الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصالة الهوية السياسية عند المرأة العراقية

أسيل العزاوي

2023 / 12 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


يفكك النظام الديمقراطي الجديد في العراق بنية العقل السياسي الأحادي عبر سياسات الهوية المتعددة، التي تجمع في طياتها وجود المرأة والأقليات العرقية والأثنية، فحطم النظام الديمقراطي السيادة الشمولية، والإيديولوجية الدينية، فضلا عن إنه ضرب المركزية الذكورية على النساء. وعلى الرغم من هذا التحول في مفهوم نظام السلطة في العراق، مازالت مشاركة المرأة في العمل السياسي بعد عام 2003م، لا تخرج عن كونها فعالية خطابية، ونهجا سياسيا شكليا. ويندرج حضورها السياسي ضمن المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها النظام الديمقراطي، فالنظام الديمقراطي في العراق يعد نظاما هيجنا، ومركبا اجتماعيا وعقائديا، ويعيق تقدمه بنيته المزدوجة المتشكلة عبر محورين: العشائري، والإسلامي . وينطبق هذا التصور على موقع المرأة الجديد في نظام السلطة، ودورها في المشاركة السياسية. وتمثلت مشاركتها عبر محاصصة نسوية ثابتة وهي نظام( الكوتا )، بوصفها تجربة نسوية جديدة، ومشاركة حتمية تختبرها المرأة العراقية في العمل السياسي؛ وهي خطوة متقدمة تمتاز بها الأنظمة الديمقراطية في العالم في تمكين المرأة سياسيا. وامتازت مشاركتها بأنها مشاركة مبهمة وغير ناضجة؛ لأن النظام الديمقراطي في العراق لم تتبلور جذوره سياسيا واجتماعيا في مسار تعاقبي في البنية السياسية العراقية؛ أي أنه لم يكن نتيجة تغيير ثقافي ومعرفي للعقل السياسي العراقي في مفهومه للسلطة من أجل صناعة رؤية مقاربة للأنظمة الحديثة في الدول المعاصرة، وإنما هو مكافأة سياسية من قبل المحتل الإمريكي في فرض نظام ديمقراطي يقترب من كونه نظاما عموديا يتجاوز التجارب الأفقية المرنة في اختبار سلطة مغايرة للنظام الديكتاتوري الذي ساهم بشكل كبير في تذويت الهوية السياسية للمواطن العراقي، وتهميش مضاعف طال المرأة قبل الرجل.
وساهم الاقصاء الاجتماعي في تهميش المرأة سياسيا؛ لأنها مغيبة وجوديا ولا تدرك حقوقها الاجتماعية أولا، لتعلن عن رغبتها في حقها السياسي ثانيا، وعلى الرغم من أن الدستور والقانون يكفل مشاركة المرأة، بيد أن أغلب النساء يخضعن لتراتبية اجتماعية، وقيود دينية لم يستطعن تجاوزها بعد. وعلى الرغم من أن مشاركة المرأة تنبثق دستوريا كونها جزءًا من النظام الديمقراطي، مازالت المشاركة في العملية السياسية غير متاحة لأي امرأة، لذا اقتصرت المشاركة على فئة معينة من النساء يتمتعن بالامتياز الطبقي والاجتماعي ، وتحولت المشاركة السياسية إلى مشاركة براغماتية، ليس غاية الاهتمام بحضور المرأة وتمكينها إلى جانب الرجل.
ووفقا لهذا التصور، امتازت الهوية السياسية للمرأة العراقية، بكونها هوية مضطربة وسابقة لكل القيم الأخرى كالحرية، والكرامة، والحقوق، فهي هوية فوقية وفائضة وغير منتجة. ولم تستطع المرأة استيعابها، فهي لم تحصل إلى الآن على هويتها كإنسانة كاملة في مجتمع يعدها هامشا، فضلا عن ذلك، ركًب النظام الديمقراطي للمرأة هوية سياسية جديدة تسبق وجودها الإنساني فتأثرت هويتها السياسية سلبا بواقعها الاجتماعي، والثقافي، وهي تعيش في ظل الهيمنة الذكورية، فكانت هوية مزيفوجاهزة للاستغلال من قبل الأحزاب الأصولية، لما تمتاز به هذه الهوية النسوية من ضمان سياسي يتجاوز وجود المرأة وكيانها. فشكلت الكوتا هوية هشة غير انجازية، تنطوي على انحياز تاريخي قبلي قائم على نظام مسبق من الهرمية في الحقوق والمساواة بين المرأة والرجل . فيمارس النظام شكلا من أشكال الديمقراطية، لكنه يفتقر إلى أصولها الكاملة.
ينطلق النظام من تصور مسبق في تهميش المرأة سياسيا، فلا يعتمد على مبدأ الكفاءة والمهارة النسوية عبر مشاركتها في حيز رهانات الديمقراطية المضطربة . فاختزلت مشاركة المرأة في مجال السياسية خارج براديغم الوعي، كونها مشاركة نسوية شكلية وتابعة للرجل، ورافق دخول المرأة الجديد إلى العمل الحزبي والسياسي انحراف في المفاهيم السياسية فهي تجربة عبثية، في تداول الطائفية، ومغزى محاصصتي ينخره الفساد والاستيلاء على السلطة، فدخول المرأة لم ينم عن إرادة حرة في تغيير الواقع السياسي، وما يتعلق بخصوصية المرأة والنهوض بواقعها ثقافيا واجتماعيا، فتحولت المرأة إلى دمية سياسية فاقدة لصلاحيتها الإدارية والمركزية، فقراراتها نابعة من نظام الحزب الذي تنتمي إليه، وتجذَّرَ إفلاسها السياسي في تعميق النظام الأيديولوجي قبليا وعقائديا، وشكل وجود المرأة سياسيا في الأحزاب الأصولية تحديا جديدا للمرأة في المجتمع، وهي تمرر خطابها المضاد ضد القيم، والحريات، وحقوق المرأة وكرامتها، ومارست العنف الرمزي في التصويت برلمانيا على قرار تعدد الزوجات وهو من أكثر الأمور إشكالية في إهانة المرأة بوصفها سلعة محدودة الصلاحية وقابلة للترك والاستبدال.
وإجمالا لما سبق، لم تظهر لدينا شخصية نسوية سياسية، منذ قرابة عشرين عاما، تمتلك رؤية جديدة، وثقافة سياسية مغايرة، وإنما نماذج نسوية تشظت هويتهن السياسية ، فهن يجلهن أغلب مضامينهن السياسية، وواجباتهن الإنسانية، ويدل التضارب القيمي في الحقوق وصون الحريات والكرامة إشارة واضحة على ضعف المرأة وتأكيد تعبيتها النمطية بكونها متعالية هشة قابلة للانقياد والانسحاق حتى وهي تمتلك السلطة .

ة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ميناء غزة العائم يثير بوجوده المزيد من التساؤلات | الأخبار


.. نتنياهو واليمين يرفضون عودة السلطة إلى القطاع خوفا من قيام د




.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة ويزيد حدة التوتر في إسرائيل | #مر


.. دفن حيا وبقي 4 أيام في القبر.. شرطة #مولدوفا تنقذ رجلا مسنا




.. البنتاغون يعلن بدء تشغيل الرصيف البحري لنقل المساعدات إلى قط