الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط –15

حسام علي

2023 / 12 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


التطلعات الفرنسية تجاه العراق..
لقد تميز صراع النفوذ بين الفرنسيين والانكليز والأمريكان بالجدية والمنافسة الشديدة للعب الدور المطلوب في العراق، خاصة بوجود حزب البعث العفلقي. لذا، قد طفح على مسرح الحياة السياسية صراع خطير تمثل بإبرام اتفاقيات وعقود وتأسيس شركات احتكارية، أو إحداث انقلابات عسكرية كانت قد دبرتها جهات مرتبطة بالثلاثي الغربي وحسب مقتضيات مصالحها، أكدتها شهادات ووثائق عديدة اتيحت لها الفرصة في أن ترى النور لتطلعات فرنسية على وجه الخصوص تجاه العراق. إذ أن قوى الاستكبار العالمي طالما هي تبحث وباستمرار عن مناطق امتداد لنفوذها، مثلما أن أنكلترا هي الأخرى تبحث عن مواقع جديدة لامتداد نفوذها في العالم الثالث وعلى وجه الخصوص العراق صاحب الثروات الهائلة (التي لم يدرك العراقيون حجم أهمية استثمارها)، هذا بالاضافة الى سعي فرنسا وانكلترا الى إيجاد اسواق تجارية لها.. كما أن القلق الفرنسي كان يقوم على افتراض بأن من يسيطر على العراق، لابد وأن يمتد نفوذه الى بلاد الشام.
يقول تقرير مرفوع من غرفة تجارة ليون و مرسيليا الى وزارة الخارجية الفرنسية: (بيد أن هناك عقليات متشائمة في أنه في حال بقيت حمايتنا للبنان بعد الحرب فأن الجزء الشمالي من سوريا لابد أن ينتقل إلى من سيضع يده على خط بغداد).
ولذلك، يقترح التقرير حلا معاكسا، وهو مد النفوذ الفرنسي الى العراق، فيضيف التقرير: (بدون شك فأنه يجب ألا يغرب عن بالنا أن الجزء المهم من بلاد ما بين النهرين ليس الجزء الأعلى أو "الجزيرة" الكثيرة الحجارة، بل هو "العراق العربي"، هذه الأرض المتسعة والمغطاة بالطمى ما بين بغداد والخليج، كما أن الجزء الجنوبي، أي كلدة، بابل القديمة، هو أقرب بكثير من الخليج منه الى المتوسط).
وللتذكير فأن نصوص اتفاقية (سايكس بيكو) المبرمة بين فرنسا وانكلترا في مايو/آيار 1916م قد أشارت الى نوع متعادل من مد النفوذ بين الدولتين الاستكباريتين الاستعماريتين، وبموجب الاتفاقية، فأنه يمكن لفرنسا أن تحصل على أولوية في العراق وهي المنطقة التي أشير إليها بالرمز "أ"، كما يمكن لانكلترا أن تحصل بالمقابل على أولوية في سوريا، وهي المنطقة التي أشير إليها بالرمز "ب". في هذا الخصوص تفيد إحدى فقرات الاتفاقية: (ويعترف لفرنسا في المنطقة "أ" ولبريطانيا في المنطقة "ب" بالاولوية في التعامل والتبادل وتقديم المساعدة والموظفين).
لقد اشار ديغول في مواقف عديدة إلى رغبة فرنسية بحتة وتطلع كبير الى لعب دور أكثر في هذا البلد، وعمليا كانت هناك مصالح فرنسية في العراق تمثلت بحصة في شركات النفط وعائداتها بناء على اتفاقية (سان ريمو) وهي حصة استثنيت فيما بعد من حظر التصدير أثناء عدوان 67 حين أعلنت فرنسا حيادها إزاء الحرب.
إن الهدف الأساس من سعي فرنسا تجاه العراق والدول العربية بشكل عام ناجم بالدرجة الأولى عن الاعتقاد الراسخ الذي أدركه ديغول وأتباعه حول الضعف الذي تعيشه الأنظمة العربية، فاستطاع أن يوظف ذلك لخدمة المصالح الاستكبارية الفرنسية، علما أن فرنسا لم تغير موقفها من الوجود الصهيوني في أية مرحلة من مراحل الكفاح الاسلامي ضد هذا الوجود. ما يعني أن البحث الفرنسي عن النفوذ السياسية والتجاري كانا بمثابة الدافع الأول وراء السياسة الديغولية الفرنسية.
أما الخطوة الهامة الأخرى التي شجعت الفرنسيين على الولوج في العراق واستعماره، فهي تتمثل في وجود البعثيين العفلقيين على رأس السلطة. إن وجود حزب البعث كان عاملا قويا ومشجعا لنمو العلاقات الاستكبارية الفرنسية مع العراق، خاصة بعد عام 1968 حين سجل التاريخ قفزات واسعة كانت كلها تعبر عن مدى الارتباط البعثي بالفرنسيين، بل وتوضح تزايدا مطردا في المصالح الفرنسية الاستكبارية، ما يوحي بأن الاستكبار العالمي قد أعطى تفويضا ضمنيا للفرنسيين في حماية المصالح الغربية.
باختصار، يمكن القول أن العام 1968 وما تلاه، قد شكّل بداية الخطوة الكبيرة في تطبيق وترسيخ العلاقات الفرنسية مع العراق، حيث قام صدام حسين بأول زيارة له الى باريس، وهناك تعرّف على (هربرت جرمان) المستشار التقني لوزارة الجيوش و (بيير مسمير) من الشخصيات الديغولية، أما زيارته الثانية فقد تعرف خلالها بشكل مباشر على (جاك شيراك)، حيث نشأت علاقة متينة بين الاثنين. تبعتها تمديد أنواع العلاقات بين البلدين، خاصة ما كان يتعلق بشراء الاسلحة من فرنسا، أو بالاحرى بيعها على العراقيين، لمقاصد فرنسية لم يكن يعلم دوافعها الحقيقية أحد إلا بعد حين. وكان حزب البعث في العراق قد مثّل الدور التابعي والمنفذ للسياسة الفرنسية الاستكبارية، والتي يمكن ملاحظتها ومتابعة أهم مرتكزاتها ببعض النقاط التالية، وهي: ما يتعلق بالنفط والطاقة والاسواق التجارية الفرنسية. والتسليح. وثالثا ما يتعلق بأزمة الشرق الأوسط. ما يعني أن سياسة فرنسا تجاه حزب البعث العراقي ونظام صدام قد صبّ في نتيجة مركزية مهمة، هي ضرورة إبقاء صدام في السلطة، باعتباره الضامن الهام والاستراتيجي لديمومة المصالح الفرنسية، في العراق.
// السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط، من إصدارات المركز الاسلامي للأبحاث السياسية/1986م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من