الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التراث الغناسيقي العراقي بين العنوان ونصف المضمون

حسين مسلم
موسيقي ، وباحث وكاتب في شأن الموسيقى العراقية

(Hussein Muslm)

2023 / 12 / 9
الادب والفن


ارتبط الغناء في بلاد وادي الرافدين بشكل وثيق في حياة الإنسان، إذ كانوا يستخدمونه في طقوسهم الدينية والروحية والعاطفية وغيرها، كذلك الموسيقى شأنها شأن الغناء، وبما أننا شعب غنائي فقد وصلنا الغناء فقط، ولم تصلنا الموسيقى (أي المؤلفات الموسيقية) لأن المؤلفات الموسيقية تحتاج إلى تدوين على عكس الغناء الذي ينقل شفاهيًا ، وتوجد محاولات لإحياء المؤلفات الموسيقية في بلاد الرافدين لكنها دون جدوى، مجرد إيهام الناس بهذه الأكاذيب المزيفة، ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها اختلاف طول الوتر والسلالم الموسيقية وغيرها. فهي تختلف عن الغناء الذي نقل شفاهيًا وتطور بمرور الزمن إلى أن وصلنا في هذا الشكل.
وساهمت الظروف التاريخية ومنها دخول الإسلام إلى بلاد الرافدين في تغيير الطابع الغنائي ، أما الموسيقى الصرفة فقد كانت متمثلة بقالب التقاسيم (الموزونة والغير موزونة) إذ تمتاز التقاسيم بعالمها الخاص يستطيع بوساطتها الموسيقي أن يبرز كل أفكاره الموسيقية وخيالاته العاطفية، واستمر الأمر إلى قرابة النصف الأخير من القرن التاسع عشر، حينما أرسل الخديوي إسماعيل عدة موسيقيين إلى إسطنبول ليدرسوا الموسيقى، ومن خلال هذه البعثة تم إدخال قوالب التأليف الموسيقي إلى الوطن العربي ومنها (السماعي، البشرف، اللونگا، السيرتو) وغيرها.
وبدأ العرب يألفون الموسيقى وفق القواعد والأُسس والقوالب الموضوعة، وإن أقدم قطعة موسيقية عراقية هي من تأليف الملا عثمان الموصلّي (1854– 1923م )بعنوان (شرقي نهاوند)، وبرز التأليف الموسيقي وبدأ يأخذ مساحته ومكانته في العراق وفي بداية ثلاثينيات القرن العشرين، على الرغم من أننا إلى لحظة كتابة هذه السطور نميل إلى الغناء أكثر بكثير من الموسيقى.
خلاصة القول إننا شعب غنائي أكثر مما هو موسيقي التأليف كما تحدثت أعلاه، وبناءًا على ذلك، فإن الموسيقى والأغنية لا يعدان تراثاً إلا بعد أن يصبح عمرهما حوالي 60 عام وأكثر.

-التراث عنوان ونصف المضمون!
أقامت دائرة الفنون الموسيقية/ وزارة الثقافة العراقية (مهرجان بغداد الدولي للتراث الموسيقي، وتشمل كلمة (موسيقى) في الوطن العربي (الموسيقى والغناء)) معاً ، وأُقيم المهرجان للفترة 3- 2023/12/7 على قاعة الشعب في منطقة باب المعظم/ بغداد بمشاركة:
الفرقة الوطنية للتراث الموسيقي العراقي/ تمثل دولة العراق .
فرقة كروب ميوزك لور/ تمثل مدينة السليمانية.
فرقة أسطنبول/ تمثل دولة تركيا.
فرقة بيت المقام/ تمثل مدينة كركوك.
فرقة راوي النسوية/ تمثل دولة إيران.
فرقة وتر/ تمثل مدينة الموصل.
فرقة موكام/ تمثل دولة اذربيجان.
فرقة الخشابة البصرية/ تمثل مدينة البصرة.
فرقة سومريات/ تمثل دولة العراق .
قدمت الفرقة الوطنية للتراث الموسيقي العراقي/ التي تمثل دولة العراق بعض الأغاني التراثية للمقام العراقي، والغناء الريفي، وقدمت أغاني و قطعة موسيقية حديثة من تأليف نصير شمه، لا تنتمي إلى التراث، وشمل ذلك التقديم المغاير لروح التراث العراقي تقاسيم على آلة العود اصطبغت بروح هجينة تجمع بين الروح الفارسية والتركية ، وطال هذا التهجين غير المبرر ولا ينم عن روحية التراث الموسيقي العراقي في تقاسيم ارتجالية موزونة على آلة الكولة طغت عليها الروح المصرية .
بينما قدمت فرقة بيت المقام/ كركوك نماذج من الغناء العراقي.
وقدمت فرقة وتر/ الموصل أعمالاً بعضاً منها تراثي والبعض الآخر غير تراثي مثل (لونگا تركية) من تأليف كوثر هانم، وقطعة (أيام زمان)من تأليف خالد محمد علي، وهي ليست من التراث، وقدمت أيضًا قطعة موسيقية حديثة من تأليف المايسترو، وهي ليست من التراث أيضًا.
وفي يوم الختام قدمت فرقة الخشابة/ البصرة تقديماً يؤسف عليه، إذ قدمت أغاني مصرية مثل (حب إيه- أنا في انتظارك)، ويصلح هذا التقديم في مهرجانات عادية ، إذ يكون التقديم قائم على التنوع في الأغاني من خلال تغيير ضربها الإيقاعي، وهو بمثابة إعداداً موسيقياً ولا ضير في ذلك.
وحينما قدمت فرقة الخشابة فرقة سومريات/ تمثل العراق بعض الأغاني التراثية وبعضها غير تراثي مثل أغنية (بغداد) للفنانة فيروز و(لونگا) مصرية من تأليف رياض السنباطي.
إجمالا لما سبق يطرح السؤال الآتي نفسه ، ما سبب تقديم بعض الأغاني والمؤلفات الموسيقية غير التراثية، والمهرجان محدد بعنوان صريح وهو (التراث)، وهل خلى العراق من التراث؟ ففيه أنواع متعددة من الغناء ومنها : غناء الخشابة، وغناء الريف ،غناء البدو ، غناء الفرات ، غناء الغجر، غناء المقام، غناء الأغنية البغدادية ،غناء الغربية ،وغناء شمال العراق.
كيف لمهرجان يحمل عنوان التراث وفرق تمثل التراث حصراً ، أن تقدم أغان ليست تراثية وقطع موسيقية لا تمت إلى التراث بصلة من داخل العراق وخارجه!.
ومن جانب آخر ، تسرني هذه المهرجانات التي تبعث روح الحياة من جديد مع مراعاة الأُسس التراثية والمسلمات الموسيقية، وكتبت عديد المرات عن هذا الموضوع ودعوت أكثر من مرة إلى تقويم وتصحيح مسار هكذا مهرجانات وأعمال غناسيقية.
أتمنى التوفيق للجميع وأتمنى عدم تكرار مثل هذه الهفوات البسيطة التي تؤدي إلى تغير مسار التراث الغناسيقي أكثر من تعزيز أصالته ، والتأكيد على هويته الموسيقية المتفردة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??