الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المزحة 1969:نهاية الفرد

بلال سمير الصدّر

2023 / 12 / 9
الادب والفن


الرواية من كتابة ميلان كونديرا والفيلم من اخراج ياروميل جيريس
بعتبر فيلم المزحة من آخر أفلام حركة الموجة الجديدة-وليس من الضروري التطرق الى هذه الحركة في معرض مراجعتنا للفيلم.
لودفيك رفيق ماركاتا وهو منتمي الى الحزب الشيوعي كضرورة للحياة فقط او كواجب اجتماعي لايعتبر بالنسبة اليه باهظ الثمن إذا ضمن له حياة هادئة فقط،هذا بعكس رفيقته التي تنتمي للحزب،او نعتقد انها تنتمي اليه لأن الحياة-في بعض الاحيان-قد تفرض عليك ولاءات تكون مخلصا لها من دون ان تفهم ما السبب وفي كثير من الاحيان أنت لاترغب بالتفكير بالسبب..ذات مرة يرسل اليها بطاقة بريدية ذات نبرة كوميدية...لم يكن يقصد من تلك الثلاث عبارات سوى المزاح...ربما لإغاظة حبيبته بقصد الدعابة:التفاؤل هو أفيون الشعب،الروح الصحية تنبعث من الغباء...يحيا ترتوتسكي
ومن دون البحث عن الاشتقاق اللغوي،أو حتى النظر الى نظريات دريدا في التفكيك،من الممكن للقيادة الشمولية أن تخلق حزبا سياسيا وحزبا شعبيا موالي طبعا للحزب السياسي،ومن الممكن ان يفسر الكلام-اي كلام-على شاكلة مؤامرة لفظية ليس إلا لكنه من الممكن ان يودي بصاحبه نحو الهاوية،لأن الولاء هو هدف نفاقي خفي،ربما يكون مقصوده الولاء أو تحقيق ميزة الولاء للجهة الأقوى...
الولاء ليس إلا دافع أناني هو الآخر،فنظريات الحرية والعدالة والمساواة ليست سوى غاية مبطنة لطبيعة انسانية تخدم النظام الشمولي الذي يعد بالتفوق...ببساطة شديدة:هل هو الايمان أم الخوف؟!
يطرد لودفيك من المجتمع الجامعي الذ هو بوتقة النظام السياسي الشمولي،فالشمولية لاتؤمن بوجود حواجز بين حالة اجتماعية وحالة اخرى،بين حالة فردية وحالة اجتماعية...لايوجد فرق بين خصوصية من نوع معين،وعمومية من نوع معين،فالحالات هي سلسلة هرمية للوصول الى الرأس الأعلى في السلطة،فذوبان الفرد حاصل قسريا بعدة طرق،بالقبول أو الذوبان أو التحفظ،او القبول والذوبان مع اعلان الولاء الكاذب المسير وليس المخير.
الكوميديا البشرية بشكل عام لاتخدم نظاما شموليا،لأنها ككوميديا من الممكن دائما ان تفسر بشكل خاطئ...
لأن الكوميديا هي شطر من اشطر التهكم،وحتى لو كان العكس صحيح فلا فرق هناك...لافرق هناك أبدا
هو قادم الى مسقط رأسه براغ بعد عشرين عاما...غلى تلك المنطقة التي يكرهها بشدة ولا يكن لها أي نوع من المشاعر
ولكن ومع أول لحظة له على ارض مسقط رأسه تلوح له الفرصة بالانتقام...
زاماكوفا قادمة لتقدم روبورتاجا عن مؤسسته البحثية،ولكن هذه المراة التي يعرف زوجها جيدا,صديق زميل دراسته بافل الذي وشي به الى الحزب...هو اراد النوم معها بالرغم من تقدمها بالعمر وبالرغم من معطفها البرجوازي مرتفع الثمن.
زوجها يدرس الماركسية في احد الجامعات...
...لكن بالطبع،فأنا اعرف زوجها معرفة جيدة ومنذ تلك اللحظة بدأت بكرهها،ولكن الشيء الغريب هو بأنك عندما تبدأ بالشعور بالكره إزاء امرأة معينة ،ولكن وهذا غريب،أن تصبح مهووسا بأمرأة تكرهها.
مع هذه العودة،يلتقي أيضا بصديقه المسالم كوستا،يقول له:
أنت بناء قرميد صامت في الموقع الانشائي الأبدي الإلهي...
احد النقاط المهمة في الفيلم بأنه فيلم عن الواقع السياسي والمحيط هو براغ،والوثائقية تؤكد هذا الواقع:
كان التسمم،قمنا باتخاذ القرارات الخاصة باقدار الناس والاشياء،كنا نعتقد بأننا كنا نمسك بعجلة القيادة الخاصة بالتاريخ.
ماركاتا،هي الفتاة التي كان يحبها وارسل اليها بتلك المزحة وصوتت على طرده من الحزب الاشتراكي-كانت مثل روح ذلك العصر ...ساذجة مليئة بالبهجة...
إذا لودفيك طرد من الحزب الذي ضمه الى كتيبة تدعى:الكتيبة التأديبية لأعداء الجمهورية
هذه الكتيبة أشبه بكتيبة المغضوب عليهم...هؤلاء التي تعتقد الشيوعية بأنهم ينتقدوها بشكل مبطن،كأن تخرج عن الواقعية الأدبية الروسية وترسم لوحة تكعيبية،أو تكون ابن لبرجوازي متهم بالتجسس،أو تكون قد ألقيت بمزحة لم تلقي لها بالا...
شتينك طرد من أكاديمية الفن لأنه رسم لوحة تكعيبية...يقوم في السجن برسم جدارية لنساء عاريات ذوات تماس مباشر مع حياته الواقعية وعندما يسأل في السجن عنها:
هذه استعارة رمزية تبين أهمية جيشنا...من اجل حرية جمهوريتنا
ومن ثم يشير الى النساء العرايا في اللوحة:
هذا هو الجيش،والطبقة العاملة بجانبها....هذا رمز الحرية والعدالة والمساواة
ويشير الى المراة التي تدير مؤخرتها للجمهور في الصورة:تلك هي البرجوازية تترك مشهدا في التاريخ
هذه هي السخرية والتهكم بحد ذاته،انها الكوميديا التي قلنا عنها الخاصة بالمزحة،ولكن هذه الكوميديا-اعلاه-من غير الممكن أن تؤول سوى من جانب واحد لاعير.
لودفيج يريد تحقيق أنتقامه من بافل من خلال النوم مع زوجته هيلينا-المشار اليها باسم زامانكوفا-ولكن بلده تتهكم عليه،وتمارس عليه انتقاما خادعا،لأن هيلينا وبافل لم يعود متزوجين منذ ثلاث سنوات،بل هي حالة شكلية فقط من اجل المظاهر الاجتماعية والأطفال...
فيلم مناهض للاشتراكية ولكنه اشتراكي من زاوية أخرى:
من الواضح ان الفيلم-الرواية-مناهض للاشتراكية،ولكننا نعود الى العلاقة الاشكالية الدائمة بين الفيلم والرواية،فالفيلم حطم المشاعر الانسانية الفردية في الرواية،وركز على الواقع السياسي وعلى جزئية واحدة من الرواية،وهي قصة لودفيج،فإن كان ميلان كونديرا اراد ان يقول ان الشمولية ذوبت الفرد بطريقة عبثية وغير منطقية،فالفيلم ايضا لم يهتم كثيرا أو على الأقل لم يسهب في المشاعر الانسانية التي سردها كونديرا باسهاب في الرواية،بل الفيلم استبعد شخصية لوسي وهي شخصية لايمكن تصور رواية المزحة من دونها.
احد الاقتباسات عن الرواية عن ذوبان الفرد تحديدا:
هكذا تعودت تدريجيا على ان حياتي تقطعت،تملصت من بين يدي،لم يبقى لي أخيرا إلا ان ارتبط حتى في سريرتي بالمكان حيث كنت فعلا أوجد،ومن غير جدوى،تدريجيا،أخذت رؤيتي تتأقلم مع تلك الظلال لمحو الشخصية،وبدأت أميز أناسا حولي بصورة متأخرة مقارنة بالآخرين،لم يكن التأخر مع ذلك كبيرا لحسن الحظ،بحيث لم اصبح بعد بالنسبة اليهم شخصا غريبا تماما.
ميلان كونديرا هو كاتبي المفضل وصاحب التأثير الأول علي وعلى رؤيتي في الكتابة،توفي منذ اسبوع واحد فقط في 11/7/2023.
وان كنا قد ودعنا غودار من قبله وكيم كي دك،فكما اقول دائما:كلنا في النهاية سوف نموت
مع ما نراه في غزة...لم يعد هذا العالم مغريا للعيش
18/7/2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا