الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن ندرك كل شئ

حسام الدين مسعد
كاتب وقاص ومخرج وممثل مسرحي ويري نفسه أحد صوفية المسرح

(Hossam Mossaad)

2023 / 12 / 14
الادب والفن


تكمن الغايات الدلالية،التي هي هدف الإتصال المتوقع من لدن صناع عرض مسرح الشارع بالمتلقي له في رسالة إتصالية تتلخص في عبارة واحدة مؤداها "نحن ندرك كل شئ "،فكيف لصناع مسرح الشارع أن يحققوا تلك العبارة كغاية دلالية،او كرسالة إتصالية ؟
-لاشك أن فوضوية المؤدي التي تصادف المتلقي في فضاء عرض مسرح الشارع،و تنطلق من مسرحة هذا المكان المنتخب للعرض خارج العمارة المسرحية،تخلق نظام جمالي ناتج عن عملية المسرحة،فالمكان الممسرح، هو "ذلك الحيز أو الفضاء المادي الطارئ المشغول من خلال وجود المؤديين وعلاقاتهم بالجمهور او المتلقيين"،وحيث إن طبيعة المكان الغير ثابتة في مسرح الشارع تخلق تلقائيا جوا من التحفيز ينطلق من حيوية الشارع، ومسرحه الذي يتبني شعار إستخدام كل المساحة المتاحه جغرافيا ودون تقسيم بين منطقة الأداء، ومنطقة التلقي التي تذوب في عروض مسرح الشارع،
فإن وضع المتلقي في عروض مسرح الشارع ذلك المكان المحايد خلق تحديًا أمام صناع مسرح الشارع ينبغي بحثه،ودراسته جيدا قبل الشروع في تنفيذ عروض مسرح الشارع، وكيف تمنحه(المتلقي) إحساس مغاير لوضعه، وهو يشاهد عرض مسرحي في قاعة مسرحية،مما يعني الزج بهذا المتلقي داخل رقعة الحركة والتمثيل من أجل إخضاعه لتجربة مغايرة بها نوع من الصعوبة، والمتعة، وإحساس التشاركية التي يجد المتلقي نفسه فيها جزء من نسيج العرض.
-إن هذه التشاركية، هي امتزاج كل عناصر المسرح في منطقة فضائية واحدة هي فضاء الشارع الذي يدخل في حالة صيرورة الإندماج الذاتي مع عناصره مكونا سينوغرافيا طبيعية قائمة بذاتها.
-لذا فالخيال الذي يخلقه او يصنعه الممثل،او المؤدي في مسرح الشارع يتحول تلقائيا الي مدرك حسي بطبيعة المكان، وحدوده الجغرافية، والزمانية.
-إن إدراك المتلقي لخصوصية المكان عامة يحدث التحول في ذهنيته من مجرد تصور اللعبة التشخيصية التي تحدث امامه الي وعي بأن ما يشاهده حقيقة، ومن هنا يصبح المكان الممسرح في الشارع والذي ليس وظيفته الأصلية العرض المسرحي، مكان يعتمد التجسيد الخيالي من خلال التوظيف الأشاري لهذا المكان الفارغ العشوائي.
-إن التعارض بين العرض والمكان عادة ما يؤدي الي تحييد تأثير العرض ذلك ان قابلية تحول المكان الي مكان ممسرح تتسق مع الرسالة، والموضوع الذي يكرسه المكان في اسلوبه، فعلي سبيل المثال لا الحصر،إذا تم طرح مشكلة وضع المقاعد علي الأرصفة خارج المقهي وكيف تؤثر علي حركة الماره علي الرصيف وتعرضهم للخطر اثناء سيرهم في الشارع ؟فإن الرسالة التي يطرحها هذا المكان العارض بوضعه المقاعد علي الأرصفة، هي رسالة دعائية لجذب المارة ليكونوا من رواد المقهي، لكن الرسالة الأصلية، هي رسالة الشارع الذي يصبح الرصيف فيه ملاذ لكل المارة، فإذا كان العرض المقدم في المقهي متفق مع موضوعه، ومتسق في اسلوبه مع النظام الذي يكرسه المكان (رصيف الشارع) ازدادت قوة تأثير العرض.
-إن الممثلين في مسرح الشارع عليهم ان يستهدفوا المشاهدين المصادفين عشوائيا للعرض، وأن يكونوا حيز العرض،بجعل هؤلاء المشاهدون متلقون، ولذا فإن المكان في الشارع اصبح بعد مسرحته مكان مادي مشغول بالمؤدين والمتلقيين، واكتسب صفة الفضاء المسرحي الذي يشترط لتحقق هذه المسرحة هو حركة الممثل فيه ووجود جمهورالمتلقين داخل حيزه، معتمدا علي نمط عشوائيته او شكل تكوينه الطبيعي او المعماري، ولذا فإن فضاء الشارع الممسرح هو فضاء محدد وسينوجرافيته سوف تشمل منطقتين هما منطقة الأداء، ومنطقة التلقي، اللتين تذوبتين في لحظة تتمحور حول أبعاد قيمية وإنسانية، فالمكان في مسرح الشارع لايعطي المتلقي احساس انه يشاهد عرضاً او لعباً متأثراً بالفضاء التخيلي، او الوهمي، ويرجع ذلك لأن عروض الشارع لا يستخدم فيها الإضاءة المسرحية وعادة ما تعرض نهاراً، فتنتفي الفضاءات الوهمية والنفسية والتخيلية، حتي لو تم استخدام الإضاءة المسرحية، فإن الفضاء في مسرح الشارع اصبح وحدة واحده مندمجة لعدم الفصل بين المتلقي، والمؤدي في عرض الشارع.
-ان العشوائية الجغرافية تبقي علي حالها في شكل ومحتوي المكان المختار للعرض، وبالتالي فطاقة الممثل تتناسب طرديا وتلك العشوائية، فطاقة الممثل في عروض مسرح الشارع كمكان ممسرح بعشوائيته الجغرافية، قد يعطيه الأنفلات في الإرتجال وقد يدفع الممثل،او المؤدي الي التمرد والمشاكسة علي الإرتجال، والذي يعني فن الخلق في لحظة التنفيذ، وهذا الإنفلات الإرتجالي نابع من هواجس صناع مسرح الشارع القائمة علي إمكانية توليد علامات متدفقة، فالمكان في مسرح الشارع غايته توليد إشارات مسرحية، بلا حدود لتدل علي معاني متناهية ناتجة عن التشكيل في المكان، او الفضاء، او حيز الشارع .
-هذا التشكيل في مساحة المكان لا يهتم بالمساحة من الناحية النظرية، بل يهتم لكونها اصبحت أداة تميز لنشوء علاقة بين الباث، والمُستقبل لا تتحقق إلا بالتركيز الذي لن يتأتي إلا، إذا توحدت الرؤية في ظل ظروف موضوعية بين المساحة والأداء.
-لذا فإن طبيعة الأداء في الشارع تكون ذات خلق وارتباط المبدع بالمكان ذاته،فالمكان في مسرح الشارع يشكل العرض، ويشكل طبيعة الأداء، وبالتالي، فإن المكان يعتمد قيمة ما يقدم من شكل، ومضمون للعرض، وقيمة اداء الممثل،او المؤدي لبلوغ الغايات الدلالية لعرض مسرح الشارع،وحتي يتثني لصناع العرض الشارعي أن يبلغوا هدف الإتصال المتوقع بمتلق العرض يجب أولاً أن يدركوا كل شئ في تلك العملية الإتصالية،ويعوا جيدا طبائع الفضاء المادي الطارئ المعمارية،والجغرافية،والإنفلاتية،وكيفية التغلب علي المعوقات التي تواجههم،وتكون سبباً في إيقاف العرض أو إلغاؤه في هذا الفضاء المنفلت،إذ أن المكان في الشارع يكتسب جماليته من كونه فضاء صاخب، ومنفلت تتحرك فيه الدلالات بسهولة ويسر ولأن هذا المكان هو في الأصل فضاء للمتلقي الذي تتم مناقشة قضاياه اليومية فيه،
فإن الدراسات الديموغرافية،والسيسيولوجية،والسايكولوجية للمتلقي المُستهدف لهذا الفضاء ستعين صناع العرض علي وضع محددات الرسالة الإتصالية التي مفادها "نحن ندرك كل شئ ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب


.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز




.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم