الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أصبحت إسرائيل شُرطي الأمم المتحدة؟ إلى متى ستبقى دولة مارقة؟

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2023 / 12 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


كتبتُ مقالا في 6 / 7 / 2023، بعنوان (إسرائيل أكبر دولة مارقة على كل القوانين والإتفاقات والصكوك الدولية) بعد حصار مُخيّم جنين في الضفة الغربية وممارسة كل أشكال البربرية والوحشية في شهر تموز/يوليو الماضي..

اليوم إسرائيل تؤكِّد مُجدّدا للعالم أنها أكبر دولة مارقة في العصر، على القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، وكل قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة..

بل تجاوزت كل تلك الحدود إلى لغة الزعران وقطّاع الطُرُق، على لسانِ مندوبها في الأمم المتحدة، ووزير خارجيتها في تل أبيب..

فلدى الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن حول فلسطين في 24 تشرين أول /اكتوبر تحدث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش بجرأة غير مسبوقة وقال أن (هجمات حماس لم تحدث من فراغ، فقد تعرض الشعب الفلسطيني لاحتلال خانق على مدار 56 سنة ورأوا أراضيهم تلتهمها المستوطنات وتعاني العنف وخُنِق اقتصادهم، ثم نزحوا عن أراضيهم، وهُدِمت منازلهم، وتلاشت آمالهم في التوصل إلى حل سياسي لمحنتهم، وأن هذه الهجمات لا تبرر لإسرائيل القتل الجماعي في غزة..)..

وهذا الكلام أصاب الإسرائيليين بالجنون، فهُم لم يتعوّدوا أن يتحدّث أكبر مسؤول أممي بهذه الجرأة والصراحة ويعطي مبررات للمقاومة..

وهاجمهُ مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة(جلعاد إردان) بشدّة وطالبه بالاستقالة واتّهمه أنه غير مؤهّل لقيادة الأمم المتحدة..

بينما صرّح وزير خارجية إسرائيل (إيلي كوهين) أنه لن يلتقي الأمين العام..

**

وبُعيد اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لمشروع القرار العربي في 27 تشرين أول / أكتوبر 2023 بأغلبية 140 صوتا، والذي دعا إلى وقف إطلاق النار الفوري في غزة، وقف المندوب الإسرائيلي ليقول بكل صلافة وغطرسة وتحدٍّ أن (الأمم المتحدة لم يبق لديها ذرة واحدة من الشرعية أو الواقعية)..

فالمندوب الإسرائيلي هو من يقرر شرعية الأمم المتحدة من عدمها، بمقدار ما تدعم الإرهاب الإسرائيلي أو تتغاضى عنه..

**

وبعد انعقاد اجتماع لمجلس الأمن الدولي بناء على طلب الأمين العام غوتيرش بتفعيل المادة 99 من الميثاق، والتي تُخوِّل الأمين العام أن ( يُنبِّه مجلس الأمن الدولي إلى أية مسألة يرى أنها تهدد حفظ السلم والأمن الدولي) ثم ألقى كلمة في 6/ 12/ 2023 مُحّذِّرا (من مخاطر الحرب الإسرائيلية على غزّة ومن آثارها التدميرية وحجم الخسائر البشرية، وأنه لم يعد هناك مكانا آمنا في غزة، وأن هناك خطرا كبيرا للجوع الشديد والمجاعة وفْقَ برنامج الأغذية العالمي، وانهيار النظام الصحي، وضرورة أن يَفعل المجتمع الدولي كل ما يمكن لأجل الوقف الفوري لإطلاق النار)،

بعد ذلك جنّ جنون المسؤولين الإسرائيليين أكثر مما هو، وانهالوا عليه بالشتائم والاتهامات.. فقال وزير خارجية إسرائيل(إن فترة ولاية غوتيرش تشكل خطرا على السلم العالمي).

هذا بدلا من أن إجرام إسرائيل واحتلالها لأراضي الغير هو من يسبب التهديد للسلام العالمي..

بينما كرّر مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة لغتهُ البذيئة والوقحة بحق غوتيرش واتّهمه بأنه (فاسد أخلاقيا ولا يستحقُّ منصبهُ لأنه لا يُدينُ الإرهاب) ودعاهُ للإستقالة فورا.. متناسيا أن الإرهاب هو صنيعة إسرائيلية، وإسرائيل هي أول من أدخلت الإرهاب للمنطقة عبْر عصابات شتيرن وأرغون والهاغانا، والتي تَشكّل منها جميعا جيش العدوان الإسرائيلي الذي يمارس إرهاب الدولة كل يوم منذ تأسيسه..

وفي ذات السياق جاءت تصريحات رئيس المعارضة الإسرائيلية (يائير لابيد) الذي قال أنّ الدّفعَ من طرف الأمين العام للأمم المتحدة لأجلِ وقفِ إطلاق نار إنساني في غزة هو معاداة للسامية..

إنهُ أسلوب ترهيبي واضح.. ولغة إسرائيلية سُوقية غير مسبوقة في القاموس الدبلوماسي.. عديمي كل أشكال الأخلاق، يتّهمون أمين عام الأمم المتحدة بـ (الإنحراف الأخلاقي) لمجرّد أنه يقومُ بواجباتهِ التي منحهُ إياها ميثاق الأمم المتحدة..

**

من جهتها، مارست الولايات المتحدة دورها كاملا في استمرار دعم هذا الإرهاب والتغطية عليه خلال استخدامها مجدّدا حق الفيتو ضد مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق نار إنساني في غزة، يوم 8 /12 /2023 ..

وكان هذا الفيتو هو الثالث للولايات المتحدة في رفضِ وقف إطلاق النار، بعد الفيتو على مشروع القرار الروسي، ثم مشروع القرار البرازيلي، يومي 16 و 18 تشرين أول / أكتوبر..

مع أن مشروع القرار الأخير الذي تمّ تقديمهُ استنادا إلى تفعيل الماد 99 من الميثاق، دعمتهُ 96 دولة عضوا في الأمم المتحدة، ولكن الولايات المتحدة تحدّت الجميع..

يعني هذا في الجمعية العامة كان سينجح فورا..

**

لقد ظهرت الولايات المتحدة (والحديث عن إدارة وليس عن شعب)ولأول مرّة بهذا الشكل الفاضح والصارخ، وأنها أكثر عداء وحِقدا للفلسطينيين والعرب، من إسرائيل ذاتها..

وهذا لم يتجلّى فقط من خلال استخدام الفيتو ضد أي مشروع قرار يدعو لوقف إطلاق النار والقتل، وإنما برزَ حتى داخل الولايات المتحدة من خلال الترهيب وتكميم الأفواه لكلِّ من يتعاطف مع شعب غزة وينتقد الإجرام الإسرائيلي، في أخطر انتهاك للدستور الأمريكي الذي يكفلُ حرية الرأي والتعبير..

فالكونغرس الأمريكي يقوم باستدعاء ثلاثة من رؤساء أعرق الجامعات الأمريكية(هارفارد، وبنسلفانيا، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا) لاستجوابهم حول انتشار معاداة السامية في صفوف طلاّبهم، وذلك بعد أن تقدّم طُلّابا يهودا بشكاوى أمام أعضاء في مجلس النواب خلال مؤتمر صحفي، يشكون فيها من شعورهم بالمضايقة والترهيب في الجامعات التي تمتلئ بشعارات معادية لإسرائيل..

ولكن رؤساء الجامعات(أو رئيسات) رفضوا هذه الإتهامات، وأوضحوا أنّ ظاهرة معاداة السامية لا تقتصر على هذه الجامعات فقط وإنما تعود لموجةِ عداءٍ كبرى تجاه اليهود في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وفي العالم أجمع، بسبب الحرب التي تشنّها إسرائيل في غزّة.. وأن موجة عداء السامية هذه يقابلها موجة مضادّة من كراهية الإسلام داخل حرَم هذه الجامعات.. وكانت هناك مطالبات باستقالات هؤلاء من طرف أعضاء في الكونغرس، وفعلا استقالت رئيسة جامعة بنسلفانيا..

ومع اعتراف رئيسة جامعة هارفارد بتصاعُد موجة معاداة السامية، وكذلك كراهية الإسلام، في الجامعة، إلا أنها أكّدت على واجبها في احترام حرية التعبير داخل الجامعات حتى وإن كانت ترفض هذه الآراء.. وتعرضت لابتزاز كبير، حتى اعتذرت..

طبعا هذه الصورة توضح إلى أي مدى وصلَ خطر الإنقسام في صفوف الشعب الأمريكي، والذي امتدّ للجامعات، ويوضح أن موقف الإدارة الأمريكية لا يمثل موقف الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي (61 % من الشعب الأمريكي حسب استطلاع إس بي إس ترفض سياسة بايدن تجاه الحرب في غزة).. بل لايمثل موقف اليهود غير الصهاينة الذين تظاهروا في الكابيتول هيل، وفي محطة غراند سنترال في نيويورك ضد حرب إسرائيل في غزة..

**

وفي ذات الوقت الذي كان يلتقي فيه وفد وزراء خارجية الدول العربية والإسلامية مع وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في واشنطن، ومع أعضاء في الكونغرس الأمريكي، كانت إسرائيل تصبُّ جام نيرانها على شعب غزة..

وقبل أن يغادر الوفد واشنطن استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو بتوجيه من بلينكن وإدارتهِ، ضد مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق نار إنساني بموجب تفعيل المادة 99 من الميثاق..

وهكذا وجّهت الولايات المتحدة صفعة كبيرة لكافة الدول العربية والإسلامية، الذين أرسلوا هذا الوفد لإقناع واشنطن بتغيير موقفها..بل لم يسمحوا للسفير الفلسطيني الذي كان في عداد الوفد بالإدلاء بأي تصريحات، في اكبر طعنة لمقولة حرية الرأي والتعبير في بلاد العم سام..

**

وبذات الوقت كان هناك عربا يعقدون اتفاقات لإنشاء جسر بري بين بُلدانهم وبين إسرائيل.. بعد أن أخذوا رئيس إسرائيل بالأحضان في مؤتمر المناخ..

فهل نلوم الولايات المتحدة، أم نلوم العرب؟. أم نلوم السلطة الفلسطينية ذاتها ورئيسها الذي يتباهى بموقفه المعارض للمقاومة المسلّحة؟.

**

إذا تمكنت إسرائيل من فرضِ شروطها في هذه الحرب فإنها سوف تتصرّفُ بفوقيةٍ وعدائيةٍ وغطرسةٍ غير مسبوقة في كافة أرجاء منطقة الشرق الأوسط.. وسيكون القرار الذي يصدر من تل أبيب موضع تطبيق من المغرب وحتى المنامة، إذا ما استثنينا الدول التي ما زالت تتصدّى لهذا المشروع الإسرائيلي الخطير، كما سورية ولبنان والعراق واليمن، بِقدرِ ما تستطيع..

فاحذروا يا عرب.. ويا مسلمين.. الإضرابات، وبيانات الإدانة والاستنكار، والكلام العالي النبرة ضد إسرائيل، والاحتجاج على الفيتو الأمريكي، الذي استخفّ بكم جميعا، هذه لا تكفي لوحدها.. أضرِبوا واستنكِروا حتى قيام الساعة، فهذا لن يهزّ شعرةً في رأس الإدارة الأمريكية، بينما وقفُ تصدير النفط والغاز لإسرائيل، ولأمريكا وحلفائها في أوروبا لمدة شهر واحد، وقطعُ كل أشكال العلاقات مع إسرائيل، يزعزعُ أركان أمريكا.. فهل تسمع أنقرة وباكو اللتان ترتبطان بأقوى العلاقات مع إسرائيل، وهل تسمع العواصم العربية المُطبِّعة؟.

واحذري يا أمريكا.. هذه الدماء لن تُنسى وسيخرجُ جيلا أشدُّ من هذا الجيل مقاومة وتضحية طالما الحقُّ مُغتصَبا، والظلمُ قائما..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين