الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديكتاتورية غريبة: في نقد فيفيان فوريستير لليبيرالية المتوحشة (1 من 8

عبداللطيف هسوف

2006 / 11 / 21
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


فيفيان فورستير‎( VIVIANE FORRESTER )‎‏ روائية في الأصل، كاتبة وناقدة في صحيفة لوموند ‏الفرنسية وعضوة في لجنة تحكيم جائزة فيمينا ‏‎( Prix Fémina )‎‏. أصدرت عدة كتب أدبية منذ سنة 1970: (فان ‏غوغ أو الدفن في حقول القمح)، (عنف الصمت) ، (هذا المساء، بعد الحرب)، (عين الليل)، (أيادي)...إلخ. لكنها ‏قررت سنة 1996 مساءلة الأفكار الاقتصادية والتوجهات السياسية بكتابها الذي حاز شهرة واسعة : (الرعب ‏الاقتصادي). كتاب حصل في نفس السنة على جائزة ميديسيس ‏‎( Prix Médicis )‎‏ وترجم بعد ذلك إلى 24 لغة.‏‎ ‎في شهر فبراير سنة 2000، يصدر لفوريستر كتاب آخر ينتقد الليبرالية في شكلها المعاصر تحت عنوان : ‏‏(ديكتاتورية غريبة). ‏
تقول فوريستير: إننا نعيش اليوم تحت سيطرة ما يسمى بالعولمة ونرزح تحت ثقل نظام سياسي كوني وأحادي ‏التوجه. هذا النظام يتخفى تحت غطاء الليبرالية المتوحشة التي تتحكم في العولمة وتستغلها لصالح عدد محدود ‏وضد مصالح الفئات الشعبية الواسعة. تنتقد فوريستر في هذا الكتاب الفكرة القائلة بأن الاقتصاد يهيمن على ‏السياسة، و تبين أن هذه السياسة المهيمنة والأحادية التوجه تخرب اليوم الاقتصاد لصالح المضاربة، لصالح الربح ‏الذي أصبح متعارضا مع توفير الشغل، مع كل ما يتعلق بالمجال الاجتماعي (الصحة، التربية والتعليم... الخ)، بل ‏ضد كل ما يرتبط بالحضارة الإنسانية. ترد فيفيان فورستير على الدعاية الغربية التي تروج خطأ بأن البطالة تكاد ‏تنعدم في الولايات المتحدة الأمريكية فتقول : (نعم لقد تقلصت البطالة مقابل ارتفاع عدد الفقراء، حتى وإن كانوا ‏يتوفرون على شغل. إنهم في الحقيقة يمولون بطالتهم وفقرهم). إنها دعوة لمقاومة هذه الديكتاتورية الغريبة التي ‏تقصي عددا كبيرا من الاستفادة من التقدم الذي حققته الإنسانية. نعم يمكن مقاومتها لأنها تحافظ رغم ذلك على ‏تمظهراتها الديمقراطية: إنه في آن واحد الفخ والأمل المنشود.‏
‏------------------------‏
الحلقة الأولى: ‏
كل يوم يمر، يتأكد فيه الفشل الذريع الذي أصبحت تعرفه الليبرالية المتوحشة. كل يوم يمضي إلا ويتبين لنا عدم ‏قدرة هذا النظام الإيديولوجي المؤسس على عقيدة تسعى إلى تعديل ذاتي لاقتصاد السوق، عدم قدرته على تسيير ‏نفسه، على مراقبة تداعياته، وعلى التحكم فيما يفضي إليه من نتائج، لدرجة أن مبادرات هذا النظام التي ترعب ‏الشعوب، تبدو غير قادرة على إقرار حد أدنى من الاستقرار في كل ما تفرضه باستمرار. ‏
كيف نفسر إذن مواصلة هذا النظام الليبيرالي لأنشطته بنفس الغطرسة؟ كيف نفسر تصاعد سلطته المتهافتة؟ ‏كيف نفسر إصراره على طابعه المتسلط؟ كيف نفسر بالأساس توهمنا المتزايد بالعيش تحت رحمة قدر محتوم، ‏معولم، وقوي، لدرجة أننا لم نعد نرى جدوى للتشكيك فيه، لإنكاره أو حتى تحليله؟ بل إننا لم نعد نفكر في التحرر ‏من هذه السلطة المطلقة بدعوى أنها أصبحت تتطابق مع التاريخ نفسه؟ كيف نفسر أننا لا نبدي أي رد فعل؟ بل ‏إننا ننهزم ونتراجع. نذعن للأمر الواقع كأنما وقعنا في فخ تحكمه قوى قهرية، متفشية في كل الأمكنة، راسخة لا ‏يمكن اجتثاتها. نقبل بهذه السلطة كما لو أنها أصبحت نظاما طبيعيا نسلم به.‏
حان الوقت كي نستيقظ من هذا السبات. حان الوقت كي نعي أننا لا نعيش تحت رحمة قدر محتوم. بل إننا، ‏وبكل بساطة، نعيش تحت سلطة نظام سياسي جديد، نظام سياسي غير معلن، نظام ذو طابع عالمي أو لنقل كوني، ‏نظام رأيناه يستقر، لكننا لم نعلم جميعا متى وكيف تم ذلك. نظام لم يسلك بالتأكيد طريق السرية، لكنه سلك طريق ‏التحايل والمكر. نظام لم يعلن مسبقا عن نفسه. نظام ليس من السهل إدراكه، لأنه يذهب إلى حد الإدعاء بأن لا ‏علاقة له بالسياسي وبأن قوته لا يستمدها من السلطة ومؤسساتها.‏
هذا النظام لا يحكم بل هو يحتقر. أكثر من ذلك، فهو يتجاهل حتى الذين يعملون لصالحه. ذلك أن المحاكم ‏والوظائف السياسية الكلاسيكية تعد ثانوية في نظره ولا تهمه. إنها بالعكس، تعطل أعماله. بل إنها قد تكشف عن ‏تحايله وتتهمه بإحداث كل آلام هذا الكون. إلا أنه يتقن التملص من كل اتهام، لكونه يمسك بخيوط التسيير الفعلية ‏ويفوض للحكومات تطبيق ما يستلزمه هذا التسيير. أما فيما يخص الطبقات الشعبية، فإن هذا النظام لا يكترث بها، ‏اللهم عندما يحس بانزعاج من تقاعسها وتحفظها المفرط أو الصمت الرهيب الذي قد يصم تحركاتها. ‏
المسألة بالنسبة لهذا النظام لا ترتبط بتنظيم وتأسيس مجتمع ما، أو بوضع أشكال للسلطة في هذا الاتجاه، بل إنه ‏يهدف إلى تطبيق فكرة ثابتة: إنه الهوس الذي يفتح الطريق أمام الربح المتصاعد، الربح المطبوع دائما بطابع ‏تجريدي وصوري. لكننا لم نكن نتصور يوما أنه، أي الربح، سيصبح العنصر الوحيد، الأسمى، والهدف النهائي ‏للمغامرة الكونية. إنها الرغبة في التكديس، إنه المرض بالتكسب و تحقيق أكبر فائدة، إنه طعم الربح في صورته ‏الخالصة. ربح مستعد لكل أنواع التخريب و الدمار، مستعد للسيطرة على جميع الأوطان، بل على الفضاء في كل ‏أبعاده، ولا توقفه الحدود الجغرافية المرسومة.‏
ما هي أهم ورقة رابحة وأفضل سلاح يلجأ إليهما هذا النظام للسلب والنهب ؟
‏ إنه يستعمل مصطلحا غريبا يسميه (العولمة) ويفترض أنه عالم عارف بحالة العالم، لكنه في الحقيقة يحجب ‏العالم لأنه يجمع في مصطلح غامض ومختزل كل ما هو اقتصادي، سياسي، اجتماعي وثقافي، دون أن يحمل ‏دلالة حقيقية دقيقة،. يجمع كل هذه المفاهيم ليحجبها، ثم يعوضها بشيء آخر. ومن ثم يقصي هذا الخليط ‏‏(الاقتصادي، السياسي، الاجتماعي والثقافي) من كل تحليل، بل ومن كل ملاحظة. لدا يبدو لنا العالم الحقيقي كما ‏لو تم امتصاصه من قبل هذا الكون الصوري. كما يبدو لنا نحن أيضا أننا وقعنا في أسر هذا الكون، ولا مفر.‏
وأنا أكتب هذه السطور، أسمع أحد الصحفيين يتكلم على أمواج الإذاعة بخصوص مقاولات تعلن عن تسريحات ‏عمالية بالجملة فيقول: "لا مناص، فالعولمة تفرض علينا ذلك...". هل هذه هي الحقيقة؟ لماذا إذن نعمق التفكير؟ لم ‏يبق بأيدينا سوى أن نتحطم وننهزم. ومن شاء أن يقاوم ويبدي بعض الذكاء سمع كلاما آخر يحمل نفس الرنة: ‏‏(إنها المنافسة تستلزم ذلك...). إنهم يفرغون مصطلح العولمة من كل معنى. ما يدفع إلى تسريح العمال هو ‏بالأساس الضرورة الملحة للزيادة في ربح المستغلين. وقد يجيبنا البعض بالقول: (إن هذا الربح له مزاياه، فهو ‏ضروري للجميع. إحداث مناصب الشغل يرتبط برفاهية المقاولات، وانخفاض معدل البطالة، وهذا هو مستقبل ‏الجميع). لكنهم ينسون أو يتناسون أن هذه المقاولة كانت أصلا تحقق أرباحا وهي تشغل من تلقي بهم اليوم إلى ‏الشارع. هي لا ترغب في رفع رقم مبيعاتها، بل تريد أن ترفع الربح الذي تحققه والذي يحصل عليه أصحاب ‏الأسهم من رقم المبيعات دون أن يجدوا أنفسهم مضطرين لتقاسمه مع المشغلين. والمقاولة لن تصل إلى ذلك ‏بإحداث مناصب شغل جديدة، بل بطرد هؤلاء العمال. وإن كانت اللازمة الرسمية التي تترد هي الأولوية ‏‏(للشغل)، إلا أن المقاولات التي تسرح عمالها بأعداد مرتفعة هي التي ترى حصصها ترتفع كالسهم في ‏البورصة. لنعط أمثلة على ذلك حدثت في شهر مارس 1996. ‏
‏- في 7مارس: بعد أن قررت أكبر شركة هاتف في أمريكا تسريح 40 ألف من عمالها، ارتفعت أجرة مديرها ‏العام لتصل 2،16 مليون دولار (أجرة تضاعفت ثلاث مرات)، لا بسبب تحقيق الشركة لأرباح جديدة، بل مكافأة ‏للمدير على سياسة تقليص العمال التي نهجها.‏
‏- في 9 مارس: تقرر شركة سوني حذف 17 ألف منصب شغل، لترى حصتها في نفس اليوم ترتفع بنسبة ‏‏8,41 في سوق ثابت تماما. وفي اليوم الموالي ترتفع هذه الحصة بنسبة 11،4 نقطة.‏
‏- في 11 ماس: تعلن ألكاتيل التي حققت 15 مليار من الأرباح، التخلي عن 12 ألف عاملا، الأمر الذي ‏سيرفع المسرحين من الشغل إلى 30 ألف خلال الأربع سنوات الموالية.‏
‏- في 19 مارس: تعلن دوتش تليكوم بعد خوصصتها عن تسريح 70 ألف عاملا خلال ثلاث سنوات متتالية.‏
والتبرير دائما هو تجميع مقاولات الشركة في بلد واحد، المنافسة، نقص كلفة العمل والتكلفة. إننا نلاحظ من ‏خلال هذه الأمثلة عدم انسجام عبارات من قبيل (إن الشغل يرتبط بالنمو)، (إن االنمو يرتبط بالمنافسة). (إن ‏المنافسة ترتبط بالقدرة على حذف مناصب الشغل)...الخ. هذا يعني أنه لكي نحارب البطالة ليس أمامنا سوى ‏تسريح العمال...‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الأميركي يستعد لإزالة الرصيف العائم بسبب سوء الأحوال ا


.. مسؤولون أميركيون: الضربات التي شنتها إسرائيل داخل لبنان قد ت




.. منتخب_ألمانيا يفتتح يورو2024 على أرضه بفوز كاسح على اسكلتندا


.. المستشفى العائم الإماراتي يجري أكثر من 600 عملية جراحية لمرض




.. مظاهرة في صنعاء تضامنا مع الفلسطينيين وقطاع غزة