الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الكنيسة الأرثوذكسية تحل محل الحزب الشيوعي في روسيا في عهد بوتين
رسلان جادالله
2023 / 12 / 8مواضيع وابحاث سياسية
كتابة فلاديمير ريجكوف
ترجمة رسلان جادالله
في الوقت الذي يحاول فيه الرئيس فلاديمير بوتين تعزيز بنية سلطته العمودية، تتزايد الانقسامات الاجتماعية في البلاد بشكل أعمق.
وقد أدت قضية "بوسي رايوت" إلى انقسام المجتمع الروسي بين أولئك الذين يدعون إلى التسامح تجاه النساء وأولئك الذين يطالبون بمعاقبتهن بشدة، وهذا الانقسام يمثل أيضا الانقسام في المواقف تجاه الكنيسة الأرثوذكسية الروسية نفسه، وقد انتقد العديد من المؤمنين الأرثوذكسيين بشكل علني هرمية كهنوت الكنيسة بسبب موقفها الرجعي من القضية وتحالفها الوثيق مع القيادة الاستبدادية في البلاد، وردا على ذلك، نزلت فرق متطوعة من الحراس الأرثوذكس (Orthodox vigilantes) الذين نصبوا أنفسهم ذاتيا إلى الشوارع لفرض قواعد الكنيسة الأخلاقية للسلوك العام.
وفي وسط كل هذا، دار نقاش حاد على شبكة الإنترنت بشأن قائمة فضائح الكنيسة الأرثوذكسية نفسها- من الطريقة المروعة التي اتهم بها البطريرك كيريل جاره بسبب تسببه في انتشار الغبار الزائد في شقته الفاخرة، إلى سلسلة من حوادث السيارات التي تورط فيها قساوسة أرثوذكس، وهم في بعض الأحيان في حالة سكر، خلال قيادتهم لسيارات أجنبية باهظة الثمن، وقد تصدرت قائمة الفضائح صورة تظهر البطريرك كيريل وهو يرتدي ساعة باهظة الثمن، وقد حاولت الكنيسة محوها باستخدام برنامج الفوتوشوب.
ويزعم زعماء الأرثوذكس أن هناك حملة منظمة، تدعمها المعارضة ورعاتها المفترضين، لتشويه سمعة الكنيسة، وردا على ذلك، تتهم شخصيات عامة الكنيسة بالتواطؤ مع الكرملين لفرض الطاعة للنظام الاستبدادي، وخنق المعارضة وانتهاك الدستور من خلال دمج الكنيسة والدولة.
ويبدو أن السلطات الروسية هي الأكثر نشاطا وتعمدا في العمل على تعميق الانقسامات في المجتمع.
وبالفعل هناك روسْياتان، وتتكون روسيا الأولى منهما من نحو 15 مليون مواطن "معاصر وأوروبي"، أي 11 بالمئة من السكان، ويعيش معظمهم في المدن الكبيرة والمتوسطة الحجم، ويحملون تعليما عاليا ويعملون في القطاع الخاص، مما يجعلهم أقل اعتمادا على الدولة، وهم أساس حركة المعارضة التي نزلت إلى الشوارع للمشاركة في الاحتجاجات التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول، وينتمي أغلب المثقفين الروس إلى هذه المجموعة، وذلك على الرغم من وجود العديد من الأعضاء البارزين من "المثقفين المبدعين"، مثل المغنيين أوليغ غازمانوف ويلينا فاينغا والمخرج السينمائي نيكيتا ميخالكوف، الذين يبذلون قصارى جهدهم لدعم بوتين.
أما روسيا الثانية فتتكون من نحو 40 مليون مواطن محافظ، أي 30 بالمئة من السكان، وهؤلاء يشعرون بالحنين إلى الفترة السوفييتية، ويدعمون بوتين ويعتقدون أن البلاد ككل تتحرك في الاتجاه الصحيح، وهم بشكل رئيسي من سكان المقاطعات النائية والمدن الصغيرة والمتوسطة الحجم والمناطق الريفية، والسمة المميزة لهم هي اعتمادهم على الدعم الحكومي في شكل رواتب ومعاشات تقاعدية ومزايا اجتماعية وإعانات من الميزانية الفيدرالية، وأعضاء هذه المجموعة لا يريدون حدوث اضطرابات في النظام الاجتماعي القائم ويفضلون الاستقرار حتى عندما يعني ذلك الركود، وقد أصبح مدير مصنع أورالفاغونزافود، إيغور خولمانسكيخ، مثالا نموذجيا لروسيا هذه، إضافة إلى سفيتا من إيفانوفو، حيث أصبح خولمانسكيخ المبعوث الرئاسي لمنطقة الأورال الفيدرالية، وأصبحت سفيتا مقدمة برنامج في وقت الذروة على قناة إن. تي. في.
وتحمل هاتان الدولتان في روسيا قيما ومواقف مختلفة إلى حد كبير تجاه الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، فروسيا ذات التوجهات الغربية والحداثية تطالب بحماية حقوق الإنسان والحريات، والتسامح مع المعارضة، والحق في الخصوصية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، واستقلالية السلطة القضائية، وحرية الصحافة، وضمانات للملكية الخاصة، والمنافسة العادلة في السوق، وتدعو إلى قيام حكومة علمانية والفصل الصارم بين الكنيسة والدولة، وفي السياسة الخارجية، تدعم هذه الطبقة الأكثر تعليما وتقدمية علاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتشكك في صداقة روسيا مع بيلاروسيا وفنزويلا والرئيس السوري بشار الأسد.
مقابل ذلك، لا يهتم الكثير من سكان روسيا المحافظة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وهم مهتمون أكثر بتلقي المساعدات الحكومية وتحقيق الأمن الوظيفي مدى الحياة من خلال مناصب في بيروقراطية الدولة المتضخمة.
نفس الأشخاص الذين انحنوا ذات يوم أمام صور فلاديمير لينين والقادة الشيوعيين، أصبحوا الآن يبجلون الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وأيقوناتها، وكما كان الحال في العهد السوفييتي، حيث كان أي انتقاد للحزب الشيوعي يُعتبر تجديفا، فالآن صار أي انتقاد الكنيسة الأرثوذكسية يعتبر بمثابة تجديف. إن روسيا المحافظة هذه هي مناهضة بشدة للغرب والولايات المتحدة، وتعتقد أن هناك مؤامرة عالمية ضد البلاد، وهي مقتنعة بأن المعارضة هي طابور خامس من العملاء الذين تمولهم وزارة الخارجية الأمريكية.
لقد تحالف بوتين علنا مع روسيا المحافظة وبدأ حربا ضد القيم الأكثر أهمية بالنسبة لروسيا التقدمية كحرية الكلمة، وحرية تشكيل المنظمات غير الحكومية، وحرية التعبير الإبداعي، والحق في التجمع، وفي الاستخدام غير المقيد للصحافة والإنترنت.
لم تكن روسيا منقسمة بهذا القدر من العمق منذ اشتبك مؤيدو ومعارضو الإصلاحات الديمقراطية وإصلاحات السوق في تسعينيات القرن العشرين، وهي الفترة التي تميزت بتوترات اجتماعية خطيرة، والخطر الذي نواجهه اليوم هو أن الانقسامات الاجتماعية والمواجهة المتصاعدة بين المجتمع والقوى الحاكمة سوف تندلع مرة أخرى في مواجهة عنيفة بين أفراد المجتمع الرجعيين والتقدميين.
*
عن الكاتب:
فلاديمير ريجكوف (Vladimir Ryzhkov) هو سياسي روسي، وهو أحد مؤسسي الحزب المعارض "حزب حرية الشعب" ( RP-Party)، المعروف سابقا باسم "الحزب الجمهوري لروسيا"، وقد ترأس حركة "فيبور روسيي" (خيار روسيا)، كما كان نائبا في مجلس الدوما من عام 1993 وحتى عام 2007، ومقدما لبرنامج حواري سياسي على إذاعة إيكو موسكفي (صدى موسكو).
*
حواشي من المترجم:
- هذه المقالة منشورة بعنوان "The Church Has Replaced the Communist Party " في موقع "موسكو تايمز" (The Moscow Times) المستقل، الذي ينشر باللغتين الروسية والإنكليزية، وقد تمت هنا ترجمة النسخة الإنكليزية من المقالة.
2 -"بوسي رايوت" هي فرقة بانك روك احتجاجية نسوية روسية موسكوفية مؤلفة من 11 امرأة، تم تأسيسها في أغسطس-آب 2011، وهي معارضة للرئيس فلاديمير بوتين والكنيسة الأرثذوكسية الداعمة له، وفي 21 فبراير-شباط 2012 قامت بعض عضوات المجموعة باقتحام كاتدرائية المسيح المخلص في موسكو وتقديم عرض داخله احتجاجا على دعم الكنيسة الأرثذوكسية لبوتين خلال حملته الانتخابية في تلك الآونة، وعلى إثر ذلك ألقي القبض على ناديجدا تولوكونيكوفا وماريا أليوخينا ويكاترينا ساموتسيفيتش من عضوات الكنيسة، ثم حُكم على كل منهن بالسجن لمدة سنتين بجريمة "الشغب بدافع الكراهية الدينية" في 17 أغسطس-آب 2012، ولكن بعد الاستئناف علّق في 10 أكتوبر-تشرين الأول 2012 الحكم الصادر على ساموتسيفيتش وأطلق سراحها تحت المراقبة، فيما أقر الحكم الصادر على تولوكونيكوفا وأليوخينا.
3- هي الاحتجاجات التي انطلقت في روسيا في 10 ديسمبر-كانون الأول من عام 2011 ضد نتائج الانتخابات التشريعية الروسية، التي اتهمها العديد من الناشطين السياسيين والصحفيين الروس وأفراد الجمهور بأنها مزورة، وقد استمرت حتى عامي 2012 و2013، وأطلقت عليها بعض وسائل الإعلام الأجنبية اسم "ثورة الثلج".
4 - هي سفيتلانا كوريتسينا (Svetlana Kuritsyna)، المعروفة أيضا باسم سفيتا من إيفانوفو (Sveta from Ivanovo)، وهي صحفية روسية وناشطة في حركة الشباب الموالية لبوتين "Nashi- ناشي"، وهي مولودة في 20 يوليو-تموز 1992 في مدينة بريفولجسك الواقعة في مقاطعة إيفانوفو الروسية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - شكرا على المقالة التعريفية
د. لبيب سلطان
(
2023 / 12 / 9 - 06:30
)
يواجه المجتمع الروسي كما ارى من مقالة الكاتب نفس ظروف مجتمعاتنا العربية من استبداد سلطوي واخر ديني ،الاقلية المتنورة والتي حددها الكاتب قرابة 10 % من السكان معرضة للقمع وتكميم الافواه ومطاردة الاجهزة الامنية ..تماما كما عندنا..ربما المقارنة بين مجتمع اوربي مثل روسيا والعربي تبدو لأول وهلة غير واقعية ..ولكنها كذلك ...المجتمع الروسي رغم ثقافته العالية وتعليمه الجيد انجب 10 بالمئة من يقيم مفاهيم الديمقراطية والحريات مثلنا..عاش قرابة قرن تحت نظام ديكتاتوري .. .مثلنا ..ومنه لاتقاليد ديمقراطية ولاتقاليد حرية صحافة ورأي ولا مؤسسات مجتمع مدني نشأت ..وهذه هي حال العالم العربي ..من الصعوبة ايجاد فارق بين بوتين واي ديكتاتور عربي..لنقل مثل بشار الاسد او مبارك ..
قرأت ان روسيا لها ثقافتان اوربية وشرقية اسيوية ويبدو ان الجزء المتحرر ينظر لاوربا والجزء الشرقي ينظر للكنيسة وقائد ملهم قومي مثل بوتين ...صورة مشابهة للشرق الاوسط ..الليبراليون يدعون لحضارة اوربية والسلفيون الدينيون والقوميون الى الدين والامة ..والماركسيون في روسيا مثل جماعتنا لاهم لهم سوى عداء وتشهير بالغرب وحضارته . اي مع السلفية.
2 - مقاله زاهيه وعلميه صادقه عن المجتمع تاروسي الشرقاو
المتابع
(
2023 / 12 / 9 - 15:52
)
عن المجتمع الروسي الشرقاوسطي من الضروري قراءتها والتنور بها عن حقيقة الدب التائه-تحياتي
.. إحياء صفقة القرن... هل تكون أولى خطوات ترامب؟ | رادار
.. مشاهد جوية تظهر المناطق المتضررة جراء إعصار ينكسينغ في الفلب
.. آيزنكوت: لست متفاجأ من القضايا التي يجري التحقيق فيها بشأن ت
.. صحيفة هآرتس: إسرائيل موعودة بحرب طويلة في غزة ولبنان بسبب سي
.. الأعلى في تاريخ مقياس بلومبيرغ.. فوز ترمب يزيد ثروات أغنى 10