الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم ( االحياة ) يقدم وصفة في الاستمتاع بجمال الحياة وبهجتها

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2023 / 12 / 8
الادب والفن


تأثير المخرج الياباني الراحل " أكيرا كوروساوا" على السينما الحديثة كبيرا . هناك قائمة من الأفلام التي لا نهاية لها التي استلهمت تجربة كوروساوا وعلى على نطاق أوسع ، على سبيل المثال "حرب النجوم " لجورج لوكاس( مبتكر سلسلة أفلام حرب النجوم ) الذي ذكر إن كوروساوا " كان له تأثير كبير على حياتي" ، وكانت البنية السردية لأول فيلم حرب النجوم مأخوذة من فيلم كوروساوا " القلعة الخفية" ، وكذالك المخرج "ستيفن سبيلبرغ "عبّر عن إعجابه بــ " مجمل أعمال المخرج الياباني أكيرا كوروساوا الرائعة التي لا تزال تلهمنا جميعًا" . مارتن سكور سيزي يقول إن " كوروساوا كان إستاذي، وأستاذ الكثيرين من المخرجين" . وقال ديفيد ديسر الذي يدرّس مادة السينما في جامعة تشابمان " عندما تشاهد أفلام كوروساوا، فإنك ترى اللحظات التي يتم اقتباسها واستنساخها في أفلام أخرى لاحقًا مثل ، كيفية التعامل مع الحشود، والحركة البطيئة في مشاهد الإثارة والمغامرة ". ويصفه الباحث والخبير السينمائي مايكل جيك “ كوروساوا شكسبير السينما". الكاتب البريطاني ذو الأصول اليابانية" كازوو إيشيغورو " روائي وكاتب سيناريو حائز على جائزة نوبل ، كان يحلم بنقل واحدة من روائع المخرج العبقري أكيرا كوروساوا وهو فيلم " أيكيرا" كوروساوا (1952). أعد سيناريو الفيلم بالاشتراك بالمخرج الشاب(أوليفرهيرمانوس) . قد يكون فيلم "الحياة " اقتباسا لفيلم أكيرا كوروساوا" إيكيرو " او العيش لعام 1952، ولكن كلاهما يستلهم الفكرة من رواية تولستوي لعام 1886 "موت إيفان إيليتش" . على الرغم من أن هذا الفيلم يسير بخطى بطيئة إلى حد ما، إلا أنه يتناسب تماما مع النغمة البسيطة للعصر الذي تم تصويره في الخمسينيات من القرن الماضي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، يلعب الممثل الإنكليزي " بيل ناي" دور السيد ويليامز الذي يعمل في قسم التخطيط للمجلس البلدي لتابع أعادة إعمار مدينة لندن التي تضررت من جراء القصف في الحرب العالمية الثانية، هو أحد أفراد النظام البيروقراطي الذي يشكل إدارة هذه المؤسسة ، على الرغم من أن هذا التعبير عادة ما يطلق ضمنًا على الأفراد داخل مؤسسات الحكومة . صورة لمسؤول روتيني حيث لا جديد في دورة حياته ومسارها الخالية من الخلق أو الابداع . وأصبح السيد ( وليامز) شبح رجل يؤجل قرارات التخطيط المهمة لأنها نائمة في الدرج دون حسمها. توفيت زوجة السيد ويليام منذ بعيدة ويعيش مع إبنه وزوجته . اختار المخرج هيرمانوس إعادة سرد الفيلم الياباني الأصلي لعام 1952، ولكن في لندن وفي فترة بعد الحرب العامية الثانية في عام 1953 ، وافتتح القصة بمونتاج محبب رائع لما يعرف الآن بمعالم لندن السياحية التي لم تشوهها ناطحات السحاب وإعلاناتها الضوئية . وتبرز مهارة المخرج" هيرمانوس " في الالتزام بالدقة التاريخية من خلال كل إطار والتقاط تفاصيل تلك الفترة بكل بدقة من المكياج إلى الأزياء والعادات والمركبات وعربات القطار .

تدور أحداث الفيلم في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي في لندن في وقت التقشف والبيروقراطية ، حيث يظهر الموظفون ومدراءهم يرتدون ملابس أنيقة في بدلاتهم والقبعات ، ويستخدمون بشكل روتيني القطار في رحلتهم إلى لندن، يجلسون في مكاتبهم المزدحمة الخالية من المتعة والمرح أثناء العمل طوال اليوم. أحد هؤلاء الموظفين المدنيين هو السيد رودني ويليامز (بيل ناي)، الذي أمضى حياته كلها في كونه مجرد ترس في الماكنة الحكومية، الافتتاحية من منظرعلوي لساحة بيكاديللي في لندن، في كل مجدها في منتصف القرن العشرين، تنقلك كاميرا أوليفر هيرمانوس إلى حقبة ماضية من بريطانيا. لنكون أكثر تحديدا لبريطانيا ما بعد الحرب. عند مغادرة السيد ويليامز دائرته مبكرا لحضور موعد الطبيب ، لسوء الحظ، في هذا الموعد يتلقى ويليامز بعض الأخبار المدمرة ، بعد فحصه من قبل الطبيب يفاجئ بتشخيص إصابته بالمرض القاتل ولم يتبق لديه سوى ستة أشهر للعيش . يبقى الامر سراً على الجميع من حوله ، بما في ذلك ابنه البالغ (بارني فيشويك). في وقت لاحق ، يجلس وليامز وحده في الظلام في المنزل، بحيث لا يشعران ابنه (بارني فيشويك) وزوجة ابنه (باتسي فيران ) بوجوده ويسمعهما يتحدثان علنا عن بخله الخانق وحياته المملة . بعد أن أنتبه السيد ويليامز كما لو أيامه تسربت بلا جدوى وأن حياته قد ضاعت ، يصرّ على تغيير نمط حياته عندما يصل إلى مفترق طرق لتحديد خطوته التالية. يهزه التشخيص الطبي ( السرطان )القاتل حتى النخاع ويجعله يحلل كيف مرت به الحياة دون أن يتمتع بمباهجها ، لأن العمل وروتين حياته عزله عن متع الحياة. لا أحد يعرض المشاعر الخفية والمشاعر المكبوتة لرجل يقترب من الموت، التقطها المخرج الجنوب أفريقي" أوليفر هيرمانوس" بشكل جميل هنا. لا يوجد بكاء أو نحيب ، ولكن حتى في سكونه كان ألمه وندمه واضحان . عندما يعلم ويليامز أنه ليس لديه الكثير من الوقت للعيش بشكل جدي، يسحب نصف رصيده من حسابه المصرفي . يذهب السيد وليامز إلى بورنموث ويصادف أولا الكاتب المسرحي ساذرلاند (ه توم بيرك) في مطعم على شاطئ مدينة بورنموث . وكان يفكر في الانتحار، ولكن بيرك يقنعه بتغير طريقة حياته والعيش الباقي من عمرة بالاحتفال بمباهج الحياة في المدينة، وشرع على الفور في تجربة بعض الملذات البسيطة في الحياة، الانغماس في الحياة الجديدة مع شخص غريب (توم بيرك) ، يذهبان سوية الى نوادي ومراقص تلك المدينة الساحلية، لكنه يعود إلى لندن. يصطدم بمارغريت الشابة وهي موظفة سابقة كانت تعمل تحت أدارته . يطلب منها الذهاب لتناول الغداء معه في مطعم باهظ الثمن إلى الانخراط في محادثة ودية مع السكرتيرة السابقة مارغريت (أيمي لو وود)، ومن هنا تبدأ حياة السيد ويليامز في التغير مئة وثمانون درجة في هذا الفيلم نشاهد السيد ويليامز ثمل ويغني لحن شعبي أسكتلندي حزين لزوجته الراحلة التي أحبها ذات مرة . السيد وليامز في ليلة من حياته يحاول أن يكتشف كيفية "العيش" يقرر عدم المضي قدما في انتحاره وبدلا من ذلك يعود إلى المنزل حريصا على إحداث فرق قبل أن يموت. هنا يقرر مساعدة مجموعة من النساء اللواتي يرغبن في تحويل موقع قنبلة الحرب العالمية الثانية إلى ملعب وحديقة يلعب به الأطفال . اختار هيرمانوس إعادة سرد الفيلم الياباني الأصلي لعام 1952 في لندن ما بعد الحرب في عام 1953 .

أحد العناصر الضعيفة في الحياة المعيشية هي الحياة المنزلية لويليامز؛ ابنه وزوجة ابنه، اللذان يشاركهما منزله، لم يتم التركيز عليهما أبدا عندما يكتشف السيد ويليام أنه لم يكن لديه الكثير من الوقت، لا يستطيع السيد ويليام حتى أن يخبر ابنه أنه يحتضر . يدرك أنه لم يكن يعيش بشكل صحيح وأيامه مجرد البقاء على قيد الحياة. يأخذ الفتاة الجميلة مارغريت من المكتب لتناول الشاي وهو تغير كبيرقي سلوك السيد وليامز .ويتخذ قرارا مهما بأن لابد من ترك أثرا طيباّ في هذه الحياة عن طريق خدمة إنسانية ، وأخيرا يحصل الموافقة على بناء ملعب الأطفال وتشغيله. هناك نوع من الحزن في هذا الفيلم حول الوقت الضائع والفرص والدرس لوقف اليوم. لا يأتي السيد ويليام إلى الحياة إلا بعد تشخيصه. واحدة من أكثر اللحظات حساسية في الفيلم الأنيق تحدث خلال لقاء في جنازة ويليامز بين الأبن مايكل ومارغريت . كانت وفاة الرجل بمثابة الصدمة للأبن. ويشعر مايكل بالدمار عندما يدرك أن والده لم يكن قادرا على الكشف عن هذه الحقيقة الأكثر أهمية وحميمية لابنه . عليه أن يقترب من مارغريت ليكون مستنيرا فيما يتعلق بمرض والده والتعرف على الأشهر الأخيرة: "هل كان والدي يعلم أنه مريضا؟، وهل كان يحتضر ؟ ، ولو كان يعرف لماذا لا يخبرني؟" ، ترسم على وجهه علامات العار والحيرة . قبل عشر دقائق من انتهاء الفيلم نرى الملعب وحديقة الأطفال قد استكمل العمل بها ، بعد أن اثمرت جهود ويليامز في بنائه في أحد الأحياء الفقيرة. ونشاهده جالساً على أرجوحة الاطفال وهو يغني أغنية أسكتلندية لنفسه مستحضرا فيها شريط حياته ، بينما يقف من بعيد شرطي يراقبه في جو ضبابي وهو دامع العينين . اللقطة الافتتاحية للسيد ويليامز على الارجوحة في الحديقة التي ساهم في بنائها تتكرر ختام الفيلم أيضاّ ، ثم تتحول الكاميرا ببطء نحو الأطفال الذين يلعبون بمرح وفرح غامر مع أمهاتهم . هذا المشهد المؤثر والدافئ تذكير بأن الأشياء البسيطة في الحياة هي التي تجلب أكبر قدر من الفرح والذكريات التي نعتز بها أكثر . يقدم فيلم الحياة مثالا نادرا على إعادة صنع لحظات من عمرنا وجعلها تحفة فنية . هذه الرسالة المهمة لفيلم "العيش" لأوليفر هيرمانوس" . واللحظة الرئيسية عندما يموت وليامز في الشتاء القارص جالسا على أرجوحة الحديقة التي ساهم في بنائها وهو يترنم بالأغنية الأسكتلندية مستذكرا أيامه الجميلة مع زوجته الراحلة . يقرر زملاؤه السير على طريقه واستكمال بقية المشاريع الخاصة بإعادة بناء لندن .

إعادة إنتاج مثل هذا الفيلم التحفة فعلاّ مجازفة كبيرة وجرأة من المخرج الجنوب أفريقي "أوليفرهيرمانوس " حين أعاد هذه التحفة الفنية معتمداّ على سيناريو كتبه الروائي الياباني -الانكليزي الجنسية “كازو إيشيغورو الكاتب الحائز على جائزة نوبل ، المولود في ناغازاكي باليابان عام 1954 قبل أن يهاجر إلى بريطانيا عام 1960 مع والديه . في فيلم "إيكيرو" ، حين يخبر الطبيب كانجي واتانابي بحالته المرضية يهون الامر علية ويصفها أنها مجرد قرحة ، والحقيقة هي كذبة لأن التشخيص الصحيح كان سرطان المعدة ورغم ذالك يخط اليأس أثاره على وجه شيمورا. ولكن في النسخة الحديثة الإنكليزية " الحياة" ، الطبيب يخبر السيد ويليامز بحالته المرضية بشكل واضح حين يقول : "الأمر ليس سهلا أبدا " . على غرار فيلم كوروساوا ، تصبح نتيجة تصرفات واتانابي أكثر وضوحا في الجزء الأخير من الفيلم الذي يتكشف خلال جنازته ، كان كوروساوا ناقدا اجتماعيا أكثر صرامة. في الوقت الذي أخرج فيه إيكيرو كانت راديكاليته السياسية واضحة ، الفيلم الذي أعطاه عنواناً "معنى العيش" جاء بعد سنوات قليلة من إسقاط القنابل الذرية على هيروشيما وناغازاكي". في "مشاهد الحياة الليلية في طوكيو على وجه الخصوص يلمح إيكيرو إلى اليأس والهستيريا ويكشف بطريقته الخاصة عن أهوال الحرب . وهي وجهة نظر المخرج العظيم كوروساوا في إن الخضوع "للسلطة وعدم نكران الذات قاد اليابانيين إلى كارثة الحرب . شخصيات أفلام كوروساوا تميل إلى أن تكون أكثر وضوحا عاطفيا من تلك الموجودة في أفلام أخرى ، يمكن القول الشيء نفسه في النسخة الانكليزية التي تميزت من ناحية التصوير السينمائي الرائع لجيمي رامزي الذي يبحث عن الجماليات في تكوين أطار المشهد أكثر من التمثيل السردي والمجاز وبشكل يغلفنا بالحنين إلى الماضي . على غرار فيلم كوروساوا ينجح سيناريو إيشيغورو بترك أثرا طيبا للسيد ويليامز بعد وفاته بعد أن عمل في أخر أيامه بعناد من وكان محارباً شرساً للبيروقراطية من أجل بناء الملعب المقترح مما جعل زملاءه في العمل يتساءلون عما إذا كان رجل واحد يمكن أن يحدث مثل هذا الفرق والتأثير . الفيلم الياباني " إيكيرو" ينتهي بعدد قليل من الشخصيات التي تتعلم قيمة وأهمية الحياة على أكمل وجه ، ويدرك المشاهد كيف أحدثت شخصية شيمورا فرقا . وعلى النقيض من ذلك فإن رؤية إيشيغورو للعالم أكثر تفاؤلا من نظرة كوروساوا ، وهنا يكمن الفرق الكبير بين اقتباس إيشيغورو وفيلم كوروساوا . ومع ذلك ، فإن كلا الفيلمين يحملان الرضا عن النفس .
في الختام : الرسالة الاساسية التي يبعثها الفيلم من خلال سرد القصة في قدرتنا على تغيير حياتنا إذا وجدنا الشجاعة والتصميم على المتابعة . الرجال الذين عملوا جنبا إلى جنب مع واتانابي لمدة ثلاثين عاما يدركون الدرس الذي تعلمه دون يؤثر التشخيص القاتل على العيش بطريقة إيجابية ، كاميرا مؤثرة وجذابة ورائعة بصريا بنفس القدر التي تجعل الفيلم عن الحياة عبارة عن معزوفة تطرق قلبك مدة عرض الفيلم ، لهذا تظل نسخة المخرج الياباني العبقري عرضا رائعا لإنسانيته ولقدرته على تجريد شخصياته من أوهامها وتحيزاتها ، عندما يجد واتانابي في أكثر مشاهد فيلم " إيكيرو " التي لا تمحى نفسه وحيدا في إحدى الليالي على أرجوحة في الملعب الذي جعله ممكنا ، يبدو الأمر وكأننا نرى هذه الشخصية بالكامل لأول مرة ، ماضيه المستقيم وحاضره الحزين ينهار في إطار واحد مدمر ، رجل عجوز يغني أغنية عن طفولته وسط الثلج الذي ينث بياضه . تلك الرحلة السينمائية الممتعة بشكل مدهش . في المقابل ، عندما يتم تشخيص إصابة السيد ويليامز بسرطان قاتل ومنحه بضعة أشهر للعيش فإن الطريقة التي يلعب بها هيرمانوس وإيشيغورو المشهد لا تناقض مع طريقة كوروساوا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا