الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب

عمار أسامة جبر
كاتب

(Ammar Jabr)

2023 / 12 / 9
القضية الفلسطينية


حرب غزة، أو بشكل أدق حرب الإبادة التي تقوم بها قوات الاحتلال تجاه المواطنين العزل في القطاع، لم تثر حفيظة الكثير من المسؤولين الدوليين، ولم تؤرق مضاجعهم، فهي لست كنظيراتها من الحروب التي تحدث في مكان آخر من هذا العالم، هذه الحرب التي عرت وبشكل لا لبس المنظومة الدولية، وأظهرت فشلها وانهيارها أخلاقيتها وازدواجية معاييرنا، والتمايز في التعامل مع حرب وحرب، وهي التي كان يفترض بها أن تكون سدا منيعا لوقف ومنع الصراعات، والتدخل بشكل حازم لردها قبل أن تؤدي إلى كارثة إنسانية، لكن حرب غزة بنظر العالم حدث لا يستدعي التدخل الحازم، بل يتطلب جهدا بسيطا وبيانات استنكار والاستمرار في أسطوانة ما حدث في سبعة أكتوبر، وكأنما التاريخ الفلسطيني الحافل بالاستعمار والظلم بدأ من هناك وليس منذ تصريح بلفور المشؤوم والذي صادفت هذه السنة ذكراه السادسة بعد المئة، ولم يتذكر العالم كيف أعطى هذا التصريح حق من يملك لمن لا يستحق، وكيف ألغى برسالة إلى يهود بريطانيا حق شعب من الوجود، والذي ينكر بالأساس وجود شعب أصلاني في المنطقة يضرب وجوده في التاريخ عمقا لم يبلغه أحدا، فأريحا وحدها لها تاريخ فاق عشرة آلاف سنة، ولم يتسن للعالم بالتفكير ولو قليلاً لإيجاد حل لصراع خلقته قوة كولونيالية غاشمة، استغلت الانتداب لخلق الوسط الذي سيعيش فيه الصهاينة الذين لفظتهم البلاد الأوربية واقتلعتهم من الجيتو التي كانوا يسكنونها، واستمرت المنظومة الدولية في تضييق الخناق على القضية الفلسطينية، ومحاصرة كل أدوات صمودها أمام الهجمة الشرسة لآلة الحرب الصهيونية، ولم تتنبه إلى أن إطالة أمد الصراع في الشرق الأوسط لن يجلب للعالم إلا عدم الاستقرار الجيوسياسي والاقتصادي، ولم يتنبه أيضا لطرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في رسالته التي وجهها لمجلس الأمن، لتفعيل المادة 99، وهي إحدى المواد الخمس التي تحكم عمل الأمين العام، والتي تقول: "يحق للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين".


لم يكن استخدام المادة 99 بشكل عبثي، فالأمين العام غوتيريش، الذي أدلى بتصريحات أثارت حفيظة المندوب الصهيوني في الأمم المتحدة، وحفيظة الولايات المتحدة، ووصلت مطالبتها اللاأخلاقية بالاستقالة، والادعاء أنه خطر على السلم العالمي، وكالت له كل هذه الاتهامات، لأنه طالب بوقف هذه الكارثة الإنسانية، والتي لا يود الكثير الانخراط بها للإبقاء على رضى الصهاينة في تل أبيب، لكنهم في الوقت نفسه في مجابهة يومية مع شعوبهم التي تنتفض يوميا لإيقاف سيل الدماء التي لا يراد له أن يتوقف، وكأنما حياة الفلسطينيين بنظر المنظومة الدولية هي أرقام ويشكك فيها بعد الإدلاء بها، أرقام صادرة عن منظومة طبية دفعت الغالي في سبيل الإبقاء على الأرواح التي سلبتها قوة الاحتلال حق الوجود وبل تعدت كل المحاذير وقصفت مشفى المعمداني وأخلت الشفاء من الطاقم الطبي ومثلت وقتلت واستهدفت كل سيارة إسعاف عاملة في الطرقات.


ليس من المعلوم للفلسطيني في الوقت الراهن ما الذي يتوجب أن يقوم به لكي يحصل على حقه في الحياة، وهو أحد الحقوق التي شرعها القانون الدولي، ومن أهم مواضع ذكرها، المادة 3 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولكن هذا الحق يمارس بكل طبيعي في كل العالم ما عدا فلسطين، والتي ينظر إليها بنظرة المنطقة الرمادية التي نود تطبيق هذه القوانين عليها لكننا عاجزون أما الفيتو الأمريكي والقوة المحتلة، عاجزون بشكل مطلق وبشكل لا يصدق، عاجزون عن إيقاف حرب تبث على مدار 24 ساعة على شاشات التلفزة، ويقتل المراسلون والمصورون والأطباء والمسعفون، هذه الفئات التي حمتها قوانين الحرب، التي لم تستطع في السابق من إدانة الصحفية شيرين أبا عاقلة، الفلسطينية التي لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية أخذ حقها على الرغم بأنها مواطنة أمريكية تتمتع بكل الحقوق والواجبات.


نتعامل مع قانون دولي، يرى العالم بعين واحدة، عين الإرهاب الأمريكي ومن يدور في فلكه، وعين معماة برقعة لا ترى فيها ما يحدث من مآس وحروب وقتل واغتصاب وجوع وحرمان، قانون دولي ومنظومة دولية تسقط بالفيتو، ولا تقدر أن تملك قرار أنفسها، منظومة دولية تعجز عن قول (لا) للفيتو، الذي استباحها وأخضعها ولا زالت خانعة مرغمة تحت عتبات سفارات وقواعد أمريكا، لا نستطيع كفلسطينيين إلا أن ندافع عن أنفسنا بنفس المنطق الذي يفرضه العالم في قوانينه، ونتمسك بالمادة 51 من الميثاق الأمم المتحدة والتي تقر "الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتم اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن العالميين. "والتي هي قاعدة أساسية في حياتنا وحق طبيعي لشعبنا الذي عانى الأمران، هذا ما يمكننا أن فعله ندافع عن أنفسنا ونرغم العالم على الإيفاء بهذه القوانين، وإيقاف التحيز الأعمى للكيان الصهيوني، الذي لا يملك بأي شكل من الأشكال هذا الحق والذي تشدق به البعض، فالصهاينة كيان محتل للأرض ومعتد طيلة خمسة وسبعين عاما على الأراضي الفلسطينية، ولم يلتزم يوما واحدا بقانون أو معاهدة أو اتفاقية، بل يضرب بها عرض الحائط، فهو إرهاب دولي عابر للقارات وليس ضمن حدود جغرافية، فهو إرهاب قصف مفاعل تموز في العراق، وسرق مخططات طائرات الميراج في فرنسا، واختطاف أدولف أيخمان المسؤول العسكري الألماني السابق، الذي اختطف من الأرجنتين وتم إعدامه، واغتال الفلسطينيين في كل دول العالم، ويتعامل بنظرة فوقية استعلائية على القوانين الدولية والتي يصادف اليوم على سبيل المثال ذكرى 75 عاما على اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة جريمة الإبادة الجماعية ومنعها، فهل تستطيع المنظومة الدولية بأسرها إرغام الكيان المحتل على إيقاف مجزرته، هل يستطيعون إدخال العلاج والماء والدواء لسكان القطاع، هل يجرؤون على إعلان الكيان المحتل، كيانا إجراميا همجيا يجب محاكمة قادته في المحكمة الدولية باعتبارهم مجرمي حرب.


لا يسع الفلسطيني فيه هذه اللحظات الصعبة والمؤلمة، إلا إعلان وفاة كل القوانين الدولية والمعاهدات والمواثيق ودفنها تحت ركام غزة التي عجز عنها المحتل والمستعمر، إنه التاريخ الذي سيخلد صمود غزة ويرمي بالصهاينة في مزابل التاريخ في مكانهم الطبيعي والذي يستحقون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -