الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع الظاهرة وضدها في آنِ واحد (رؤية في مستقبل المنطقة العربية بعد طوفان الأقصى)

حسن خليل غريب

2023 / 12 / 14
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


قد تتميَّز بعض الاستراتيجيات السياسية بخصائص تدفع البعض لاتخاذ مواقف مؤيدة لبعض جوانبها، ورافضة لجوانب أخرى، وهو ما قد يبدو وكأنه تناقض بين الموقفين. وهذا ما ينطبق على ظاهرتين من ظواهر المقاومة المسلَّحة على الساحة العربية.
-الظاهرة الأولى: ظاهرة (طوفان الأقصى) التي قامت بها حركة حماس في السابع من تشرين الأول من العام 2023، لاقت تأييداً عارماً عند أفراد وجماعات عربية لا تؤمن بمنطلقات حماس العقيدية، عبَّر عنها البعض بأنه يؤيد عمل حماس العسكري بينما هو يرفض منطلقاتها العقيدية، وبدا لهم أن هناك تناقضاً في التقييم، فوقع في حيرة وإرباك.
-الظاهرة الثانية: ظاهرة (حزب الله) في لبنان، خاصة بعد العام 2000، أي بعد تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني. على الرغم من الملابسات التي رافقت تلك الظاهرة في نشأتها وتكوينها واستفرادها بالعمل المقاوم في الجنوب اللبناني، لم يظهر على الساحة اللبنانية من ينكر مشروعيتها كظاهرة تقاوم الاحتلال الصهيوني للجنوب. وذلك على الرغم من تكوينها العقيدي القائم على أسس طائفية. وكما حصل لتقييمنا بالنسبة لجوانب تأييد حركة حماس، وجوانب الرفض، ينطبق على ظاهرة حزب الله في المقاومة اللبنانية.
بمتابعة تلك المواقف توقفنا لتفسير أسباب الوقوع في الجمع بين موقفي الرفض والقبول اللذين اجتمعا في تقييم ظاهرة واحدة.
في محاولة لتفسير ما يبدو متناقصات بين الموقفيْن -تأييد جوانب، ورفض جوانب أخرى في الظاهرتين معاً- وعلى قاعدة التفكيك بين العوامل المكونة للظاهرتين ثم إعادة تركيبها، سنحاول أن نقوم بتفسير ما يبدو تناقضاً كما عرضنا في مقدمة المقال.
كل من الظاهرتين تشمل عاملين أساسيين، وهما:
-العامل الأول: عامل تحرير الأرض من احتلال خارجي (تحرير الأرض المحتلة).
-العامل الثاني: استراتيجية بناء دولة محررة مستقلة الإرادة والسيادة.
وما يربط بين العاملين علاقة عضوية وثيقة، لأنه لا يمكن التفكير ببناء دولة خاضعة لاحتلال أجنبي، بل سلطات الاحتلال هي التي تفرض النظام السياسي الذي يضمن مصالح الاحتلال. ولهذا السبب، ومن خلال كل تجارب التحرير العالمية، كانت الشعوب، أو الجزء الأكبر منها، تعطي الأولوية المطلقة لتحرير أراضيها من الاحتلال الخارجي. وتتشارك مختلف التنظيمات السياسية في القيام بعبء التحرير بواسطة الكفاح الشعبي المسلح. علماً أنها تلقي بخلافاتها العقيدية أو السياسية، أو الطائفية الدينية جانباً.
ولأن مقاومة الاحتلال أصبح قانوناً دولياً وإنسانياً، واستناداً إلى هذا القانون يمكننا تفسير جانب قبول الظاهرتين وتأييد ما يقومان به من أدوار في المقاومة في كل من فلسطين ولبنان. وليس هذا وحسب بل إن البعض شاركهما بشتى النشاطات -من عسكرية وسياسية وإعلامية- لأنها تخدم هدف تحرير الأرض.
إلى هنا، أصبح الجزء الأول واضحاً لأن تأييد العمل العسكري لتحرير الأرض المحتلة من دون شروط يستقيم مع المعايير الدولية والإنسانية. وأما جانب الرفض في استراتيجية الظاهرتين، فله علاقة مع الجانب العقيدي بعد إنجاز مهمة التحرير، الذي يرتبط ببناء دولة، تدعو فيه الظاهرتان إلى بناء دولة دينية. ومن هنا يبدأ رفض الجزء الثاني من استراتيجيتهما من قبل القوى التي محضت كل تأييدها لهما في الجزء الأول. وتعود أسباب الرفض إلى أن تأسيس دولة دينية سياسية أصبحت تتناقض مع معايير العصر أولاً، وثانياً لأن بناء دولة دينية يعبِّر عن رؤية فئوية لهما بينما حدود الدولة المحرَّرة تضم تشكيلات اجتماعية وسياسية ودينية متعددة، ومن حق تلك التشكيلات أن يكون لها رؤيتها الخاصة في بناء دولة مدنية يتساوى فيه المواطنون في الحقوق والواجبات من دون تمييز بين شتى التشكيلات الاجتماعية والدينية.
وعندما تتحرر الأرض، ستعود ملكيتها لهم جميعاً، ومن حق كل تشكيل اجتماعي أو سياسي أو ديني أو مذهبي أن يشارك بقرار تحديد هوية النظام السياسي الذي على أساسه ستبنى الدولة الوطنية.
رؤية في صياغة حلول لإشكاليات الواقع الراهن:
-الإشكالية في استراتيجية ظاهرة حزب الله: الحزب يمثِّل القوة الأساسية التي أنجزت تحرير الأرض المحتلة في جنوب لبنان. وهي تزعم أنه من حقها أن تحتفظ بسلاحها لهذا السبب. تزعم ذلك على الرغم من أنها كدسته بمساعدات خارجية ليست بريئة من الأهواء والأغراض والمصالح، خاصة المصالح المذهبية والسياسية والاقتصادية، وهذا ما يتنافى مع أدنى القيم السامية للمقاومة الوطنية، التي لا تطلب ثمناً لقيامها بتلك الرسالة الإنسانية.
ولهذه الأسباب تصاعدت الإشكاليات تباعاً حولها، بين أنه يحق للفصيل الذي يمتلك السهم الأكبر من أسهم التحرير كما يزعم حزب الله، أو لا يحق له، لهو مرفوض لأنه يتنافى مع المبادئ الوطنية والإنسانية، ولا تزال تلك الإشكاليات عصية على الحل، الأمر الذي دفع بحزب الله إلى بناء دويلة تمتلك من عوامل القوة العسكرية، لا تستطيع فيه الدولة اللبنانية أن تضاهيها، وكذلك الأمر ينطبق على التشكيلات السياسية والطائفية والقوى والأحزاب الوطنية الأخرى.
وأعتقد أن توصيف الواقع في لبنان بشكل مختصر، كما قمنا بتصويره أعلاه كافياً لتوضيح الصورة. وهي موضوعة برسم اللبنانيين جميعاً على قاعدة معالجتها بطرق سلمية قائمة على الاعتراف بأن حزب الله يمتلك السهم الأكبر في عملية التحرير، وله الحق في أن يحصل على مكاسب سياسية وطنية لبنانية، ولكن ليس على طريق استخدام (فائض القوة)، بل عن طريق انتخابات ديموقراطية.
-الإشكالية في استراتيجية ظاهرة حركة حماس: ومع اختلاف الظروف واختلاف خصوصيات الساحات، نعتقد أن ما ينطبق على تحديد هوية النظام السياسي في لبنان ينطبق على إشكالية هوية النظام السياسي مع حركة حماس.
ولكننا بداية لا بُدَّ من تثبيت حقائق لا يمكن إنكارها، وهي أنَّ ما قامت به تلك الحركة في السابع من تشرين الأول من العام 2023، وعلى الرغم مما لحق من جراء عمليتها العسكرية النوعية من خسائر ومآسي ومذابح مروِّعة دفع ثمنها الشعب الفلسطيني في غزة، إلاَّ أنها كانت فاتحة لإعادة الوهج والبريق للقضية الفلسطينية التي حوصرت في سجن صهيوني حصين. وعادت الحياة إليها بعد موت سريري فقدت فيه اهتمام الرأي العام الفلسطيني، ومن بعده الرأي العام العربي والإسلامي، هذا ناهيك عن الرأي العام الدولي، شعوباً ودولاً.
وعلى العكس من ذلك الواقع الأليم، فقد شدَّت عملية السابع من تشرين الأول 2023، أنظار العالم من شرقه إلى غربه. وهذا الاهتمام -بما أحدثه من متغيرات- أصبح مليئاً بالآمال الواعدة التي تؤكد أنَّ حلول ما بعدها لن يكون كما قبلها. كما أنَّها حركت العالم إلى التفتيش عن حلول تنهي الصراعات الدموية التي ما أن ينتهي وجه من وجوهه حتى يبدأ صراع جديد.
ومن أجل تلك الأسباب أصبح يقع على عاتق حركة حماس مهمة جديدة على غاية من الحساسية، وهو أنَّ تلك الحلول لن تكون على مقاييس قضية غزة، بل سوف تكون على مقاييس القضية الفلسطينية دون تجزئة. وهذا الأمر سوف يفرض على حركة حماس أن تعيد النظر باستراتيجية رؤيتها للنظام السياسي، والخروج من جلباب الدولة الدينية إلى رحاب الدولة المدنية، التي بدلاً من أن تستند إلى رؤية فئوية حماسوية إلى رؤية وطنية فلسطينية تضم إليها شتى التنظيمات الفلسطينية على شتى اتجاهاتها السياسية. وبالتالي -شاءت حركة حماس أم أبت- عليها أن تسهم في تقليص الفجوات التي لم تستطع حواراتها السابقة أن تردمها مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.
رؤية عربية في راهنية الحقائق والوقائع على الأرض:
كما أنَّ صورة الوضع الراهن في كل من فلسطين ولبنان أصبحت واضحة، والذي تحكمه استراتيجية محدودة الآفاق التي تستند إليها حركتا حماس وحزب الله، علينا أن نلمَّ بصورة المتغيرات على الصعيد العالمي بالنسبة للقضيتين الفلسطينية واللبنانية لتداخلات كثيرة بينهما، وذلك من أجل وضع رؤية مستقبلية عربية لمدى انعاسات ما حصل بعد عملية (طوفان الأقصى).
من أجل تيسير مهمة صياغة رؤيتنا لا بُدَّ من تحديد الحقائق والوقائع المفروضة التالية:
1-على الرغم من حصول انقلاب عالمي في إعادة النظر بحلول للقضية الفلسطينية على قاعدة حل الدولتين، يُجمع الشرق والغرب والكثير من الأنظمة غير الملتحقة بأي حلف منهما على إعطاء حق لـ(إسرائيل) بالوجود. ومن دون اعتراف بهذا الواقع -بغض النظر عن عدم مشروعيته الإنسانية- سيقف العرب والفلسطينيون قروناً جديدة من الانتظار.
2-أجمعت الأنظمة العربية في مؤتمر القمة العربية، التي التأمت في بيروت في العام 2002، على الموافقة على مشروع الحل على أساس الدولتين. ومن كان معترضاً على ذلك من الأنظمة الرسمية، ترك للفلسطينيين حرية الاختيار.
3-أجمع العالم، ومنه الولايات المتحدة الأميركية، على اعتبار المنطقة العربية منطقة استثمارات اقتصادية. وإذا لم يجد الرأسمال ملاذاً سلمياً آمناً في أي مكان في العالم، فإنه لن يخوض مغامرة زجِّ نفسه بها. ولهذا نعتقد أنَّ مرحلة الصراعات العسكرية في المنطقة العربية أصبحت على طاولة البحث للدول الكبرى من أجل إنهائها على الأقل لعشرات السنين. ويأتي في طليعة الاهتمام ما يلي:
-القضيتان الفلسطينية واللبنانية، كونهما أكثر الساحات تفجراً، وذلك بإعادة تشكيل الدولة في كل منهما، الدولة التي غابت في دهاليز المشاريع الفئوية المسلحة. وذلك بأن يتم استعادة وحدة الدولتين، لأنهما ستكونان الضامن الأساسي لاستقرار الوضع العسكري والأمني.
-العمل على استعادة وحدة الدول العربية الأخرى بعد أن عاثت فيها الميليشيات المسلحة تخريباً وتفتيتاً، في مرحلة تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهذا ما ينطبق على كل من ليبيا وسورية واليمن والعراق.
وإن كانت الكثير من الدول العظمى قد استفادت من خدمات تلك الميليشيات في زمن صراعاتها، لكنها جميعها معنية بالضغط على مؤسسيها -والعمل على حلها- في زمن انخراطها في ورش التنمية الاقتصادية، وتوظيف رساميلها في العصر الجديد .
في النتائج:
لو قُيضت الحياة لهذه الرؤية، يبقى لنا أمنيات وآمال نتوجه بها إلى العرب بشتى تشكيلاتهم، الرسمية والشعبية والحزبية، فنقول: للعرب قدرات وإمكانيات غير محدودة، وهذه ما يؤكدها اهتمام الشرق والغرب، والتي لولا وجودها لما كانا قد انخرطا بدولهم وشعوبهم في الدعوة والعمل من أجل وضع حلول لمنع الصراعات العسكرية على أرض الواقع.
ربما يكون في المنطق السياسي النظري، أن تشكيلاً جديداً للنظام الدولي قد بدأ. والعودة إلى سلوك وسائل (الحرب الباردة السابقة) قد بدأ ولكن بحدة أقل مما كان حاصلاً في السابق لأسباب ومظاهر (يمكن أن تكون عنواناً لمقال آخر). واستناداً إلى فرضية رؤيتنا المتفائلة، نخاطب العرب -كل العرب- أنهم باستطاعتهم توظيف قدراتهم وإمكانياتهم للدخول بدور قوي إلى طاولات الدول الكبرى، خاصة أن (المشروع الصهيوني التلمودي) سيلفظ أنفاسه الأخيرة إذا ما فرض العالم حل الدولتين، لأن المشروع لن يستطيع أن يتمدد خارج حدود صغيرة المساحة، ومن المستحيل من بعدها أن ينظر إلى حدود (أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل).
وإلى أن نرى ما قلناه حقيقة واقعية، وليس حلماً رومانسياً، يبقى للتوسع في الكتابة عن المستقبل مجال آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير