الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرطي

عامر سليم

2023 / 12 / 14
حقوق الانسان


قضى العامل المضرب كاي بورميو ليلته الطويله امام بوابة مصنعة وهو يشرب القهوة ويتجاذب أطراف الحديث مع رفاقه ويخططون لفعالياتهم لليوم القادم , وحين حل الصباح كانت سيارات الشرطة ومنتسبيها قد طوقوا المكان بمعداتهم وهراواتهم وبزاتهم الثقيلة .
كان كاي يتقدم العمال في حشدهم ويسير ببطئ تجاه شرطة (مكافحة الشغب) , وبعين متعبة من قلة النوم أخذ يحدق في ضابط الشرطة الذي يتقدم رفاقه , ثم تقدم أكثر ليتأكد من وجه هذا الضابط الذي يبدوا ليس غريباً عليه , وحين باتت المسافة لاتتجاوز بضعة أمتار اندهش وفغر فاه مذهولاً وهو يتمتم : جان إيفو هذا انت؟
تجمد الضابط جان في مكانه لايحرك ساكناً وهو يرى صديق الدراسة كاي يمسك بياقة قمصلته الثقيلة ويصيح بغضب باكياً :

ما الذي جرى يا صديق الدراسة؟
الم نكن يوماً , في نفس الصف ونشترك بنفس الرحلة؟
الم نقرأ وندرس ونتعلم ونلعب معاً؟
ألم نتبادل بأقلامنا, سطور الوفاء على مذكراتنا في آخر يوم دراسي؟
ما الذي جرى؟
ما زال قلمي الذي أهداك تلك السطور ينبض ويكتب عن الحب والصداقة والوفاء
فلماذا مُسخ قلمك وتحول الى هراوة؟
تفضل اضربني بها , ألم تحملها لهذا الغرض؟

بقى جان لا يحرك ساكناً ولا ينطق بحرف واحد وكأنه مشلول وهو مستسلم تماماٍ لكلمات صديق الطفولة والدراسة.
تلك هي قصة صورة معبرة حدثت في فرنسا في سبعينيات القرن الماضي حين اضرب عمال احد المصانع لتحسين ظروف العمل.
ليس المهم كيف انتهت قصة هذه الصورة , فالمشاعر والاحاسيس والخواطر ليست أدوات الحل السياسي في كل الانظمة , ولكن الصورة تقول لنا كيف أن الصداقة والإنسانية تأتي فوق الواجبات والمهن والظروف المختلفة وتؤكد ايضاً في كثير من الأحيان، فقط أولئك الذين نحبهم حقًا، هم الذين يمكن أن يثيروا لدينا غضباً وخيبة أمل كبيرين.
كم عانيت شخصياً من الصديق الشرطي في الدراسة الثانوية والجامعية والعسكرية والعمل , قُهِرتْ , تأخرت عن دفعتي سنة دراسية في الجامعة وحرمت من الدراسات العليا رغم تفوقي , وكنت مراقَب في العسكرية وحرمت من الترقية والايفادات الى الخارج في العمل , كان الرفض لأسباب امنية جاهزاً في كل ملفاتي لأي طلب أو امتياز اسوة بزملائي! .
بعيداً عن التعريف الحرفي والمهني للشرطي , فالشرطي معروف في كل العالم بالفساد والقسوة والسادية والرشوة, وفي العراق يقولون : لو سقط الانسان (يعنون أخلاقه) يصبح شرطياً! فهو من يطلق النار ويقتل المواطن وهو من يعتقله في الفجر وفي الشارع وهو من يعذبه وهو من يأخذ الرشوة من الاهل للزيارة وتوصيل الحاجيات وهو من يصادر الثمين والدسم منها! يعني ابو اسماعيل سمعته زفره وسيئه وماينلبس عليها لا ثوب ولا عكال!.
الكثير منا الآن يجلس مرتاحاً على اريكته وهو يقرأ هذه الصورة وقصتها الدراميه يقول لنفسه : انا مرتاح الضمير ... لست شرطياً!.
ولكن ..... من منا لم يكن شرطياً ويتصرف مثل الشرطي دون ان يلبس زيّه وقبعته ويحمل هراوته ؟
الشرطي المودرن الآن وفي عصر التكنولوجيا والعولمة هو من :

- يشخّص الامراض النفسيه والعقلية والجنسية على الهواء لكل من يعترض عليه ويختلف معه, مثل قُرَّاء البخت والابراج والسحرة والفتاحين فال!.

- يتنمر على الاخرين ويشتمهم ببذاءة ويكتب التعليقات والردود والقصص والمقالات المبتذلة والسوقية وينحت اسماء الرجال الى المؤنث منها ليشفي غليلة ( كما يفعل الشرطي للمعتقل حين يشتم امه واخته وزوجته وابنته ويتهمهن بالدعارة!)

- يتهم المخالفين لنهجه وآراءه بالعمالة والخيانة وقبض الاموال ( وصلت لحد تحديد ثمن التعليق بــ 100 دولار امريكي! هذا النوع من الشرطة دقيق لحد البارانويا والخبال!)

- يتهم المخالفين لنهجه وآراءه بالأدلجة والستالينيه والطبقية والاسلامجيه والعداء للغرب وسوء اختيار الصديق (سوفيتي لو امريكاني!) وضد العلم والمعرفة وبسكويت النستلة وموالاة العمائم والولائية وحزب الله وبقية الدبكة اللبنانية و الدكة العشائرية ( وغالباً مايكون هذا الشرطي في ارذل العمر وصدره مليئ بالحقد والبلغم الاصفر العنصري المقرف!).

- داعشي ارهابي يؤمن بانه من خير امة , يكفّر كل البشر ويعتبر دينه هو الافضل والحقيقي والباقي مجرد خنازير وكفرة ويستحقون الذبح ويترصدهم حتى يقول الحجر هاهو ذا يختبئ خلفي هلّم بذبحه .

- حاخامي ارهابي يهودي يؤمن بأنه من الشعب المختار وان الله سخر له الارض (طابو عثماني أصلي) والعباد وبأنه يمتلك رخصة مطلقة للقتل والتهجير ليعيش شعبه المختار بسعادة وهناء وصفاء البال و واحة للديمقراطية.

- يسوعي مسيحي متطرف من بقايا مومياءات محارق محاكم التفتيش القذرة والعفنة, مليئ بالحقد والكره واللؤم لكل مخالف ويؤمن بالقوة والابادة والقصف السجادي لأجل حماية الابناء , ابناء الرب له المجد والملكوت!

- متملق مرائي منافق ماسحاً للأكتاف يلوك مفردات التذلل للقوي والمؤيد مثلما يلوك لقمته المغموسة بالمهانة المازوخية كـــ ....اغاتي .. مولاي .... يا باشا ... ياسيدي ... خادمكم ... المفكر .... البروفيسور .... الفاضل .... الخ!

يعني ابو اسماعيل ما ينحرج منك ويقول لك مرتاحاً فرحاً متشفياً وبصدر منفوخ ويخرخش ويكح من تأثير جكاير المزبّن ...
: يا عزيزي يا بعد عمي في النهاية ... كلنا شرطة واسماعيل ابننا المشترك!
.........................

لم يبقَ عنديَ ما يبتزّهُ الألمُ
حسبي من الموحشاتِ الهمُّ والهرمُ
لم يبقَ عندي كفاءَ الحادثاتِ أسى
ولا كفاءَ جراحاتٍ تضجُّ دمُ
وحينَ تطغَى على الحرَّان جمرتُهُ
فالصمتُ أفضلُ ما يُطوَى عليهِ فمُ
رحم الله الجواهري




الصوره لمتظاهر يبكي بحرقه عندما اكتشف ان الشرطي الذي يعترضه صديق الدراسة
https://www.facebook.com/photo/?fbid=1208196809388526&set=a.389856334555915
https://wondersofthepast.quora.com/Childhood-Friends?comment_id=30305049&comment_type=3








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هه واس يكشف سر أبي ويغادرنا
جوان علي ( 2023 / 12 / 15 - 01:03 )
نص رائع .. برقيات الى من يعينه الامر .. وذكرني بقريب لي في بغداد في اواخر الخمسينات أسمه هه واس .. كان شرطيا .. يتميز بشارب كث ملفوف طرفاه الى الاعلى وجسم ضخم لا تتسع له بدلته الرسمية .. وأظن أن الضخامة كانت اهم مؤهلاته للقبول في سلك الشرطة رغم أميته ولغته العربية المكسرة .. اعتاد هه واس أن يزورنا في وقت الظهيرة حاملا كيسا أسمر يتنوع محتواه حسب مزاجه وايام الشهر .. تفاح .. موز .. حفنة مصقول .. يوزعها على الاطفال وانا منهم .. ثم ينتظر صينية الطعام التي تقدمها أمي له بشكل روتيني .. الى أن جاء اليوم الذي صرخ فيها ابي يأمرها برفع الصينية من أمامه .. قائلا كاد أن يقتلني اليوم بهراوته .. رد موجها الكلام لامي .. وبنبرة فيها الكثير من الاستنكار .. يستاهل لانه يتظاهر ضد الحكومة .. ثم ازاح الطعام جانبا .. وغادرنا تاركا أبي ولفترة طويلة في دائرة الشك من منظورنا طبعا .. تحياتي


2 - الزميلة العزيزة جوان
عامر سليم ( 2023 / 12 / 16 - 09:11 )
شكراً لتعليقك ومشاركتك لنا بقصة الشرطي هه واس حامل الهراوة على صينية الطعام!
كل التقدير والأحترام لكم


3 - تحياتي الحارة لك عزيزي عامر
عبد الحسين سلمان ( 2023 / 12 / 17 - 08:55 )
تحياتي الحارة لك عزيزي عامر

تصور فقط لو أن هذا ( الشرطي) يستلم الحكم و السلطة ؟؟
ماذا سوف يحصل للذي يختلف معه في الرأي؟


4 - الأخ العزيز سلمان
عامر سليم ( 2023 / 12 / 18 - 02:44 )
سؤالك هذا ذكّرني بالجملة الأخيرة التي كان يجب ان أختم بها مقالي أو برقياتي كما تقول العزيزة جوان .....

الشرطي أون لاين ما أن يستلم الحكم والسلطة الفعلية يتحول الكيبورد بين يديه الى هراوة أو ساطور أو مسدس!.

شكراً لك .... مع كل التقدير والأحترام


5 - الأستاذ عامر سليم المحترم
ماجدة منصور ( 2023 / 12 / 18 - 09:25 )
اليوم فقط و بالصدفة ...عرفت أنه لديك صفحة خاصة على موقع الحوار المتمدن0

لغتك شفافة و راقية
أهلا بك كاتبا و مفكرا


6 - التسلّط على الآخر غاية وهدف في ثقافتنا
ليندا كبرييل ( 2023 / 12 / 20 - 05:38 )
عزيزنا الأستاذ عامر سليم المحترم
سلاما وتحية طيبة آملة أن تكون بأحسن حال

الشرطي! بلاد العرب كلها كل شخص فيها عامل لي شرطي
يكبر الطفل على الخوف من هذا الكائن المرعب
سيجد الشرطي في بيته مدرسته جامعته عمله، ما دام هناك الأعلى منه فسيعمد الأعلى للإهانة والاستصغار والازدراء ومسح الأرض بالمخالف له
لسّه أنتو الشباب أقدر من النساء على رد الإهانة والإساءة
نحن النساء نعجز عن التفوه بألفاظ مخجلة ومعظم المسبات لزقوها بالمرأة والأخت
وسؤالي الآن: دخلك يا أستاذ ليش هالشرطي مش مستلم الحكم والسلطة الله يخليك؟
والحكم والسلطة تبدا من البيت وجر
التحكّم بتوجهات الآخرين أمنية وغاية وهدف لكل إنسان عربي
لذلك ليس لي رأي في السياسة لا لمعارضة لا لاختلاف لا لوجهة نظر في الحرب أي حرب لا للوقوف مع طرف دون آخر فالشرطي بالمرصاد
الحكي الفاضي هو الماشي بهالأيام
ولأن الحكي الفاضي فضي عندي لذلك أقضي وقتي بمشاهدة المسلسلات الفاضية التي تضحك على عقولنا لتفضى عالآخر

أعجبتني أبيات القس الألماني مارتن نيمولر التي كتبتها تعليقا في مقال للأستاذ العزيز محمد حسين يونس
فيس بوك يا أستاذ؟ الله يسامحك

مع التحية للحضور الكريم


7 - السيدة ماجدة المحترمة
عامر سليم ( 2023 / 12 / 21 - 04:13 )

شكراً على كلماتك اللطيفة والمجاملة , ولكن الله يرضى عليك اعفيني من الالقاب ( كاتب و مفكر) , انا مهندس متقاعد ولم انتج اي فكر أو معرفة !.
كل الشكر والتقدير والاحترام على المرور والمشاركة.


8 - الزميلة العزيزة ليندا
عامر سليم ( 2023 / 12 / 21 - 04:15 )

تكتبين: ( لذلك ليس لي رأي في السياسة لا لمعارضة لا لاختلاف لا لوجهة نظر في الحرب أي حرب لا للوقوف مع طرف دون آخر فالشرطي بالمرصاد )!.
لم اعهد روح الانزواء واليأس هذا منك من قبل , نكتب دوماً لأدانة الشرطي وفضحه وليس للأستسلام له حتى نعيش خوفه ونرضيه بقناعتنا للحياة الفاضية! , على الاقل نحن بعيدون , فما بالك بالناس التي تعيش قرب الشرطي وبمتناول هراوته ومع ذلك لا يخشونه؟ .... مرحى لهم ولشجاعتهم.
شكراً على تعليقك ومشاركتك لنا آرائك وهمومك.
كل التقدير والاحترام لكم

اخر الافلام

.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح


.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف




.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي


.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية




.. كاميرا العربية ترصد نقل قوارب المهاجرين غير الشرعيين عبر الق