الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية رواية مُزوّرة!

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2023 / 12 / 14
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


منذ أن خرج الجيش الذي لا يقهر من جنوب لبنان مقهورا في ماي 2000، بدأ مسار انهيار المشروع الصهيوني. والمؤشرات على ذلك تتالت من غزة 2008 / 2009 (عملية الرصاص المصبوب)، ثمّ 2012 (عامود السحاب)، بعدها 2014 (الجرف الصامد)، ف 2019 (معركة صيحة الفجر)، تلتها حرب 2021 (حارس الأسوار)، ثمّ 2022 (الفجر الصادق)، وأخيرا الحرب الدائرة اليوم منذ 7 أكتوبر 2023 (السيوف الحديدية).
كما نلاحظ يتفنن الكيان الصهيوني في تسمية حروبه على غزة، وكأنها حروب ضد جمهورية الصين الشعبية! ولكنه لم ينتصر في جميع هذه المواجهات التي تلت خروجه من جنوب لبنان. حيث منعته المقاومة في كل مرة من تحقيق أهدافه. بل انتقل من حالة القوّة الجبّارة التي تُرعب كل الجيوش النظامية في المنطقة، إلى حالة "المُدافع" عن الأراضي الفلسطينية المحتلة التي سيطر عليها وملأها بقطعان المستوطنين القادمين من القارات الخمس، دفاع المستغيث طالب النجدة. وانتقل من عقيدة الحرب الخاطفة الحاسمة إلى أتون الحروب الطويلة التي تحتاج مُقاتلين يتمتعون بأصالة الإقامة بما هي جذور عميقة في البرّ وفي البحر وفي الثقافة وفي التّشابه بين لون التُّراب ومخارج الحروف وقوافي القصائد. ولأن هذا الكيان وُلِد في مخبر النزاع الدولي كأنبوب أصدره المُستعمرون المنتصرون في الحرب العالمية، ظلّ جيشه، برغم تُخمة السلاح والنيران، جيش كيان مُفتعل لا تتحمّله الأرض التي اغتصبها.
لذلك هو اليوم يتخبّط في مأزق وُجوديّ سِمته المُميّزة هي جرائمه الأكثر وحشية وحقارة، من هدم البيوت على الأبرياء، إلى قصف المستشفيات والمدارس والكنائس والمساجد ومقرات الصليب الأحمر ومنظمات الإغاثة، مرورا بقتل الاطفال والنساء والأطباء ومنع إسعاف المُصابين. إنها جرائم لا يمكن تصنيفها، ولم تعد البشرية قادرة على تحمّلها.
في المقابل يدفع جيوشه المدجّجة بأعتى أسلحة العالم تطوّرًا، ليتوغّل في رقعة جغرافية صغيرة جدا. وبعد شهرين يتبيّن أن كل شبر من تراب غزة هو منطقة اشتباك يواجه فيها هؤلاء الغُزاة مقاومة فتّاكة.

ما هو سرّ هذا العجز؟
السرّ في هذا العجز هو أن بعض المعارك لا يمكن فهمها بمُحدّدات العلم العسكري، بل تُفهم بمحدّدات علم التاريخ. ففي ميدان المواجهة بين الفلسطيني وبين المستعمر، لا يُقاس ميزان القوى بالعتاد والطائرات والدبابات والمدافع والصواريخ والحلفاء الدّوليين، بل يُقاس بالعلاقة بالارض.

هذا الكلام ليس شعرًا ولا أُمنيات. وليس يعني تقريرا نهائيا لنتيجة العدوان على غزة. إنما هو مجرّد وقوف على مؤشّرات يقولها الميدان، ونحن نُردّدُ أقواله. فها هو الميدان يوثّق احتراق الميركافا وناقلات النمر بمن فيها بقذائف الياسين، وعبوات العمل الفدائي محلية الصُّنع. وها هو يحدّثنا كيف يُوقِع الدمّ الفلسطيني المهدور جنود العدو في كمائن لا تقدر عليها التكنولوجيا ولا الإبادة الجماعية وسياسة انتقام المُحتلّ المذعور من ضعف علاقته بأرض لا تتحمّل وجوده.

لعله من الجدير بالانتباه، هو أنه إلى اليوم، أي بعد مرور زهاء سبعين يوما، لا تزال جيوش إسرائيل الجرّارة في مرحلة "الاستعلام التكتيكي" و "التوغل التدريجي"!
ومهما كانت النتيجة. وعلى افتراض أن جيش الاحتلال استمر في القتل. وتحمّل سقوط أعداد كبيرة في صفوفه ونجح في استعادة "هيبته" المُهشّمة، فإن هذا الكيان فقد وظيفته التي قام من أجلها، ألا وهي حماية المصالح الاستراتيجية الغربية. بل أن استمرار احتياجه هو نفسه للحماية، سيتحوّل، في السنوات القليلة القادمة، إلى عبء لا يُطاق في نظر نسؤولي الدول الغربية، سيّما في ظلّ الانهيار المستمرّ للدّولار.

التاريخ هكذا. له أحكامه وممكناته. وله مهازله أيضًا. فلقد اعتقد الفلسطينيون والشعوب العربية منذ 1948، اعتقادا خاطئا في كون تحرير فلسطين مهمة عربية. وهذا أدّى إلى منزلق التّعويل على جيوش الأنظمة العربية، التي قّدّت بالأساس، على نحو يضمن بقاء إسرائيل. ولكن منذ أن نجحت المقاومة اللبنانية في استنزاف جيش الاحتلال إلى الحدّ الذي أُجبِر فيه على الخروج من لبنان، تحوّل ذلك النّصر الجزئي إلى ثقافة مقاومة. وتراكمت في غمرة المواجهات وتجارب الدم والتضحيات. تراكمت المقاومة. وراكمت قوتها، وأضافت إلى تجاربها خبرات الصمود والتوسّع، حتى بَنَت لنفسها قاعدة ارتكاز أساسية داخل فلسطين. وبلغت من النُّضج درجة القدرة على تهيئة ميدان المعركة بابتداع تضاريس في أرض لا جبل فيها ولا واد. فاستبدلت الغابات بالأنفاق.

أنفاق غزة هي التي ستُفكّك الكيان الصهيوني، بعد أن أسقطت رواية "أرض الميعاد". فمن هنا فصاعدًا، ستصبح "هجرة اليهود إلى فلسطين" عارًا. وستتوقّف ليحلّ محلّها حقّ العودة المُعمّد بدماء الشهداء والمسنود بدعم شعوب العالم. ولن يُصدّق يهود العالم مستقبلا خرافة أرض الميعاد والسلام والرفاهية ورغد العيش.

خَسِرت فلسطين في هذه الجولة، على طريق التحرير، قرابة مئة ألف من الشهداء والجرحى، ومئات آلاف المنازل والمنشآت وضروريات العيش. وخسر الاحتلال روايته الكاذبة. خسر حلم تصفية قضية فلسطين. خسر إمكانيات الاستقرار إلى الأبد. واصبح مطوقا بحزام من السُّخط العالمي ونيران تصميم أطفال فلسطين على دحره. خسر فكرة الهجرة وأرض الميعاد. وفقد وظيفة إخضاع المنطقة التي صنّعوه من أجل القيام بها.

هذه المعركة أسّست لزمن جديد. ففي الجولات القادمة، لن تكون إسرائيل على قوّتها كما هي اليوم. ولن تكون غزة لوحدها. سيتفاقم انهدام إسرائيل كفكرة ومشروع وبناء. وسينفجر جحيم غزة في الضفة والقدس وأراضي ال48. هذه هي وحدة الساحات الحقيقية. أما الساحات الواقعة خارج فلسطين، فهي ساحات إسناد مُتحرّكة، محكومة بعدة ظروف وأحوال. قد تتصاعد في مصر مثلا، وتختفي في لبنان. قد تشتعل في الأردن، وتختفي في الجولان، أو العكس. لا ندري. ولكن ساحة الصراع الرئيسي فهي قطعًا فلسطين المُحتلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Politics vs Religion - To Your Left: Palestine | فلسطين سياس


.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي




.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل