الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفعةٌ دبلوماسيةٌ عالميةٌ كبيرةٌ للإدارة الأمريكية وللحكومة الإسرائيلية

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2023 / 12 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


إذاً، أمام تعطيل الولايات المتحدة لدور مجلس الأمن الدولي في حفظِ السِلم والأمن الدوليين، واستخدامها الفيتو ضد مشروع القرار الذي دعا إلى وقف إطلاق النار في غزة، كان لا بُدّ من العودة ثانية للجمعية العامة للأمم المتحدة..

فتقدمت المجموعة العربية والإسلامية بمشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية.. وتم اعتماد القرار بأغلبية 153 صوتا من أصل 193 ..

نتيجة التصويت كانت صفعة للدبلوماسية الأمريكية عموما، ولسياسة الرئيس بايدن ووزير خارجيتهِ خصوصا..

وصفعةٌ لحكومة الإرهاب في تل أبيب، لاسيما نتنياهو ووزير دفاعهِ ورئيس أركانهِ، ووزرائهِ الأكثرُ إرهابا، الذين يصرحون علنا أنهم يرفضون قيام دولة فلسطينية، ولا مكان لدولة فلسطينية بين الأردن والبحر، ويدعون لضربِ غزّة بالسلاح النووي..

نتيجة التصويت، هي اعتراف مباشر للبعض، وغير مباشر للبعض الآخر، أن إسرائيل دولة إرهاب وفصل عنصري وإبادة جماعية، ولا تُقيمُ أدنى اعتبار لكل القوانين والصكوك الدولية، ولا للقانون الإنساني الدولي، واتفاقات جنيف..

وهي دولة مارقة، بل الدولة المارقة الوحيدة في عالم اليوم على المجتمع الدولي وكل القيم البشرية..

نتيجة هذا التصويت هي تحية لأرواح شهداء غزّة.. واعتراف بالتقصير من طرف المجتمع الدولي إزاء الأطفال والنساء والعجائز والخُدّج، الذين لم يميِّز الإجرام الإسرائيلي بين أيٍّ من هؤلاء..

**

هناك تغييرا واضحا في المواقف الدولية.. وانقسام واضح في مواقف المُعسكر الغربي بين التصويت على قرار مماثل في الجمعية العامة يوم 27 تشرين أول / أكتوبر الماضي، يدعو إلى هدنة إنسانية فورية ومُستدامَة في غزة، وبين القرار الحالي الذي يطالب بوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية..

فالقرار السابق حصل على تأييد 120 صوتا، عارضته 14 دولة، وامتنعت 45 عن التصويت،

بينما القرار الحالي حصل على 153 صوتا، عارضتهُ عشر دول، وامتنعت 23 دولة عن التصويت.. وهذا العدد من الأصوات غير مسبوق في قضية سياسية دولية بالماضي..

**

إذاً كان هناك انقسام واضحٌ في صف المعسكر الغربي، إذ صوتت النمسا وتشيكيا إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة، ضد وقف إطلاق النار(يعني مع استمرار القتل والإجرام والبربرية والتوحُّش)،

بينما صوتت فرنسا وبلجيكا وأسبانيا وسويسرا والدانمارك وفنلندا والسويد والنروج وآيرلندا وآيسلندا وكندا، ونيوزيلاندا وأوستراليا(وهذه من المعسكر الغربي)مع وقف إطلاق النار، وامتنعت عن التصويت بريطانيا وألمانيا وإيطاليا واليونان وهولندا.

وهنغاريا التي صوتت في المرة السابقة ضد الهدنة ومع استمرار القتل، ربّما وخزَ الضمير هذه المرّة رئيس وزرائها (اليميني الداعم لإسرائيل بقوة) فامتنعت بلاده عن التصويت..

**

الدول العربية جميعها صوّتت هذه المرّة لصالح القرار، بينما في المرة الماضية امتنعت كلٍّ من تونس والعراق، في خطوةٍ لم أفهمها حتى اليوم..

**

نتيجة التصويت عِبرةٌ للولايات المتحدة، إن كانت تعتبِر، فالغالبية الساحقة من دول العالم ضد سياستها الداعمة بلا حدود للإجرام والقتل والمجازر والتطهير العرقي والإبادة الجماعية التي تمارسها دولة العنصرية والأبارتايد الإسرائيلية، والتي أصبحت الولايات المتحدة شريكا كاملا بكل ذلك..

**

وفي يوم التصويت بالجمعية العامة، حضر الرئيس بايدن الإحتفال بعيد (حانوكا) اليهودي في البيت الأبيض(عيد الأنوار) يوم 12 / 12/ 2023 ، وأخذ في التودُّد والتملُّق لليهود في كلمتهِ، فقال:

(إن دفء التواصل الذي أشعرُ به مع الجالية اليهودية لا يتزعزع.. لقد وقَعتُ في مشاكل وانتقادات عندما قلتُ قبل بضعِ سنوات إنهُ ليس عليك أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا، وأنا صهيوني..

وتابع: كما تعلمون، أنتم السبب في حصولنا على 81 صوتا في انتخابات 2020 .. أنتم السبب في أن دونالد ترامب ليس رئيسا سابقا، بل رئيسا سابقا مهزوما.. وأضاف: إنّ إسرائيل تواجهُ تهديدا وجوديا.. على إسرائيل أن تتّخذ قرارا صعبا.. يتعيّن على بيبي اتّخاذ قرار صعب.. ليس هناك شكّ في ضرورة مواجهة حماس، ولكن أعتقد أنه على نتنياهو أن يُغيِّر هذه الحكومة.. هذه الحكومة في إسرائيل تجعلُ من الصعب عليه التحرُّك.. وقال: لقد عرفتُ كل رؤساء وزراء إسرائيل وحكوماتهم منذ غولدا مائير، هذه مجموعة مختلفة، بن غفير ورفاقهِ والأشخاص الجُدد لا يريدون أي شيء يقترب ولو من بعيد من حلِّ الدولتين.. إنهم ليس فقط يريدون الإنتقام، وهو ما ينبغي عليهم فعلهُ ردّا على حماس الفلسطينية، لكنهم يفعلون ذلك ضد جميع الفلسطينيين.. إنهم لا يرديون حل الدولتين.. لا يريدون أي شيء يتعلق بالفلسطينيين..وتابعَ: لو لم تكن هناك إسرائيل لكان علينا أن نخترع واحدة.. أعتقد أنه بدون إسرائيل كدولة قائمة بذاتها لا يوجد يهودي واحد في العالم آمن.. لن نتراجع عن تزويد إسرائيل بما تحتاجهُ للدفاع عن نفسها وإنهاء المهمة ضد حماس.. وأضافَ: لستُ متأكدا أن ابن غفير ومجلس وزراء الحرب في إسرائيل يمكن أن يعتمدوا على الولايات المتحدة في أمنِ إسرائيل.. بدأوا يفقدون الدعم بسبب القصف العشوائي الذي يحدُث في غزّة..).

وقدّم بايدن نصيحة لحكومة نتنياهو فقال: (لا ترتكبوا الأخطاء التي ارتكبناها في 11 أيلول / سبتمبر. لم يكن هناك أي سبب يجعلنا نخوض حربا في أفغانستان. لم يكن هناك سببا يدفعنا إلى القيام ببعض الأشياء التي فعلناها..)..

**

إذا ليس وزير خارجية بايدن، أنتوني بلينكن هو صهيونيا فقط، بل الرئيس ذاتهُ يتباهى بأنهى صهيونيا..

كلام الرئيس بايدن ينطبق عليه القول: من فمهِ أدينهُ.. إنه اعترافٌ واضح وصريح على لسان رئيس الولايات المتحدة أن إسرائيل تقتلُ جميع الفلسطينيين بلا تمييز.. وإسرائيل هي من تعطِّل أي حل سلمي يُفضي إلى دولة فلسطينية، والانسحاب من الجولان السوري، ويؤدِّي إلى سلام واستقرار في الشرق الأوسط.. وأنه فِعلا لا يوجد شريك للسلام في إسرائيل.. وهذا ما يجب أن يعيه المجتمع الدولي بالكامل.. كلام بايدن أكبر إدانة لموقف إسرائيل من الحل في المنطقة.. فإسرائيل هي مصيبة المنطقة، وسبب التوتر والحروب والعدوان وعدم الاستقرار..

وكلام بايدن يُدين سياسة إدارتهِ ذاتها، فمع اعترافه بشكل غير مباشر بأن إسرائيل هي من تعرقل الحل وترفض حل الدولتين، ولكنه مع ذلك يؤكِّد على استمرار الدعم العسكري لتمضي في غيِّها وعدوانها.. وهذا يشجعها أكثر على المزيد من التعنُّت والتطرُّف والإرهاب ويبقي الشرق الأوسط على صفيح ساخن.. بل ربما الولايات المتحدة ذاتها لا تسعى فعليا للحل، وإنما تريد فقط إدارة اللعبة، وإبقائها قائمة..

وبعد هذا الكلام لا يحقُّ للإدارة الأمريكية، وشركائها الغربيون أن يلوموا المقاومة الفلسطينية على أي فِعلٍ مقاومٍ تقوم به.. فالرئيس بايدن يعترف بشكل غير مباشر أنه لم يتبقى أمام المقاومة الفلسطينية سوى الكفاح المسلّح، بعد أن سدّ المتطرفون في إسرائيل كل نوافذ الحل.. وضربوا باتفاق أوسلو عرض الحائط.. بل قتلوا بالماضي رئيس الوزراء إسحاق رابين لأنهُ كان ماضٍ في مسار أوسلو، الذي يرفضه نتنياهو اليوم..

وكلام بايدن هو اعتراف بحماقة السياسة الأمريكية في أفغانستان، وبطبيعةِ الحال في العراق..

ولكن هل تعلمت الولايات المتحدة كيف تتفادى السياسات الحمقاء؟. بالتأكيد لم تتعلّم.. وكان على بايدن أن يعترف أيضا أن سياسته في سورية تتّسم بالحماقة أيضا..

**

الولايات المتحدة ماضية في حماية الإجرام الإسرائيلي، وتتحمل مسؤولية ما يحصل في فلسطين، في غزة والضفّة، وفي الجولان، من انتهاك لقرارات الشرعية الدولية، والمضي في سياسة الضم للأراضي المحتلة..

فهي تحمي إسرائل وتشجعها على العدوان بتقديم كل أصناف الأسلحة، وتحميها في مجلس الأمن الدولي، ومن الملاحقة الجنائية الدولية..

وحينما هدّد الرئيس محمود عباس باللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية لفتح تحقيق لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين في أواخر 2017 قامت الولايات المتحدة بإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتمّ تهديد قُضاة المحكمة والمدّعي العام، بحظرِ دخول الأراضي الأمريكية، وحظر تمويل المحكمة باستخدام النظام المالي الأمريكي، ووقفِ تمويل المساعدات للفلسطينيين..

إنه إرهاب حقيقي..

**

وفي الوقت الذي كنتُ أكتبُ فيه هذا المقال، نشرَ موقع (روسيا اليوم.. آر تي) تصريحا خطيرا للحاخام الإسرائيلي المتطرف (عوزي شرباف) خلال مؤتمرٍ عُقِد في تل أبيب بعنوان (الإستطيان في قطاع غزة) يقول فيه:

(أنهُ يجب عودة الإستيطان إلى غزة، وأنّ كلا من شبه جزيرة سيناء ونهر النيل أراضٍ إسرائيلية.. وأنّ أمام إسرائيل فرصة تاريخية عظيمة لاستعادة أراضيها التوراتية.. وتابعَ: قطاع غزة هو القضية، وفي هذه المرحلة لدينا فرصة تاريخية مع اقتراب مجيء المسيح، فنحنُ في أيامٍ فُتِح لنا فيها فتحا عظيما للاستمرار في تحرير أرض إسرائيل في جنوب البلاد في غزة وما حولها.. وأضاف: لا شك أننا بحاجةٍ إلى الصلاة، وبذلِ كل ما في وسعنا من أجل تحرير منطقة سيناء بأكملها حتى نهر النيل، فهذه المنطقة جزء لا يتجزّأ من أرض إسرائيل، وهي مقدّسة بقدسيةِ أرض إسرائيل)..
هذا الكلام نضعهُ في رسمِ المُطبِّعين العرب..

لا تستخِفُّوا بهذا الكلام.. فمَن كان يتوقع أن يكون هناك وعد بلفور قبل مائة وستة أعوام، في 1917 والحرب العالمية الأولى لم تضع أوزارها بعد ؟.

ومن كان يتوقع أن تقوم دولةٌ باسم (إسرائيل) بعد 31 سنة من هذا الوعد.. عام 1948 ؟.

ومن كان يتوقع أنه بعد 19 سنة من قيام هذه الدولة سوف تحتلُّ القدس الشرقية، والضفة الغربية، وسيناء، والجولان السوري عام 1967 ؟.

ومن كان يتوقع أنهُ بعد 12 سنة من ذلك ستبرم معاهدة سلام مصرية إسرائيلية عام 1979 ويرفرف علم إسرائيل في قلب القاهرة، وتخرج مصر نهائيا من الصراع ؟.

ومن كان يتوقع أن يرى رئيس إسرائيل، ورئيس وزرائها، يُفرَش لهم السجاد الأحمر في أبرز العواصم العربية.. ويرتفع فيها علم إسرائيل ؟.

ومن كان يتوقع أن يُعزَف النشيد الوطني الإسرائيلي في بعض العواصم العربية، بكل كلماته التي تتوعّد بإراقة دماء العرب؟.

كل ذلك كان أبعدُ من الخيال.. ولكنه صار حقيقة..

وإن استمرّ هذا الوضع العربي المُزري، ولا يتجاوز موقف العرب الخطابات والتصريحات والبيانات، فلا تستغربوا أن يُصبِح الخيال الإسرائيلي اليوم، حقيقة في المستقبل.

**

في 30 / 11/ 2023 ، كتب المحلل العسكري في صحيفة ها آرتس(عاموس هرئيل) يقول:

(إنّ الدول العربية في المنطقة تتحدّثُ بصوتين. فَبِشكل علني جزءٌ منها مثل مصر والأردن، تُلائمُ نفسها مع الرأي العام في بُلدانهم، وتندِّد بقتلِ المدنيين في عمليات رد الفعل التي ينفّذها الجيش الإسرائيلي، ومن وراء الكواليس، معظم قيادات المنطقة تقريبا، وبضمنها معظم دول الخليج، تطالبُ إسرائيل بِهزمِ حماس فقط، التي ينظرون إليها كعدُو داخلي خطير)..

نتمنّى أن يكون كلام (عاموس هرئيل) كاذبا، وحربا نفسية فقط.

**

فِعلا “أمريكا هي أعظم أصول إسرائيل” كما قال أحد الكتاب الإسرائيليين في صحيفة معاريف الإسرائيلية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار