الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الاستعمار الصهيوني والحمّص

محمد قعدان

2023 / 12 / 15
القضية الفلسطينية


"باآنو لإخول حوموص" (لقد جئنا لنأكل الحمّص)
-عن الاستعمار والحمّص

هذا ما كتبهُ المستعمِرين على قبّة مسجد في جنين، لم تكن هذهِ الكلمات اعتباطيّة أو مجرّد مزحة ساخرة من ثقافةٍ عربيّة فلسطينيّة تمتدّ من مآذنةٍ تصدحُ يوميًا، إلى أسواقنا وعاداتنا وطعامنا حتى نصل إلى الفلافل والحمص، هذا الغزو الشموليّ لشعبنا، هو غزوٌ ينتهي برغبةٍ بسيطة، "نُريد أن نأكل الحمّص في شوارع جنين القديمة، في المخيّم، وداخل حارات نابلس القديمة، وما أجمل ذلك، حين يحضّره لنا العربيّ في مطعمٍ ضيّق حاراتيّ".

طموح أكل الحمّص ليس منفصلًا أبدًا عن طموح سلب الأرض، الإبادة الجماعيّة، لأن كلّ ذلك لن يكون لهُ معنًا في حال لم نحتفظ في جزءٍ صغير من الثقافةِ "الميّتة" وتصبح هي ذاتها لنا وماضينا.

أتعلمون، أن العديد من المستوطنين مثلًا يحضر إلى قرى وبلدات عربيّة فلسطينيّة على الشطرِ الثاني من الخطّ الأخضر، يُريد أن نعدّ له صحن الحمّص، أو صحن المسبّحة، ويحاول جاهدًا أن يتمتّع بها كما تمتّع بها جدّي مثلًا (أقول جدّي عمدًا، لا أريد أن أمنح ذاتي هذهِ الميزة لأن أجيالنا الجديدة فقدت حسّ التذوّق الفلسطينيّ) بالنسبةِ إليه هي لذّة الانتصار النهائيّ وإخضاع الثقافة المستعمَرة، في تذوّق طعامها وسرقة لباسها، ليس تشبهًا بها، بل سرقةً.

مرةً لمحتُ مجموعات صور المستعمرات الأولى أوائل القرن العشرين، ستجد المستوطنين الأشكناز يرتدون الحطّة والعقال مثلًا، إيمانًا بأن هذا هو ماضيهم. لم يكن ذلك تماثلًا وحبًا في ثقافتنا، بل هنا سرّ نظرتهم العنصريّة ومفهومهم للتاريخ، هُم الممثّل الشرعي والوحيد لمستقبل هذهِ الأرض وعاداتها وثقافتها، هُم يتقززون منها، ولكنه مؤمنُ في أنّ هذهِ العادات والثقافات هي الجذور تؤسس لمستقبلهِ.

*********

لم أستغرب كثيرًا حينما علمتُ أيضًا أن شارون في خضمّ غزو بيروت، وتحت نار المقاومة، يجلس "مطمئنًا" في أحد مطاعم بيروت الشرقيّة، ليتذوّق الحمّص، لم تكن أيضًا هذهِ الخطوة غير محسوبة أو اعتباطيّة، فهي أيضًا ليست فقط لدواعي رمزيّة، بل هي جُزء من مخطّط الغزو، الدوافع والرغبة في الحمّص هي دوافع غريزيّة عند المستعمِر، أن يصبح مقبولًا بهِ في مجتمع المستعمَر؛ أي التطبيع مع وجوده العنيف. يريد أن يعلم الجميع أنهُ هنا ليبقى، وهذا هو السرّ الذي أخبرتهُ جولدا مائير لبايدن، حينها لم يكن بايدن رئيسًا فقط سيناتور متحمّس في السبعينيّات، قالت لهُ أن "سرّ قوّتنا، هو أننا لا نملك مكانًا آخر لنذهب إليهِ".

وهذا أيضًا يدلي بهِ جميع المستوطنين، هم يريدون دولةً عنصرية تطهيريّة لهم فقط، لأنهم لا يملكون مساحةً أخرى، إذًا يجب على المستعمَر أن يقبل بهم كما هم، غُزاة.

لنعد إلى الحمّص، يوجد لدى فلسطينيي الداخل، نكتةً معروفة عن المستوطنين اليهود وعنصريّتهم، ولاحظتُ أن الجميع يتشارك بها، وكلّ الشرائح تقريبًا حتى أقربهم إلى الاحتلال، حينما يعملُ أحدنا في مطعمٍ أو كليّة أو مصنع ويسألهُ زميله المستوطن اليهوديّ في العمل، "من أين أنت في البلاد؟" أنا من بلد "إكس"، يقول له مباشرةً "أنا أعرف هذهِ البلد جيّد جدًا، أكلتُ حمّص هناك قبل أسبوع عند أبو عادل"، فعلًا بصحن حمّص، أصبح يعرف البلد، ويعرف أهلها، وكلّ النكتة تدور ضمن مشهد كهذا.

كل واحد منّا يمتلك فهمه الخاصّ لماذا شعرَ في العنصريّة في هذهِ اللحظة، هذا الارتباط بينَ أن حضور اليهود من أجل صحن الحمّص وشعورنا بالهزيمة ربّما، فهو ليس سائحٌ عاديّ جاء فعلًا ليأكل حمّص، هو جاء ليعلن عن انتصارٍ تاريخيّ متواصل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسكو تنفي اتهامات واشنطن باستخدام الجيش الروسي للكيماوي في 


.. واشنطن تقول إن إسرائيل قدمت تنازلات بشأن صفقة التبادل ونتنيا




.. مطالبات بسحب الثقة من رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية نعمت شف


.. فيضانات عارمة اجتاحت جنوب البرازيل تسببت بمقتل 30 شخصاً وفقد




.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات