الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تتكلم العيون الغزية

شوقية عروق منصور

2023 / 12 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


عندما تتكلم العيون الغزية
كتبوا كثيراً عن العيون ، قصائد شعرية وأغان غزلية وأقوال إنسانية ، ورغم محاولة تغيير و تبديل الوانها بواسطة العدسات اللاصقة ، إلا أنها بقيت العيون في ميادين العشاق الذين يسهرون الليالي لكي تصير العيون الجمر الملتهب في ميزان حرارة الاشتياق والقدرة على زرع قمح الوفاء .
ما زالت العيون بالنسبة لي ليست فقط للرؤية والتحديق ومعرفة تفاصيل الحياة ، بل هي كاشفة لأعماق الانسان ، وهي التي تحمل في نظراتها كل شيء من أناشيد الفرح إلى تنهدات الانتظار إلى صراخ التعاسة إلى وجع الفراق ، أما الدموع فهي جسور الحناجر التي لم تستطع كبت شرايين القلب الذي يصر على كتابة الآهات وحمل نياشين الاعتزاز والوقوف على جبال الكبرياء .
عندما سألتني إحدى الصحفيات كيف وافقت على الزواج من زوجك ؟ قلت لها : نظرت في عينيه فعرفت أنه قدري، وكان زوجي يسخر من نظريتي ، وعندما أحاول التفسير والتأكيد أن العيون هي خارطة الطريق للفرح والحزن والثقة والاحلام وهي مكتظة بمدارس تعلمنا حدود التأهب للبكاء أو التأهب للركض في سباق التحدي ، أدرك أن ليس كل واحد يعرف قراءة الابجدية ، حيث كان يقول لي زوجي عندك " رومانسية متواطئة مع السذاجة " .
وبقيت وما زلت اؤمن بنظريتي أن العيون تتكلم أكثر من اللسان ، لكن لا أحد يسمعها ، و منذ بداية الحرب على غزة وأنا أحدق بشاشات الفضائيات ، أغادر جسدي وأخترق زجاج الجنون البركاني ،وأقتحم صفحات التاريخ الفلسطيني التي لا تتمزق ولا تركع ، وأفقد ذاكرتي أمام الدمار والأشلاء والبنايات التي كانت شاهقة ولكن بقدرة القذائف عانقت الأرض، وأكوام الحيطان والجدران المبعثرة التي تتنهد على الذكريات ، والجثامين المغطاة باللون الأبيض ، كأن الموت يتندر علينا قائلاً :
- رغم كرهكم لي سأبقى الأبيض الناصع الذي يقهر غروركم ..!!
غابات من الوجوه الصارخة ، المتألمة ، الموجوعة ، و على تخوم التحديق تطل العيون أمامي ، الدموع لا تبالغ ولا تتنكر لطقوس الوداع والدمار والشعور بفقدان كل شيء ، الصراخ لا يبالغ وهو يشعر أن العالم الصامت قد أحصى أنفاسه ويرغمه على ارتداء أثواب الندم .
ولكن العيون تركل كل شيء ، مَن يحدق فيها وهي تصعد إلى السماء ، يشعر أنها تحمل مسامير الزمن وتدقهم في شوارع وطرقات جديدة ، من يحدق في عيون الدهشة و الحيرة والذهول لا يجد الأنقاض بل يجد شيئاً يلمع يمارس لعبة الحق بين أكوام الإصرار والصبر .
من يقرأ عيون النساء والرجال والأطفال والشيوخ يجد الموت متنقلاً بين فواتير الحرب والرجاء أن تكون الفواتير بعيدة عن عبث الأرقام المتزايدة ، لكن هناك شيئاً يلمع قد يفسره فقط رجال التحليل والتمحيص والنقد ، و من قال أن " زرقاء اليمامة " كذبة واسطورة وخيال لا يعرف أن الغد يحمل الكثير ، وأن من " عيون زرقاء اليمامة " تتدلى رسائل دون حبر وكلمات .
من يقرأ العيون يعرف أن فيها شيئاً غريباً لا يغادر مساحات الدهشة والوجع ، بل شيئاً يمشي على رؤوس أصابعه بحثاً عن مسافة بين التاريخ والسنوات ، بين الأجنحة الحالمة وطوابع الاتفاقيات والتواقيع التي حاولت أن تكون العصافير البلاستيكية في زمن الأقفاص السياسية و الإعلامية .
شوقية عروق منصور -








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو