا ، الجهاز الإداري المرتشي في المدن والبوادي ، الذي لا تنطلي " استقلاليته " على احد ، اذ انه جهاز مسخر للمراقبة والمتابعة السياسية أولا وقبل كل شيء . بل ان دوره التنفيذي المباشر في القمع ، والابتزاز ، والاعتداء على المواطنين ، ودوس حقوقهم ، والوقوف بشكل مكشوف الى جانب الاقطاعيين والبرجوازيين ، وخدمة مصالحهم الاستغلالية في واضحة النهار ، الى درجة الاندماج في مصالهم .... دور معروف ، بل ومقنن ومجهر به ، من خلال النصوص الرسمية للدولة العلوية ، والتكوين الدقيق الذي تلقنه ل " رجال سلطتها " . انه الجهاز السلطوي الطقوسي العائد للأزمنة الغابرة ، وزارة الداخلية ام المصائب التي تتدخل في كل كبير وصغيرة ، حيث لقبوها ب " ام الوزارات " ، والحال انها كانت تمثل دراع الدولة في طقوسها المخزنية ، القروسطوية ، وفي استعمالها للعنف المادي والمعنوي ، حيث مجال تخصصها الحقيقي ..
والى جانب الجهاز السلطوي L appareil autoritaire للوزارة ، يقف ( القضاء ) ، الأداة الطيعة في يد نفس الطبقة الاقطاعية والبرجوازية ، يحكم دائما لصالحها ، ويحول الحق باطلا والباطل حقا ، حسب مستلزمات خدمة النظام البوليسي السلطاني المخزني ، وقاعدته الاجتماعية والسياسية .
هذا زيادة على أجهزة الاعلام المختلفة ( من صحافة متعددة التلوين ، والتي اكتظت بها الساحة الإعلامية بشكل متزايد في عهد محمد السادس .. وإذاعة وتلفزة تفرغ يوميا دعايتها ، وافرازاتها الرجعية العتيقة ... ) ، وما تلعبه من دور خطير وإرهاب فكري مستمر.
3 ) نضال الشعب ، ونضال الجماهير الشعبية هو الأقوى :
تعكس دراستنا وتمثل ، مجرد لمحة مختصرة ، عن طبيعة الأجهزة القمعية البوليسية ، والأجهزة السلطوية ، التي سخرها النظام لتأطير مجتمع بكامله ، أفقيا وعموديا ، باستعمال اعتق الأساليب المخزنية البوليسية ، والاقطاعية القروسطوية ، واكثرها ( حداثة ) ، و ( عصرنة ) كذلك . لكن هل هذه الأجهزة تسير بشكل آلي منسجم حسب رغبة الحكم وتوجيهاته المحددة ؟ . وهل الصورة قاتمة بهذا الشكل ، بحيث تغيب إمكانية الرد على هذا القمع الشامل ، الذي يحاول التحكم في جذور المجتمع وشرايينه ؟
رأينا في بداية هذه الدراسة ، ومنهجية التحليل المستعمل في المعالجة . كيف ان النظام القائم في المغرب ، والذي ابتلع كل ثروته التي هي ثروة المغاربة المفقرين ، لا يستمد شرعيته سوى من النظام الاستعماري اللاشرعي هو بنفسه ، وكيف انه ينفي السيادة على شعب باسره ، وينفرد بها هو لوحده ، تحت تبريرات روحية وأخرى مادية واهية ، كما اكدنا على طبيعته القارة كنظام بوليسي مخزنولوجي ، نيوبتريركي ، نيوبتريمونيالي ، ثيوقراطي مزيف ، كمبرادوري ، طقوسي ، تقليداني ، ناهب وحده لثروات المغاربة المفقرين ... أي الاستمرار كنظام توتاليتاري Totalitaire ، حافظ على كل اصوله الاقطاعية، واندمج بشكل تبعي عضوي في النظام ( الرأسمالي ) .. ، ورأينا بالتالي ، كيف انه في حاجة حياتية وحتمية للقمع كوسيلة في الحكم ، وقاعدة أساسية له ، لا تتغير سوى اساليبها واشكالها ، بما يرفع من مستوى فعاليتها ، ويضمن لها تطويق الشعب ، والتحكم فيه ، والتسرب الى جسم المجتمع باسره ، كمثل مرض سرطاني مزمن ، يحتاج الى الجراحة الكبرى ، التي وحدها تضع حدا لنظام السرقة والنهب ، وتهريب أموال المغاربة خارج المغرب ، لتكدس بطرق خبيثة في الابناك الاوربية ، وبالملاذات الآمنة من الضرائب ؟
بقي لنا ان نؤكد من جهة أخرى ، وبشكل قاطع ، على ان النظام العتيق القادم من الزمن الغابر ، باعتماده على القمع المختلف الاشكال ، سواء بأساليبه القروسطوية والمزاجية المباشرة ، او بطرقه المتعددة ، العالية في الفنية والتقنية ، لم ولن يتمكن من حل التناقض الأساسي ، الذي يتواجه فيه بشكل تناحري مع أوسع الجماهير الشعبية المغربية ، واوسع فئات هذا الشعب المفقر والكادح ، التواق الى التحرر والعدالة الاجتماعية .
والحقيقة ان النظام لا يعمل سوى على تأجيل هذا التناقض ، ويرفعه في نفس الوقت ، الى درجة اعلى من الحدة والوضوح .. فسواء مارس النظام البوليسي حلقة من حلقات القمع الدموي الهمجي ، او حلقة من حلقات مسلسلاته ( الانفتاحية ) القمعية الفاضحة ، فانه لا يعمل سوى في اتجاه الانتقال الى مرحلة يرتفع معها وعي الجماهير ، ونضجها ، وتمرسها ، وحنكتها في النضال الجماهيري الواسع النطاق ، وفي العمل السياسي والتنظيمي على حد سواء ، الى اعلى مستوى ..
ومن المعروف انّ من ضمن أساليب المواجهة التي يمارسها النظام كنظام " مافيوزي " ، يعرف فقط لغة القمع الذي تمارسه اجهزته القمعية ، هناك أسلوب الحرب النفسية ، التي تسعى الى التضخيم والتهويل ، من قدرة هذه الأجهزة ، وحضورها في كل مكان وزمان ، وتمكنها من تلغيم كل ما هو منظم في الإطارات الجمعوية ، او النقابية ، او السياسية ، وبث عيونها وآذانها في كل مرافق المجتمع وقطاعاته .. وهذه الحرب النفسية تستهدف طبعا ، تخويف المواطنين ورعبهم ، واذكاء الشك والتشكيك فيما بينهم ، وجعل الحذر وفقدان الثقة ، يحتلان الأولوية في العلاقة بين المناضلين وبين المواطنين ...
الاّ ان هذه الأساليب كلها ، مادية كانت ، ام نفسية ، وروحية ، وهذه الترسانة من الأجهزة والأسلحة المادية ، او الفكرية ، والايدلوجية ، والسياسية ، لا يمكنها ابدا ان تصمد امام نضال الجماهير ، وهو يتقدم نحو مواقع افضل وامتن ، ويُصلّب صموده وثباته ، ويتقدم في حل اشكالاته السياسية والتنظيمية ، ويرتفع بها الى المستوى المطلوب ، من الضبط والاحكام . ولنتذكر كيف استطاع الشعب الإيراني ان يسقط وفي رمشة عين ، النظام الامبراطوري الفارسي ، رغم الأجهزة البوليسية المتعددة ، ومنها جهاز " السافاك " المتخصص في القمع والبطش مثل DGST ، وفي الاعتداء على الناس ، بل بما فيها حتى ضباط الجيش الكبار الذين لم يقفوا ضد الشعب ، والتزموا بأخذ نفس المسافة من هيجان الشعب ، ومن القصر الامبراطوري .. كذلك نتذكر واقعة ساحة " تمشوارة " ، حين انقلب البوليس ومليشيات النظام ، على الرئيس " نكولا تشاسيسكو " ، الذي اعدموه وزوجته في الحال .. فإذا نزل الشعب الى الشارع ، وامامه اطر ثورية ترفع رايات الهمم ، سيسقط النظام ومنه الدولة العلوية في اقل من 24 ساعة . فالوضعية الدولية تكون قد تغيرت ، والجيش مثل جيش تونس زين العابدين بن علي ، لن يستطع اطلاق رصاصة واحدة ضد النازلين ، ولن تتكرر 23 مارس 1965 ، ولن تتكرر مجزرة الدارالبيضاء في سنة 1981 ، ولا المجزرة البشعة في يناير 1984 ، ولا مجزرة دجنبر 1990 .. فنزول الشعب الى الشارع ، إن نزل سيكون حتمية سقوط النظام ، وطبعا تحت انظار مجلس الامن ، الجمعية العامة للأمم المتحدة ، المحكمة الجنائية الدولية ، ومحكمة العدل الدولية ، إضافة الى القرات التي ستناصر النزول ، كالاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، وكل دول عدم الانحياز .. وبما فيهم إسرائيل التي ستنقلب على النظام المخزني بسرعة البرق ،عندما تتأكد من ان الشعب اخذ كلمته ، وان التغيير حتمي الوقوع ..
فهذا الشعب المكافح والصبور ، لا بد ان يحقق تكتل قواه الحية المنتظرة التشكيل السريع ، عند حصول الفراغ القاتل في الحكم ، أي اذا مات الملك المريض ، واذا قرر مجلس الامن الذي تحكمه دول الفيتو ، اللجوء الى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، لفض نزاع الصحراء الغربية ، الذي لن يتجرجر سبعة وأربعين سنة ، كانت بالنسبة " للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب " سنوات عجاف ..
فانتظار تحقيق تكتل قوى الشعب في وحدة وطنية حقيقية ، ومتراصة الصفوف ، سيكون اكبر فرز في الساحة النضالية وفي الميدان ، طبعا طليعته الواعية المنظمة ، التي ستقود الكفاح المنتظر ، وقد قرب موعده واجله اليوم ، اكثر من أي وقت مضى ، وستفجر طاقاته الجماهيرية الهائلة التي ستجرف حتما ، بكل الأجهزة القمعية ، بتنظيماتها العصرية او العتيقة ، بأسلحتها الأيديولوجية ، او الحربية ، بمئات .بل بآلاف المخبرين والوشاة المتعاونين معها ضد الشعب .
طبعا هذا ما علمتنا تجارب العديد من ثورات الشعوب . فاليوم لا خيار ولا وعود ، فإمّا ان تعيش حرا بكرامتك ، او ستبقى مجرد رعية زائدة في الكون ، متناغمة مع حياة الاهانات الكثيرة ، والعيش في الدروشة والمسكنة ، الى ان تفنى الأرض ، ارض رب العالمين ..
والسؤال . هل سيستمر الوضع كما هو في الأرضي المتنازع عليها ، ام ان الوضع سيعرف مشاريع تم تحضيرها ، وحان انزالها باسم المشروعية المتضمنة في كل قرارات مجلس الامن ، وقرارات الجمعية العامة ، والقرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 16 أكتوبر 1975 ، الذي ينص فقط على حل الاستفتاء وتقرير المصير ؟
الحرب رغم بساطتها ، فهي دائرة وتدور. لكن هل ستكتفي بالشكل الذي تجري به الحرب اليوم ، ام ان هناك انتظارات ستفاجئ النظام المخزني ، التي ستصبح الحرب اذا تطورت ، بنوع العمليات ، وبنوع الأسلحة التي ستستخدم ، كارثة قد تطيح بالنظام المخزني ، خاصة وانه نظام معزول في العالم ، الذي سينتصر للمشروعية الدولية التي تنص فقط على الاستفتاء وتقرير المصير .
وهنا . كيف سيكون وضع الصحراويين بالمناطق التي يسيطر عليها الجيش المغربي .. اذا خرجت حشود الصحراويين النازلة للشارع ، بشعارات تدعو الى المشروعية الدولية، وهو نزول سيفرضه قانون الأمم المتحدة ، وستفرضه المشروعية الدولية .. والسؤال . ماذا عندما تعتبر واشنطن " الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب " ، بمنظمة كفاح مسلح ، تخوض حرب تحرير ... نفس الشيء كان صلب تقرير البرلمان الأوربي ، وهو نفس موقف الاتحاد الأوربي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أجواء من البهجة والفرح بين الفلسطينيين بعد موافقة حماس على م


.. ما رد إسرائيل على قبول حماس مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار؟




.. الرئيس الصيني شي جينبينغ يدعم مقترحا فرنسيا بإرساء هدنة أولم


.. واشنطن ستبحث رد حماس حول وقف إطلاق النار مع الحلفاء




.. شاهد| جيش الاحتلال الا?سراي?يلي ينشر مشاهد لاقتحام معبر رفح