الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياة مقاومة والمقاومة تُقرّب ساعة الإنتصار

الطاهر المعز

2023 / 12 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


11 كانون الأول/ديسمبر 2023

إن الجيش الصهيوني مجهز بشكل جيد للغاية بالاستخبارات والتجسس والأسلحة المتطورة للغاية، والتي تكون فعالة في الهجمات الخاطفة والمُباغِتَة التي لا تفوق أسبوعًا، باستخدام الطائرات والصواريخ والقصف من مسافات بعيدة، والتفجيرات التي تُحْدِثُ أكبر قَدْرٍ من الدّمار، وتتضاءل هذه الفعالية عندما يتعلق الأمر بالحرب طويلة المدى ( أو حتى مُتوسّطة المَدى) واستخدام جيش البر، كما كان الحال في لبنان سنة 2006، لفترة 33 يومًا، والعدوان الحالي على فلسطينيي غزة المُستمر منذ تسعة أسابيع، وأظهرت عجز الجيش المتطور تقنيا على مواجهة حرب الغوار، خلافًا للجيوش النّظامية العربية، رغم الدمار والأضرار المادية.
يهدف العدوان الذي بدأ يوم الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023 على السكان الفلسطينيين الخاضعين للحصار منذ عام 2006، إلى إفراغ جزء كبير من أراضي غزة وتوسيع وتأمين المستوطنات، وشكّل هذا العدوان إبادة جماعية تسببت (حتى الأحد 10 كانون الأول/ديسمبر 2023) في مقتل أكثر من 17 ألف شخص، وجرح 55 ألفًا، وفقد 10 آلاف، بقو تحت أنقاض المباني التي هدّم جيش العدو أكثر من نصفها، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والكنائس التاريخية (عمرها مئات السنين) والمساجد، ومراكز توزيع المياه والكهرباء والطرقات وغيرها، وفي الوقت نفسه، اشتدت عدوان الجيش والمستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية من خلال تدمير القرى والأحياء والمزارع وأشجار الزيتون وتسميم مصادر المياه...
كَثَّفَ جيش الاحتلال قصفه منذ أكثر من تسعة أسابيع ولكنه لم ينجح في هزيمة فِدائِيِّي فصائل المقاومة (حماس والجهاد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلخ) المتجذرة في محيطها، بين السكان المحليين، وأدّى هذا "التّخَنْدُق" إلى إعاقة تقدم جيش العَدُوّ الصهيوني، الذي لم يتمكّن من الحصول على معلومات عن مواقع المقاتلين وعددهم والمعدات المستخدمة للتدريب أو القتال... ومن هنا تتزايد الخسائر داخل هذا الجيش المجهز جيداً، والذي لا يجيد سوى الحرب عن بُعْد التي تقصف المَدَنِيِّين غير المُقاتلين، أو الإغتيالات، ولا تكفي قوة التكنولوجيا والمعدات العسكرية أثناء القتال من مسافة قريبة، أو على مسافة صفر، لأن الدعم الجوي والمدفعية يفقدان فعاليتهما، في مواجهة الكمائن والأسلحة المضادة للدروع والألغام المتفجرة.
لقد دفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا للغاية، من الأرواح البشرية والدمار، لأكثر من قرن من الزمان، لكنه نجح في تدمير أسطورة الدولة الصهيونية التي لا تُقْهَرُ عسكريا، وأظْهرت المواجهة الحالية (كما حصل في لبنان سنة 2006) والمواجهات التي تكررت في الضفة الغربية، إن المُقاومة تُحْيِي الأمل في إمكانية (احتمال) هزيمة الجيش الصهيوني المدعوم من كل القوى الإمبريالية وأنظمة البرجوازية الكمبرادورية العربية، فالمقاومون في وطنهم وعلى أراضيهم ويعيشون بين أفراد شعْبِهم، أما الصهاينة فهم مستوطنون وافِدُون من مائة دولة، وخصوصًا من أوروبا، ويحظون بدعم الإمبريالية والأنظمة الكومبرادورية العربية، ومع ذلك لم يتمكّن جيشهم القوي من هزيمة الشعب الفلسطيني الذي يقاوم ويرفض الاستسلام.
*****
يصف تيودور هرتزل الحركة الصهيونية التي أسسها سنة 1896 بأنها "حصن لأوروبا ضد آسيا، وقَلْعَة للحضارة ضد الهمجية"، وَوَصَفَ حاييم وايزمن، رئيس المنظمة الصهيونية، المستوطنين اليهود سنة 1936 (العام الذي بدأت فيه ثورة الشعب الفلسطيني الكبرى 1936 – 1939) بأنهم “قوى الحضارة والبناء” ضد الفلسطينيين الموصوفين بأنهم “قوى الدمار وقوى قحط الصحراء"، وتُمثل العبارتان صيغتَيْن تعبران عن «حرب الحضارات»، قبل أكثر من 132 عاماً من تعبير صامويل هنتنغتون بشأن "صراع الحضارات"، وقبل عُقُود من محاولات استئصال الشعب الفلسطيني «الذي لا وجود له»، على حد تعبير غولدا مائير (رئيسة وزراء العدو من 1969 إلى 1974)، ومع ذلك، لا تزال محاولات الدولة الصهيونية تتعثر، ولا تزال تُحاول مَحْوَ تاريخ وتراث وذاكرة الشعب الفلسطيني الجماعية، بهدف تبرير كذبة الإدعاء بأن فلسطين "أرض بلا شعب"، وأن المستوطنين الصهاينة سكنوها وزرعوها وعَمّروها بعدما كانت صحراء قاحلة ... وهي نفس الكذبة التي راجَتْ وردّدتها كتب التاريخ حول الأمريكتين وأستراليا ونيوزيلندا، حيث تمت إبادة السكان الأصليين والإستيلاء على بلادهم، لكن الظروف تغيرت بين نهاية القرن الخامس عشر والقرن العشرين، ولذلك تعذّرت إبادة الشعب الفلسطيني...
إن الإستعمار مبني على العنف لكن الاستعمار الاستيطاني أكثر عُنفًا من الغزو الذي يهدف استغلال الثروات وجُهد السكان، لأنه يهدف إلى القضاء على الشعوب الأصلية والحلول مكانها في أوطانها، ولم يتمكن المستوطنون الأوروبيون الصهاينة، على عكس المستوطنين الأوروبيين في أمريكا وأستراليا، من قتل جميع الفلسطينيين الذي طُرِدَ منهم قسراً (باستخدام العُنف المُسلّح والتفجيرات والحرائق) أكثر من 850 ألفاً بين سَنَتَيْ 1947 و1949. ويمثل أبناء وأحفاد الـ 160 ألفاً الذين بقوا في الأراضي التي أعطتها الأمم المتحدة للصهاينة، حاليا ما يقرب من 18% من السكان المقيمين في الجزء المُحتل سنة 1948، ويعيش أكثر من خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وغزة ويتعرض هؤلاء للتّجْويع وللاضطهاد بشكل يومي لإجبارهم على مغادرة وطنهم، ولكن الشعب الفلسطيني لا يزال يُقاوم وفشل العنف المستمر واليومي منذ ما قبل تأسيس الدولة الصهيونية في القضاء على الوجود المادي والسياسي للمجتمع المحلي الأصلي، وذلك بفضل مقاومة سكان فلسطين التاريخية واللاجئين والنازحين الذين يشكلون غالبية السكان الفلسطينيين في غزة.
لقد رحل الكبار ولكن الشباب لم ينسوا، خلافا لتوقعات ديفيد بن غوريون، أحد مؤسسي الدولة الصهيونية... لم يَنْسَ الفلسطينيون ولم يغادروا ولم تُمْحَ ذاكرة فلسطين، ويمكننا القول، بفضل هذه المُقاومة، متعدّدة الأشكال، إن فلسطين لم تصبح الدولة الصهيونية التي حلم بها هرتزل ووايزمان، وطالما ظَلّ الشعب الفلسطيني يُقاوم يُمكن اعتبار المشروع الاستعماري الإستيطاني ماثلا للفشل.
لَسْتَ مهزومًا ما دُمْتَ تُقاوم - حسن عبد الله حمدان (مهدي عامل) – لبنان وُلد سنة 1936 وتوفي مُغْتالاً سنة 1987








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة