الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة التحرر العربية : أزمة عارضة ، أم ازمة بنيوية ؟ تحليل.

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 12 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


إذا كان الصمود البطولي النادر في تاريخ " الصراع العربي الإسرائيلي " ، للثورة الفلسطينية ، والحركة الوطنية اللبنانية ، قد عرّى الواقع العربي حتى الجذور ، بما فيه من تواطؤ وتخاذل وعجز وانهيار ، ووضع الجماهير العربية امام حقيقة الأنظمة الدكتاتورية والبوليسية المتسلطة ، وحقيقة الأوضاع التي قادت اليها جملة من الممارسات الماضية ، فإنه في صميم ذلك ، قد كشف بشكل عياني جوهر الازمة في حركة التحرر العربية ، ( أنظمة ) وقوى سياسية ، وكل ذلك يلقي بثقله الضاغط على الجماهير للبحث في عوامل هذه الازمة ، وتفاعلاتها ، وإمكانات الخروج منها .
فوصول الواقع العربي الى قاع الانحدار والتراجع والتفسخ ، ووقوف حركة التحرر العربية ( بعموم فصائلها ) عاجزة ، مبعثرة امام حرب الإبادة والتصفية ... ، يلقي الأضواء الساطعة ، ليس على الجانب الرسمي في هذا الواقع وحسب ، وإنما في جانبه التقدمي والمعارض الشعبي ، وفي مجمل الوضعية الراهنة التي كشفت عنها الاجتياحات للجيش الإسرائيلي كم مرة في تعرية عجزها وليونتها في مواجهته .
فقد قاتلت واستبسلت وصمدت الثورة الفلسطينية ، والحركة التقدمية اللبنانية لأطول فترة عرفتها الحروب مع الجيش الإسرائيلي ، رغم الاختلال المريع في القوى ، وكان ذلك يفترض تحريك الأوضاع العربية برمتها باتجاه إزاحة كافة العراقيل التي تحول دون نجدة الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، كما هو مقدر ومفهوم وطبيعي لأيّ شعب في العالم يواجه مثل هذا الخطر بحق .. لكن ذلك لم يحدث .. وكل ما جرى مجرد تعبيرات هزيلة اقل بكثير من الحد الأدنى ...
1 ) الازمة بنيوية بالأساس :
وهذه المسألة لا يمكن ان تبتسر وتقزم ، بوضع كل المسؤولية على الجانب الرسمي في الوضع ، رغم أهمية ذلك ، او بإلقاء الازمة على مشجب مرحلة التراجع والانحسار .. والامبريالية والصهيونية والرجعية العربية .. والظروف الموضوعية .. وكفى .. دون ان نبحث هذه الازمة في أساسها .. بكل مكوناتها وتفاعلاتها ، وبالانطلاق من العامل الذاتي كحجر الزاوية ، لان العوامل الأخرى من أنظمة معادية وامبريالية وصهيونية .. وغيرها .. مهما بلغت من القوة والقدرة والشراسة .. يجب ان تعيشها حركة التحرر العربية منذ البدء ، وعلى طول خط صراعها التناحري مع هذه القوى .. كقوة معادية بالأصل ، سوف تلجأ الى استخدام الأسلحة التي تملكها ، وجميع الأساليب التي تحقق انتصارها في هذا الصراع ..
ولأن الظروف الموضوعية ، مهما كانت شدتها ، وضعف نضجها ، وقابليتها للعمل الثوري ، فهي أيضا في علاقة جدلية مع العوامل الذاتية ، وفعلها في عمليات الانضاج والبلورة ، وتسريع وثيرة الانضاج باتجاه ممارساته التاريخية ..
ولان الصراع يأخذ مبرراته وحيثياته واشكاله من طبيعة القوى المنخرطة فيه ، عبر مراحل تاريخية محددة .. ، فإن القاء المسؤولية على جانب فيه ، هو إقرار بالهزيمة ، وإقرار بالعجز ، يستلزم إعادة النظر جوهريا بأدوات وأساليب الصراع ، او اخلاء الطريق لقوى يولدها الواقع لاستمرار هذا الصراع ، وحسمه وفقا لحتميات التطور والتغيير التاريخي . وهو ما تطرحه أزمة حركة التحرر العربية بآخر تجلياتها القائمة .
ذلك لان الازمة ليست جديدة ، او وليدة اليوم او الامس القريب ، وليست قسرية او مفروضة بقوة الفعل الخارجي وحسب ، بل انها ازمة تاريخية بنيوية تشمل القوى الطبقية التي عبرت عنها هذه الحركة ، وطبعت قياداتها وايديولوجيتها ، كما تشمل نهجها وافرازاتها في الممارسة السياسية التقدمية ، ضمن العلاقة الجدلية القائمة بين الموضوعي والذاتي .
2 ) العوامل الموضوعية وتداخلاتها :
لاشك في ان صعوبة العوامل الموضوعية ، وتشعبها في الوطن العربي ، وتداخلها الكبير مع العوامل الخارجية ، وفعلها المؤثر .. قد اثرت بشكل كبير على نشأة ومسار ونتائج العوامل الذاتية ، وصولا الى الوضعية الراهنة من اشكال الازمة المستفحلة .
ان تاريخية التجزئة واتساعها وتشرذمها ، وموضوعاتها اللاحقة في البنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، وما تولده على كل صعيد ، في حاضنة التخلف المريع للبنى الإنتاجية والاجتماعية والثقافية ، وبالتالي ، البلورات الطبقية ، وتشكيلاتها ومستويات وعيها ، وحدودها ، واشكال صراعها ، وفي حاضنة الاستبداد الشرقي ، وتاريخيته ، ومواصفاته ، وتأثيراته ، في ظل هيمنة امبريالية كثيفة وضاغطة ، ودولة إسرائيل تشكل قاعدة دائمة للإمبريالية ، ان تعقد هذا الظروف ، إنما شكل التحدي الأكبر لحركة التحرر العربية ، التي لم تستطع الفعل باتجاه الانتصار ، وهو ما تدلل عليه وقائع اليوم .
فقد اثر بشكل جلي في نشأة حركة التحرر العربية ، وطبيعة القوى التي تنظمت للقيادة ، وفي الأيديولوجية المُعوّمة ، وجملت الافرازات الأخرى ، بدءا من تسلم البرجوازيات التقليدية المتحالفة مع الاقطاع والسلطة ، ووقوفا عند التعبيرات البرجوازية الصغيرة ، وانشطاراتها المتعددة الاشكال ، فالأزمة في الجانب الرئيسي منها ، تكمن في هذه القوى بالذات .
-- فالبرجوازيات التقليدية التي قادت الاستقلال الوطني ، قد ولدت هجينة ، هزيلة ، وقاصرة ، وبالتالي ، لم تستطع ان تقوم بالثورة القومية التحررية الديمقراطية والتقدمية . بل وجدت في التجزئة مرتعا لها ، فعملت على تأطيرها وتعميقها . كما وجدت في الامبريالية مجالا لتنمية نفوذها ومصالحها . فوطدت علاقاتها بالرأسمالية العالمية ضمن علاقة التابع ، فلم تستطع مواجهة هذه الهيمنة ، وبالتالي ، أكدت قصورها وعجزها ، فكان سقوطها يتقاطع مع حركة التطور المستمرة .
-- ولأسباب عديدة ، تمكنت التعبيرات البرجوازية الصغيرة ، طبعا عن طريق الانقلابات العسكرية في الغالب ، من ان تتصدر المرحلة التالية ، وان تفرض نفسها كقائدة لحركة التحرر العربية، فكان طبيعيا ان تترك بصماتها على المرحلة ، وان تشهد حركة انشطارات واسعة ، انتهت مع تطبيع النظام السياسي العربي ، والاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية اقوى بالمنطقة .
3 ) الطبيعة البرجوازية الصغيرة ، وموقفها في ازمة حركة التحرر العربية :
ونظرا لان البرجوازية الصغيرة تضم فئات عديدة مختلفة المشارب ، والمصالح والوعي والطموحات ، حتى داخل الفئة الواحدة . ولان " التناقض عمادها " منذ كانت مسيرتها اللاحقة تعبيرا حيا عن هذه الطبيعة ، حيث تجلت في مستويات نضالها ، وتصديها للإمبريالية ، وهيمنتها ، وتواجداتها ، وفي بناءاتها الداخلية ، وسياساتها الخارجية ، وفي مجمل نهجها في المسألة الديمقراطية والاجتماعية .
فعندما كانت مصالحها تلتقي ومصالح اغلبية الشعب ، قبل استيلائها على الحكم ، جاءت شعاراتها وبرامجها معبرة عن مصالح الأغلبية . فتمكنت لأسباب ذاتية وموضوعية ، من تصدر قيادة مرحلة الصعود القومي التحرري .
-- ونتيجة الشكل الذي وصلت فيه الى السلطة ، بالانقلابات العسكرية ، فغلبة العسكريين والمثقفين ، وأبناء الفقراء فيها ، خاصة أبناء الفلاحين .. فقد زاد ذلك من تناقضاتها ، ومنح ممارساتها طابعا شعاريا ، فوقيا ، وقمعيا ومتخلفا في العديد من جوانبه .
-- وفي غمار مواجهاتها للنفوذ الامبريالي ، ومرحلة البناء ، كان تناقضها يبرز بشكل أوضح ، كما واكتسب بفعل ذلك ، مواصفات جديدة ، طبعتها في مرحلة الانشراخات ( شرخ ) الكبرى . ففي مرحلة السلطة وامتحان شعاراتها ومقولاتها ، راحت تعمل لتحقيق مصلحتها أساسا . فتناقضت بذلك مع مصالح غالبية الشعب .. ، الامر الذي أدى الى إيجاد نوع من القطيعة الشعبية ، كانت تتجلى بتقلص قاعدتها شيئا فشيئا ، والذي حاولت معالجته بالمزيد من الإجراءات الفوقية القمعية ، عبر التأميمات ، وإيجاد القطاع العام والإصلاح الزراعي ، وغيرها من الإجراءات التي اتخذتها على صعيد التحولات الاقتصادية ، وعبر تشكيل جيش كبير من الأجهزة البوليسية ، والعسكرية ، والإدارية لحماية نفسها ، وقمع حركة المعارضة تحت دعاوى وتنظيرات كثيرة ، خاصة عند طرح فلسطين التي لا يجمعهم بها غير الخيانات والمؤامرات الكثيرة .
-- ولأنها لم تستطع مواجهة الامبريالية وتواجدها المتعدد الاشكال ، ونفودها – حتى النهاية -- ، ولم تقدر على حسم الصراع مع دولة إسرائيل التي أصبحت تعتبر بالدولة العظمى ، ونسخة طبق الأصل للولايات المتحدة الامريكية ، والذي الحق بها هزيمة كبيرة في مختلف المواجهات كحادثة " النكسة " في سنة 1967 ، فقد هربت الى الامام باللجوء الى الشعاراتية احدى صفاتها الرئيسية ، فاستبدلت مواجهة ( العدو الامبريالي الصهيوني ) ، بالعديد من الشعارات والمفاهيم التي لم تستطع ترجمتها في ممارساتها .
-- ولعوالم بنيوية ، وأخرى خارجية ، عجزت عن محاربة التجزئة ، والقيام بالثورة القومية الديمقراطية ، فتعززت لديها بفعل ذلك ، و آثاره التراكمية عليها ، الميول والتوجهات القطرية ، والعصبوية ، والانعزالية ، وهو ما تترجمه بناءاتها الداخلية ، وتوجهاتها الخارجية ، تجاه بقية فصائل حركة التحرر العربية ..
-- ولهذه العوامل مجتمعة ، عمقت وبلورت السلطة فيها اتجاهات عديدة ، كانت تتمحور بشكل عام باتجاهين رئيسيين : اتجاه ارتدادي يميني يصبو الى الالتحاق بالبرجوازية وفق مواصفاته ، ووعيه ، وشكل السلطة والتحكم فيها . واتجاه آخر يتطلع الى تجاوز الازمة بالانتماء الى الفكر الثوري ومواقع الطبقة العاملة ..
-- وعلى قاعدة هزيمة 1967 ، النكسة ، وثقل الهيمنة الامبريالية ، وضغوطاتها المتعددة الاشكال ، ودور دولة إسرائيل البارز في اللّجم والضرب والاجهاض ، تمكنت القوى الارتدادية اليمينية ، من الغلبة والانتصار ، في اهم مواقع حركة التحرر العربية ، لتنشر فكرها وتسيطر على المرحلة ، لبدء الانحصار والتراجع ، والانهيارات المتواصلة .
3 ) تعبيرات الازمة :
ان العجز والفشل في انجاز الثورة الوطنية القومية الديمقراطية بمهامها الرئيسية ، قد تجلى بأشكال متعددة من الممارسات اللاحقة ، وفتح الطريق واسعا امام مرحلة الارتداد والانحصار القائمة منذ سنوات " النكسة " العربية ، وصولا الى هذه الحالة من الخيانة والتواطؤ والتخاذل والفشل في هزيمة إسرائيل التي انتصرت اليوم الانتصار الساحق ، وبشهادات الحكام العرب ، وشهادات " الانتلجاسيا " المثقفة والثورية ، وتحقيق الوحدة القومية ، وبناء الاقتصاد الوطني المستقل ، وتحديث وتطوير العلوم والثقافة وبناء المجتمع ، وفي إقامة الديمقراطية الحقيقية ، انما أدى الى نتائج بالغة الدلالة على مختلف الأصعدة ، خاصة وان القوى النافدة في حركة التحرر العربية ، لم تحاول ان تعالج هذا الفشل عبر إعادة النظر في مجمل الأسباب التي قادت اليه ، وكرس نمطية من الاستبدادية والبوليسية والدكتاتورية الفاشية ( الجيش ) التي تحكم قبضتها اليوم على معظم الوطن العربي .
فعلى صعيد هذه القوى ، تميزت مرحلة الفشل ، بردود فعل كانت تحاول تهريب الازمة ، او تجاوزها بالقفز فوقها ، وبالمزيد من التعنت في النهج الذي قاد اليها ، فبرزت لديها وتكرست ، التوجهات القطرية التي تتحدد باطار حدود القُطر ومصالح السلطة فيه ، وتعززت الروح العصبوية ، والتمسك بمقولات " الحزب الواحد " ، و " الحزب القائد " ، و " مركزية السلطة " ، ورفض الحوار ، والاعتراف ، والتعاون مع القوى الأخرى ، فتوسعت القطيعة مع الشعب ، ودائرة المعارضة والرفض السلبيين .. مما سهل كثيرا ، الانقضاض على هذه القوى ، وتحقيق النصر عليها من قبل القوى اليمينية المرتدة فيها .
وعلى صعيد الشعب ، فقد أصيب بخيبة امل كبرى ، تناولت اعز طموحاته . فلا الوحدة العربية تحققت ، ولا الأرض تحررت ، ولم ينته الاستغلال او حلّت قضاياه الرئيسية . بل ان المواطن يتعرض للمزيد من التمزق والتفتت على أسس مذهبية وطائفية وغيرها ، وإسرائيل تكرس نفسها في " يهودا والسامرة " قطاع غزة ، وفي الضفة الغربية ، وفي الجولان ، ومزارع شبعا . ويفرض الاستسلام على اكبر دولة عربية ، مصر ، ويقوم باقتضاب أجزاء أخرى على طريق إقامة إسرائيل الكبرى .. وطموحات الشعب في الحرية والديمقراطية ، تم اجهاضها وحل محلها قمع شامل ، يتناول المجتمع في جميع الأصعدة ..
وهكذا يعيش الشعب حالة من الإحباط ، كما يفرض عليه نمط من المجتمع الاستهلاكي ، الذي يحاول اغراقه في أمواج متطلباته اليومية ، وقيمه وعلاقاته ، وكل ذلك في اطار عمل منظم لقتل مواطنيته ، وانتزاع جذوره القومية والنضالية .
وعندما مُورست مرحلة التراجع والانحصار ، وتعززت أسسها ومرتكزاتها في الواقع العربي ، بدت حركة التحرر العربية ، بأنظمتها وقواها ، اكثر عجزا ، وضعفا ، وهامشية في مواجهة هذه المرحلة الارتدادية ، والرد عليها ثوريا . حيث ان جماعة من الحركة انكفأت على نفسها ، آملة الحفاظ على الاستمرارية ، رغم انكسارية الذات ، ورغم الازمة التي استفحلت ، فاصبح معها أي تحرك لإحياء التاريخ من ضروب الاحلام ..
وبينما راحت بعض اقسامها تتعامل مع هذه المرحلة ، مندرجة فيها الى هذا الحد او ذاك ، ومتنقلة – على هذه الأرضية الرخوة – من ازمة الى أخرى ، ومن ضعف الى ضعف اكثر واكبر ، لم تستطع بعض اقسامها الأخرى ، التي رفضت التعايش مع هذه المرحلة ، ان تقوم بدور كبير في التصدي لها . بل اثرت فيها كثيرا ، ليس أوضاع القمع البوليسي ، وقمع مخابرات الحزب ( القائد ) ، والملاحقات والضربات المتوالية ، ومناخات الردة والاستسلام وحسب ، وانما أوضاعها الذاتية المتفاعلة مع تلك الأوضاع ، فانتقلت الى حالة اكثر تأزما ، حتى اذا ما جاء الاجتياح الإسرائيلي لبنان ، واجتاح حتى الخطوط الحمراء للأمن العربي ، ورغم مجازر الجنوب اللبناني في 2006 ، وبعدها مجازر غزة في 2009 ، وفي 2023 التي راح ضحيتها المدنيون العزل ، وقفت عاجزة عن القيام بالحد الأدنى ، في نجدة الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ، الامر الذي سيفاقم من هذه الازمة ، ومن حالة التشتت ، والضعف ، والهامشية التي أصبحت عليها وتعيشها ، ما لم تحاول الاستفادة من هذه الدروس الكبيرة ، والعمل الجماعي المخلص لتجاوز ازمتها ..
وفي الحقيقة ، فان غياب الديمقراطية ، حتى عند معظم هذه الفصائل ، وفي تعاملها مع غيرها ، وغياب روح العمل الجماعية ، واستمرار الروح العصبوية ، والذاتية الحزبوية ، وسلوك الاستعلاء والاستخفاف بالشعب ، وعدم تمكنها من صياغة وترجمة بدائلها الجبهوية ، امام الوضع الشعبي المتفاقم ، والاحتلال الصهيوني الذي يهدد مصير الوطن ، انما تلقي اليوم أعباء جديدة ومهمات كبيرة ملحة على هذه الفصائل ، كمقدمات أساسية لمواجهة مهامها الأخرى ، والاّ فإن مبررات استمرارها يصبح امرا مشكوك فيه ، وستتجاوزها الجماهير بحثا عن تعبيرات قادرة على تحقيق مصالحها وطموحاتها ، وبغض النظر أحيانا ، عن طبيعة هذه التعبيرات ..
-- ان إعادة نظر جدية في البنى الطبقية والتنظيمية والفكرية القائمة ، وفي النهج الذي ساد طيلة سنوات الردة ، باتجاه تلاؤم هذه البنى الطبقية مع الالتزام بالفكر الثوري ، ومقتضيات المرحلة ، وتجربة حركة التحرر العربية ، والالتزام بالديمقراطية نهجا كاملا في الحياة الفردية والداخلية ، وفي التعامل مع القوى الأخرى والجماهير ، والتوجه الجاد نحو العمل الجبهوي الديمقراطي ، بكل ما يعنيه من تجاوز الحساسيات والخلافات الثانوية ، والعصبوية ، والذاتيات الحزبوية ، في سبيل انهاض الجبهات الوطنية الديمقراطية في كل قطر ، والجبهة القومية على الصعيد العربي .. ان ذلك مهمة راهنة لا ترتبط بمدى الجدلية في مواجهة أعباء المرحلة ، وخطر الإبادة والتصفية لقضايا النضال العربي وحسب . وانما ترتبط بجدوى واهلية استمرار هذه القوى ، خصوصا وان مرحلة جديدة تؤثر اليها مسارات الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة ونتائجه ، ستطرح عاجلا ام آجلا ، هذه الإعادة الجذرية في كل ما هو قائم . وبالبدء في القوى التي تتطلع لمهام التغيير .
وعلى هذه القاعدة من الوعي والشعور بالمسؤولية ، ومن الشجاعة في النقد والنقد الذاتي ، ستتوفر الأسلحة الأنسب لمواجهة أعداء الشعب ، بدءا بالأنظمة الرجعية ، والبرجوازية ، البيروقراطية ، الفاشية والطائفية ، وصولا بالوجود الامبريالي – ونسخته دولة إسرائيل الأقوى دولة ، تهدد حركة التحرر العربي ، لان الصراع لم يغلق جماهيريا والأراضي العربية لا تزال محتلة ( الجولان ، مزارع شبعا ، والضفة الغربية ، وقطاع غزة الذي يخضع للجيش الإسرائيلي ، بسبب حماقة انتحارية قام بها الاخوان المسلمون بالمنطقة متجسدة في حركة حماس التي مارست الإرهاب الأيديولوجي والتنظيمي على أبناء جلدتها ، قبل ان تسمو الى مرحلة اسقاط المشروع الصهيوني ، ومنه اسقاط دولة إسرائيل التي ستسقط بالدعاء عليها في المساجد ، ومن ثم اعلان الانتصار الساحق على الدولة الإسرائيلية ، التي تمسك بزمام المبادرات بالمنطقة . فهل ما قامت به حماس هو أسلوب التحرير ، ام ان يوم السابع (7) من أكتوبر، كان الفرصة التي تبحث عنها تل ابيب ، لتنزيل مشروعها الديني الكهنوتي الحاخامي ، التوراتي " التوراة " ، الزبوري " الزبور " ، والحضاري الذي تشتغل كل دولة إسرائيل باطيافها المتعددة حتى قبل الإعلان التاريخي لبنگريون ، الذي وجد ارض اليهود في ارض فلسطين .. فما قامت به حماس ، خاصة في الواجهة الإرهابية ، حين تم خطف وقتل المدنيين من مختلف الاجناس وفي مختلف الاعمار ، واستعمالهم لممارسة الاستبداد الشرقي ، كان هدية لدولة إسرائيل من الحركة الاخوانية " حماس " ، اعطى الدولة العبرية كافة الوسائل لتبييض وجهها امام العالم ، طبعا الذي تضامن مع الدولة العبرية ، رغم شدة المجازر التي خلفها الطيران الحربي الإسرائيلي ، في صفوف المدنين . فحتى النظام السياسي العربي ، والحركات السياسية التي تتدعي القومية العربية ، وتعتبر نفسها جزءا من حركة التحرير العربية ، عجزت في طرح البديل الثوري ، واكتفت بالبكاء الخادع ومن بعيد ..
وأكاد اجزم ، ان ما قامت به " حماس " في السابع (7) من أكتوبر ، لم يكن من صنع ومن خيال " حماس " . لان ما حصل كان حماقة وانتحارا وضربة قوية ، تعتبر اخر شوط إسرائيلي لتنقية الساحة من اعداءها ، رغم ان دولة إسرائيل هي من كان وراء تأسيس " حماس " ، لاستعمالها في مواجهة المنظمات الفلسطينية الماركسية ، حين كان للماركسية الشأن العظيم ، ومواجهة حركة اخوانية مماثلة هي منظمة " فتح " ..
فمن يقف وراء نصب الفخ ل " حماس " ، لتقوم بما قامت به في السابع (7) من أكتوبر؟
ومن خلال تحليل المعطيات منذ اتفاق مدريد 1982 ، واتفاق Oslo في 1993 ، والنتائج من العملية التي كانت خطة او مؤامرة إسرائيلية – غربية ، لتعويم السلطة الفلسطينية ، خاصة بعد الخروج من بيروت في سنة 1982 ، والتوجه للملاجئ . وخاصة الانقلاب الواضح للنظام السياسي العربي ، الذي ارتمى في الحضن الإسرائيلي للحفاظ على كراسي الحكم ، وعلى العروش .. فان حماقة حماس الانتحارية ، كانت اكبر منها وبكثير ، وهو ما يجزم بوجود طرف او عدة اطراف ، سهلت العملية لحماس ، مثلما زينوا لصدام جسين غزو الكويت ، وهي العملية التي انتهت بالتشطيب على حزب البعث العراقي العروبي ، وهي نفس المؤامرة نصبت لسورية ، لإزالة حزب البعث القطر السوري .. أي ان المخطط كان جاهزا ، وهو دحر المشروع العروبي القومي ، ومنه اضعاف الحركة القومية لتتحول من الصراع الاستراتيجي مع تل ابيب ، الى الصراع الاثني ، والعصبوي ( عرب – اكراد – تركمان – برابرة ... وهكذا ) داخل بلدانها .
الان تعبدت الطريق امام المشروع الحضاري اليهودي ، الذي يشتغل على ارض إسرائيل ، وليس على دولة إسرائيل التي اعترف بها الحكام العرب ، وأصبحت مخترق في شكل جماعات متناحرة باسم الهوية ، وباسم الأعراق والعصبيات ، فانتقل الصراع من صراع بين تل ابيب والعواصم العروبية ( دمشق – بغداد – مصر – الأردن .. ) ، ليصبح صراعا داخليا ، قضى بالكامل على مشروع ( تحرير فلسطين ) ..
فإسرائيل بالفخ الذي سقطت فيه حماس ، عبد لها الطريق للوصول الى دولة إسرائيل قبل 3000 سنة من الميلاد ، واعطاها الشرعية ، شرعية شعب الله المختار .. وتكون حماس التي انتجتها المخابرات الإسرائيلية ، قد استعملت في تنفيد جزء من المؤامرة او الخطة ، للإنهاء التام من سماع مطلب فلسطين في المحافل الدولية ..
والسؤال . اين هم دعاة القومية العربية ، المنتسبون الى ( حركة التحرر العربية ) ، امام ما يجري اليوم من إبادة بشرية في غزة ؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كأس الاتحاد الإفريقي - -أزمة القمصان-.. -الفاف- يتقدم بشكوى


.. نيكاراغوا تحاكم ألمانيا على خلفية تزويد إسرائيل بأسلحة استخد




.. سيارة -تيسلا- الكهربائية تحصل على ضوء أخضر في الصين


.. بمشاركة دولية.. انطلاق مهرجان ياسمين الحمامات في تونس • فران




.. زيلينسكي يدعو الغرب إلى تسريع إمدادات أوكرانيا بالأسلحة لصد